انهار
انهار
مطالب خواندنی

کتاب الجهاد (الخوئی)

بزرگ نمایی کوچک نمایی
بسم اللّه الرّحمن الرّحيم
كتاب الجهاد
الجهاد مأخوذ من الجهد -بالفتح-بمعنى التعب والمشقّة أو من الجهد-بالضم- بمعنى الطاقة، والمراد به هنا القتال لإعلاء كلمة الإسلام وإقامة شعائر الإيمان.
وفيه فصول
الفصل الأوّل
فيمن يجب قتاله
وهم طوائف ثلاث:
الطائفة الأولى: الكفّار المشركون غير أهل الكتاب،فإنّه يجب دعوتهم إلى كلمة التوحيد والإسلام، فإن قبلوا وإلاّ وجب قتالهم وجهادهم إلى أن يسلموا أو يقتلوا وتطهّر الأرض من لوث وجودهم.
ولا خلاف في ذلك بين المسلمين قاطبة، ويدلّ على ذلك غير واحد من الآيات الكريمة، منها قوله تعالى «فَلْيُقََاتِلْ فِي سَبِيلِ اَللََّهِ اَلَّذِينَ يَشْرُونَ اَلْحَيََاةَ اَلدُّنْيََا بِالْآخِرَةِ»
۱ وقوله تعالى «وَ قََاتِلُوهُمْ حَتََّى لاََ تَكُونَ فِتْنَةٌ وَ يَكُونَ اَلدِّينُ كُلُّهُ لِلََّهِ»۲ وقوله تعالى «حَرِّضِ اَلْمُؤْمِنِينَ عَلَى اَلْقِتََالِ»۳ وقوله تعالى «فَإِذَا اِنْسَلَخَ اَلْأَشْهُرُ اَلْحُرُمُ فَاقْتُلُوا اَلْمُشْرِكِينَ»۴ وقوله تعالى «وَ قََاتِلُوا اَلْمُشْرِكِينَ كَافَّةً كَمََا يُقََاتِلُونَكُمْ كَافَّةً»۵ وغيرها من الآيات.
والروايات المأثورة في الحثّ على الجهاد - وأنّه ممّا بني عليه الإسلام ومن أهمّ
الواجبات الإلهيّة - كثيرة، والقدر المتيقّن من مواردها هو الجهاد مع المشركين۶.
الطائفة الثانية: أهل الكتاب من الكفّار، وهم اليهود والنصارى، ويلحق بهم المجوس والصابئة، فإنّه يجب مقاتلتهم حتى يسلموا أو يعطوا الجزية عن يد وهم صاغرون، ويدلّ عليه الكتاب والسنّة.
قال اللّه تعالى «قََاتِلُوا اَلَّذِينَ لاََ يُؤْمِنُونَ بِاللََّهِ وَ لاََ بِالْيَوْمِ اَلْآخِرِ وَ لاََ يُحَرِّمُونَ مََا حَرَّمَ اَللََّهُ وَ رَسُولُهُ وَ لاََ يَدِينُونَ دِينَ اَلْحَقِّ مِنَ اَلَّذِينَ أُوتُوا اَلْكِتََابَ حَتََّى يُعْطُوا اَلْجِزْيَةَ عَنْ يَدٍ وَ هُمْ صََاغِرُونَ»
۷ والروايات الواردة في اختصاص أهل الكتاب بجواز أخذ الجزية منهم كثيرة وسيجيء البحث عنه.

الطائفة الثالثة: البغاة، وهم طائفتان: إحداهما: الباغية على الإمام عليه السّلام، فإنّه يجب على المؤمنين أن يقاتلوهم حتى يفيئوا إلى أمر اللّه وإطاعة الإمام عليه السّلام، ولا خلاف في ذلك بين المسلمين وسيجيء البحث عن ذلك.
والأخرى: الطائفة الباغية على الطائفة الأخرى من المسلمين، فإنّه يجب على سائر المسلمين أن يقوموا بالإصلاح بينهما، فإن ظلّت الباغية على بغيها قاتلوها حتى تفيء إلى أمر اللّه.
قال اللّه تعالى «وَ إِنْ طََائِفَتََانِ مِنَ اَلْمُؤْمِنِينَ اِقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمََا فَإِنْ بَغَتْ إِحْدََاهُمََا عَلَى اَلْأُخْرى‏ََ فَقََاتِلُوا اَلَّتِي تَبْغِي حَتََّى تَفِيءَ إِلى‏ََ أَمْرِ اَللََّهِ»
۸

۱- سورة النساء، الآية ٧٤.
۲- سورة الأنفال، الآية ٣٩. 
۳- سورة الأنفال، الآية ٦٥.
۴- سورة التوبة، الآية ٥
۵- سورة التوبة، الآية ٣٦
۶- الوسائل ج ١١ ب ١ من أبواب جهاد العدوّ وغيره.
۷- سورة التوبة، الآية ٢٩.
۸- سورة الحجرات، الآية ٩.
الفصل الثاني
في الشرائط:
يشترط في وجوب الجهاد أمور:
الأوّل: التكليف، فلا يجب على المجنون ولا على الصبيّ.
الثاني: الذكورة، فلا يجب على المرأة اتفاقا، وتدلّ عليه - مضافا إلى سيرة النبيّ الأكرم صلّى اللّه عليه وآله وسلم - معتبرة الأصبغ، قال: قال أمير المؤمنين (عليه السلام): «كتب اللّه الجهاد على الرجال والنساء، فجهاد الرجل أن يبذل ماله ونفسه حتى يقتل في سبيل اللّه، وجهاد المرأة أن تصبر على ما ترى من أذى زوجها»
۱.
الثالث: الحرّية على المشهور، ودليله غير ظاهر، والإجماع المدّعى على ذلك غير ثابت.
نعم، إنّ هنا روايتين: إحداهما رواية يونس بن يعقوب، قال: قلت لأبي عبد اللّه (عليه السلام): إنّ معنا مماليك لنا وقد تمتعوا، علينا أن نذبح عنهم؟قال: فقال: «إنّ المملوك لا حجّ له ولا عمرة ولا شيء»
۲.
والأخرى رواية آدم بن علي، عن أبي الحسن عليه السّلام، قال: «ليس على المملوك حجّ ولا جهاد» الحديث۳ ولا يمكن الاستدلال بشيء منهما على اعتبار الحريّة.
أمّا الرّواية الأولى فهي ضعيفة سندا ودلالة.
أمّا سندا، فلأنّ الموجود في التهذيب وإن كان هو رواية الشيخ بسنده عن العبّاس عن سعد بن سعد، إلاّ أنّ الظاهر وقوع التحريف فيه، والصحيح: عبّاد، عن سعد بن سعد، وهو عباد بن سليمان، حيث إنّه راو لكتاب سعد بن سعد وقد أكثر
الرواية عنه، وطريق الشيخ إلى عبّاد مجهول، فالنتيجة أنّ الرواية ضعيفة سندا.
وأمّا دلالة، فلأنّه لا يمكن الأخذ بإطلاقها لاستلزامه تخصيص الأكثر المستهجن لدى العرف.
هذا مضافا إلى أنّه لا يبعد أن يكون المراد من الشيء في نفسه ما هو راجع إلى الحج.
وأمّا الرواية الثانية فهي وإن كانت تامّة دلالة، إلاّ أنّها ضعيفة سندا، فإنّ آدم ابن علي لم يرد فيه توثيق ولا مدح.
الرابع: القدرة، فلا يجب على الأعمى والأعرج والمقعد والشيخ الهمّ والزمن والمريض والفقير الذي يعجز عن نفقة الطريق والعيال والسّلاح ونحو ذلك، ويدلّ عليه قوله تعالى «لَيْسَ عَلَى اَلْأَعْمى‏ََ حَرَجٌ وَ لاََ عَلَى اَلْأَعْرَجِ حَرَجٌ»
۴  وقوله تعالى: «لَيْسَ عَلَى اَلضُّعَفََاءِ وَ لاََ عَلَى اَلْمَرْضى‏ََ وَ لاََ عَلَى اَلَّذِينَ لاََ يَجِدُونَ مََا يُنْفِقُونَ حَرَجٌ»۵ .
۱- الوسائل ج ١١ باب ٤ من أبواب جهاد العدوّ، الحديث ١.
۲- الوسائل ج ٨ باب ١٥ من وجوب الحجّ، الحديث ٣.
۳- الوسائل ج ٨ باب ١٥ من وجوب الحجّ، الحديث ٤.
۴- سورة الفتح، الآية ١٧
۵- سورة التوبة، الآية ٩١.
مسائل في شرائط الجهاد
مسألة ۱- الجهاد واجب كفائي، فلا يتعيّن على أحد من المسلمين إلاّ أن يعيّنه الإمام عليه السّلام لمصلحة تدعو إلى ذلك، أو فيما لم يكن من به الكفاية موجودا إلاّ بضمّه، كما أنّه يتعيّن بالنذر وشبهه.
مسألة ۲- إنّ الجهاد مع الكفّار من أحد أركان الدين الإسلامي وقد تقوّى الإسلام وانتشر أمره في العالم بالجهاد مع الدعوة إلى التوحيد في ظلّ راية النبيّ الأكرم صلّى اللّه عليه وآله وسلّم، ومن هنا قد اهتم القرآن الكريم به في ضمن نصوصه التشريعيّة، حيث قد ورد في الآيات الكثيرة وجوب القتال والجهاد على المسلمين مع الكفّار المشركين حتى يسلموا أو يقتلوا، ومع أهل الكتاب حتى يسلموا أو يعطوا الجزية عن يد وهم صاغرون، ومن الطبيعي أنّ تخصيص هذا الحكم بزمان موقّت وهو زمان
الحضور لا ينسجم مع اهتمام القرآن وأمره به من دون توقيت في ضمن نصوصه الكثيرة، ثم إنّ الكلام يقع في مقامين: المقام الأوّل: هل يعتبر إذن الإمام (عليه السلام) أو نائبه الخاص في مشروعية أصل الجهاد في الشريعة المقدّسة؟فيه وجهان: المشهور بين الأصحاب هو الوجه الأوّل.
وقد استدلّ عليه بوجهين.
الوجه الأوّل: دعوى الإجماع على ذلك.

وفيه: إنّ الإجماع لم يثبت، إذ لم يتعرّض جماعة من الأصحاب للمسألة، ولذا استشكل السبزواري في الكفاية في الحكم بقوله: ويشترط في وجوب الجهاد وجود الإمام (عليه السلام) أو من نصبه على المشهور بين الأصحاب، ولعلّ مستنده أخبار لم تبلغ درجة الصحّة مع معارضتها بعموم الآيات، ففي الحكم به إشكال۱.
ثم على تقدير ثبوته فهو لا يكون كاشفا عن قول المعصوم عليه السّلام، لاحتمال أن يكون مدركه الروايات الآتية فلا يكون تعبديّا.
نعم، الجهاد في عصر الحضور يعتبر فيه إذن ولي الأمر، النبيّ الأكرم صلّى اللّه عليه وآله وسلّم أو الإمام عليه السّلام بعده.
الوجه الثاني: الروايات التي استدلّ بها على اعتبار إذن الإمام عليه السّلام في مشروعية الجهاد، والعمدة منها روايتان: الأولى: رواية سويد القلاء، عن بشير، عن أبي عبد اللّه عليه السلام، قال: قلت له: إنّي رأيت في المنام أنّي قلت لك: انّ القتال مع غير الإمام المفترض طاعته حرام مثل الميتة والدم ولحم الخنزير، فقلت لي: نعم هو كذلك.
فقال أبو عبد اللّه عليه السّلام: «هو كذلك، هو كذلك»۲.
وفيه: إنّ هذه الرواية مضافا إلى إمكان المناقشة في سندها على أساس أنّه لا 
يمكن لنا إثبات أنّ المراد من بشير الواقع في سندها هو بشير الدّهان، ورواية سويد القلاء عن بشير الدهان في مورد لا تدلّ على أنّ المراد من بشير هنا هو بشير الدهّان، مع أنّ المسمّى بـ(بشير) متعدّد في هذه الطبقة ولا يكون منحصرا بـ(بشير) الدهّان.نعم، روى في الكافي هذه الرواية مرسلا عن بشير الدهّان۳ وهي لا تكون حجّة من جهة الإرسال وقابلة للمناقشة دلالة، فإنّ الظاهر منها بمناسبة الحكم والموضوع هو حرمة القتال بأمر غير الإمام المفترض طاعته وبمتابعته فيه، ولا تدلّ على حرمة القتال على المسلمين مع الكفّار إذا رأى المسلمون من ذوي الآراء والخبرة فيه مصلحة عامّة للإسلام وإعلاء كلمة التوحيد بدون إذن الإمام عليه السّلام كزماننا هذا.
الثانية: رواية عبد اللّه بن مغيرة، قال محمد بن عبد اللّه للرضا (عليه السلام) وأنا أسمع: حدّثني أبي، عن أهل بيته، عن آبائه أنّه قال له بعضهم: إنّ في بلادنا موضع رباط يقال له قزوين، وعدوا يقال له الديلم، فهل من جهاد؟أو هل من رباط؟فقال: عليكم بهذا البيت فحجوه.
فأعاد عليه الحديث، فقال: عليكم بهذا البيت فحجوه، أما يرضى أحدكم أن يكون في بيته وينفق على عياله من طوله ينتظر أمرنا، فإن أدركه كان كمن شهد مع رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله بدرا، وإن مات منتظرا لأمرنا كان كمن كان مع قائمنا صلوات اللّه عليه، الحديث
۴.
ولكن الظاهر أنّها في مقام بيان الحكم الموقّت لا الحكم الدائم بمعنى أنّه لم يكن في الجهاد أو الرباط صلاح في ذلك الوقت الخاص، ويشهد على ذلك ذكر الرباط تلو الجهاد مع أنّه لا شبهة في عدم توقّفه على إذن الإمام عليه السلام وثبوته في زمان الغيبة، وممّا يؤكّد ذلك أنّه يجوز أخذ الجزية في زمن الغيبة من أهل الكتاب إذا قبلوا ذلك، مع أن أخذ الجزية إنّما هو في مقابل ترك القتال معهم، فلو لم يكن القتال معهم في هذا العصر مشروعا لم يجز أخذ الجزية منهم أيضا.
وقد تحصّل من ذلك أنّ الظاهر عدم سقوط وجوب الجهاد في عصر الغيبة وثبوته في كافّة الأعصار لدى توفّر شرائطه، وهو في زمن الغيبة منوط بتشخيص المسلمين من ذوي الخبرة في الموضوع أنّ في الجهاد معهم مصلحة للإسلام على أساس أنّ لديهم قوّة كافية من حيث العدد والعدّة لدحرهم بشكل لا يحتمل عادة أن يخسروا في المعركة، فإذا توفّرت هذه الشرائط عندهم وجب عليهم الجهاد والمقاتلة معهم.
وأمّا ما ورد في عدّة من الروايات من حرمة الخروج بالسيف على الحكّام وخلفاء الجور قبل قيام قائمنا صلوات اللّه عليه فهو أجنبي عن مسألتنا هذه وهي الجهاد مع الكفّار رأسا، ولا يرتبط بها نهائيا.

