انهار
انهار
مطالب خواندنی

فصل في صورة حجّ التمتّع و شرائطه

بزرگ نمایی کوچک نمایی

صورة حجّ التمتّع، على الإجمال، أن يحرم في أشهر الحجّ من الميقات بالعمرة المتمتّع بها إلى الحجّ، ثمّ يدخل مكّة فيطوف فيها بالبيت سبعاً، ويصلّي ركعتين في المقام، ثمّ يسعى لها بين الصفا والمروة سبعآ، ثمّ يطوف للنساء احتياطاً  (1) وإن كان الأصحّ عدم وجوبه، ويقصّر ، ثمّ ينشئ إحرامآ للحجّ من مكّة في وقت يعلم أنّه يدرک الوقوف بعرفة، والأفضل إيقاعه يوم التروية ، ثمّ يمضي إلى عرفات فيقف بها من الزوال  إلى الغروب(2) ، ثمّ يفيض ويمضي منها إلى المشعر فيبيت فيه ويقف به بعد طلوع الفجر  إلى طلوع الشمس ، ثمّ يمضي إلى منى  فيرمي جمرة العقبة، ثمّ ينحر أو يذبح هديه ويأكل منه ، ثمّ يحلق   أو يقصّر فيحلّ من كلّ شيء إلّا النساء والطيب، والأحوط اجتناب الصيد  أيضا وإن كان الأقوى عدم حرمته عليه من حيث الإحرام(3)  ؛ ثمّ هو مخيّر بين أن يأتي إلى مكّة ليومه، في طوف طواف الحجّ ويصلّي ركعتيه ويسعى سعيه فيحلّ له الطيب، ثمّ يطوف طواف النساء ويصلّي ركعتيه فتحلّ له النساء، ثمّ يعود إلى منى لرمي الجمار فيبيت بها ليالي التشريق وهي الحادي عشر والثاني عشر والثالث عشر  ، ويرمي في أيّامها الجمار الثلاث، وأن لايأتي إلى مكّة ليومه بل يقيم بمنى حتّى يرمي جماره الثلاث(4) يوم الحادي عشر ومثله يوم الثاني عشر، ثمّ ينفر بعد الزوال إذا كان قد اتّقى النساء(5) والصيد، وإن أقام إلى النفر الثاني وهو الثالث عشر ولو قبل الزوال لكن بعد الرمي جاز  أيضا، ثمّ عاد إلى مكّة للطوافين والسعي ولا إثم عليه في شيء من ذلک على الأصحّ، كما أنّ الأصحّ الاجتزاء بالطواف والسعي تمام ذي الحجّة، والأفضل الأحوط هو اختيار الأوّل، بأن يمضي إلى مكّة يوم النحر، بل لاينبغي التأخير لغده فضلا عن أيّام التشريق، إلّا لعذر  .

 1- الفیاض: فیه ان الاحتیاط وإن کان استحبابیا، الّا أنه لا منشأ له، نعم لا بأس به رجاء، وذلک لأن منشأه اما ما نقله الشهید1 من بعض الفقهاء الوجوب، أو روایة سلیمان بن حفص المروزي عن الفقیه : «قال: اذا حج الرجل فدخل مکة متمتعا فطاف بالبیت وصلی رکعتین خلف مقام ابراهیم  وسعی بین الصفا والمروة وقصر فقد حل له کل شيء ما خلا النساء لأن علیه لتحلة النساء طوافا وصلاة»(الوسائل باب: 82 من أبواب الحدیث: 7).

اما الأول فهو غیر ثابت، وأما الروایة فهي ساقطة سندا ودلالة، اما سندا فلأن سلیمان بن حفص المروزي لم یثبت توثیقه، ومجرد أنه من رجال اسناد کامل الزیارات لا یکفي. وأما دلالة فلأنها تبتني علی أن تکون الروایة مشتملة علی کلمة (قصر) فعندئذ تنطبق الروایة علی عمرة التمتع دون حج التمتع، الّا أن اشتمال الروایة علیها غیر معلوم، باعتبار أن الشیخ روی هذه الروایة في الاستبصار بدون کلمة (قصر)، فاذن لم تثبت هذه الکلمة، وعلیه فتصبح الروایة مجملة، ولا ندري أن موردها عمرة التمتع أو الحج، هذا. اضافة الی أن هناک روایات تنص علی عدم وجوب طواف النساء في عمرة التمتع.

2- الفیاض: بل له أن یتأخر عن أول الظهر بحوالي ساعة، ویدل علی ذلک قوله في صحیحة معاویة بن عمار الطویلة الواردة في کیفیة حج النبي  عن أبي عبد الله : «ان رسول الله  أقام بالمدینة عشر سنین ولم یحج، ثم انزل الله علیه – وأذّن في الناس بالحج – الی أن قال... فخرج رسول الله6 في أربع بقین من ذي القعدة – الی قوله  حتی انتهوا الی نمرة وهي بطن عرفة بحیال الأراک فضربت قبته وضرب الناس اخبیتهم عندها، فلما زالت الشمس خرج رسول الله  ومعه قریش وقد اغتسل وقطع التلبیة حتی وقف بالمسجد فوعظ الناس وأمرهم ونهاهم ثم صلی الظهر والعصر بأذان واحد واقامتین، ثم مضی الی الموقف فوقف به – الحدیث -»(الوسائل باب: 2 من أبواب أقسام الحج الحدیث: 4) فانها واضحة الدلالة علی أن الوقوف الواجب في عرفة انما هو بعد الصلاة والوعظ، ومن الطبیعي أن مجموعهما لا یقل عن ساعة.

3- الفیاض: هذا هو الصحیح، وأما صحیحة معاویة بن عمار عن أبي عبد الله : «قال: اذا ذبح الرجل وحلق فقد أحل من کل شيء أحرم منه الّا النساء والطیب، فاذا زار البیت وطاف وسعی بین الصفا والمروة فقد أحل من کل شيء أحرم منه الّا النساء، واذا طاف طواف النساء فقد أحل من کل شيء احرم منه الّا الصید»(الوسائل باب: 13 من أبواب الحلق والتقصیر الحدیث: 1) فهي وإن دلت علی أن حرمة الصید تظل ثابتة بعد طواف النساء أیضا، الّا أن الظاهر منها حرمته من حیث الحرم لا الاحرام، وذلک لأمرین:

أحدهما: بقرینة أن الصید في الحرم حرام علی المحل والمحرم، ولا ترتبط حرمته بالاحرام.

