(مسأله1):من أعظم الواجبات الدینیة الامر بالمعروف و النهي عن المنکر قال الله تعالی: (و لتکن منکم أمة یدعون الی الخیر و یأمرون بالمعروف و ینهون عن المنکر و أولئل هم المفلحون) و قد ورد عنهم علیهم السلام أن بالامر بالمعروف تقام الفرائض، و تأمن المذاهب، و تحل المکاسب، و تمنع المظالم و تعمر الأرض، و ینتصف للمظلوم من الظالم، و لا یزال الناس بخیر ما أمروا بالمعروف و نهوا عن المنکر، و تعاونوا علی البر، فإذا لم یفعلوا ذلک نزعت منهم البرکات و سلط بعضهم علی بعض، و لم یکن لهم ناصر في الأرض و لا في السماء. و قال النبي (صلی الله علیه و آله و سلم): «کیف بکم اذا فسدت نساؤکم، و فسق شبابکم، و لم تأمروا بالمعروف و لم تنهوا عن المنکر، فقیل له: و یکون ذلک یا رسول الله؟ قال (صلی الله علیه و آله و سلم): نعم. فقال: کیف بکم إذا أمرتم بالمنکر، و نهیتم عن المعروف فقیل له: یا رسول (صلی الله علیه و آله و سلم) و یکون ذلک؟ فقال (صلی الله علیه و آله و سلم): نعم. و شر من ذلک کیف بکم إذا رایتم المعروف منکراً و المنکر معروفاً؟».
(مسأله2): : یجب الامر بالمعروف الواجب، و النهي عن المنکر وجوبا کفائیاً إن قام به واحد سقط عن غیره، و إذا لم یقم به واحد أثم الجمیع و استحقوا العقاب.
(مسأله3): اذا کان المعروف مستحباً کان الامر به مستحباً، فإذا أمر به کان مستحقاً للثواب و إن لم یأمر به لم یکن علیه إثم و لا عقاب.
(مسأله4): یشترط في وجوب الامر بالمعروف الواجب و النهي عن المنکر أمور:
الاول: معرفة المعروف و المنکر و لو اجمالا، فلا یحبان علی الجاهل بالمعروف و المنکر.
الثاني: احتمال ائتمار المأمور بالمعروف بالامر، و انتهاء المنهي عن المنکر بالنهي، فإذا لم یحتمل ذلک و علم ان الشخص الفاعل لا یبالي بالامر أو النهي و لا یکترث بهما لا یجب علیه شيء.
الثالث: أن یکون الفاعل مصراً علی ترک المعروف و ارتکاب المنکر،1 فإذا کانت أمارة علی الأقلاع و ترک الاصرار لم یجب شيء، بل لا یبعد عدم الوجوب بمجرد احتمال ذلک، فمن ترک واجباً او فعل حراماً و لم یعلم أنه مصر علی ترک الواجب أو فعل الحرام ثانیاً أو أنه منصرف عن ذلک أو نادم علیه لم یجب علیه شيء.
صدر 1- المناط هو الاقدام علی ترک المعروف أو فعل المنکر و لو للمرة الأولی.
الرابع: أن یکون المعرف و المنکر منجزاً في حق الفاعل، فإذا کان معذوراً في فعله المنکر أو ترکه المعروف لاعتقاد أن ما فعله مباح و لیس بحرام، أو أن ما ترکه لیس بواجب و کان معذوراً في ذلک للاشتباه في الموضوعع أو الحکم اجتهاداً أو تقلیداً لم یجب شيء.
الخامس: أن لا یلزم من الامر بالمعروف و النهي عن المنکر ضرر في النفس، أو في العرض أو في المال، علی الآمر أو علی غیره من المسلمین، فإذا لزم الضرر علیه أو علی غیره من المسلمین لم یجب شيء، و الظاهر أنه لا فرق بین العلم بلزوم الضرر و الظن به و الاحتمال المعتد به عند العقلاء المواجب لصدق الخوف.
(مسأله5): لا یختص وجوب الامر بالمعروف و النهي عن المنکر بصنف من الناس دون صنف، بل یجب عند اجتماع الشرائط المذکورة علی العلماء و غیرهم، و العدول و الفساق، و السلطان و الرعیة، و الاغنیاء و الفقراء و قد تقدم انه ان قام به واحد سقط الوجوب عن غیره، و ان لم یقم به أحد أثم الجمیع و استحقو العقاب.