المقام الثاني: أنّا لو قلنا بمشروعيّة أصل الجهاد في عصر الغيبة فهل يعتبر فيها إذن الفقيه الجامع للشرائط أو لا؟يظهر من صاحب الجواهر (قدس سره) اعتباره بدعوى عموم ولايته بمثل ذلك في زمن الغيبة.
وهذا الكلام غير بعيد بالتقريب الآتي، وهو أنّ على الفقيه أن يشاور في هذا الأمر المهم أهل الخبرة والبصيرة من المسلمين حتى يطمئن بأنّ لدى المسلمين من العدّة والعدد ما يكفي للغلبة على الكفّار الحربيّين، وبما أنّ عملية هذا الأمر المهم في الخارج بحاجة إلى قائد وآمر يرى المسلمين نفوذ أمره عليهم، فلا محالة يتعيّن ذلك في الفقيه الجامع للشرائط، فإنّه يتصدّى لتنفيذ هذا الأمر المهم من باب الحسبة على أساس أنّ تصدّى غيره لذلك يوجب الهرج والمرج ويؤدّي إلى عدم تنفيذه بشكل مطلوب وكامل.
۱- كفاية الأحكام: ٧٤.
۲-الوسائل ج ١١ باب ١٢ من أبواب جهاد العدو، الحديث ١.
۳-  الوسائل ج ١١ باب ١٢ من أبواب جهاد العدو، ذيل الحديث ١.
۴- الوسائل ج ١١ باب ١٢ من أبواب جهاد العدو، حديث ٥.
 
مسألة ۳- إذا كان الجهاد واجبا على شخص عينا على أساس عدم وجود من به الكفاية، لم يكن الدين الثابت على ذمّته مانعا عن وجوب الخروج إليه، بلا فرق بين كون الدّين حالاّ أو مؤجّلا، وبلا فرق بين إذن الغريم فيه وعدم إذنه، نعم لو تمكّن -و الحالة هذه- من التحفّظ على حقّ الغريم بإيصاء أو نحوه وجب ذلك.
وأمّا إذا كان من به الكفاية موجودا لم يجب عليه الخروج إلى الجهاد مطلقا وإن كان دينه مؤجّلا أو كان حالا ولكن لم يكن موسرا، بل لا يجوز إذا كان موجبا لتفويت حق الغير.
مسألة ٤- إذا منع الأبوان ولدهما عن الخروج إلى الجهاد فإن كان عينيّا وجب عليه الخروج ولا أثر لمنعهما، وإن لم يكن عينيّا -لوجود من به الكفاية- لم يجز له الخروج إليه إذا كان موجبا لإيذائهما لا مطلقا.
وفي اعتبار كون الأبوين حرّين إشكال بل منع لعدم الدليل عليه.

مسألة ٥- إذا طرأ العذر على المقاتل المسلم أثناء الحرب فإن كان ممّا يعتبر عدمه في وجوب الجهاد شرعا كالعمى والمرض ونحوهما سقط الوجوب عنه، وأما إذا كان العذر ممّا لا يعتبر عدمه فيه، وإنّما كان اعتباره لأجل المزاحمة مع واجب آخر كمنع الأبوين أو مطالبة الغريم أو نحو ذلك فالظاهر عدم السقوط، وذلك لأن الخروج إلى الجهاد وإن لم يكن واجبا عليه إلاّ أنّه إذا خرج ودخل فيه لم يجز تركه والفرار عنه، لأنّه يدخل في الفرار من الزحف والدبر عنه وهو محرّم.
مسألة ٦- إذا بذل للمعسر ما يحتاج إليه في الحرب، فإن كان من به الكفاية موجودا لم يجب عليه القبول مجانا فضلا عمّا إذا كان بنحو الإجارة، وإن لم يكن موجودا وجب عليه القبول، بل الظاهر وجوب الإجارة عليه على أساس أنّ المعتبر في وجوب الجهاد على المكلّف هو التمكّن، والفرض أنّه متمكّن ولو بالإجارة.
مسألة ٧- الأظهر أنّه لا يجب، عينا ولا كفاية، على العاجز عن الجهاد بنفسه لمرض أو نحوه أن يجهّز غيره مكانه، حيث إنّ ذلك بحاجة إلى دليل ولا دليل عليه، نعم لا شبهة في استحباب ذلك شرعا على أساس أنّ ذلك سبيل من سبل اللّه.
هذا فيما إذا لم يكن الجهاد الواجب متوقّفا على إقامة غيره مكانه، وإلاّ وجب عليه ذلك جزما.

مسألة ٨- الجهاد مع الكفّار يقوم على أساس أمرين:
الأوّل: الجهاد بالنفس.
الثاني: الجهاد بالمال.
ويترتّب على ذلك وجوب الجهاد بالنفس والمال معا على من تمكّن من ذلك كفاية إن كان من به الكفاية موجودا، وعينا ان لم يكن موجودا.
وبالنفس فقط على من تمكّن من الجهاد بها كفاية أو عينا، وبالمال فقط على من تمكن من الجهاد به كذلك.
وتدلّ على ذلك عدة من الآيات.
منها قوله تعالى «اِنْفِرُوا خِفََافاً وَ ثِقََالاً وَ جََاهِدُوا بِأَمْوََالِكُمْ وَ أَنْفُسِكُمْ فِي سَبِيلِ اَللََّهِ ذََلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ»
۱.
ومنها قوله تعالى «فَرِحَ اَلْمُخَلَّفُونَ بِمَقْعَدِهِمْ خِلاََفَ رَسُولِ اَللََّهِ وَ كَرِهُوا أَنْ يُجََاهِدُوا بِأَمْوََالِهِمْ وَ أَنْفُسِهِمْ فِي سَبِيلِ اَللََّهِ»
۲.
ومنها قوله تعالى «يََا أَيُّهَا اَلَّذِينَ آمَنُوا هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلى‏ََ تِجََارَةٍ تُنْجِيكُمْ مِنْ عَذََابٍ أَلِيمٍ `تُؤْمِنُونَ بِاللََّهِ وَ رَسُولِهِ وَ تُجََاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اَللََّهِ بِأَمْوََالِكُمْ وَ أَنْفُسِكُمْ ذََلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ»
۳.وتدلّ على ذلك أيضا معتبرة الأصبغ المتقدّمة في الشرط الثاني من شرائط وجوب الجهاد.
ثم إنّ كثيرا من الأصحاب لم يتعرضوا لهذه المسألة، ولا يبعد أن يكون ذلك لوضوح الحكم، فلا يصغى إلى ما قيل من عدم وجدان قائل بوجوب الجهاد بالنفس والمال معا على شخص واحد.
حرمة الجهاد في الأشهر الحرم
۱- سورة التوبة، الآية ٤١.
۲- سورة التوبة، الآية ٨١.
۳- سورة الصف، الآية ١٠ و١١.
مسألة ٩): يحرم القتال في الأشهر الحرم - وهي رجب وذو القعدة وذو الحجّة ومحرّم - بالكتاب والسنّة، نعم إذا بدأ الكفّار في القتال في تلك الأشهر جاز قتالهم فيها على أساس أنّه دفاع في الحقيقة، ولا شبهة في جوازه فيها، وكذا يجوز قتالهم في تلك الأشهر قصاصا، وذلك كما إذا كان الكفّار بادئين في القتال في شهر من تلك الأشهر جاز للمسلمين أن يبدؤا فيه في شهر آخر من هذه الأشهر في هذه السنة أو في السنة
القادمة، ويدلّ على ذلك قوله تعالى «اَلشَّهْرُ اَلْحَرََامُ بِالشَّهْرِ اَلْحَرََامِ وَ اَلْحُرُمََاتُ قِصََاصٌ فَمَنِ اِعْتَدى‏ََ عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اِعْتَدى‏ََ عَلَيْكُمْ»(١).
۱- سورة البقرة، الآية ١٩٤.
مسألة ١٠- المشهور أنّ من لا يرى للأشهر الحرم حرمة جاز قتالهم في تلك الأشهر ابتداء ولكن دليله غير ظاهر عندنا.
مسألة ١١-  يجوز قتال الطائفة الباغية في الأشهر الحرم، وهم الّذين قاتلوا الطائفة الأخرى ولم يقبلوا الإصلاح وظلّوا على بغيهم على تلك الطائفة وقتالهم، فإنّ الآية الدالة على حرمة القتال في الأشهر الحرم تنصرف عن القتال المذكور حيث إنّه لدفع البغي وليس من القتال الابتدائي كي يكون مشمولا للآية.
مسألة ١٢- يحرم قتال الكفار في الحرم إلاّ أن يبدأ الكفار بالقتال فيه فعندئذ يجوز قتالهم فيه، ويدلّ عليه قوله تعالى «وَ لاََ تُقََاتِلُوهُمْ عِنْدَ اَلْمَسْجِدِ اَلْحَرََامِ حَتََّى يُقََاتِلُوكُمْ فِيهِ فَإِنْ قََاتَلُوكُمْ فَاقْتُلُوهُمْ»۱.
۱- سورة البقرة، الآية ١٩١.
مسألة ١٣- لا يجوز البدء بقتال الكفّار إلاّ بعد دعوتهم إلى الإسلام، فإذا قام المسلمون بدعوتهم إليه ولم يقبلوا وجب قتالهم.
وأمّا إذا بدءوا بالقتال قبل الدعوة وقتلوهم، فإنّهم وإن كانوا آثمين إلاّ أنّه لا ضمان عليهم، على أساس أنّه لا حرمة لهم نفسا ولا مالا.
نعم، لو كانوا مسبوقين بالدعوة أو عارفين بها لم يجب عليهم دعوتهم مرة ثانية، بل يجوز البدء بالقتال معهم، حيث إنّ احتمال الموضوعيّة في وجوب الدعوة غير محتمل.