والآخر: بقرینة أن الاحرام موضوع لحرمة أشیاء معینة علی المحرم، فاذا احرم المکلف حرمت علیه تلک الاشیاء، وتظل حرمتها باقیة ما دام یظل المحرم باقیا علی احرامه، فاذا خرج منه ارتفعت حرمتها بارتفاع موضوعها ومنشأها، ومن المعلوم أنه یخرج من الاحرام نهائیا بالانتهاء من اعمال الحج وطواف النساء، وأما حرمة الصید التي جاءت من قبل الاحرام فهي ترتفع بارتفاعه، وأما حرمته التي نشأت بسبب دخوله في الحرم فهي تظل باقیة ما دام في الحرم وإن خرج عن الإحرام واصبح محلا، لأنها لا ترتبط بالاحرام، وانما ترتبط بدخول الحرم، ولا ترتفع الّا بالخروج منه، علی ضوء هاتین القرینتین کانت الصحیحة ظاهرة في أن المراد من بقاء حرمة الصید بعد طواف النساء هو حرمته من ناحیة الحرم لا من ناحیة الإحرام، ویؤکد ذلک أیضا نفس سیاقها، فانه قد استثنی فیها أولا النساء والطیب فقط، أي بدون ذکر الصید، ثم بعد طواف الحج استثنی النساء فقط کذلک، ثم بعد طواف النساء استثنی الصید، وهذا السیاق یدل علی أن حرمة الصید لا ترتبط بالإحرام، فإن ما ترتبط حرمته به ارتفعت بالانتهاء من طواف النساء، باعتبار أنه بالانتهاء منه قد خرج عن الإحرام وأصبح محلا، فلا یعقل بقاء حرمته المرتبطة به.

4- الفیاض: فیه أنه لا یجب علیه أن یقیم فیه حتی ینتهي عن جماره الثلاث، لأن الواجب علیه أن یبیت فیه نصف اللیل بدون فرق بین النصف الأول من اللیل او الآخر منه، وأما في النهار فالواجب علیه رمي الجمار الثلاث فیه بدون فرق بین أول النهار أو اخره، وإن کان الأول أفضل، فاذا بات فیه النصف الأول من اللیل جاز له الخروج منه الی مکة أو الی بلد آخر ویرجع بعد الزوال للرمي، أو اذا رمی أول النهار جاز له الخروج الی مکة أو الی مکان آخر، وذلک لعدم الدلیل علی البقاء فیه حتی یرمي الجمار الثلاث، بل له أن یخرج منه أول النهار بدون رمي ثم یرجع آخر النهار للرمي، هذا اضافة الی النصوص الخاصة الدالة علیه، وتمام الکلام في محلة.

5- الفیاض: علی المشهور، ولکنه لا یخلو عن اشکال بل منع، لعدم الدلیل علی الّا روایة محمد بن المستنیر، وهي ضعیفة سندا وإن کان الاحتیاط في المسألة أولی وأجدر.

ثم إن حج التمتع مؤلف من عملین: أحدهما العمرة، والآخر الحج، ولکل منهما واجبات، وواجبات عمرة التمتع خمسة:

الأول: الإحرام من أحد المواقیت الخمسة.

1- مسجد الشجرة التي هي علی مقربة من المدینة المنورة.

2- الجحفة وهي قریة معمورة بین المدینة ومکة، وتبعد عن مکة المکرمة بحوالي مأتین وعشرین کیلومترا تقریبا.

3- قرن المنازل ویمر به من الطائف الی مکة.

4- وادي العقیق.

5- یلملم.

وصورة الإحرام أن یلبس المحرم ثوبي الإحرام، الإزار والرداء، وینوي الإحرام لعمرة التمتع من حجة الإسلام بقصد التقرب وأمل أن یقبل الله تعالی منه ویلبّي، فاذا لبی أصبح محرما وحرمت علیه اشیاء معینة محدودة ویأتي بیانها في محرمات الاحرام ولبس ثوبي الاحرام واجب مستقل علی الرجال دون النساء.

الثاني: الطواف، وصورته أن یفق الی جانب الحجر الاسود محاذیا له مراعیا أن تکون الکعبة الشریفة الی طرف الیسار، ثم ینوي طواف عمرة التمتع من حجة الإسلام، فیطوف حول الکعبة سبع مرات مبتدئا في کل مرة من محاذي الحجر الأسود ومنتهیا في کل مرة الیه.

الثالث: صلاة الطواف، وهي رکعتاب کصلاة الفجر، وینوي صلاة الطواف من عمرة التمتع، وأن تکون خلف المقام، والّا ففي أي موضع من المسجد شاء، وإن کان الأولی والأجدر أن یراعي الأقرب فالأقرب الی مقام ابراهیم7.

الرابع: السعي بین الصفا والمروة، وینویه لعمرة التمتع من حجة الإسلام مضافا الی الله تعالی، وبادئا بالصفا ومنتهیا الی المروة، ثم یعود من المروة الی الصفا الی أن تمت سبع اشواط.

الخامس: التقصیر، بأن یأخذ مقدارا من شعره أو أظفاره، ولا یلزم أن یکون من مکان مخصوص.

هذه صورة موجزة لواجبات عمرة التمتع، وتفصیلها موکول الی محلها. وواجبات حج التمتع متمثلة في ثلاثة عشر واجبا:

الأول: الاحرام من مکة، وصورته نفس صورة الاحرام لعمرة التمتع، غیر أنه ینوي هنا الاحرام لحج التمتع قربة الی الله تعالی.

الثاني: الوقوف بعرفات، بأن یکون متواجدا فیها من ظهر الیوم التاسع من ذي الحجة الی الغروب، وله أن یتأخر عن أول الظهر بحوالي

الساعة، ولا یجوز أن یغادر عرفات قبل الغروب، فاذا حل الغروب جاز أن یغادرها.

الثالث: الوقوف بالمشعر، فاذا وصل الیه من عرفات قضی بقیة اللیل فیه، سواء أنام أم لا، والواجب هو تواجده فیه بین الطلوعین، أي من طلوع الفجر الی طلوع الشمس، وهذا من أهم عناصر الحج وأرکانه.

الرابع: رمي جمرة العقبة، ووقته بین طلوع الشمس وغروبها. نعم یجوز للنساء والصبیان والشیوخ والخائف والمرضی الافاضة من المشعر في اللیل وأن یرموا باللیل. ویجب أن یکون بسبع حصیات علی نحو التتابع عرفا لا دفعة واحدة، ویعتبر أن تکون تلک الحصیات من الحرم.

الخامس: الهدي، وهو عبارة عن الذبیحة التي یجب علی الحاج بحج التمتع أن یذبحها أو ینحرها بعد الفراغ من رمي جمرة العقبة.

السادس: الحلق أو التقصیر، ونقصد بالحلق حلق تمام الرأس، وبالتقصیر أخذ شيء من الشعر أو الأظافر. واذا انجز الحاج ذلک حل له کل شيء کان قد حرم علیه بسبب احرامه الّا الطیب والنساء.

السابع: الطواف، وهو طواف الحج، وصورته نفس صورة طواف العمرة، غیر أنه ینوي به طواف الحج قربة الی الله تعالی.

الثامن: صلاته، وصورتها نفس صورة صلاة طواف العمرة، غیر أنه ینوي بها صلاة طواف الحج بقصد القربة.