(مسأله6): للأمر بالمعروف و النهي عن المنکر مراتب:
الاول: الانکار بالقلب، بمعني إظهار کراهة المنکر أو ترک المعروف إما بإظهار الانزعاج من الفاعل، أو الاعراض و الصد عنه، أو ترک الکلام معه أو نحو ذلک من فعل أو ترک یدل علی کراهة ما وقع منه.
الثانی:1 الانکرا باللسان و القول، بأن یعظه و ینصحه و یذکر له ما أعد الله سبحانه للعالمین من العقاب الألین و العذاب فط الجحیم، أو یذکر له ما أعده الله تعالی للمطیعین من الثواب الجسیم و الفوز في جنات النعیم.
صدر: 1- الظاهر ان هذا و ما قبله فط مرتبة واحدة.
الثالث: الانکار بالید بالضرب المؤلم الرادع عن المعصیة، و لکل واحدة من هذه المراتب مراتب أخف و أشد، و المشهور الترتیب بین هذه المراتب فان کان إظهار الانکار القلي کافیاً في الزجر اقتصر علیه، و إلا انکر باللسان فان لم یکف ذلک أنکره بیده، بل المشهور الترتیب بین مراتب کل واحدة، فلا ینتقل الی الاشد في کل مرتبة إلا إذا لم یکف الاخف و هو أحوط1.
صدر: 1- الظاهر مراعاة المراتب في کل مرتبة لیس هو الاحوط بالنسبة الی المرتبة الاولی بل بالنسبة الی بعض مراتب المرتبة الثانیة أیضاً.
(مسأله7): إذا لم تکف المراتب المذکورة في ردع الفاعل ففي جواز الانتقال الی الجرح و القتل و جهان، بل قولان أقواهما العدم، و کذا إذا توقف علی کسر عضو من ید أو رجل أو غیرهما، أو أعابة عضو کشلل أو إعوجاج أو نحوهما، فان الاقوی عدم جواز ذلک، و إذا أدی الضرب إلی ذلک خطا أو عمداً فالاقوی ضمان الآمر و الناهي لذلک فتجزي علیه أحکام الجنایة العمدیة ان کان عمداً، و الخطئیة إن کان خطأ. نعم یجوز للامام و نائبه ذلک اذا کان یترتب علی معصیة الفاعل مفسدة أهم من جرحه أو قتله و حینئذ لا ضمان علیه.
(مسأله8): یتأکرد وجوب الأمر بالمعروف و النهي عن المنکر في حق المکلف بالنسبة الی أهله، فیجب علیه إذی رأی منهم التهاون في الواجبات کالصلاة و أجزائها و شرائطها بان لا یأتوا بها علی وجهها لعدم صحة القراءة و الاذکار الواجبة، أو لا یتوضأوا وضوءاً صحیحاً، أولا یطهروا ابدائهم و لباسهم من النجاسة علی الوجه الصحیح أمرهم بالمعروف علی الترتیب المتقدم حتی یأتوا بها علی وجهها، و کذا الحال في بقیة الواجبات، و کذا إذا رأی منهم التهاون في المحرمات کالغیبة و النمیمة، و العدوان من بعضهم علی بعض، أو علی غیرهم أو غیر ذلک من المحرمات، فانه یجب ان ینهاهم عن المنکر حتی ینتهوا عن المعصیة.
(مسأله9): إذا صدرت المعصیة من شخص من باب الاتفاق و علم انه غیر مصر علیها لکنه لم یتب منها وجب أمره بالتوبة فانها من الواجب و ترکها کبیرة موبقة، هذا مع إلتفات الفاعل الیها، اما مع الغفلة ففي وجوب أمره بها اشکال و الأحوط استحباباً ذلک.
فائدة: قال بعض الأکابر قدس سره: ان من أعظم أفراد الأمر بالمعروف و النهي عن المنکر و أعلاها و أتقنها و أشدها خصوصاً بالنسبة الی رؤساء الدین ان یلبس رداء المعروف واجبه و مندوبه، و ینزع رداء المنکر محرمه و مکروهه، و یستکمل نفسه بالاخلاق الکریمة، و ینزهها عن الأخلاق الذمیمة، فان ذلک منه سبب تام لفعل الناس المعروف، و نزعهم المنکر، خصوصاً إذا أ کمل ذلک بالمواعظ الحسنة المرغبة و المرهبة، فان لکل مقام مقالا، و لکل داء دواء، و طب النفوس و العقول أشد من طب الأبدان بمراتب کثیرة، و حینئذ یکون قد جاء بأعلی أفراد الأمر بالمعروف و النهي عن المنکر.