مسألة ١٤- إذا كان الكفّار المحاربون على ضعف من المسلمين، بأن يكون واحد منهم في مقابل اثنين من هؤلاء الكفّار وجب عليهم أن يقاتلوهم، وذلك لقوله
تعالى «يََا أَيُّهَا اَلنَّبِيُّ حَرِّضِ اَلْمُؤْمِنِينَ عَلَى اَلْقِتََالِ إِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ عِشْرُونَ صََابِرُونَ يَغْلِبُوا مِائَتَيْنِ»-إلى قوله سبحانه-«اَلْآنَ خَفَّفَ اَللََّهُ عَنْكُمْ وَ عَلِمَ أَنَّ فِيكُمْ ضَعْفاً فَإِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ مِائَةٌ صََابِرَةٌ يَغْلِبُوا مِائَتَيْنِ وَ إِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ أَلْفٌ يَغْلِبُوا أَلْفَيْنِ بِإِذْنِ اَللََّهِ وَ اَللََّهُ مَعَ اَلصََّابِرِينَ»۱ فإنّه يدلّ على أنّ كل فرد من المسلمين في مقابل اثنين منهم ويدلّ عليه موثّقة مسعدة بن صدقة أيضا عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: «إنّ اللّه عز وجلّ فرض على المؤمن -إلى أن قال- ثم حوّلهم عن حالهم رحمة منه لهم، فصار الرجل منهم عليه أن يقاتل رجلين من المشركين تخفيفا من اللّه عزّ وجلّ فنسخ الرجلان العشرة»۲.نعم، إذا حصل العلم بالشهادة لفرد من المسلمين المقاتلين إذا ظلّ على القتال مع الاثنين منهم، جاز له الفرار إذا لم تترتّب فائدة عامّة على شهادته، لانصراف الآية المزبورة عن هذا الفرض.
وأمّا إذا كان الكفّار أكثر من الضعف فلا يجب عليهم الثبات في القتال معهم إلاّ إذا كانوا مطمئنين بالغلبة عليهم، وإذا ظنّوا بالغلبة لم يجب عليهم الثبات أو البدء في القتال معهم، ولكن لا شبهة في مشروعيّة الجهاد في هذا الفرض في الشريعة المقدّسة، وذلك لإطلاق الآيات المتضمّنة لترغيب المسلمين فيه.
وأمّا إذا ظنّوا بغلبة الكفّار عليهم، فهل الجهاد مشروع في هذا الفرض؟قيل بعدم المشروعية ووجوب الانصراف، وقيل بالمشروعيّة ومرغوبية الجهاد، والظاهر هوالثاني لإطلاق الآيات.
۱- سورة الأنفال، الآية ٦٥- ٦٦.
۲- الوسائل ج ١١ باب ٢٧ من أبواب جهاد العدو، الحديث ٢.
مسألة ١٥- لا يجوز الفرار من الزحف إلاّ لتحرّف في القتال أو تحيّز إلى فئة وإن ظنّوا بالشهادة في ساحة المعركة وذلك لإطلاق الآية الكريمة «يََا أَيُّهَا اَلَّذِينَ آمَنُوا إِذََا لَقِيتُمُ اَلَّذِينَ كَفَرُوا زَحْفاً فَلاََ تُوَلُّوهُمُ اَلْأَدْبََارَ `وَ مَنْ يُوَلِّهِمْ يَوْمَئِذٍ دُبُرَهُ إِلاََّ مُتَحَرِّفاً لِقِتََالٍ أَوْ مُتَحَيِّزاً إِلى‏ََ فِئَةٍ فَقَدْ بََاءَ بِغَضَبٍ مِنَ اَللََّهِ وَ مَأْوََاهُ جَهَنَّمُ وَ بِئْسَ اَلْمَصِيرُ»۱
۱- سورة الأنفال، الآية ١٥- ١٦.
مسألة ١٦- يجوز قتال الكفّار المحاربين بكلّ وسيلة ممكنة من الوسائل والأدوات الحربية في كل عصر حسب متطلّبات ذلك العصر، ولا يختص الجهاد معهم بالأدوات القتاليّة المخصوصة.
مسألة ١٧- قد استثني من الكفّار الشيخ الفاني والمرأة والصبيان، فإنّه لا يجوز قتلهم، وكذا الأسارى من المسلمين الّذين أسروا بيد الكفار، نعم لو تترّس الأعداء بهم جاز قتلهم إذا كانت المقاتلة معهم أو الغلبة عليهم متوقّفة عليه.
وهل تجب الدّية على قتل المسلم من هؤلاء الأسارى وكذا الكفّارة؟الظاهر عدم الوجوب، أمّا الدية فمضافا إلى عدم الخلاف فيه تدلّ عليه معتبرة السكوني عن أبي عبد اللّه (عليه السلام) قال: «من اقتصّ منه فهو قتيل القرآن»
۱ وذلك فإنّ المتفاهم العرفي منها بمناسبة الحكم والموضوع هو أن كلّما كان القتل بأمر إلهيّ فلا شيء فيه من الاقتصاص والدية، والقتيل بالقصاص من صغريات تلك الكبرى، وتؤيّد ذلك رواية حفص بن غياث، قال: سألت أبا عبد اللّه عن مدينة من مدائن الحرب، هل يجوز أن يرسل عليها الماء أو تحرق بالنار أو ترمى بالمنجنيق حتى يقتلوا ومنهم النساء والصبيان والشيخ الكبير والأسارى من المسلمين والتجّار؟فقال: «يفعل ذلك بهم، ولا يمسك عنهم لهؤلاء، ولا دية عليهم للمسلمين ولا كفّارة» الحديث۲.
وأمّا الكفّارة فهل تجب أو لا؟فيه وجهان: المشهور بين الأصحاب وجوبها، وقد يستدل على الوجوب بقوله تعالى «فَإِنْ كََانَ مِنْ قَوْمٍ عَدُوٍّ لَكُمْ وَ هُوَ مُؤْمِنٌ فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ»
۳.
بدعوى أنّ الآية تدلّ على الوجوب في المقام: الأولوية، وفيه أنّه لا أولوية،
فإنّ القتل في مورد الآية قتل خطئي ولا يكون بمأمور به، والقتل في المقام يكون مأمورا به، على أنّه لو تم الاستدلال بالآية في المقام فظاهرها هو وجوب الكفّارة على القاتل كما نصّ على ذلك غير واحد من الأصحاب وهو على خلاف مصلحة الجهاد، فإنّه يوجب التخاذل فيه كما صرّح به الشهيد الثاني (قدس سره) فالصحيح هو عدم وجوب الكفّارة في المقام المؤيّد برواية حفص المتقدّمة.
۱- الوسائل ج ١٩ باب ٢٤ من قصاص النفس، الحديث ٢.
۲- الوسائل ج ١١ باب ١٦ من جهاد العدو، الحديث ٢.
۳- سورة النساء، الآية ٩٢.
مسألة ١٨- المشهور كراهة طلب المبارز في الحرب بغير إذن الإمام (عليه السلام)، وقيل: يحرم وفيه إشكال، والأظهر جواز طلبه إذا كان أصل الجهاد مشروعا.
مسألة ١٩- إذا طلب الكافر مبارزا من المسلمين ولم يشترط عدم الإعانة بغيره جاز إعانته، والمشهور على أنّه لا يجوز ذلك إذا اشترط عدم الإعانة بغيره، حيث إنّه نحو أمان من قبل غيره فلا يجوز نقضه، ولكنّه محل إشكال بل منع.
مسألة ٢٠- لا يجوز القتال مع الكفّار بعد الأمان والعهد، حيث إنّه نقض لهما وهو غير جائز.
ويدلّ عليه غير واحدة من الروايات، منها صحيحة جميل عن أبي عبد اللّه عليه السلام، قال: «كان رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله وسلم إذا أراد أن يبعث سريّة دعاهم فأجلسهم صلّى اللّه عليه وآله وسلّم بين يديه ثم يقول -إلى أن قال- وأيّما رجل من أدنى المسلمين أو أفضلهم نظر إلى أحد من المشركين فهو جار حتى يسمع كلام اللّه، فإن تبعكم فأخوكم في الدين، وإن أبى فأبلغوه مأمنه واستعينوا باللّه»
۱.
ومنها معتبرة السكوني عن أبي عبد اللّه (عليه السلام)، قال: قلت له: ما معنى قول النبي (صلّى اللّه عليه وآله وسلّم)(يسعى بذمّتهم أدناهم)؟قال: «لو أنّ جيشا من المسلمين حاصروا قوما من المشركين فأشرف رجل فقال: أعطوني الأمان حتى ألقى صاحبكم وأناظره، فأعطاه أدناهم الأمان وجب على أفضلهم الوفاء به»
۲.نعم، تجوز الخدعة في الحرب ليتمكّنوا بها من الغلبة عليهم، وتدلّ عليه معتبرة إسحاق بن عمّار عن جعفر عن أبيه أن عليّا عليه السّلام كان يقول: «سمعت رسول اللّه (صلّى اللّه عليه وآله وسلم) يقول يوم الخندق: (الحرب خدعة) ويقول: تكلّموا بما أردتم»۳.
۱- الوسائل ج ١١ باب ١٥ من جهاد العدو، ذيل الحديث ١.
۲- الوسائل ج ١١ باب ٢٠ من جهاد العدو، الحديث ١.
۳- الوسائل ج ١١ باب ٥٣ من جهاد العدو، الحديث ١.
مسألة ٢١- لا يجوز الغلول من الكفّار بعد الأمان، فإنّه خيانة، وقد ورد في صحيحة جميل المتقدمة آنفا، وفي معتبرة مسعدة بن صدقة نهى النبي (صلّى اللّه عليه وآله وسلم) عن الغلول۱ وكذا لا تجوز السرقة من الغنيمة على أساس أنّها ملك عام لجميع المقاتلين.
۱- الوسائل ج ١١ باب ١٥ من جهاد العدو، الحديث ٣.
مسألة ٢٢- لا يجوز التمثيل بالمقتولين من الكفّار، لورود النهي عنه في صحيحة جميل ومعتبرة مسعدة المتقدّمتين آنفا، وكذا لا يجوز إلقاء السمّ في بلاد المشركين لنهي النّبي (صلّى اللّه عليه وآله وسلم) في معتبرة السكوني عن أبي عبد اللّه (عليه السلام) قال: «قال أمير المؤمنين عليه السلام: نهى رسول اللّه (صلّى اللّه عليه وآله وسلم) أن يلقى السمّ في بلاد المشركين»۱.
نعم، إذا كانت هناك مصلحة عامة تستدعي ذلك كما إذا توقّف الجهاد أو الفتح عليه جاز، وأمّا إلقاؤه في جبهة القتال فقط من جهة قتل المحاربين من الكفّار فلا بأس به.
۱- الوسائل ج ١١ باب ١٦ من جهاد العدو، الحديث ١.
الفصل الثالث
في أحكام الأسارى
مسألة ٢٣- إذا كان المسلمون قد أسروا من الكفّار المحاربين في أثناء الحرب، فإن كانوا إناثا لم يجز قتلهنّ كما مرّ.
نعم، يملكوهنّ بالسبي والاستيلاء عليهنّ،
وكذلك الحال في الذراري غير البالغين، والشيوخ وغيرهم ممن لا يقتل، وتدلّ على ذلك - مضافا إلى السيرة القطعيّة الجارية في تقسيم غنائم الحرب بين المقاتلين المسلمين - الروايات المتعدّدة الدالّة على جواز الاسترقاق حتى في حال غير الحرب، منها معتبرة رفاعة النخاس، قال: قلت لأبي الحسن (عليه السلام): إنّ الروم يغيرون على الصقالبة فيسرقون أولادهم من الجواري والغلمان، فيعمدون على الغلمان فيخصونهم ثم يبعثون بهم إلى بغداد إلى التجار، فما ترى في شرائهم ونحن نعلم أنّهم قد سرقوا وإنّما أغاروا عليهم من غير حرب كانت بينهم؟فقال: «لا بأس بشرائهم، إنّما أخرجوهم من الشرك إلى دار الإسلام»
۱.
وأمّا إذا كانوا ذكورا بالغين فيتعيّن قتلهم إلاّ إذا أسلموا، فإنّ القتل حينئذ يسقط عنهم.
وهل عليهم بعد الإسلام منّ أو فداء أو الاسترقاق؟الظاهر هو العدم، حيث إنّ كلّ ذلك بحاجة إلى دليل، ولا دليل عليه.
وأمّا إذا كان الأسر بعد الإثخان والغلبة عليهم فلا يجوز قتل الأسير منهم وإن كانوا ذكورا، وحينئذ كان الحكم الثابت عليهم أحد أمور:
إما المنّ أو الفداء أو الاسترقاق.
وهل تسقط عنهم هذه الأحكام الثلاثة إذا اختاروا الإسلام؟الظاهر عدم سقوطها بذلك، ويدلّ عليه قوله تعالى «فَإِذََا لَقِيتُمُ اَلَّذِينَ كَفَرُوا فَضَرْبَ اَلرِّقََابِ حَتََّى إِذََا أَثْخَنْتُمُوهُمْ فَشُدُّوا اَلْوَثََاقَ فَإِمََّا مَنًّا بَعْدُ وَ إِمََّا فِدََاءً حَتََّى تَضَعَ اَلْحَرْبُ أَوْزََارَهََا»۲ بضميمة معتبرة طلحة بن زيد الآتية الواردة في هذا الموضوع.ومن الغريب أنّ الشيخ الطوسي -قدّس سرّه- في تفسيره (التبيان) نسب إلى الأصحاب أنّهم رووا تخيير الإمام عليه السلام في الأسير إذا انفضت الحرب بين القتل وبين المنّ والفداء والاسترقاق، وتبعه في ذلك الشيخ الطبرسي -قدّس سرّه- في تفسيره، مع أنّ الشيخ -قدس سرّه- قد صرح هو في كتابه (المبسوط) بعدم جواز قتله في هذه الصورة.