التاسع: السعي بین الصفا والمروة علی نحو ما تقدم في العمرة، غیر أنه ینوي به السعي للحج قربة الی الله تعالی.

العاشر: طواف النساء، وهو کطواف العمرة والحج، غیر أن الحاج رجلا کان او امرأة ینوي به طواف النساء بقصد التقرب الی الله تعالی.

الحادي عشر: صلاته، وصورتها نفس صورة صلاة طواف العمرة والحج، غیر أنه ینوي بها صلاة طواف النساء.

ثم إن بطواف الحج وصلاته والسعي بین الصفا والمروة یحل للحاج کل شيء ما عدا النساء، وبطواف النساء وصلاته تحل النساء لأزواجهن والأزواج لزوجاتهم.

الثاني عشر: المبیت بمنی لیلة الحادي عشر والثاني عشر، والمبیت یعني التواجد في منی إما من أول اللیل الی نصفه، أو من منتصفه الی طلوع الفجر.

الثالث عشر: رمي الجمار الثلاث في نهار الیوم الحادي عشر والثاني عشر، ابتداء من الجمرة الأولی ومنتهیا الی جمرة العقبة. ثم یجوز له الخروج والانصراف بعد حلول ظهر الیوم الثاني عشر، وبذلک یفرغ الحاج عن کل ما علیه من الواجبات.

هذه صورة موجزة لواجبات حج التمتع، وبیانها بشکل موسع یأتي في محلها بعونه تعالی.

 ويشترط في حجّ التمتّع اُمور :

أحدها: النيّة(1) ، بمعنى قصد الإتيان بهذا النوع من الحجّ حين الشروع في إحرام العمرة، فلو لم‌ينوه أو نوى غيره أو تردّد في نيّته بينه وبين غيره لم‌يصحّ؛ نعم، في جملة من الأخبار: أنّه لو أتى بعمرة مفردة في أشهر الحجّ جاز أن يتمتّع بها، بل يستحبّ ذلک إذا بقي في مكّة إلى هلال ذي الحجّة، ويتأكّد إذا بقي إلى يوم التروية، بل عن القاضي وجوبه حينئذٍ، ولكنّ الظاهر تحقّق الإجماع على خلافه(2) ؛ ففي موثّق سماعة عن الصادق علیه السّلام: «من حجّ معتمراً في شوّال ومن نيّته أن يعتمر ورجع إلى بلاده فلابأس بذلک، وإن هو أقام إلى الحجّ فهو متمتّع، لأنّ أشهر الحجّ شوّال وذوالقعدة وذوالحجّة، فمن اعتمر فيهنّ فأقام إلى الحجّ فهي متعة، ومن رجع إلى بلاده ولم‌يقم إلى الحجّ فهي عمرة، وإن اعتمر في شهر رمضان أو قبله فأقام إلى الحجّ فليس بمتمتّع وإنّما هو مجاورٌ أفرد العمرة، فإن هو أحبّ أن يتمتّع في أشهر الحجّ بالعمرة إلى الحجّ فليخرج منها حتّى يجاوز ذات عرق أو يتجاوز عسفان فيدخل متمتّعآ بعمرته إلى الحجّ، فإن هو أحبّ أن يفرد الحجّ فليخرج إلى الجعرانة فيلبّي منها» وفي صحيحة عمر بن يزيد عن أبي عبداللّه علیه السّلام: «من اعتمر عمرة مفردة فله أن يخرج إلى أهله، إلّا أن يدركه خروج الناس يوم التروية» وفي قويّة عنه علیه السّلام : «من دخل مكّة معتمرآ مفردآ للحجّ (3)فيقضي عمرته كان له ذلک، وإن أقام إلى أن يدركه الحجّ كانت عمرته متعة، قال  علیه السّلام: وليس تكون متعة إلّا في أشهر الحجّ» وفي صحيحة عنه علیه السّلام: «من دخل مكّة بعمرة فأقام إلى هلال ذي الحجّة(4) فليس له أن يخرج حتّى يحجّ مع الناس» وفي مرسل موسى بن القاسم: «من اعتمر في أشهر الحجّ فليتمتّع» إلى غير ذلک من الأخبار. وقد عمل بها جماعة، بل في الجواهر : لاأجد فيه خلافاً؛ ومقتضاها صحّة التمتّع مع عدم قصده حين إتيان العمرة، بل الظاهر من بعضها أنـّه يصير تمتّعآ قهراً (5) من غير حاجة إلى نيّة التمتّع بها بعدها، بل يمكن أن يستفاد منها أنّ التمتّع هو الحجّ عقيب عمرة وقعت في أشهر الحجّ بأىّ نحو أتى بها(6)، ولا بأس بالعمل بها، لكن القدر المتيقّن  منها هو الحجّ الندبيّ(7)، ففيما إذا وجب عليه التمتّع فأتى بعمرة مفردة ثمّ أراد أن يجعلها عمرة التمتّع، يشكل الاجتزاء بذلک عمّا وجب عليه(8)؛ سواء كان حجّة الإسلام أو غيرها ممّا وجب بالنذر أو الاستيجار .

1- الفیاض: نرید بالنیة التي هي شرط لکل عبادة أن تتوفر فیها العناصر التالیة:

الأول: نیة القربة، لأن الحج عبادة ولا تصح کل عبادة بدون نیة القربة.

الثاني: الخلوص في النیة، ونقصد به عدم الریاء، فان الریاء في العبادة محرم ومبطل لها.

الثالث: أن ینوي الحاج الاسم الخاص للحج الذي یرید أن یأتي به الممیز له شرعا، لأن کل عبادة اذا کان لها اسم خاص الممیز لها شرعا لابد أن یقصد ذلک الاسم الخاص لها حین الاتیان بها، والّا لم تقع تلک العبادة المسماة بذلک الاسم خارجا وإن کانت فریدة ولم تکن لها شریکة في العدد والکم کصلاة المغرب، فانه اذا صلی ثلاث رکعات بدون أن یقصد اسمها الخاص لم تقع صلاة المغرب، وهذا معنی ان هذا الاسم والعنوان لها من العناوین القصدیة المقومة.

وهذه العناصر الثلاثة لابد من مقارنتها لکل اجزاء الحج من البدایة الی النهایة، ولا یعني بالمقارنة أن لا تتقدم النیة علی الحج، بل أن لا تتأخر عن أول جزء من أجزائه وهو إحرام عمرة التمتع من حجة الإسلام، کما أن المراد من مقارنة النیة لکل جزء من أجزائه لیس بمعنی أن یکون الحاج متنبها الی نیته انتباها تاما کما کان في اللحظة الأولی، فلو نوی وأحرم لعمرة التمتع من حجة الإسلام ثم ذهل عن نیته وواصل حجه علی هذه الحالة، ثم تذکر صح حجه ما دامت النیة کامنة في اعماقه ومرتکزة في اذهانه بحیث یلتفت الیها بأدنی منبه، وعی هذا فمن یکون مکلفا بحج التمتع من حجة الإسلام فیجب علیه أن یحج بهذا الاسم الخاص الممیز له شرعا، فإن لم یقصد ذلک أو قصده غیره أو تردد فیه لم ینطبق علیه حج التمتع من حجة الإسلام.