ختام، فیه مطلبان:
المطلب الأول: في ذکر أمور هي من المعروف.
منها: الاعتصام بالله تعالی، قال الله تعالی: (و من یعتصم بالله فقد هدي الی صراط مستقیم) و قال أبو عبد الله علیه السلام: « أو حی الله عز و جل الی داود ما اعتصم بي عبد من عبادي دون أحد من خلقي عرفت ذلک من نیته ثم تکیده السماوات و الأرض و من فیهن إلا جعلت له المخرج من بینهن».
و منها: التوکل علی الله سبحانه، الرؤف الرحیم بخلقه العالم بمصالحه و القادر علی قضاء حوائجهم. و اذا لم یتوکل علیه تعالی فعلی من یتوکل أعلی نفسه أم علی غیره مع عجزه و جهله قال الله تعالی: ( و من یتوکل علی الله فهو حسبه) و قال أبو عبد الله (علیه السلام): « ان الغنی و العز یجولان فاذا ظفرا بموضع من التوکل أو طنا».
و منها: حسن الظن بالله تعالی، قال أمیر المؤمنین (علیه السلام) فیما قال: «و الذي لا إله إلا هو لا یحسن ظن عبد مؤمن بالله إلا کان الله عند ظن عبده المؤمن، لأن الله کریم بیده الخیر یستحي ان یکون عبده المؤمن قد أحسن به الظن ثم یخلف ظنه و رجاءه فأحسنوا بالله الظن و ارغبوا الیه».
و منها: الصبر عند البلاء، و الصبر عن محارم الله تعالی، قال الله تعالی:
(انما یوفی الصابرون أجرهم بغیر حساب) و قال رسول الله (صلی الله علیه و آله و سلم) في حدیث: « فاصبر فان في الصبر علی ما تکره خیراً کثیراً، و اعلم ان النصر مع الصبر ، و ان الفرح مع الکرب، فان مع العسر یسراً، ان مع العسر یسراً»، و قال أمیر المؤمنین (علیه السلام): « لا یعدم الصبر الظفر و ان طال به الزمان»، و قال (علیه السلام) «الصبر صبران: صبر عند المصیبة حسن جمیل، و أحسن من ذلک الصبر عندما حرم الله تعالی علیک».
و منها العفة، قال أبو جعفر (علیه السلام) « ما عبادة أفضل عند الله من عفة بطن و فرج»، و قال أبو عبد الله (علیه السلام): « إنما شیعة جعفر (علیه السلام) من عف بطنه و فرجه، و اشتد جهاده، و عمل الخالقه، و رجا ثوابه، و خاف عقابه، فاذا رأیت أولئک فأولئک شیعة جعفر» (علیه السلام).
و منها: الحلم، قال رسول الله (صلی الله علیه و آله و سلم): « ما أعز الله بجهل قط، و لا أذل بحلم قط» . و قال أمیر المؤمنین (علیه السلام) « أول عوض الحلیم من حمله ان الناس أنصاره علی الجاهل»، و قال الرضا (علیه السلام): « لا یکون الرجل عابداً حتی یکون حلیماً».
و منها: التواضع، قال رسول الله (صلی الله علیه و آله و سلم) « من تواضع لله رفعه الله و من تکبر خفضه الله، و من اقتصد في معیشته رزقه الله، و من بذر حرمه الله، و من أکثر ذکر الموت أحبه الله تعالی».
و منها: إنصاف الناس، و لو من النفس قال رسول (صلی الله علیه و آله وسلم) «سید الاعمال انصاف الناس من نفسک، و مواساة الاخ في الله تعالی علی کل حال».