وجه الغرابة - مضافا الى دعوى الإجماع في كلمات غير واحد على عدم جواز القتل في هذا الفرض - أنّه مخالف لظاهر الآية المشار إليها، ولنصّ معتبرة طلحة بن زيد، قال سمعت أبا عبد اللّه عليه السلام يقول: «كان أبي يقول: إن للحرب حكمين: إذا كانت الحرب قائمة ولم يثخن أهلها فكلّ أسير أخذ في تلك الحال فإنّ الإمام عليه السلام فيه بالخيار، إن شاء ضرب عنقه، وإن شاء قطع يده ورجله من خلاف بغير حسم، ثم يتركه يتشحط في دمه حتى يموت وهو قول اللّه عزّ وجلّ«إِنَّمََا جَزََاءُ اَلَّذِينَ يُحََارِبُونَ اَللََّهَ وَ رَسُولَهُ وَ يَسْعَوْنَ فِي اَلْأَرْضِ فَسََاداً أَنْ يُقَتَّلُوا أَوْ يُصَلَّبُوا أَوْ تُقَطَّعَ أَيْدِيهِمْ وَ أَرْجُلُهُمْ مِنْ خِلاََفٍ»- إلى أن قال:- والحكم الآخر إذا وضعت الحرب أوزارها وأثخن أهلها فكلّ أسير أخذ على تلك الحال فكان في أيديهم فالإمام فيه بالخيار إن شاء منّ عليهم فأرسلهم، وإن شاء فاداهم أنفسهم وإن شاء استعبدهم فصاروا عبيدا»۳.
۱- الوسائل ج ١٣ الباب ١ و٢ و٣ من أبواب بيع الحيوان.
۲- سورة محمّد (صلّى اللّه عليه وآله وسلم)، الآية ٤.
۳- الوسائل ج ١١ باب ٢٣ من أبواب جهاد العدو، الحديث ١.
مسألة ٢٤- من لم يتمكّن في دار الحرب أو في غيرها من أداء وظائفه الدينيّة وجبت المهاجرة عليه إلاّ من لا يتمكن منها كالمستضعفين من الرجال والنساء والولدان لقوله تعالى «إِنَّ اَلَّذِينَ تَوَفََّاهُمُ اَلْمَلاََئِكَةُ ظََالِمِي أَنْفُسِهِمْ قََالُوا فِيمَ كُنْتُمْ قََالُوا كُنََّا مُسْتَضْعَفِينَ فِي اَلْأَرْضِ قََالُوا أَ لَمْ تَكُنْ أَرْضُ اَللََّهِ وََاسِعَةً فَتُهََاجِرُوا فِيهََا فَأُولََئِكَ مَأْوََاهُمْ جَهَنَّمُ وَ سََاءَتْ مَصِيراً `إِلاَّ اَلْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ اَلرِّجََالِ وَ اَلنِّسََاءِ وَ اَلْوِلْدََانِ لاََ يَسْتَطِيعُونَ حِيلَةً وَ لاََ يَهْتَدُونَ سَبِيلاً `فَأُولََئِكَ عَسَى اَللََّهُ أَنْ يَعْفُوَ عَنْهُمْ وَ كََانَ اَللََّهُ عَفُوًّا غَفُوراً»۱.
۱- سورة النساء، الآية ٩٧- ٩٩.
(المرابطة)
وهي الإرصاد لحفظ الحدود وثغور بلاد المسلمين من هجمة الكفّار.
مسألة ٢٥- تجب المرابطة لدى وقوع البلاد الإسلاميّة في معرض الخطر من قبل الكفّار، وأمّا إذا لم تكن في معرض ذلك فلا تجب وإن كانت في نفسها أمرا مرغوبا فيه في الشريعة المقدّسة.
مسألة ٢٦- إذا نذر شخص الخروج للمرابطة فإن كانت لحفظ بيضة الإسلام وحدود بلاده وجب عليه الوفاء به، وإن لم تكن لذلك وكانت غير مشروعية لم يجب الوفاء به.
وكذا الحال فيما إذا نذر أن يصرف مالا للمرابطين.
ومن ذلك يظهر حال الإجارة على المرابطة.
(الأمان)
مسألة ٢٧- يجوز جعل الأمان للكافر الحربي على نفسه أو ماله أو عرضه برجاء أن يقبل الإسلام، فإن قبل فهو، وإلاّ ردّ إلى مأمنه، ولا فرق في ذلك بين أن يكون من قبل وليّ الأمر أو من قبل آحاد من سائر المسلمين، ويدل عليه قوله تعالى «وَ إِنْ أَحَدٌ مِنَ اَلْمُشْرِكِينَ اِسْتَجََارَكَ فَأَجِرْهُ حَتََّى يَسْمَعَ كَلاََمَ اَللََّهِ»۱  وكذا صحيحة جميل ومعتبرة السكوني المتقدّمتين في المسألة (٢٠).
وهل يعتبر أن يكون الأمان بعد المطالبة فلا يصح ابتداء؟فيه وجهان، لا يبعد دعوى عدم اعتبار المطالبة في نفوذه، والآية الكريمة وإن كان لها ظهور في اعتبار المطالبة في نفوذه بقطع النظر عمّا في ذيلها وهو قوله تعالى «حَتََّى يَسْمَعَ كَلاََمَ اَللََّهِ» إلاّ أنّه مع ملاحظته لا ظهور لها في ذلك، حيث إن الذيل قرينة على أن الغرض من
إجارة الكافر المحارب هو أن يسمع كلام اللّه، فإن احتمل سماعه جازت إجارته وكانت نافذة وإن لم تكن مسبوقة بالطلب، ثم إنّ المعروف بين الأصحاب أنّ حق الأمان الثابت لآحاد من المسلمين محدود إلى عشرة رؤوس من الكفّار وما دونهم، فلا يحق لهم أن يعطوا الأمان لأكثر من هذا العدد.
ولكن لا دليل على هذا التحديد، فالظاهر أن لواحد من المسلمين أن يعطي الأمان لأكثر من العدد المزبور لأجل المناظرة في طلب الحق، وقد ورد في معتبرة مسعدة بن صدقة أنّه لا يجوز لواحد من المسلمين إعطاء الأمان لحصن من حصونهم
۲.
۱- سورة التوبة، الآية ٦.
۲- الوسائل ج ١١ باب ٢٠ من جهاد العدو، الحديث ٢.
مسألة ٢٨- لو طلب الكفّار الأمان من آحاد المسلمين، وهم لم يقبلوه، ولكنهم ظنّوا أنّهم قبلوا ذلك، فنزلوا عليهم، كانوا آمنين فلا يجوز للمسلمين أن يقتلوهم أو يسترقّوهم، بل يردّونهم إلى مأمنهم، وقد دلّت على ذلك معتبرة محمد بن الحكيم عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: «لو أن قوما حاصروا مدينة فسألوهم الأمان فقالوا: لا، فظنّوا أنّهم قالوا: نعم، فنزلوا إليهم كانوا آمنين»۱.
وكذا الحال إذا دخل المشرك دار الإسلام بتخيّل الأمان بجهة من الجهات.
۱-الوسائل ج ١١ باب ٢٠ من جهاد العدو، الحديث ٤.
مسألة ٢٩- لا يكون أمان المجنون والمكره والسكران وما شاكلهم نافذا وأمّا أمان الصبي المراهق فهل يكون نافذا؟فيه وجهان: الظاهر عدم نفوذه، لا لأجل عدم صدق المؤمن والمسلم عليه، حيث لا شبهة في صدق ذلك، بل لأجل ما ورد في الصحيحة من عدم نفوذ أمر الغلام ما لم يحتلم۱.
۳- الوسائل ج ١٣ باب ٢ من أحكام الحجر، الحديث ٥.
مسألة ٣٠- لا يعتبر في صحة عقد الأمان من قبل آحاد المسلمين الحرية بل يصحّ من العبد أيضا إذ مضافا إلى ما في معتبرة مستعدة۱ من التصريح بصحة عقد الأمان من العبد أنّه لا خصوصية للحر فيه على أساس أنّ الحقّ المزبور الثابت له إنّماهو بعنوان أنّه مسلم، ومن هنا لا فرق في ذلك بين الرجل والمرأة أيضا.
۱- الوسائل ج ١١ باب ٢٠ من جهاد العدو، الحديث ٢.
مسألة ٣١- لا يعتبر في صحة عقد الأمان صيغة خاصّة، بل يتحقّق بكل ما دلّ عليه من لفظ أو غيره.
مسألة ٣٢- وقت الأمان إنّما هو قبل الاستيلاء على الكفّار المحاربين وأسرهم، وأما بعد الأسر فلا موضوع له.
مسألة ٣٣- إذا كان أحد من المسلمين أقرّ بالأمان لمشرك، فإن كان الإقرار في وقت يكون أمانه في ذلك الوقت نافذا صحّ، لأن إقراره به في الوقت المزبور أمان له وإن لم يصدر أمان منه قبل ذلك، وعليه فلا حاجة فيه الى التمسّك بقاعدة من ملك شيئا ملك الإقرار به.
مسألة ٣٤- لو ادّعى الحربي الأمان من غير من جاء به لم تسمع، وإن أقرّ ذلك الغير بالأمان له، على أساس أنّ الإقرار بالأمان إنّما يسمع إذا كان في وقت كان الأمان منه في ذلك الوقت نافذا كما إذا كان قبل الاستيلاء والأسر، وإمّا إذا كان في وقت لا يكون الأمان منه في ذلك الوقت نافذا فلا يكون مسموعا كما إذا كان بعد الأسر والاستيلاء عليه، وفي المقام بما أنّ إقرار ذلك الغير بالأمان له بعد الأسر فلا يكون مسموعا.
نعم، لو ادّعى الحربي على من جاء به أنّه عالم بالحال فحينئذ إن اعترف الجائي بذلك ثبت الأمان له وإن أنكره قبل قوله، ولا يبعد توجّه اليمين عليه على أساس أنّ إنكاره يوجب تضييع حقّه.
وأمّا إذا ادعى الحربي الأمان على من جاء به فإن أقرّ بذلك فهو مسموع، حيث أنّه تحت يده واستيلائه، ويترتّب على إقراره به وجوب حفظه عليه، وإن أنكر ذلك قدّم قوله مع اليمين على الأظهر كما عرفت.

مسألة ٣٥- لو ادّعى الحربي على الذي جاء به الأمان له، ولكن حال مانع من الموانع كالموت أو الإغماء أو نحو ذلك بين دعوى الحربي ذلك وبين جواب المسلم، لم تسمع ما لم تثبت دعواه بالبينة أو نحوها، وحينئذ يكون حكمه حكم الأسير، وقال المحقق في الشرائع: إنّه يردّ إلى مأمنه ثم هو حرب، ووجهه غير ظاهر۱.
۱- شرائع الإسلام: ١٣٩.
(الغنائم)
مسألة ٣٦- إنّ ما استولى عليه المسلمون المقاتلون من الكفار بالجهاد المسلّح يكون على ثلاثة أنواع: النوع الأول: ما يكون منقولا كالذهب والفضّة والفرش والأواني والحيوانات وما شاكل ذلك.
النوع الثاني: ما يسبى كالأطفال والنساء.
النوع الثالث: ما لا يكون منقولا كالأراضي والعقارات.
أمّا النوع الأوّل: فيخرج منه الخمس وصفايا الأموال وقطائع الملوك إذا كانت، ثم يقسم الباقي بين المقاتلين على تفصيل يأتي في ضمن الأبحاث الآتية.
نعم، لولي الأمر حقّ التصرف فيه كيفما يشاء حسب ما يرى فيه من المصلحة قبل التقسيم فإنّ ذاك مقتضى ولايته المطلقة على تلك الأموال، ويؤكّده قول زرارة في الصحيح: «الإمام يجري وينفل ويعطي ما يشاء قبل أن تقع السهام، وقد قاتل رسول اللّه صلى الله عليه وآله وسلّم بقوم لم يجعل لهم في الفيء نصيبا، وإن شاء قسّم ذلك بينهم»
۱.
ويؤيّد ذلك مرسلة حماد بن عيسى عن بعض أصحابنا عن العبد الصالح في حديث قال: «و للإمام صفو المال -إلى أن قال- وله أن يسدّ بذلك المال جميع ما ينو به من مثل إعطاء المؤلفة قلوبهم وغير ذلك» الحديث
۲.
وأمّا رواية حفص بن غياث عن أبي عبد الله عليه السلام، قلت: فهل يجوز للإمام أن ينفل؟فقال له: «أن ينفل قبل القتال، وأما بعد القتال والغنيمة فلا يجوز ذلك، لأنّ الغنيمة قد أحرزت»
۳ فلا يمكن الأخذ بها لضعف الرواية سندا.
۱- الوسائل ج ٦ باب ١ من أبواب الأنفال، الحديث ٢.
۲- الوسائل ج ٦ باب ١ من أبواب الأنفال وما يختص بالإمام، الحديث ٤
۳- الوسائل ج ١١ باب ٣٨ من جهاد العدو، الحديث ١.
مسألة ٣٧- لا يجوز للمقاتلين الّذين استولوا عليه أن يتصرّفوا فيه قبل القسمة وضعا ولا تكليفا.نعم، يجوز التصرف فيما جرت السيرة بين المسلمين على التصرّف فيه أثناء الحرب كالمأكولات والمشروبات وعلف الدواب وما شاكل ذلك بمقدار ما كانت السيرة عليه دون الزائد.

مسألة ٣٨- إذا كان المأخوذ من الكفّار ممّا لا يصح تملكه شرعا كالخمر والخنزير وكتب الضلال أو ما شابه ذلك لم يدخل في الغنيمة جزما، ولا يصحّ تقسيمه بين المقاتلين، بل لا بدّ من إعدامه وإفنائه.
نعم، يجوز أخذ الخمر للتخليل ويكون للآخذ.