ثم إن حج التمتع من حجة الإسلام هو الحجة الأولی للمستطیع النائي، وینطبق علیها، ویعتبر أن یکون الاتیان به بعنوان حجة الإسلام الممیز له شرعا عن الافراد والقران.

2- الفیاض: فیه انه لا أثر للإجماع المدعی في المقام، فانه علی تقدیر تسلیم ثبوته، فلا یکون تعبدیا حتی یکون کاشفا عن ثبوت الحکم في زمن المعصومین: ووصوله إلینا یدا بید، اذ من المحتمل قویا أن یکون مدرک المجمعین کلا أو جلا الروایات الآتیة. فاذن لا قیمة له، فالعمدة في المقام حینئذ الروایات، وهي تصنف الی عدة طوائف:

الأولی: الروایات التي تدل علی أن من أتی بالعمرة في أشهر الحج فهي متعة.

منها: صحیحة یعقوب بن شعیب قال: «سألت ابا عبد الله  عن المعتمر في أشهر الحج، قال: هي متعة»(الوسائل باب: 15 من أبواب أقسام الحج الحدیث: 2)، فانها تدل علی أن من أتی بعمرة مفردة في أشهر الحج فهي تنقلب متعة، فاذا انقلبت کذلک فالمعتمر مرتهن بالحج ولا یجوز له الخروج الی أهله.

الثانیة: تدل علی جواز الرجوع الی أهله.

منها: صحیحة عبد الله بن سنان عن أبي عبد الله : «قال: لا بأس بالعمرة المفردة في أشهر الحج ثم یرجع الی أهله»(الوسائل باب: 7 من أبواب العمرة الحدیث: 1) ومقتضی اطلاقها عدم انقلاب مطلقا حتی اذا بقی الی ذي الحجة، بل الی یوم الترویة، فاذن یقع التعارض بین

اطلاق هذه الطائفة واطلاق الطائفة الأولی فیسقطان معا من جهة المعارضة ویرجع الی الطائفة الثالثة.

الثالثة: الروایات التي تدل علی تقیید جواز الخروج من مکة الی أهله الی یوم الترویة، فاذا بقی الی ذلک انقلب عمرته متعة، فلم یجز له الخروج منها.

منها: صحیحة عمر بن یزید عن أبي عبد الله : «قال: من دخل مکة معتمرا مفردا للعمرة فقضی عمرته ثمّ خرج کان ذلک له وإن أقام الی أن یدرک الحج کانت عمرته متعة، وقال: لیس تکون متعة الّا في أشهر الحج»(الوسائل باب: 7 من أبواب العمرة الحدیث: 5) فانها تدل علی أنه اذا بقی في مکة الی أن یدرک الحج وهو یوم الترویة انقلبت عمرته متعة، فاذن یتعین علیه الحج.

ومنها: صحیحة الأخری عن أبي عبد الله : «قال: من اعتمر عمرة مفردة فله أن یخرج الی أهله متی شاء، الّا أن یدرکه خروج الناس یوم الترویة»(الوسائل باب: 7 من أبواب العمرة الحدیث 9).

ومنها: موثقة سماعة عن أبي عبد الله7: «انه قال: من حج معتمرا في شوال ومن نیته أن یعتمر ویرجع الی بلاده، فلا بأس بذلک وإن هو أقام الی الحج فهو متمتع لأن أشهر الحج شوال وذو القعدة وذو الحجة – الحدیث»(الوسائل باب: 10 من أبواب أقسام الحج الحدیث: 2).

وهذه الروایات تدل علی أمرین:

(أحدهما): جواز الخروج منها الی یوم الترویة، واذا بقی الی ذلک الیوم لم یجز له الخروج.

(والآخر): ان عمرته المفردة تنقلب متعة من ذلک الیوم قهرا شریطة بقائه فیه. فاذن تکون هذه الطائفة لإطلاق الطائفة الثانیة التي کان مقتضی اطلاقها جواز الخروج حتی یوم الترویة، کما أنها مقیدة لإطلاق الطائفة الأولی بما اذا بقی الی یوم الترویة، وبذلک ترتفع المعارضة بین اطلاقي الطائفتین الأولیین. ومع الاغماض عن ذلک فیسقط الاطلاقان من جهة المعارضة، ویرجع الی هذه الطائفة، وعلیه فالطائفة الثالثة اما أن تکون مرجعا بعد سقوطهما بالمعارضة، أو تکون کلمة فصل بینهما.

الرابعة: الروایات التي تدل علی جواز الخروج حتی في یوم الترویة.

منها: صحیحة ابراهیم بن عمر الیماني عن أبي عبد الله7: «انه سئل عن رجل خرج في أشهر الحج معتمرا، ثم خرج الی بلاده، قال: لا بأس وإن حج من عامه ذلک وأفرد الحج فلیس علیه دم، وأن الحسین بن علي  خرج یوم الترویة الی العراق کان معتمرا»(الوسائل باب: 7 من أبواب العمرة الحدیث: 2).

ومنها: روایة معاویة بن عمار قال: «قلت لأبي عبد الله : من أین افترق المتمتع والمعتمر؟ فقال: إن المتمتع مرتبط بالحج، والمعتمر اذا فرغ منها ذهب حیث شاء، وقد اعتمر الحسین  في ذي الحجة ثم راح یوم الترویة الی العراق والناس یروحون الی منی ولا بأس بالعمرة في ذي الحجة لمن لا یرید الحج»(الوسائل باب: 7 من أبواب العمرة الحدیث: 3)، وهذه الروایة وإن کانت واضحة الدلالة، الّا أنها ضعیفة سندا من جهة أن في سندها اسماعیل بن مرار، وهو لم یثبت توثیقه، ومجرد کونه من رجال تفسیر علي بن ابراهیم لا یکفي، فاذن العمدة هي الروایة الأولی مؤدیة بهذه الروایة، ومقتضاها جواز الخروج حتی في یوم الترویة، فان استشهاد الإمام  بقضیة خروج یوم الترویة رغم کونه معتمرا انما هو من باب تطبیق الکبری علی الصغری، ولو لم یکن خروج المعتمر بالعمرة المفردة عن مکة یوم الترویة جائزا فلا معنی لاستشهاد الإمام7 بها.

وبکلمة: ان خروج الحسین عن مکة یوم الترویة لو کان قضیة في واقعة، وکان  مضطرا فیه لسبب من الأسباب فلا معنی للاستشهاد به علی جواز خروج المعتمر بعد الاعتمار في أشهر الحج الی أهله، باعتبار أن السؤال فیها کان عن جواز الخروج بعده اختیارا، وجواب الإمام بقوله: «لا بأس» ظاهر فیه، فاذن استشهاده  علی هذا الجواز بقضیة خروج الحسین یکون في غیر محله. ولا یکون من باب تطبیق الکبری علی الصغری بعد فرض أنه کان مضطرا في خروجه یوم الترویة.