و منها: اشتغال الانسان بعیبه عن عیوب الناس، قال رسول الله (صلی الله علیه و آله و سلم)
« طوبی لمن شغله خوف الله عز و جل عن خوف الناس، طوبی لمن شغله عیبه عن عیوب المؤمنین» و قال (صلی الله علیه و آله وسلم) ان أسرع الخیر ثوابا البر، و ان أسرع الشر عقابا البغي، و کفی بالمرء عیباً أن یبصر من الناس ما یعمی عنه من نفسه، و ان یعیر الناس بما لا یستطیع ترکه، و أن یؤذي جلیسه بما لا یعنیه».
و منها: اصلاح النقس عند میلها الی الشر، قال أمیر المؤمنین: « من أصلح سریرته أصلح الله تعالی علانیته، و من علم لذینه کفاه الله دیناه، و من أحسن فیما بینه و بین الله أصلح الله ما بینه و بین الناس»
و منها: الزهد في الدنیا و ترک الرغبة فیها، قال أبو عبد الله(علیه السلام) « من زهد فی الدنیا أثبت الله الحکمة في قلبه، و أنطق بها لسانه، و بصره عیوب الدنیا داأها و دواءها ، و أخرجه منها سالماً الی دار السلام»، و قال رجل: « قلت لأبي عبد الله (علیه السلام) إني لا ألقاک إلا في السنین فأوصني بشيء حتی آخذ به؟ فقال (علیه السلام) أو صیک بتقوی الله، و الورع و الاجتهاد و إیاک أن تطمع الی من فوقک، و کفی بما قال الله عز و جل لرسول الله (صلی الله علیه و آله وسلم) (و لا تمدن عینیک الی ما متعنا به أزواجاً منهم زهرة الحیاة الدنیا) و قال تعالی: (و لا تعجبک أموالهم و لا أولادهم) فان خفت ذلک فاذکر عیش رسول الله (صلی الله علیه و آله وسلم) فانما کان قوته من الشعیر، و حلواه من التمر و وقوده من السعف إذا وجده، و اذا أصبت بمصیبة في نفسک أو مالک أو ولدک فاذکر مصابک برسول الله (صلی الله علیه و آله وسلم) فان الخلائق لم یصابوا بمثله قط».
المطلب الثاني: في ذکر بعض الأمور التي هي من المنکر.
منها: الغضب، قال رسول الله (صلی الله علیه و آله وسلم) « الغضب یفسد الایمان کما یفسد الخل العسل»، و قال أبو عبد الله: « الغضب مفتاح کل شر»، و قال أبو جعفر (علیه السلام) «ان الرجل لیغضب فما یرضی أبداً حتی یدخل النار، فأیما رجل غضب علی قومه و هو قائم فلیجلس من فوره ذلک فانه سیذهب عنه رجس الشیطان، و ایما رحل غضب علی ذي رحم فلیدن منه فلیمسه فان الرحم إذا مست سکنت».
و منها: الحسد، قال أبو جعفر و أبو عبد الله (علیه السلام) «ان الحسد لیأکل الایمان کما تأکل النار الحطب»، و قال رسول الله (صلی الله علیه و آله وسلم) ذات یوم لأصحابه: « إنه قد دب إلیکم داء الامم ممن قبلکم و هو الحسد لیس بحالق الشعر و لکنه حالق الدین و ینجي فیه ان یکف الانسان یده و یخزن لسانه و لا یکون ذا غمز علی أخیه المؤمن».
و منها: الظلم، قال أبو عبد الله (علیه السلام) « من ظلم مظلمة أخذ بها في نفسه أو في ماله أو في ولده»، و قال (علیه السلام) «ما ظفر بخیر من ظفر بالظلم، اما ان المظلوم یأخذ من دین الظالم أکثر مما یأخذ الظالم من مال المظلوم».
و منها: کون الانسان ممن یتقی شره، قال رسول الله (صلی الله علیه و آله وسلم) «شر الناس عند الله یوم القیامة الذین یکرمون اتقاء شرهم، و قال أبو عبد الله (علیه السلام) و من خاف الناس لسانه فه في النار. و قال (علیه السلام) «ان أبغض خلق الله عبد إتقی الناس لسانه».
و لنکتف بهذا المفدار و الحمد لله أولا و آخراً و هو حسبنا و نعم الوکیل. و قد وقع الفراغ من تسویده ضحی السبت ثاني جمادي الثاني من السنة الخامسة و الستین بعد الألف و الثلاثمائة هجریة علی مخاجرها أفضل الصلاة و التحیة.