مسألة ٣٩- الأشياء التي كانت في بلاد الكفّار ولم تكن مملوكة لأحد كالمباحات الأصليّة مثل الصيود والأحجار الكريمة ونحو ذلك لا تدخل في الغنيمة، بل تظلّ على إباحتها فيجوز لكلّ واحد من المسلمين تملّكها بالحيازة.نعم، إذا كان عليها أثر الملك دخلت في الغنيمة.
مسألة ٤٠- إذا وجد شيء في دار الحرب كالخيمة والسلاح ونحوهما، ودار أمره بين أن يكون للمسلمين أو من الغنيمة، ففي مثل ذلك المرجع هو القرعة، حيث إنّه ليس لنا طريق آخر لتعيين ذلك غيرها، فحينئذ إن أصابت القرعة على كونه من الغنيمة دخل في الغنائم وتجري عليه أحكامها، وإن أصابت على كونه للمسلمين فحكمه حكم المال المجهول مالكه.وأمّا النوع الثاني وهو ما يسبى كالأطفال والنساء، فإنّه بعد السبي والاسترقاق يدخل في الغنائم المنقولة، ويكون حكمه حكمها، وأمّا حكمه قبل السبي والاسترقاق فقد تقدّم.
مسألة ٤١- إذا كان في الغنيمة من ينعتق على بعض الغانمين، فذهب جماعة إلى أنّه ينعتق عليه بمقدار نصيبه منه، وهذا القول مبني على أساس أن الغانم يملك الغنيمة بمجرد الاغتنام والاستيلاء، وهو لا يخلو عن إشكال بل منع، فالأقوى عدم
الانعتاق، لعدم الدليل على أنّه يملك بمجرد الاغتنام، بل يظهر من قول زرارة في الصحيحة المتقدمة آنفا عدم الملك بمجرّد ذلك.
وأمّا النوع الثالث وهو ما لا ينقل كالأراضي أو العقارات، فإن كانت الأرض مفتوحة عنوة وكانت محياة حال الفتح من قبل الناس، فهي ملك لعامة المسلمين بلا خلاف بين الأصحاب، وتدلّ عليه صحيحة الحلبي الآتية وغيرها، وإن كانت مواتا أو كانت محياة طبيعية ولا ربّ لها، فهي من الأنفال.(الأرض المفتوحة عنوة وشرائطها وأحكامها)
مسألة ٤٢- المشهور بين الأصحاب في كون الأرض المفتوحة عنوة ملكا عاما للأمّة باعتبار كون الفتح بإذن الإمام عليه السلام، وإلاّ فتدخل في نطاق ملكيّة الإمام عليه السلام لا ملكيّة المسلمين، ولكن اعتباره في ذلك لا يخلو عن إشكال بل منع، فإنّ ما دلّ على اعتبار إذن الإمام عليه السلام كصحيحة معاوية بن وهب ورواية العبّاس الوراق۱ مورده الغنائم المنقولة التي تقسّم على المقاتلين مع الإذن، وتكون للإمام عليه السلام بدونه، على أنّ رواية العباس ضعيفة.
۱- الوسائل ج ٦ باب ١ من أبواب الأنفال، الحديث ٤ و١٦.
مسألة ٤٣- الأرض المفتوحة عنوة التي هي ملك عام للمسلمين أمرها بيد وليّ الأمر في تقبيلها بالذي يرى، ووضع الخراج عليها حسب ما يراه فيه من المصلحة كما وكيفا.
مسألة ٤٤- لا يجوز بيع رقبتها ولا شراؤها على أساس ما عرفت من أنّها ملك عام للأمة.
نعم، يجوز شراء الحق المتعلّق بها من صاحبه، وقد دلّت على كلا الحكمين -مضافا إلى أنّهما على القاعدة- عدّة من الروايات، منها صحيحة الحلبي، قال: سئل أبو عبد الله (عليه السلام) عن السواد ما منزلته؟فقال: «هو لجميع المسلمين لمن هو اليوم، ولمن يدخل في الإسلام بعد اليوم، ولمن لم يخلق بعد» فقلت:
الشراء من الدهاقين؟قال: «لا يصلح إلاّ أن تشتري منهم على أن يصيرها للمسلمين، فإذا شاء ولي الأمر أن يأخذها أخذها» قلت: فإن أخذها منه؟قال: «يرد عليه رأس ماله، وله ما أكل من غلّتها بما عمل»۱.
ولذلك لا يصحّ وقفها ولا هبتها وغير ذلك من التصرفات المتوقفة على الملك إلاّ إذا كان بإذن وليّ الأمر.
۱- الوسائل ج ١٢ باب ٢١ من أبواب عقد البيع، الحديث ٤.
مسألة ٤٥- يصرف وليّ الأمر الخراج المأخوذ من الأراضي في مصالح المسلمين العامّة كسدّ الثغور للوطن الإسلامي وبناء القناطر وما شاكل ذلك.
مسألة ٤٦- يملك المحيي الأرض بعملية الإحياء سواء كانت الأرض مواتا بالأصالة أم كانت محياة ثم عرض عليها الموت لإطلاق النصوص الدالّة على تملّك المحيي الأرض بالإحياء، منها صحيحة الفضلاء عن أبي جعفر وأبي عبد اللّه عليهما السّلام، قالا: «قال رسول اللّه صلى الله عليه وآله وسلّم: من أحيى أرضا مواتا فهي له»۱ فإذا ماتت الأرض المفتوحة عنوة وقام فرد بإحيائها ملكها على أساس أنّ ملكيّة الأرض المزبورة للأمّة متقوّمة بالحياة فلا إطلاق لما دلّ على ملكيتها لهم لحال ما إذا ماتت وخربت.
وعلى تقدير الإطلاق فلا يمكن أن يعارض ما دلّ على أنّ كل أرض خربة للإمام عليه السلام
۲ حيث إنّ دلالته عليها بالإطلاق ومقدمات الحكمة، وهو لا يمكن أن يعارض ما دلّ عليها بالعموم وضعا، وعليه فتدخل الأرض التي عرض عليها الموت في عموم ما دلّ على أنّ من أحيى أرضا مواتا فهي له.
ثم إنّه إذا افترض أنّ الأرض التي هي بيد شخص فعلا كانت محياة حال الفتح، وشكّ في بقائها على هذه الحالة، فاستصحاب بقائها حيّة وإن كان جاريا في نفسه إلاّ أنّه لا يمكن أن يعارض قاعدة اليد التي تجري في المقام وتحكم بأنّها ملك
۱- الوسائل ج ١٧ باب ١ من إحياء الموات، الحديث ١.
۲- الوسائل ج ٦ باب ١ من أبواب الأنفال.
(أرض الصلح)
مسألة ٤٧- أرض الصلح تابعه في كيفيّة الملكيّة لمقتضى عقد الصلح وبنوده، فإن كان مقتضاه صيرورتها ملكا عاما للمسلمين كان حكمها حكم الأرض المفتوحة عنوة، وتجري عليها ما تجري على تلك الأرض من الأحكام والآثار.
وإن كان مقتضاه صيرورتها ملكا للإمام عليه السلام كان حكمها حكم الأرض التي لا ربّ لها من هذه الجهة.
وإن كان مقتضاه بقاؤها في ملك أصحابها ظلّت في ملكهم كما كانت، غاية الأمر أنّ وليّ الأمر يضع عليها الطسق والخراج من النصف أو الثلث أو أكثر أو أقلّ.
(الأرض التي أسلم أهلها بالدعوة)
مسألة ٤٨- الأرض التي أسلم عليها أهلها تركت في يده إذا كانت عامرة، وعليهم الزكاة من حاصلها، العشر أو نصف العشر، وأمّا إذا لم تكن عامرة فيأخذها الإمام عليه السلام ويقبلها لمن يعمرها وتكون للمسلمين، وتدلّ على ذلك صحيحة البزنطي، قال: ذكرت لأبي الحسن الرضا عليه السلام وما سار به أهل بيته، فقال: «العشر ونصف العشر على من أسلم طوعا، تركت أرضه في يده، وأخذ منه العشر ونصف العشر فيما عمر منها، وما لم يعمر منها أخذه الوالي فقبله ممّن يعمر» الحديث۱
۱- الوسائل ج ١١ باب ٧٢ من جهاد العدو، الحديث ٢.
(فصل في قسمة الغنائم المنقولة)
مسألة ٤٩- يخرج من هذه الغنائم قبل تقسيمها بين المقاتلين ما جعله الإمام عليه السّلام جعلا لفرد على حسب ما يراه من المصلحة، ويستحق ذلك الفرد الجعل بنفس الفعل الذي كان الجعل بإزائه، وهو في الكمّ والكيف يتبع العقد الواقع عليه، ولا فرق في ذلك بين أن يكون الفرد المزبور (المجعول له) مسلما أو كافرا، وكذا لا فرق بين كونه من ذوي السهام أو لا، فإنّ الأمر بيد الإمام عليه السّلام وهو يتصرّف فيها حسب ما يرى فيه من المصلحة، يؤكد ذلك -مضافا إلى هذا- قول زرارة في الصحيحة المتقدّمة في المسألة الحادية والأربعين، ويدخل فيه السلب أيضا.
مسألة ٥٠- ويخرج منها أيضا قبل القسمة ما تكون الغنيمة بحاجة إليه في بقائها من المؤن كاجرة النقل والحفظ والرعي وما شاكل ذلك.
مسألة ٥١- المرأة التي حضرت ساحة القتال والمعركة لتداوي المجروحين أو ما شابه ذلك بإذن الإمام عليه السلام لا تشترك مع الرجال المقاتلين في السهام من الغنائم المأخوذة من الكفار بالقهر والغلبة.
نعم، يعطي الإمام عليه السّلام منها لها مقدار ما يرى فيه مصلحة، وتدلّ على ذلك معتبرة سماعة عن أحدهما عليه السلام، قال: «إنّ رسول اللّه صلى الله عليه وآله وسلّم خرج بالنساء في الحرب يداوين الجرحى ولم يقسم لهنّ من الفيء شيئا ولكنه نفلهن»
۱.وأمّا العبيد والكفّار الذين يشتركون في القتال بإذن الإمام عليه السّلام فالمشهور بين الأصحاب، بل ادّعي عليه الإجماع، أنّه لا سهم لهم في الغنائم، ولكن دليله غير ظاهر.
۱- الوسائل ج ١١ باب ٤١ من جهاد العدو، الحديث ۶
مسألة ٥٢- يخرج من الغنائم قبل القسمة -كما مرّ- صفو المال أيضا وقطائع
الملوك والجارية الفارهة والسيف القاطع وما شاكل ذلك على أساس أنّها ملك طلق للإمام عليه السّلام بمقتضى عدّة من الروايات، منها معتبرة داود بن فرقد، قال، قال أبو عبد الله عليه السّلام: «قطائع الملوك كلّها للإمام عليه السلام، وليس للناس فيها شيء».
ومنها معتبرة أبي بصير عن أبي عبد الله عليه السلام، قال: سألته عن صفو المال؟قال: «الإمام يأخذ الجارية الروقة والمركب الفاره والسيف القاطع والدرع قبل أن تقسم الغنيمة، فهذا صفو المال»
۱.
۱- الوسائل ج ٦ باب ١ من أبواب الأنفال، حديث ٦ و١٥.
مسألة ٥٣- يخرج من الغنائم خمسها أيضا قبل تقسيمها بين المسلمين المقاتلين، ولا يجوز تقسيم الخمس بينهم، حيث إنّ اللّه تعالى قد جعل له موارد خاصّة ومصارف مخصوصة، قال عزّ من قائل«وَ اِعْلَمُوا أَنَّمََا غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَأَنَّ لِلََّهِ خُمُسَهُ وَ لِلرَّسُولِ وَ لِذِي اَلْقُرْبى‏ََ وَ اَلْيَتََامى‏ََ وَ اَلْمَسََاكِينِ وَ اِبْنِ اَلسَّبِيلِ»۱ والروايات الدالّة على ذلك كثيرة.
۲- سورة الأنفال، الآية ٤١.
مسألة ٥٤- تقسم الغنائم بعد إخراج المذكورات على المقاتلين ومن حضر ساحة القتال ولو لم يقاتل، فإنّه لا يعتبر في تقسيم الغنيمة على جيش المسلمين دخول الجميع في القتال مع الكفّار، فلو قاتل بعض منهم وغنم، وكان الآخر حاضرا في ساحة القتال والمعركة ومتهيّئا للقتال معهم إذا اقتضى الأمر ذلك، كانت الغنيمة مشتركة بين الجميع، ولا اختصاص بها للمقاتلين فقط، وهذا بخلاف ما إذا أرسل فرقة إلى جهة وفرقة أخرى إلى جهة أخرى، فلا تشارك إحداهما الأخرى في الغنيمة.
وفي حكم المقاتلين الطفل إذا ولد في أرض الحرب، وتدلّ عليه معتبرة مسعدة ابن صدقة، عن جعفر، عن أبيه، عن آبائه أنّ عليا عليه السلام قال: «إذا ولد المولود في أرض الحرب قسم له مما أفاء اللّه عليهم»
۱.والمشهور أنّه تشترك مع المقاتلين في الغنائم فئة حضروا أرض الحرب للقتال وقد وضعت الحرب أوزارها بغلبة المسلمين على الكفّار وأخذهم الغنائم منهم قبل خروجهم إلى دار الإسلام، فإنّ الغنيمة حينئذ تقسّم بين الجميع رغم عدم اشتراك تلك الفئة معهم في القتال، ومدركهم في ذلك رواية حفص بن غياث، قال: كتب إليّ بعض إخواني أن أسأل أبا عبد الله عليه السلام عن مسائل من السيرة، فسألته وكتبت بها إليه، فكان فيما سألت: أخبرني عن الجيش إذا غزوا أرض الحرب فغنموا غنيمة ثم لحقهم جيش آخر قبل أن يخرجوا إلى دار الإسلام، ولم يلقوا عدوّا حتى خرجوا إلى دار الإسلام، هل يشاركونهم فيها؟قال: «نعم»۲.
ولكن بما أنّ الرواية ضعيفة باعتبار أنّ القاسم بن محمد الواقع في سندها مردّد بين الثقة وغيرها فالحكم لا يخلو عن إشكال بل منع، وقد يستدل على ذلك بمعتبرة طلحة بن زيد، عن جعفر، عن أبيه، عن على عليه السلام، في الرجل يأتي القوم وقد غنموا ولم يكن ممّن شهد القتال قال: فقال: «هؤلاء المحرمون، فأمر أن يقسم لهم»
۳ بتقريب أنّ المراد المحرومون من ثواب القتال لا أنّهم محرومون من الغنيمة، وفيه: أوّلا: أنّه لا يمكن أن تكون كلمة (هؤلاء) إشارة إلى الرجل الذي يأتي القوم بعد أخذهم الغنيمة من الكفّار.
وثانيا: أنّ تحريمهم من الثواب لا يدلّ على أنّ لهم نصيبا في الغنيمة، فإنّ ضمير (لهم) في قوله عليه السلام (فأمر أن يقسم لهم) ظاهر في رجوعه إلى القوم، وكيف كان فالرواية مجملة، فلا دلالة لها على المقصود أصلا.
ثم إنّه بناء على الاشتراك إذا حضروا دار الحرب قبل القسمة، فهل هم مشتركون فيها معهم أيضا إذا حضروها بعدها؟المشهور عدم الاشتراك، وهو الظاهر، لانصراف الرواية عن هذه الصورة وظهورها بمناسبة الحكم والموضوع في حضورهم دار الحرب قبل القسمة.
۱- الوسائل ج ١١ باب ٤١ من أبواب جهاد العدو، حديث ٨.
۲- الوسائل ج ١١ باب ٣٧ من أبواب جهاد العدو، حديث ١.
۳- الوسائل ج ١١ باب ٣٧ من أبواب جهاد العدو، حديث ٢.
مسألة ٥٥- المشهور بين الأصحاب انه يعطى من الغنيمة للراجل سهم، وللفارس سهمان، بل ادّعي عدم الخلاف في المسألة، واعتمدوا في ذلك على رواية حفص بن غياث، ولكن قد عرفت آنفا أنّ الرواية ضعيف فلا يمكن الاعتماد عليها، فحينئذ إن ثبت الإجماع في المسألة فهو المدرك وإلاّ فما نسب إلى ابن جنيد من أنه يعطى للراجل سهم وللفارس ثلاثة أسهم هو القوي، وذلك لإطلاق معتبرة إسحاق ابن عمّار، عن جعفر، عن أبيه أنّ عليّا عليه السلام كان يجعل للفارس ثلاثة أسهم وللراجل سهما۱ وصحيحة مسعدة بن زياد، عن جعفر بن محمّد، عن أبيه، عن آبائه عليهم السلام، قال: «كان رسول اللّه صلى الله عليه وآله يجعل للفارس ثلاثة أسهم وللراجل سهما»۲ وعدم المقيد لهما.
وعليه فلا فرق في ذلك بين أن يكون المقاتل صاحب فرس واحد أو أكثر فما عن المشهور من أن لصاحب فرس واحد سهمين وللأكثر ثلاثة أسهم فلا يمكن إتمامه بدليل، ولا فرق فيما ذكرناه بين أن تكون المقاتلة مع الكفّار في البر أو البحر.
۱- الوسائل ج ١١ باب ٤٢ من أبواب جهاد العدو، حديث ٢.
۲- الوسائل ج ١١ باب ٣٨ من أبواب جهاد العدو، حديث ٢.
مسألة ٥٦- لا يملك الكافر الحربي أموال المسلمين بالاستغنام، فلو أخذها المسلم منه سرقة أو هبة أو شراء أو نحو ذلك فلا إشكال في لزوم عودها إلى أصحابها من دون غرامة شيء، وإن كان الآخذ جاهلا بالحال حيث إنّ الحكم -مضافا إلى أنّه على القاعدة- قد دل عليه قوله عليه السلام في صحيحة هشام: «المسلم أحق بماله أينما وجده»۱.
وأمّا إذا أخذ تلك الأموال منه بالجهاد والقوة، فإن كان الأخذ قبل القسمة رجعت إلى أربابها أيضا بلا إشكال ولا خلاف.
وأمّا إذا كان بعد القسمة، فنسب إلى العلاّمة في النهاية أنّها تدخل في الغنيمة ولكنّ المشهور بين الأصحاب أنّها تردّ إلى أربابها وهو الصحيح، إذ يكفي في ذلك قوله
عليه السلام في صحيحة هشام الآنفة الذكر المؤيدة بخبر طربال، والدليل على الخلاف غير موجودة في المسألة.
وأمّا صحيحة الحلبي، عن أبي عبد الله عليه السلام، قال: سألته عن رجل لقيه العدو وأصاب منه مالا أو متاعا، ثم إنّ المسلمين أصابوا ذلك، كيف يصنع بمتاع الرجل؟فقال: «إذا كانوا أصابوه قبل أن يحوزوا متاع الرجل ردّ عليه، وإن كانوا أصابوه بعد ما حازوا فهو فيء للمسلمين، فهو أحق بالشفعة»
۱ فهي بظاهرها، وهو التفصيل بين ما قبل الحيازة وما بعدها، فعلى الأوّل تردّ إلى أربابها، وعلى الثاني تدخل في الغنيمة مقطوعة البطلان، فإنّه لا إشكال كما لا خلاف في وجوب الردّ قبل القسمة فلا تدخل في الغنيمة بالحيازة، وحمل الحيازة على القسمة بحاجة إلى قرينة وهي غير موجودة.
وعليه فالقسمة باطلة، فمع وجود الغانمين تقسّم ثانيا عليهم بعد إخراج أموال المسلمين، ومع تفرّقهم يرجع من وقعت تلك الأموال في حصّته إلى الإمام عليه السلام.
۱- الوسائل ج ١١ باب ٣٥ من أبواب جهاد العدو، حديث ٣.
الدفاع
مسألة ٥٧- يجب على كلّ مسلم الدفاع عن الدين الإسلامي إذا كان في معرض الخطر، ولا يعتبر فيه إذن الإمام عليه السلام بلا إشكال ولا خلاف في المسألة.
ولا فرق في ذلك بين أن يكون في زمن الحضور أو الغيبة، وإذا قتل فيه جرى عليه حكم الشهيد في ساحة الجهاد مع الكفّار، على أساس أنه قتل في سبيل اللّه الذي قد جعل في صحيحة أبان موضوعا للحكم المزبور، قال: سمعت أبا عبد الله عليه السلام يقول: «الذي يقتل في سبيل اللّه يدفن في ثيابه ولا يغسّل إلاّ أن يدركه المسلمون وبه رمق ثم يموت» الحديث، وقريب منها صحيحته الثانية
۱.
۱- الوسائل ج ٢ الباب ١٤ من أبواب غسل الميت، حديث ٧ و٩.
مسألة ٥٨- تجري على الأموال المأخوذة من الكفّار في الدفاع عن بيضة الإسلام أحكام الغنيمة، فإن كانت منقولة تقسّم بين المقاتلين بعد إخراج الخمس، وإن كانت غير منقولة فهي ملك للأمة على تفصيل تقدّم، وتدل على ذلك إطلاقات الأدلة من الآية والرواية.
فما عليه المحقّق القمي -قدّس سرّه- من عدم جريان أحكام الغنيمة عليها وأنّها لآخذها خاصة بدون حقّ الآخرين فيها لا يمكن المساعدة عليه.
قتال أهل البغي
وهم الخوارج على الامام المعصوم عليه السلام الواجب إطاعته شرعا، فإنّه لا إشكال في وجوب مقاتلتهم إذا أمر الإمام عليه السلام بها، ولا يجوز لأحد المخالفة، ولا يجوز الفرار لأنّه كالفرار عن الزحف في حرب المشركين، والحاصل أنّه تجب مقاتلتهم حتى يفيئوا أو يقتلوا.
وتجري على من قتل فيها أحكام الشهيد لأنّه قتل في سبيل اللّه.