تطبیقات و تکمیلات

لمزید من التعرف بکیفیة تطبیق ما ذکرناه وتکمیله نستعرض أربع حالات:

الأولی: أن مقتضی صحیحة ابراهیم الیماني المتقدمة جواز العمرة المفردة في العشر الأولی من ذي الحجة، ولکن یظهر من بعض الروایات عدم جوازها مفردة، بل لابد أن تکون متعة، کصحیحة عبد الرحمن بن أبي عبد الله: «عن أبي عبد الله7 قال: العمرة في العشر متعة»(الوسائل باب: 7 من أبواب العمرة الحدیث: 10) وصحیحة عبد الله بن سنان: «انه سأل أبا عبد الله7 عن المملوک یکون في الظهر یرعی وهو یرضی أن یعتمر ثم یخرج، فقال: إن کان اعتمر في ذي القعدة فحسن وإن کان في ذي الحجة فلا یصلح الّا الحج»(الوسائل باب: 7 من أبواب العمرة الحدیث: 11) فان مقتضی اطلاقها أنه لا تصح العمرة المفردة في ذي الحجة وإن لم یکن قاصدا للحج، وبما أن صحیحة الیماني تدل علی جواز العمرة المفردة في ذي الحجة اذا لم یکن ناویا للحج، فیکون قرینة علی تقیید اطلاقهما بمن کان ناویا الحج، فانه لا یجوز له أن یأتي بعمرة مفردة، بل علیه الاتیان بها متعة.

الثانیة: الظاهر من الروایات أن مورد الانقلاب هو المعتمر الذي لا یکون ناویا للحج من الأول ومریدا للعمرة المفردة والاتیان بها ثم الرجوع الی أهله، ولکن بعد الانتهاء من العمرة عدل عن عزمه علی الرجوع الی أهله، وبنی علی البقاء في مکة إما بقصد الحج في موعده، أو لسبب آخر، فیبقی الی ذي الحجة، أو الی یوم الترویة، ثم بنی علی الحج، فان قوله7 في صحیحة عمر بن یزید المتقدمة: «وإن أقام الی أن یدرک الحج کانت عمرته متعة»(الوسائل باب: 7 من أبواب العمرة الحدیث: 5) مطلق وباطلاقه یعم ما اذا کان بقاؤه بقصد الحج أو لسبب آخر ثم بنی علی الحج. ومثله قوله7 في موثقة سماعة المتقدمة: «وإن أقام الحج فهو متمتع»(الوسائل باب: 7 من أبواب العمرة الحدیث: 13) وأما من کان ناویا للحج من الأول فاذا أتی بعمرة مفردة فلا دلیل علی انقلابها متعة والاکتفاء بها، بل علیه أن یخرج الی أحد المواقیت والإحرام منه لعمرة التمتع.

الثالثة: أن  انقلاب المفردة متعة هل هو من حین أن ینوي الحج ویبني علیه، أو من یوم الترویة؟ الظاهر هو الأول، علی أساس ما مر من أن مقتضی الجمع بین الروایات أنه ما دام لم ینو الحج جاز له الخروج، وأما اذا نوی فلا یجوز، وهذا کاشف عن أنه اذا بنی علیه انقلبت عمرته متعة، فلذلک لا یجوز له الخروج الی بلدته وتفویت الحج باعتبار أنه مرتهن به، وبذلک یظهر أن جواز خروج المعتمر عن مکة وعدم جوازه یدوران مدار بنائه علی الحج وعدم بنائه علیه، فإن بنی علی أن یحج لم یجز له الخروج، والّا جاز في أي وقت شاء.

الرابعة: هل یختص الانقلاب بالحج الندبي أو یعم الواجب؟ الظاهر هو الأول، وذلک لما مر من أن الناتج من الجمع بین روایات الباب أمور:

الأول: أن یکون المعتمر بالعمرة المفردة في أشهر الحج غیر قاصد للحج، والّا فلا تنقلب، بل علیه الاتیان بعمرة التمتع أیضا.

الثاني: أن یکون بانیا علی العود الی بلده بعد الانتهاء من العمرة، ولکنه بسبب أو آخر عدل عن رأیه وبنی علی البقاء في مکة.

الثالث: أن یکون البقاء فیها بقصد الحج اجمالا لا بغایة اخری، إما من آن العدول أو في موعد الحج.

وعلی ضوء ذلک فمن علیه حجة الإسلام تمتعا وإن کان یسوغ أن یأتي بعمرة مفردة في أشهر الحج، ثم یأتي بعمرة التمتع لحجة الإسلام، الّا أنه لا یجوز له أن یأتي بعمرة مفردة ناویا الرجوع الی بلدته بعد الفراغ منها، لأن فیه

تفویتا للواجب المنجز علیه بماله من الملاک التام والملزم، کما أنه اذا بقی في مکة الی یوم الترویة لا بقصد الحج لم یجز له الخروج منها والرجوع الی بلده اذا کان الحج واجبا علیه لاستلزامه تفویت الواجب، مع أن مقتضی صحیحة الیماني المتقدمة جواز الخروج وترک الحج حتی في یوم الترویة وهو لا ینسجم مع کون الحج واجبا.

فالنتیجة: أن المستفاد من مجموع هذه الروایات بعد الجمع بینها، وتقیید اطلاق بعضها بالآخر أن موردها النائي الذي جاء بغایة الاتیان بالعمرة المفردة في أشهر الحج ناویا الرجوع الی بلدته بعد الفراغ منها، فانه اذا أتی بها وبعد الانتهاء منها عدل عن الرجوع الی دیاره ونوی البقاء في مکة، فان کان للحج انقلبت عمرته متعة من الآن، وإن کان لأمر آخر، فإن بنی علی الحج بعد حصول ذلک الأمر انقلبت عمرته متعة من حین البناء، والّا فله أن یرجع الی بلدته حتی في یوم الترویة، ومن الواضح أن ذلک لا ینطبق علی من علیه حجة الإسلام تمتعا، لأنه ملزم بالبقاء في مکة للإتیان بالحج، ولیس له الخیار في الخروج منها أي وقت شاء، کما أن العمرة المفردة انما تسوغ له اذا نوی الاتیان بعمرة التمتع بعدها، والّا فلا تسوغ له العمرة والمفردة والاکتفاء بها عن عمرة التمتع، بل یجب علیه الاتیان بعمرة التمتع، فاذن لا یکتفي من علیه حجة الإسلام بالعمرة المفردة، اذ لا دلیل علی انقلابها متعة بالنسبة الیه.

3- الفیاض: والصحیح مفردا للعمرة.

4- الفیاض: فیه ان الروایة ضعیفة بالحسین بن حماد.