مسألة ٥٩- المشهور -بل ادعي عليه الإجماع- أنّه لا يجوز قتل اسرائهم، ولا الإجهاز على جريحهم، ولا يتبع مدبرهم إذا لم تبق منهم فئة يرجعون إليها، وأمّا إذا كانت لهم فئة كذلك فيقتل اسراؤهم ويجهز على جريحهم، ويتبع مدبرهم، ولكن إتمام ذلك بالدليل مشكل، فإنّ رواية حفص بن غياث التي هي نص في هذا التفصيل ضعيفة سندا كما مر، قال: سألت أبا عبد الله عليه السلام عن الطائفتين من المؤمنين، إحداهما باغية والأخرى عادلة، فهزمت العادلة الباغية؟قال عليه السلام: «ليس لأهل العدل أن يتبعوا مدبرا، ولا يقتلوا أسيرا، ولا يجهزوا على جريح، وهذا إذا لم يبق من أهل البغي أحد ولم يكن فئة يرجعون إليها» الحديث۱.
وعليه فلا يمكن الاعتماد عليها.
وأمّا معتبرة أبي حمزة الثمالي، قال: قلت لعلي بن الحسين عليه السلام: إنّ عليّا
عليه السلام سار في أهل القبلة بخلاف سيرة رسول اللّه صلى الله عليه وآله في أهل الشرك!قال: فغضب ثم جلس ثم قال: «سار واللّه فيهم بسيرة رسول اللّه صلى الله عليه وآله يوم الفتح، إنّ عليّا كتب إلى مالك وهو على مقدمته في يوم البصرة بأن لا يطعن في غير مقبل، ولا يقتل مدبرا، ولا يجهز على جريح، ومن أغلق بابه فهو آمن» الحديث۲.فهي قضية في واقعة، فلا يستفاد منها الحكم الكلي كما يظهر من روايته الأخرى قال: قلت لعلي بن الحسين عليه السلام: بما سار علي بن أبي طالب عليه السلام؟فقال: «إنّ أبا اليقظان كان رجلا حادا فقال: يا أمير المؤمنين: بم تسير في هؤلاء غدا؟فقال: بالمنّ كما سار رسول اللّه صلى الله عليه وآله في أهل مكّة»۳ فحينئذ إن تمّ الإجماع في المسألة فهو، وإلاّ فالأمر كما ذكرناه، فإذن القضية في كل واقعة راجعة إلى الإمام عليه السلام نفيا وإثباتا حسب ما يراه من المصلحة.
۱- الوسائل ج ١١ باب ٢٤ من جهاد العدو، حديث ١.
۲- الوسائل ج ١١ باب ٢٤ من جهاد العدو، الحديث ٢.
۳- التهذيب ج ٦ ص ١٥٤، الحديث ٢٧٢.
مسألة ٦٠- لا تسبى ذراري البغاة وإن كانوا متولدين بعد البغي، ولا تملك نساؤهم وكذا لا يجوز أخذ أموالهم التي لم يحوها العسكر كالسلاح والدوابّ ونحوهما.
وهل يجوز أخذ ما حواه العسكر من الأموال المنقولة؟فيه قولان: عن جماعة القول الأول، وعن جماعة أخرى القول الثاني، بل نسب ذلك إلى المشهور، وهذا القول هو الصحيح، ويدلّ على كلا الحكمين عدّة من الروايات، منها صحيحة زرارة عن أبي جعفر عليه السلام قال: «لولا أنّ عليا عليه السلام سار في أهل حربه بالكفّ عن السبي والغنيمة للقيت شيعته من النّاس بلاء عظيما» ثم قال: «و اللّه لسيرته كانت خيرا لكم ممّا طلعت عليه الشمس»
۱ .
۳- الوسائل ج ١١ باب ٢٥ من جهاد العدو، الحديث ٨.
مسألة ٦١- يجوز قتل سابّ النبي الأكرم صلى الله عليه وآله وسلّم أو أحد الأئمة الأطهار عليهم السلام لكلّ من سمع ذلك، وكذا الحال في سابّ فاطمة الزهراء سلام اللّه عليها، على تفصيل ذكرناه في مباني تكملة المنهاج.
أحكام أهل الذمّة
(مسألة ٦٢): تؤخذ الجزية من أهل الكتاب وبذلك يرتفع عنهم القتال والاستعباد، ويقرّون على دينهم، ويسمح لهم بالسكنى في دار الإسلام آمنين على أنفسهم وأموالهم، وهو اليهود والنصارى والمجوس بلا إشكال ولا خلاف، بل الصابئة أيضا على الأظهر، لأنّهم من أهل الكتاب على ما تدلّ عليه الآية الكريمة وهي قوله تعالى «إِنَّ اَلَّذِينَ آمَنُوا وَ اَلَّذِينَ هََادُوا وَ اَلنَّصََارى‏ََ وَ اَلصََّابِئِينَ مَنْ آمَنَ بِاللََّهِ وَ اَلْيَوْمِ اَلْآخِرِ وَ عَمِلَ صََالِحاً فَلَهُمْ أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَ لاََ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَ لاََ هُمْ يَحْزَنُونَ»۱ والجزية توضع عليهم من قبل النبي الأكرم صلى الله عليه وآله أو الإمام عليه السلام حسب ما يراه فيه من المصلحة كمّا وكيفا، ولا تقبل من غيرهم كسائر الكفّار بلا خلاف، فإنّ عليهم أن يقبلوا الدعوة الإسلامية أو يقتلوا، وتدلّ عليه غير واحدة من الآيات الكريمة، منها قوله تعالى «فَإِذََا لَقِيتُمُ اَلَّذِينَ كَفَرُوا فَضَرْبَ اَلرِّقََابِ»۲.
ومنها قوله تعالى «قََاتِلُوهُمْ حَتََّى لاََ تَكُونَ فِتْنَةٌ وَ يَكُونَ اَلدِّينُ كُلُّهُ لِلََّهِ»
۳ وغيرهما من الآيات، وبعموم هذه الآيات يرفع اليد عن إطلاق معتبرة مسعدة بن صدقة الدالّة بإطلاقها على عدم اختصاص أخذ الجزية بأهل الكتاب، فقد روي عن أبي عبد الله عليه السلام، قال: «إنّ النبي صلى الله عليه وآله وسلّم إذا بعث أميرا له على سرية أمره بتقوى اللّه عزّ وجل في خاصة نفسه ثم في أصحابه العامة - إلى أن قال:- وإذا لقيتم عدوا للمسلمين فادعوهم إلى إحدى ثلاث، فإن هم أجابوكم إليها فاقبلوا منه وكفوا عنه، وادعوهم إلى الإسلام فإن دخلوا فيه فاقبلوا منهم وكفوا عنهم، وادعوهم إلى الهجرة بعد الإسلام فإن فعلوا فاقبلوا منهم وكفوا عنهم -إلى أن قال- فإن أبوا هاتين فادعوهم إلى إعطاء الجزية عن يد وهم صاغرون» الحديث۴.
۱- سورة البقرة، الآية ٦٢.
۲- سورة محمد صلى الله عليه وآله، الآية ٤.
۳- سورة الأنفال، الآية ٣٩.
۴- الوسائل ج ١١ باب ١٥ من جهاد العدو، حديث ٣.
مسألة ٦٣- الظاهر أنّه لا فرق في مشروعيّة أخذ الجزية من أهل الكتاب بين أن يكون في زمن الحضور أو في زمن الغيبة لإطلاق الأدلة وعدم الدليل على التقييد، ووضعها عليهم في هذا الزمان إنّما هو بيد الحاكم الشرعي كمّا وكيفا حسب ما تقتضيه المصلحة العامّة للأمّة الإسلاميّة.
مسألة ٦٤- إذا التزم أهل الكتاب بشرائط الذمة يعاملون معاملة المسلمين في ترتيب أحكامهم عليهم كحقن دمائهم وأموالهم وأعراضهم، وإذا أخلّوا بها خرجوا عن الذمّة على تفصيل يأتي في المسائل القادمة.
مسألة ٦٥- إذا ادّعى الكفّار أنّهم من أهل الكتاب ولم تكن قرينة على الخلاف سمعت في ترتيب أحكام أهل الذمة عليهم وعدم الحاجة فيه إلى إقامة البيّنة على ذلك.نعم، إذا علم بعد ذلك خلافها كشف عن بطلان عقد الذمة.
مسألة ٦٦- الأقوى أنّ الجزية لا تؤخذ من الصبيان والمجانين والنساء، وذلك لمعتبرة حفص بن غياث التي تدلّ على كبرى كلّية، وهي أنّ أيّ فرد لم يكن قتله في الجهاد جائزا لم توضع عليه الجزية، فقد سأل أبا عبد الله عليه السلام عن النساء كيف سقطت الجزية عنهنّ ورفعت عنهن؟قال: فقال: «لأنّ رسول اللّه صلى الله عليه وآله وسلم نهى عن قتل النساء والولدان في دار الحرب -إلى أن قال- ولو امتنعت أن تؤدي الجزية لم يمكن قتلها، فلمّا لم يمكن قتلها رفعت الجزية عنها -إلى أن قال- وكذلك المقعد من أهل الذمّة والاعمى والشيخ الفاني والمرأة والولدان في أرض الحرب، فمن أجل ذلك رفعت عنهم الجزية»۱ وتدلّ على ذلك في خصوص المجانين معتبرة طلحة بن زيد الآتية.
وأمّا المملوك سواء كان مملوكا لمسلم أو كان لذمي فالمشهور أنّه لا تؤخذ الجزية
منه، وقد علّل ذلك في بعض الكلمات بأنّه داخل في الكبرى المشار إليها آنفا، وهي أنّ من لم يجز قتله لم توضع عليه الجزية، ولكنّ الأظهر أنّ الجزية توضع عليه، وذلك لمعتبرة أبي الورد، فقد روى الشيخ الصدوق بسنده المعتبر عن الحسن بن محبوب، عن هشام بن سالم، عن أبي الورد، عن أبي جعفر عليه السلام، قال: سألته عن مملوك نصراني لرجل مسلم عليه جزية؟قال: «نعم، إنّما هو مالكه يفتديه إذا أخذ يؤدّي عنه»۲ وروى قريبا منه بإسناده عن أبي الورد نفسه۳ إلاّ أنّ في بعض النسخ في الرواية الثانية (أبا الدرداء) بدل (أبي الورد) والظاهر أنّه من غلط النساخ.
ونسب هذا القول إلى الصدوق في المقنع وإلى العلاّمة في التحرير.
وأمّا الشيخ الهمّ والمقعد والأعمى فالمشهور بين الأصحاب أنّه تؤخذ الجزية منهم لعموم أدلة الجزية وضعف رواية حفص، ولكنّ الأقوى عدم جواز أخذها منهم، فإنّ رواية حفص وإن كانت ضعيفة في بعض طرقها إلاّ أنّها معتبرة في بعض طرقها الأخر وهو طريق الشيخ الصدوق إليه، وعليه فلا مانع من الاعتماد عليها في الحكم المزبور.
۱- الوسائل ج ١١ باب ١٨ من أبواب جهاد العدو، الحديث ١.
۲-الفقيه ج ٣ باب نوادر العتق، الحديث ٩.
۳- الوسائل ج ١١ باب ٤٩ من جهاد العدو، الحديث ٦.
مسألة ٦٧- إذا حاصر المسلمون حصنا من حصون أهل الكتاب فقتل الرجال منهم وبقيت النساء، فعندئذ إن تمكّن المسلمون من فتح الحصن فهو، وإن لم يتمكنوا منه فلهم أن يتوسلوا إلى فتحه بأيّة وسيلة ممكنة، ولو كانت تلك الوسيلة بالصلح معهن إذا رأى ولي الأمر مصلحة فيه، وبعد عقد الصلح لا يجوز سبيهنّ لعموم الوفاء بالعقد، فما قيل من جواز إظهار عقد الصلح معهنّ صورة وبعد العقد المزبور يجوز سبيهنّ فلا دليل عليه، بل هو غير جائز، لأنّه داخل في الغدر.
وأما إذا فتحه المسلمون بأيديهم فيكون أمرهنّ بيد ولي الأمر، فإن رأى مصلحة في إعطاء الأمان لهنّ وأعطاه لم يجز حينئذ استرقاقهنّ، وإن رأى مصلحة في الاسترقاق والاستبعاد تعيّن ذلك.
مسألة ٦٨- إذا كان الذمّي عبدا فأعتق وحينئذ إن قبل الجزية ظلّ في دار الإسلام، وإن لم يقبل منع من الإقامة فيها واجبر على الخروج إلى مأمنه، ولا يجوز قتله ولا استعباده على أساس أنّه دخل دار الإسلام آمنا.
مسألة ٦٩- تقدّم عدم وجوب الجزية على المجنون مطبقا، وأمّا إذا كان أدواريّا فهل تجب عليه أو لا؟أو فيه تفصيل؟وجوه، وعن شيخ الطائفة الشيخ الطوسي -قدس سره- اختيار التفصيل بدعوى أنّه يعمل في هذا الفرض بالأغلب، فإن كانت الإفاقة أكثر وأغلب من عدمها وجبت الجزية عليه، وإن كان العكس فبالعكس.
ولكنّ هذا التفصيل بحاجة إلى دليل ولا دليل عليه، فالعبرة حينئذ إنّما هي بالصدق العرفي، فإن كان لدى العرف معتوها لم تجب الجزية عليه وإلاّ وجبت، ففي معتبرة طلحة عن أبي عبد الله عليه السلام قال: «جرت السنة أن لا تؤخذ الجزية من المعتوه، ولا من المغلوب عليه عقله»
۱.
نعم، لو أفاق حولا كاملا وجبت الجزية عليه في هذا الحول على كل حال.
۱- الوسائل ج ١١ باب ١٨ من جهاد العدو، حديث ٣.
مسألة ٧٠- إذا بلغ صبيان أهل الذمة عرض عليهم الإسلام، فإن قبلوا فهو، وإلاّ وضعت الجزية عليهم، وإن امتنعوا منها أيضا ردّوا إلى مأمنهم ولا يجوز قتلهم ولا استعبادهم باعتبار أنهم دخلوا في دار الإسلام آمنين.
مسألة ٧١- المشهور بين الأصحاب قديما وحديثا هو أنه لا حدّ للجزية، بل أمرها إلى الإمام عليه السّلام كمّا وكيفا حسب ما يراه فيه من المصلحة، ويدلّ على ذلك -مضافا إلى عدم تحديدها في الروايات- ما في صحيحة زرارة: أن أمر الجزية إلى الإمام عليه السّلام، يأخذ من كل إنسان منهم ما شاء على قدر ما يطيق۱.
۱- الوسائل ج ١١ باب ٦٨ من جهاد العدو، حديث ١.
مسألة ٧٢- إذا وضع ولي الأمر الجزية على رؤوسهم لم يجز وضعها على أراضيهم، حيث إنّ المشروع في الشريعة المقدسة وضع جزية واحدة حسب إمكاناتهم وطاقاتهم المالية التي بها حقنت دماؤهم وأموالهم، فإذا وضعت على رؤوسهم انتفى موضوع وضعها على الأراضي وبالعكس.
وصحيحتا محمد بن مسلم ناظرتان إلى هذه الصورة فقد قال: قلت لأبي عبد اللّه عليه السلام: أ رأيت ما يأخذ هؤلاء من هذا الخمس -إلى أن قال- وليس للإمام أكثر من الجزية إن شاء الإمام وضع على رؤوسهم وليس على أموالهم شيء، وإن شاء فعلى أموالهم وليس على رؤوسهم شيء الحديث.
وقال: سألته عن أهل الذمة ماذا عليهم مما يحقنون به دماءهم وأموالهم؟قال: «الخراج، وإن أخذ من رؤوسهم الجزية فلا سبيل على أرضهم، وإن أخذ من أرضهم فلا سبيل على رؤوسهم»
۱.
وأمّا إذا وضع وليّ الأمر قسطا من الجزية على الرؤوس وقسطا منها على الأراضي فلا مانع فيه، على أساس أنّ أمر وضع الجزية بيد ولي الأمر من حيث الكم والكيف، والصحيحتان المزبورتان لا تشملان هذه الصورة فإنّهما ناظرتان إلى أنّ وضع الجزية كملا إذا كان على الرؤوس انتفى موضوع وضعها على الأراضي وبالعكس، وأمّا تبعيض تلك الجزية ابتداء عليهما معا فلا مانع منه.
۱- الوسائل ج ١١ باب ٦٨ من جهاد العدو، حديث ٢، ٣.
مسألة ٧٣- لولي الأمر أن يشترط عليهم -زائدا على الجزية- ضيافة المارّة عليهم من العساكر أو غيرهم من المسلمين حسب ما يراه فيه مصلحة، من حيث الكم والكيف، على قدر طاقاتهم وإمكاناتهم المالية، وما قيل من أنّه لا بدّ من تعيين نوع الضيافة كماً وكيفاً بحسب القوت والإدام ونوع علف الدوابّ وعدد الأيّام فلا دليل عليه، بل هو راجع إلى ولي الأمر.
مسألة ٧٤- ظاهر فتاوى الأصحاب في كلماتهم أنّ الجزية تؤخذ سنة بعد سنة وتتكرر بتكرر الحول ولكنّ إثبات ذلك بالنصوص مشكل جدّا، فالصحيح أنّ أمرها بيد الإمام عليه السلام، وله أن يضع الجزية في كلّ سنة وله أن يضعها في أكثر من سنة مرة واحدة حسب ما فيه من المصلحة.
مسألة ٧٥- إذا أسلم الذمّي قبل تماميّة الحول أو بعد تماميّته وقبل الأداء سقطت عنه بسقوط موضوعها، فإنّ موضوعها حسب ما في الآية الكريمة وغيرها هو الكافر، فإذا أصبح مسلما ولو بعد الحول سقطت الجزية عنه ولا تجب عليه تأديتها، ولا فرق في ذلك بين أن يكون هو الداعي لقبوله الإسلام أو يكون الداعي له أمرا آخر.
مسألة ٧٦- المشهور بين الأصحاب أنّه لو مات الذمّي وهو ذمّي بعد الحول لم تسقط الجزية عنه وأخذت من تركته كالدين، ولكن ذلك مبني على أن يكون جعل الجزية من قبيل الوضع كجعل الزكاة والخمس على الأموال، ولازم ذلك هو أن الذمّي لو مات في أثناء الحول مثلا لأخذت الجزية من تركته بالنسبة، وهذا وإن كان مذكورا في كلام بعضهم إلاّ أنّه غير منصوص عليه في كلمات المشهور، ومن هنا لا يبعد أن يقال إنّها ليست كالدين الثابت على ذمّته حتى تخرج من تركته بعد موته مطلقا، بل المستفاد من الدليل هو أنّ الواجب عليه إنّما هو الإعطاء عن يد وهو صاغر، فإذا مات انتفى بانتفاء موضوعه، وبذلك يظهر حال ما إذا مات في أثناء الحول، بل هو أولى بالسقوط.
مسألة ٧٧- يجوز أخذ الجزية من ثمن الخمور والخنازير والميتة من الذمّي حيث أنّ وزره عليه لا على غيره، وتدلّ عليه صحيحة محمّد بن مسلم، قال: سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن صدقات أهل الذمّة وما يؤخذ من جزيتهم من ثمن خمورهم وخنازيرهم وميتتهم؟قال: «عليهم الجزية في أموالهم، تؤخذ من ثمن لحم الخنزير أو خمر، فكل ما أخذوا منهم من ذلك فوزر ذلك عليهم وثمنه للمسلمين حلال، يأخذونه في جزيتهم»۱.
۱- الوسائل ج ١١ باب ٧٠ من جهاد العدو، الحديث ١.
مسألة ٧٨- لا تتداخل جزية سنين متعدّدة إذا اجتمعت على الذمّي بل عليه أن يعطي الجميع إلاّ إذا رأى ولي الأمر مصلحة في عدم الأخذ.
 
(شرائط الذمّة)
مسألة ٧٩- من شرائط الذمّة أن يقبل أهل الكتاب إعطاء الجزية لولي الأمر على الكيفية المذكورة، فإنّه مضافا إلى التسالم بين الأصحاب يدلّ عليه الكتاب والسنة.
ومنها: أن لا يرتكبوا ما ينافي الأمان، كالعزم على حرب المسلمين وإمداد المشركين في الحرب وما شاكل ذلك، وهذا الشرط ليس من الشروط الخارجية بل هو داخل في مفهوم الذمّة فلا يحتاج إثباته إلى دليل آخر.

مسألة ٨٠ - المشهور بين الأصحاب أنّ التجاهر بالمنكرات كشرب الخمر وأكل لحم الخنزير والربا والنكاح بالأخوات وبنات الأخ وبنات الأخت وغيرها من المحرّمات كالزنا واللّواط ونحوهما يوجب نقض عقد الذمّة.ومن هذا القبيل عدم إحداث الكنائس والبيع وضرب الناقوس وما شاكل ذلك ممّا يوجب إعلان أديانهم وترويجها بين المسلمين.
هذا فيما إذا اشترط عدم التجاهر بتلك المحرمات والمنكرات في ضمن عقد الذمّة واضح.
وأمّا إذا لم يشترط عدم التجاهر بها في ضمن العقد المزبور فهل التجاهر بها يوجب النقض؟فيه وجهان، فعن العلاّمة في التذكرة والتحرير والمنتهى الوجه الثاني، ولكنّ الأظهر هو الوجه الأوّل، وذلك لصحيحة زرارة، فقد روى عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال: «إنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله قبل الجزية من أهل الذمّة على أن لا يأكلوا الربا، ولا يأكلوا لحم الخنزير، ولا ينكحوا الأخوات ولا بنات الأخ ولا بنات الأخت، فمن فعل ذلك منهم برئت منه ذمّة اللّه وذمّة رسوله
صلّى اللّه عليه وآله وسلّم» قال: «و ليست لهم اليوم ذمّة»۱.فإنّ مقتضى ذيل الصحيحة وهو قوله عليه السلام: «ليست لهم اليوم ذمّة» هو أنّ التجاهر بها يوجب نقض الذمّة وانتهاءها وأنّها لا تنسجم معه، وبما أنّ أهل الكتاب كانوا في زمان الخلفاء متجاهرين بالمنكرات المزبورة فلأجل ذلك نفى عنهم الذمّة.
وأمّا غير ذلك كارتفاع جدرانهم على جدران المسلمين وعدم تميزهم في اللّباس والشعر والركوب والكنى والألقاب ونحو ذلك مما لا ينافي مصلحة عامة للإسلام أو المسلمين فلا دليل على أنّه يوجب نقض الذمّة.
نعم لولي الأمر اشتراط ذلك في ضمن العقد إذا رأى فيه مصلحة.
۱- الوسائل ج ١١ باب ٤٨ من جهاد العدو، الحديث ١.
مسألة ٨١- يشترط على أهل الذمّة أن لا يربّوا أولادهم على الاعتناق بأديانهم -كاليهودية أو النصرانية أو المجوسيّة أو نحوها- بأن يمنعوا من الحضور في مجالس المسلمين ومراكز تبليغاتهم والاختلاط مع أولادهم، بل عليهم تخلية سبيلهم في اختيار الطريقة، وبطبيعة الحال أنّهم يختارون الطريقة الموافقة للفطرة وهي الطريقة الإسلاميّة، وقد دلّت على ذلك صحيحة فضيل بن عثمان الأعور عن أبي عبد اللّه عليه السّلام أنّه قال: «ما من مولود يولد إلاّ على الفطرة، فأبواه اللّذان يهوّدانه وينصّرانه ويمجّسانه، وإنّما أعطى رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله وسلّم الذمّة وقبل الجزية عن رؤوس أولئك بأعيانهم على أن لا يهوّدوا أولادهم ولا ينصّروا، وأمّا أولاد أهل الذمّة اليوم فلا ذمّة لهم»۱.
۱- الوسائل ج ١١ باب ٤٨ من جهاد العدو، حديث ٣.

مسألة ٨٢- إذا أخلّ أهل الكتاب بشرائط الذمّة بعد قبولها خرجوا منها، وعندئذ هل على ولي الأمر ردّهم إلى مأمنهم أو له قتلهم أو استرقاقهم؟فيه قولان: الأقوى هوالثاني حيث إنّه لا أمان لهم بعد خروجهم عن الذمّة، ويدلّ على ذلك قوله عليه السلام في ذيل صحيحة زرارة المتقدمة آنفا: «فمن فعل ذلك منهم برئت منه ذمّة اللّه وذمّة رسوله صلّى اللّه عليه وآله وسلّم» فإنّ ظاهر البراءة هو أنّه لا أمان له، ومن الظاهر أنّ لزوم الردّ إلى مأمنه نوع أمان له.
فإذن، على ولي الأمر أن يدعوهم إلى الاعتناق بالإسلام فإن قبلوا فهو، وإلاّ فالوظيفة التخيير بين قتلهم وسبي نسائهم وذراريهم، وبين استرقاقهم أيضا.
مسألة ٨٣- إذا أسلم الذمّي بعد إخلاله بشرط من شرائط الذمّة سقط عنه القتل والاسترقاق ونحوهما مما هو ثابت حال كفره، نعم لا يسقط عنه القود والحدّ ونحوهما مما ثبت على ذمّته، حيث لا يختصّ ثبوته بكونه كافرا، وكذا لا ترتفع رقّيته بالإسلام إذا أسلم بعد الاسترقاق.
مسألة ٨٤- يكره الابتداء بالسّلام على الذمّي، وهو مقتضى الجمع بين صحيحة غياث بن إبراهيم عن أبي عبد اللّه عليه السلام، قال: «قال أمير المؤمنين عليه السلام لا تبدؤا أهل الكتاب بالتسليم، وإذا سلّموا عليكم فقولوا: وعليكم»۱ وصحيحة ابن الحجّاج، قال: قلت لأبي الحسن عليه السلام: أ رأيت إن احتجت إلى طبيب وهو نصراني أسلّم عليه وأدعو له؟قال: «نعم، إنّه لا ينفعه دعاؤك»۲ فإنّ مورد الصحيحة الثانية وإن كان فرض الحاجة إلاّ أن الحاجة إنّما هي في المراجعة إلى الطبيب النصراني لا في السّلام عليه، إذ يمكن التحيّة له بغير لفظ السّلام مما هو متعارف عنده، على أنّ التعليل في ذيل الصحيحة شاهد على أنّه لا مانع منه مطلقا حيث أنّ الدّعاء لا يفيده.
وأمّا إذا ابتدأ الذمّي بالسّلام على المسلم فالأحوط وجوب الردّ عليه بصيغة عليك أو عليكم أو بصيغة «سلام» فقط.
۱- الوسائل ج ٨ باب ٤٩ من أحكام العشرة حديث ١.
۲- الوسائل ج ٨ باب ٥٣ من أحكام العشرة حديث ١.
مسألة ٨٥ - لا يجوز لأهل الذمّة إحداث الكنائس والبيع والصوامع وبيوت النيران في بلاد الإسلام، وإذا أحدثوها خرجوا عن الذمّة فلا أمان لهم بعد ذلك.
هذا إذا اشترط عدم إحداثها في ضمن العقد، وأمّا إذا لم يشترط لم يخرجوا منها، ولكن لولي الأمر هدمها إذا رأى فيه مصلحة ملزمة.
وأمّا إذا كانت هذه الأمور موجودة قبل الفتح فحينئذ إن كان إبقاؤها منافيا لمظاهر الإسلام وشوكته فعلى ولي الأمر هدمها وإزالتها، وإلاّ فلا مانع من إقرارهم عليها، كما أنّ عليهم هدمها إذا اشترط في ضمن العقد.
مسألة ٨٦ - المشهور أنّه لا يجوز للذمّي أن يعلو بما استجدّه من المساكن على المسلمين، وعن المسالك أنّه موضع وفاق بين المسلمين، ولكن دليله غير ظاهر فإن تم الإجماع فهو، وإلاّ فالأمر راجع إلى ولي الأمر.نعم، إذا كان في ذلك مذلّة للمسلمين وعزّة للذمّي لم يجز.
مسألة ٨٧ - المعروف بين الأصحاب عدم جواز دخول الكفّار أجمع في المساجد كلّها، ولكن إتمام ذلك بالدليل مشكل، إلاّ إذا أوجب دخولهم الهتك فيها أو تلوّثها بالنجاسة.
نعم، لا يجوز دخول المشركين خاصة في المسجد الحرام جزما.