5- الفیاض: مر أن العمرة المفردة انما انقلبت متعة إذا أراد المعتمر بعد الفراغ منها الحج لا مطلقا.

6- الفیاض: فیه ان الأمر لیس کذلک، لما مر من أن ما نتج من الجمع بین الروایات هو أن من نوی الاتیان بعمرة مفردة في أشهر الحج ثم الرجوع الی بلدته، فانه اذا أتی بها ثم عدل عن الرجوع الی أهله، وبنی علی البقاء في مکة، فان کان بنیة الحج انقلبت عمرته متعة من حین النیة، ولا یجب علیه الاتیان بعمرة التمتع مع تمکنه منها، وإن کان لسبب آخر وبقی فیها بأمل حصول ذلک السبب الی ذي الحجة، أو الی یوم الترویة، ثم بنی علی الحج انقلبت عمرته متعة من حین البناء، فالانقلاب یدور مدار نیة الحج، فمتی نواه انقلبت عمرته متعة، والّا فلا.

فانتیجة: أن حج التمتع هو الحج المرتبط بعمرة التمتع أصالة أو انقلابا.

7- الفیاض: مر أن ذلک لیس من باب القدر المتیقن من الروایات، باعتبار أنها لیست مجملة لکي تکون حجه في المقدار المتیقن دون الزائد، بل من باب الجمع الدلالي العرفي بینها کما تقدم تفصیله.

8- الفیاض: الظاهر أنه لا اشکال في عدم الاجتزاء، لما مر من اختصاص الروایات بالحج الندبي، ولا تعم الحج سواء أکان واجبا بالأصالة کحجة الإسلام، أم بالعرض کالحج النذري، باعتبار أن موردها المعتمر الذي جاء للإتیان بالعمرة المفردة في أشهر الحج ثم الرجوع الی أهله بدون أن ینوي الحج، وبعد الاتیان بالعمرة بنی علی البقاء في مکة للحج مباشرة أو في نهایة المطاف وقبل أن ینوي البقاء للحج له الخیار في الرجوع الی وطنه في أي وقت أراد، حتی في یوم الترویة، ومن الواضح أن هذا لا ینطبق علی الحج الواجب بالنذر أو الاجارة أو نحو ذلک فانه اذا تعلق النذر مثلا بحج التمتع بالکیفیة المذکورة، وهي ما اذا تمت عمرته بالانقلاب لا بالذات لم یکن مثل هذا النذر مشمولا لدلیل وجوب الوفاء به، باعتبار أنه یلزم من فرض وجوب الوفاء به عدم وجوبه، لأنه اذا وجب علیه الاتیان بحج التمتع بتلک الکفیة، فمعناه أنه ملزم بعد الاتیان بالعمرة المفردة بالاتیان بها بالحج، ولا یکون مختارا في ترکة والرجوع الی بلدته، فاذا کان ملزما بعد الاتیان بها بالحج فهو خارج عن مورد الروایات، وعلیه فلا دلیل علی انقلاب العمرة المفردة متعة، ومع لا یکون هذا الحج تمتع لکي یکون مشمولا لدلیل وجوب الوفاء بالنذر. نعم اذا کان النذر متعلقا بحج التمتع بالکیفیة المذکور علی تقدیر الانقلاب صح ولا بأس به.

فالنتیجة: ان هذه الروایات لا تشمل الحج الواجب وإن کان بعنوان ثانوي کالنذر أن العهد أو الاستئجار.

 

الثاني: أن يكون مجموع عمرته وحجّه في أشهر الحجّ(1)، فلو أتى بعمرته أو بعضها في غيرها لم‌يجز له أن يتمتّع بها. وأشهر الحجّ: شوّال وذوالقعدة وذوالحجّة  بتمامه على الأصحّ، لظاهر الآية(2)وجملة من الأخبار كصحيحة معاوية ابن عمّار وموثقّة سماعة وخبر زرارة؛ فالقول بأنّها الشهران الأوّلان مع العشر الأوّل من ذي الحجّة كما عن بعض، أو مع ثمانية أيّام كما عن آخر، أو مع تسعة أيّام وليلة يوم النحر إلى طلوع فجره كما عن ثالث، أو إلى طلوع شمسه كما عن رابع، ضعيف، على أنّ الظاهر أنّ النزاع لفظيّ، فإنّه لا إشكال في جواز إتيان بعض الأعمال إلى آخر ذي الحجّة ، فيمكن أن يكون مرادهم أنّ هذه الأوقات هي آخر الأوقات الّتي يمكن بها إدراک الحجّ.

1- الفیاض: وهو شوال وذو القعدة وذو الحجة، وتنص علی ذلک مجموعة من الروایات:

منها: صحیحة ابن أذینة قال: «قال أبو عبد الله7: من أحرم بالحج في غیر أشهر الحج فلا حج له – الحدیث -»(الوسائل باب: 11 من أبواب أقسام الحج الحدیث: 4).

ومنها: قوله7 في موثقة سماعة بن مهران: «وإن اعتمر في شهر رمضان أو قبله وأقام الی الحح بمتمتع، وانما هو مجاور أفراد العمرة، فان هو أحب أن یتمتع في أشهر الحج بالعمرة الی الحج فلیخرج منها حتی یحاوز ذات عرق، أو یجاوز عسفان فیدخل متمتعا بالعمرة الی الحج – الحدیث -»(الوسائل باب: 10 من أبواب أقسام الحج الحدیث: 2). ومنها: غیرهما.

ثم إن الظاهر من هذه الروایات ومن روایات انقلاب العمرة المفردة، متعة ان وقت عمرة التمتع یدخل برؤیة هلال شهر شوال بالعین الاعتیادیة المجردة، ومن هنا لو وقع جزء منها قبل الرؤیة کالإحرام فقد وقع ذلک الجزء في خارج الوقت ویکون باطلا لا محالة وإن وقع باقي أجزائها في الوقت.

2- الفیاض: وهي قوله تعالی: (اَلحَجُّ أَشهُرٌ مَعلُوماتٌ...) الخ (البقرة الآیة 197) فان الشهر ظاهر في التمام. وأما الروایات فهي ناصة في ذلک:

منها: قوله  في صحیحة معاویة بن عمار: («ابتدای آیه) (اَلحَجُّ أَشهُرٌ مَعلُوماتٌ)، وهو شوال وذو القعدة وذو الحجة»(الوسائل باب: 11 من أبواب أقسام الحج الحدیث: 1).

منها: قوله7 في صحیحته الأخری: («ابتدای آیه) (اَلحَجُّ أَشهُرٌ مَعلُوماتٌ)، وهو شوال وذو القعدة وذو الحجة»(الوسائل باب: 11 من أبواب أقسام الحج الحدیث: 2).

ومنها: قوله في موثقة سماعة بن مهران: «لأن أشهر الحج شوال وذو القعدة وذو الحجة» (الوسائل باب: 10 من أبواب أقسام الحج الحدیث: 2): ومنها غیر ذلک.

ومن الواضح ان شوال اسم لفترة زمنیة محددة بدءا بخروج القمر من المحاق علی نحو یمکن رؤیته بالعین المجردة الاعتیادیة في حالة عدم وجود حاجب کغیم أو نحو ذلک، وانتهاء بدخوله في المحاق بعد اکمال دورته العادیة، وکذلک ذو القعدة وذو الحجة وهکذا، وهذه الروایات بما أنها في مقام التحدید فلا یمکن أن یکون مبنیا علی التسامح، وبذلک یظهر ضعف سائر الأقوال في المسألة، وأنه لا منشأ لها عدا ما ذکره الماتن  .

 

مسألة 1: إذا أتى بالعمرة قبل أشهر الحجّ قاصداً بها التمتّع ، فقد عرفت عدم صحّتها تمتّعاً، لكن هل تصحّ مفردةً أو تبطل من الأصل؟  قولان؛ اختار الثاني في المدارک، لأنّ ما نواه لم‌يقع والمفردة لم‌ينوها. وبعضٌ اختار الأوّل، لخبر الأحول عن أبي عبداللّه علیه السّلام في رجل فرض الحجّ في غير أشهر الحجّ، قال: «يجعلها عمرة» وقد يستشعر ذلک من خبر سعيد الأعرج، قال أبو عبداللّه علیه السّلام: «من تمتّع في أشهر الحجّ ثمّ أقام بمكّة حتّى يحضر الحجّ من قابل فعليه شاة، وإن تمتّع في غير أشهر الحجّ ثمّ جاور حتّى يحضر الحجّ فليس عليه دم، إنّما هي حجّة مفردة، إنّما الأضحى على أهل الأمصار»؛ ومقتضى القاعدة  وإن كان هو ما ذكره صاحب المدارک ، لكنلابأس بما ذكره ذلک البعض، للخبرين(1) .

1- الفیاض: فیه اشکال بل منع، لضعف الخبرین، أما الخبر الأول فلأن طریق الصدوق الی أبي جعفر الأحول ضعیف، لأن فیه ما جیلویه، وهو لم یثبت توثیقه. وأما الثاني فلأن في سنده محمد بن سنان، هذا، اضافة الی أنه ضعیف دلالة حیث لا نظر له الی حکم العمرة التي أتی بها في غیر أشهر الحج، بل هو ناظر الی حکم آخر وهو أنه اذا جاور مکة انقلبت وظیفته من التمتع الی الافراد وإن کانت فترة المجاورة أقل من ستة أشهر، وهذا مخالف للنصوص المتقدمة، فانها جمیعا تنص علی عدم الانقلاب في هذه الفترة. وأما الخبر الأول فدلالته مبنیة علی أن یکون المراد من الحج فیه عمرة التمتع، وهذا وإن کان محتملا، الّا أنه لا ظهور له فیه.

فالنتیجة: أن الصحیح هو بطلان عمرة التمتع في غیر أشهر الحج، من جهة أنها في غیر وقتها المحدد لها وانقلابها الی العمرة المفردة بحاجة الی دلیل ولا دلیل علیه.

 

 

الثالث: أن يكون الحجّ والعمرة في سنة واحدة ، كما هو المشهور المدّعى عليه الإجماع، لأنـّه المتبادر من الأخبار المبيّنة لكيفيّة حجّ التمتّع(1)، ولقاعدة توقيفيّة العبادات(2)، وللأخبار الدالّة على دخول العمرة في الحجّ وارتباطها به والدالّة على عدم جواز الخروج من مكّة بعد العمرة قبل الإتيان بالحجّ، بل وما دلّ من الأخبار على ذهاب المتعة بزوال يوم التروية أو يوم عرفة ونحوها، ولاينافيها خبر سعيد الأعرج المتقدّم، بدعوى أنّ المراد من القابل فيه العام القابل فيدلّ على جواز إيقاع العمرة في سنةٍ والحجّ في اُخرى، لمنع ذلک، بل المراد منه الشهر القابل على أنـّه لمعارضة الأدلّة السابقة غير قابل(3) ، وعلى هذا فلو أتى بالعمرة في عام وأخّر الحجّ إلى العام الآخر لم‌يصحّ تمتّعآ؛ سواء أقام في مكّة إلى العام القابل أو رجع إلى أهله ثم عاد إليها، وسواء أحلّ من إحرام عمرته أو بقي عليه إلى السنة الاُخرى، ولا وجه لما عن الدروس من احتمال الصحّة في هذه الصورة. ثمّ المراد من كونهما في سنة واحدة أن يكونا معآ في أشهر الحجّ من سنة واحدة، لا أن لايكون بينهما أزيد من اثني عشر شهراً، وحينئذٍ فلايصحّ  أيضا لو أتى بعمرة التمتّع في أواخر ذي الحجّة وأتى بالحجّ في ذي الحجّة من العام القابل.

 

1- الفیاض: فیه أن هذه الأخبار انما هي في مقام بیان واجبات العمرة وأجزائها من البدایة الی النهایة، وواجبات الحج واجزائه کذلک، ولا نظر لها الی أن التفریق بینهما جائزه، أو أنه ملزم بالاتیان بهما في ستة واحدة.

2- الفیاض: فیه انه لا تقتضي أن یکون الحج والعمرة في سنة واحدة، حیث ان ذلک تابع للدلیل، ومعنی توقیفیة العبادات أنه لا یجوز التصرف فیها زیادة ونقیصة، بل هي علی ما وصلت إلینا من الشرع بما لها من الواجبات والشروط، فاذا شک في أن صحة الحج والعمرة مشروطة بکونهما في سنة واحدة أو لا، فالمرجع هو الأصل من اللفظي إن کان، والّا فالعملي، ومن الواضح أن قاعدة توقیفیة العبادات لا تستدعي اعتبار هذا الشرط، لأنها تقتضي تطبیق ما ثبت في الشرع حرفیا بدون أدنی تصرف فیه، ولیست قاعدة تشریعیة، الّا أن یکون مراده1 منها قاعدة الاشتغال في العبادات، بدعوی أنها تقتضي اعتبار کونهما في ستة واحدة، ولکن لا أساس لهذه الدعوی، فان الأمر اذا وصل الی الشک في أن صحة کل من العمرة والحج مشروطة بوقوعهما في سنة واحدة أو لا، فیرجع فیه الی أصالة البراءة، لا قاعدة الاشتغال، لأن مرد هذا الشک الی الشک في التعیین والتخییر، والمرجع في هذه المسألة البراءة عن التعیین الّا في موردین:

أحدهما: أن یکون ذلک الشک في مقام الامتثال.

والآخر: أن یکون في الحجیة، وتفصیل ذلک موکول الی علم الأصول، هذا.