مسألة ٨٨ - المشهور بين الفقهاء أنّ على المسلمين أن يخرجوا الكفّار من الحجاز ولا يسكنوهم فيه ولكنّ إتمامه بالدليل مشكل.
 
(المهادنة)
مسألة ٨٩- يجوز المهادنة مع الكفّار المحاربين إذا اقتضتها المصلحة للإسلام أو المسلمين، ولا فرق في ذلك بين أن تكون مع العوض أو بدونه، بل لا بأس بها مع إعطاء ولي الأمر العوض لهم إذا كانت فيه مصلحة عامّة.
نعم إذا كان المسلمون في مكان القوّة والكفّار في مكان الضعف بحيث يعلم الغلبة عليهم لم تجز المهادنة.
مسألة ٩٠- عقد الهدنة بيد ولي الأمر حسب ما يراه فيه من المصلحة، وعلى هذا فبطبيعة الحال يكون مدّته من حيث القلة والكثرة بيده حسب ما تقتضيه المصلحة العامّة.
ولا فرق في ذلك بين أن تكون مدّته أربعة أشهر أو أقلّ أو أكثر، بل يجوز جعلها أكثر من سنة إذا كانت فيه مصلحة، وأمّا ما هو المشهور بين الفقهاء من أنّه لا يجوز جعل المدّة أكثر من سنة فلا يمكن إتمامه بدليل.

مسألة ٩١- يجوز لولي الأمر أن يشترط مع الكفّار في ضمن العقد أمرا سائغا ومشروعا كإرجاع أسارى المسلمين وما شاكل ذلك، ولا يجوز اشتراط أمر غير سائغ كإرجاع النساء المسلمات إلى دار الكفر وما شابه ذلك.
مسألة ۹۲- إذا هاجرت النساء إلى دار الإسلام في زمان الهدنة وتحقّق إسلامهنّ لم يجز إرجاعهن إلى دار الكفر بلا فرق بين أن يكون إسلامهن قبل الهجرة أو بعدها.
نعم، يجب إعطاء أزواجهنّ ما أنفقوا من المهور عليهنّ.

مسألة ۹۳- لو ارتدّت المرأة المسلمة بعد الهجرة من دار الكفر إلى دار الإسلام لم ترجع إلى دار الكفر ويجرى عليها حكم المسلمة المرتدّة في دار الإسلام ابتداء من الحبس والضرب في أوقات الصلاة حتى تتوب أو تموت.
مسألة ۹۴- إذا ماتت المرأة المسلمة المهاجرة بعد مطالبة زوجها المهر منها وجب ردّه إليه إن كان حيّا وإلى ورثته إن كان ميّتا.
وأمّا إذا كانت المطالبة بعد موت الزوجة فالظاهر عدم وجوب ردّه إليه، لأنّ ظاهر الآية الكريمة هو أنّ ردّ المهر إنّما هو عوض ردّ الزوجة بعد مطالبة الزوج إيّاها، وإذا ماتت انتفى الموضوع.
كما أنّه لو طلّقها بائنا بعد الهجرة لم يستحق المطالبة، على أساس أنّ ظاهر الآية هو أنّه لا يجوز إرجاع المرأة المزبورة بعد المطالبة وإنّما يجب إرجاع المهر إليه بدلا عن ردّها، فإذا طلّقها بائنا فقد انقطعت علاقته عنها نهائيا فليس له حق المطالبة
بإرجاعها حينئذ.
وهذا بخلاف ما إذا طلّقها رجعيّا حيث أنّ له حق المطالبة بإرجاعها في العدّة باعتبار أنّها زوجة له، فإذا طالب فيها وجب ردّ مهرها إليه.

مسألة ۹۵- إذا أسلمت زوجة الكافر بانت منه، ووجبت عليها العدة إذا كانت مدخولا بها، فإذا أسلم الزوج وهي في العدة كان أحق بها، وتدلّ على ذلك عدّة من الروايات، منها معتبرة السكوني، عن جعفر بن محمّد، عن أبيه، عن علي عليه السلام أنّ امرأة مجوسيّة أسلمت قبل زوجها، قال عليّ عليه السلام: «أتسلم؟» قال: لا ففرّق بينهما ثم قال: «إن أسلمت قبل انقضاء عدّتها فهي امرأتك، وإن انقضت عدّتها قبل أن تسلم ثم أسلمت فأنت خاطب من الخطّاب»۱.
۱- التهذيب ج ٧ صفحة، ٣٠١ الحديث ١٢٥٧.
وفي حكمها ما إذا أسلمت في عدّتها من الطلاق الرجعي، فإذا أسلم الزوج بعد إسلام زوجته المهاجرة في عدّتها من طلاقها طلاقا رجعيّا كان أحقّ بها ووجب عليه ردّ مهرها إن كان قد أخذه.
وأمّا إذا أسلم بعد انقضاء العدّة فليس له حق الرجوع بها فإنّه -مضافا إلى أنّه مقتضى القاعدة- تدلّ عليه ردّ معتبرة السكوني وغيرها.

مسألة ۹۶- إذا هاجر الرجال إلى دار الإسلام وأسلموا في زمان الهدنة لم يجز إرجاعهم إلى دار الكفر، لأنّ عقد الهدنة لا يقتضي أزيد من الأمان على أنفسهم وأعراضهم وأموالهم ما داموا على كفرهم في دار الإسلام ثم يرجعوهم إلى مأمنهم.
وأمّا إذا أسلموا فيصبحون محقوني الدم والمال بسبب اعتناقهم بالإسلام، وحينئذ خرجوا عن موضوع عقد الهدنة فلا يجوز إرجاعهم إلى موطنهم بمقتضى العقد المذكور.
هذا إذا لم يشترط في ضمن العقد إعادة الرجال، وأمّا إذا اشترط ذلك في ضمن العقد فحينئذ إن كانوا متمكّنين بعد إعادتهم إلى موطنهم من إقامة شعائر الإسلام
والعمل بوظائفهم الدينيّة بدون خوف فيجب الوفاء بالشرط المذكور وإلا فالشرط باطل.
مسألة ۹۷- إذا هاجرت نساء الحربيّين من دار الكفر إلى دار الإسلام وأسلمت لم يجب إرجاع مهورهن إلى أزواجهن، لاختصاص الآية الكريمة الدالّة على هذا الحكم بنساء الكفّار المعاهدين بقرينة قوله تعالى «وَ سْئَلُوا مََا أَنْفَقْتُمْ وَ لْيَسْئَلُوا مََا أَنْفَقُوا»۱ باعتبار أنّ السؤال لا يمكن عادة إلاّ من هؤلاء الكفّار على أنّ الحكم على القاعدة.
والحمد للّه أوّلا وآخرا.
۱- سورة الممتحنة ٦٠: ١٠.
أو ٢٠
المصارف والبنوك
وهي ثلاثة أصناف:
۱- أهلي: وهو ما يتكوّن رأس ماله من شخص واحد أو أشخاص مشتركين.
۲- حكومي: وهو الذي تقوم الدولة بتمويله.
۳- مشترك: وتموله الدولة وأفراد الشعب.
١- البنك الأهلي الإسلامي:

مسألة ۱- لا يجوز الاقتراض منه بشرط الفائض والزيادة، لأنه ربا محرم وللتخلص من ذلك الطريق الآتي وهو: أن يشتري المقترض من صاحب البنك أو من وكيله المفوض بضاعة بأكثر من قيمتها الواقعية ١٠

  

 
پاسخ به احکام شرعی
 
موتور جستجوی سایت

تابلو اعلانات
  




پیوندها

حدیث روز
بسم الله الرحمن الرحیم
چهار پناهگاه در قرآن
   
أَبَانُ بْنُ عُثْمَانَ وَ هِشَامُ بْنُ سَالِمٍ وَ مُحَمَّدُ بْنُ حُمْرَانَ عَنِ الصَّادِقِ (علیه السلام) قَالَ:
عَجِبْتُ لِمَنْ فَزِعَ مِنْ أَرْبَعٍ كَيْفَ لَا يَفْزَعُ إِلَى أَرْبَعٍ
(۱) عَجِبْتُ لِمَنْ خَافَ كَيْفَ لَا يَفْزَعُ إِلَى قَوْلِهِ- حَسْبُنَا اللَّهُ وَ نِعْمَ الْوَكِيلُ فَإِنِّي سَمِعْتُ اللَّهَ عَزَّ وَ جَلَّ يَقُولُ بِعَقَبِهَا فَانْقَلَبُوا بِنِعْمَةٍ مِنَ اللَّهِ وَ فَضْلٍ لَمْ يَمْسَسْهُمْ سُوءٌ
(۲) وَ عَجِبْتُ لِمَنِ اغْتَمَّ كَيْفَ لَا يَفْزَعُ إِلَى قَوْلِهِ- لا إِلهَ إِلَّا أَنْتَ سُبْحانَكَ إِنِّي كُنْتُ مِنَ الظَّالِمِينَ فَإِنِّي سَمِعْتُ اللَّهَ عَزَّ وَ جَلَّ يَقُولُ بِعَقَبِهَا- وَ نَجَّيْناهُ مِنَ الْغَمِّ وَ كَذلِكَ نُنْجِي الْمُؤْمِنِينَ
(۳) وَ عَجِبْتُ لِمَنْ مُكِرَ بِهِ كَيْفَ لَا يَفْزَعُ إِلَى قَوْلِهِ- وَ أُفَوِّضُ أَمْرِي إِلَى اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ بَصِيرٌ بِالْعِبادِ فَإِنِّي سَمِعْتُ اللَّهَ عَزَّ وَ جَلَّ يَقُولُ بِعَقَبِهَا- فَوَقاهُ اللَّهُ سَيِّئاتِ ما مَكَرُوا
(۴) وَ عَجِبْتُ لِمَنْ أَرَادَ الدُّنْيَا وَ زِينَتَهَا كَيْفَ لَا يَفْزَعُ إِلَى قَوْلِهِ- ما شاءَ اللَّهُ لا قُوَّةَ إِلَّا بِاللَّهِ فَإِنِّي سَمِعْتُ اللَّهَ عَزَّ وَ جَلَّ يَقُولُ بِعَقَبِهَا- إِنْ تَرَنِ أَنَا أَقَلَّ مِنْكَ مالًا وَ وَلَداً. فَعَسى‏ رَبِّي أَنْ يُؤْتِيَنِ خَيْراً مِنْ جَنَّتِكَ وَ عَسَى مُوجِبَةٌ
    
آقا امام صادق (عليه السّلام) فرمود: در شگفتم از كسى كه از چهار چيز مى‌هراسد چرا بچهار چيز پناهنده نميشود:
(۱) شگفتم از آنكه ميترسد چرا پناه نمى‌برد بفرمودۀ خداى عز و جل« حَسْبُنَا اَللّٰهُ‌ وَ نِعْمَ‌ اَلْوَكِيلُ‌ » خداوند ما را بس است و چه وكيل خوبى است زيرا شنيدم خداى جل جلاله بدنبال آن ميفرمايد:بواسطۀ نعمت و فضلى كه از طرف خداوند شامل حالشان گرديد باز گشتند و هيچ بدى بآنان نرسيد.
(۲) و شگفتم در كسى كه اندوهناك است چرا پناه نمى‌برد بفرمودۀ خداى عز و جل:« لاٰ إِلٰهَ‌ إِلاّٰ أَنْتَ‌ سُبْحٰانَكَ‌ إِنِّي كُنْتُ‌ مِنَ‌ اَلظّٰالِمِينَ‌ » زيرا شنيدم خداى عز و جل بدنبال آن ميفرمايد در خواستش را برآورديم و از اندوه نجاتش داديم و مؤمنين را هم چنين ميرهانيم.
(۳) و در شگفتم از كسى كه حيله‌اى در بارۀ او بكار رفته چرا بفرمودۀ خداى تعالى پناه نمى‌برد« وَ أُفَوِّضُ‌ أَمْرِي إِلَى اَللّٰهِ‌ إِنَّ‌ اَللّٰهَ‌ بَصِيرٌ بِالْعِبٰادِ »:كار خود را بخدا واگذار ميكنيم كه خداوند بحال بندگان بينا است)زيرا شنيدم خداى بزرگ و پاك بدنبالش مى‌فرمايد خداوند او را از بديهائى كه در بارۀ او بحيله انجام داده بودند نگه داشت.
(۴) و در شگفتم از كسى كه خواستار دنيا و آرايش آن است چرا پناهنده نميشود بفرمايش خداى تبارك و تعالى(« مٰا شٰاءَ اَللّٰهُ‌ لاٰ قُوَّةَ‌ إِلاّٰ بِاللّٰهِ‌ »)(آنچه خدا خواست همان است و نيروئى جز به يارى خداوند نيست)زيرا شنيدم خداى عز اسمه بدنبال آن ميفرمايد اگر چه مرا در مال و فرزند از خودت كمتر مى‌بينى ولى اميد هست كه پروردگار من بهتر از باغ تو مرا نصيب فرمايد (و كلمۀ:عسى در اين آيه بمعناى اميد تنها نيست بلكه بمعناى اثبات و تحقق يافتن است).
من لا يحضره الفقيه، ج‏۴، ص: ۳۹۲؛
الأمالي( للصدوق)، ص: ۶؛
الخصال، ج‏۱، ص: ۲۱۸.


کلیه حقوق مادی و معنوی این پورتال محفوظ و متعلق به حجت الاسلام و المسلمین سید محمدحسن بنی هاشمی خمینی میباشد.

طراحی و پیاده سازی: FARTECH/فرتک - فکور رایانه توسعه کویر -