فالصحیح في المقام أن یقال: إن الدلیل علی اعتبار کونهما في ستة واحدة متمثل في ثلاث طوائف من الروایات:

الأولی: الروایات التي تنص علی أن المتعة دخلت في الحج الی یوم القیامة، ثم شبک أصابعه بعضها ببعض، فانها ناصة في أنهما عمل واحد ارتباطي کالصلاة ونحوها، ومن المعلوم ان مقتضی ذلک هو وجوب الاتیان بهما في سنة واحدة ووقت فارد، فلو أتی بالعمرة في ستة وبالحج في سنة أخری بطلا ولم یأت بالواجب.

الثانیة: الروایات التي تنص علی أن من أتی بعمرة التمتع فهو مرتهن بالحج ومحتبس، ولا یجوز له الخروج من مکة حتی یأتي بالحج.

منها: صحیحة معاویة قال: «قلت لأبي عبد الله7: إنهم یقولون في حجة التمتع حجة مکیة وعمرة عراقیة، فقال: کذبوا أو لیس هو مرتبطا بالحج لا یخرج منها حتی یقضي حجّة»(الوسائل باب: 4 من أبواب أقسام الحج الحدیث: 6) وهذه الروایات أیضا واضحة الدلالة علی اعتبار کونهما في سنة واحدة.

الثالثة: الروایات التي تنص علی أن حد المتعة ینتهي بدخول یوم الترویة کما في بعضها، وبدخول یوم عرفة کما في بعضها الآخر، وبخوف فوت الحج اذا أتی باعمال العمرة کما في ثالث، والجامع ان الحاج اذا دخل مکة وخاف فوت الحج اذا قام للإتیان باعمال العمرة انقلبت وظیفته الی حج الإفراد.

منها: صحیحة علي بن یقطین قال: «سألت أبا الحسن موسی7 عن الرجل والمرأة یتمتعان بالعمرة الی الحج ثم یدخلان مکة یوم عرفة، کیف یصنعان؟ قال: یجعلانها حجة مفردة، وحدّ المتعة الی یوم الترویة»(الوسائل باب: 21 من أبواب أقسام الحج الحدیث: 11).

ومنها: صحیحة الحلبي قال: «سألت أبا عبد الله7 عن رجل أهل بالحج والعمرة جمیعا، ثم قدم مکة والناس بعرفات فخشی ان هو طاف وسعی بین الصفا والمروة أن یفوته الموقف، قال: یدع العمرة، فاذا أتم حجّه صنع کما صنعت عائشة، ولا هدي علیه»(الوسائل باب: 21 من أبواب أقسام الحج الحدیث: 6) ومنها غیرهما.

وهذه الروایات أیضا واضحة الدلالة علی اعتبار کونهما في سنة واحدة وعدم جواز التفریق بینهما، اذ لو کان التفریق جائزا فمعناه ان وقت العمرة لا یکون محدودا بحد، فانه یأتي بالعمرة في هذه السنة وبالحج في السنة القادمة.

فالنتیجة: انه لا شبهة في اعتبار وقوعهما في عام واحد، ولا یصح التفریق بینهما في عامین وإن کان الفصل بینهما أقل من اثنی عشر شهرا.

3- الفیاض: لا من هذه الناحیة، بل هو بنفسه غیر قابل للاعتماد علیه، لضعفه سندا وإن کانت دلالته تامة، ومع الاغماض عن سنده فهو یصلح أن یعارض الأدلة السابقة، الّا أن یقال ان تلک الأدلة من جهة کثرتها تبلغ حد التواتر اجمالا، وعلیه فیدخل هذا الخبر في الأخبار المخالفة للسنة فلا یکون حجة.

 

 

الرابع: أن يكون إحرام حجّه من بطن مكّة مع الاختيار، للإجماع (1)والأخبار . وما في خبر إسحاق عن أبي الحسن  علیه السّلام من قوله: «كان أبي مجاوراً هاهنا فخرج يتلقّى بعض هؤلاء، فلمّا رجع فبلغ ذات عرق أحرم من ذات عرق بالحجّ ودخل وهو محرم بالحجّ»، حيث إنّه ربما يستفاد منه جواز الإحرام بالحجّ من غير مكّة، محمول على محامل(2) ، أحسنها أنّ المراد بالحجّ عمرته ، حيث إنّها أوّل أعماله؛ نعم، يكفي أىّ موضع منها كان ولو في سككها، للإجماع وخبر عمرو بن حريث(3)  عن الصادق علیه السّلام من أين اُهلّ بالحجّ؟ فقال: «إن شئت من رحلک وإن شئت من المسجد وإن شئت من الطريق، وأفضل مواضعها المسجد(4)، وأفضل مواضعه المقام أو الحجر(5)» وقد يقال: أو تحت الميزاب . ولو تعذّر الإحرام من مكّة، أحرم ممّا يتمكّن، ولو أحرم من غيرها اختيارآ متعمّدآ بطل إحرامه، ولو لم‌يتداركه بطل حجّه ولايكفيه العود إليها بدون التجديد، بل يجب أن يجدّده، لأنّ إحرامه من غيرها كالعدم، ولو أحرم من غيره جهلا أو نسيانآ وجب العود إليها والتجديد مع الإمكان، ومع عدمه  جدّده في مكانه(6) .

 

1- الفیاض: فیه انه لا أثر للإجماع في المسألة، اذ مضافا الی ما ذکرناه غیر مرة من المناقشة في أنه لا طریق لنا الی اثباته بین المتقدمین بنحو یکون کاشفا عن ثبوت حکم المسألة في زمن المعصومین: انه لیس باجماع تعبدي، فان مدرک المجمعین جمیعا أو معظمهم الأخبار الواردة في المسألة، فاذن لا یکون الأجماع دلیلا مستقلا في مقابل الأخبار.

2- الفیاض: منها: أنه محمول علی التقیة.

ومنها: انه  أحرم مفردا للحج لا متمتعا.

ومنها: انه أحرم من ذات عرق ثم یجدد احرامه في مکة.

ومنها: أن المراد من الحج العمرة.

وهذه المحامل کلها بعیدة وبحاجة الی قرینة، ولا قرینة علی شيء منها، هذا.

فالصحیح في المقام أن یقال: ان الروایة وهي موثقة اسحاق بن عمار، قال: «سألت أبا الحسن عن المتمتع یجيء فیقضي متعة، ثم تبدو له الحاجة فیخرج الی المدینة والی ذات عرق أو الی بعض المعادن، قال: یرجع الی مکة بعمرة ان کان في غیر الشهر الذي تمتع فیه، لأن لکل شهر عمرة، وهو مرتهن بالحج، قلت: فانه دخل في الشهر الذي خرج فیه، قال: کان أبي مجاورا هاهنا فخرج یتلفی، (متلقیا) بعض هؤلاء، فلما رجع فبلغ ذات عرق أحرم من ذات عرق بالحج، ودخل وهو محرم بالحج»(الوسائل باب: 22 من أبواب أقسام الحج الحدیث: 8) وان کانت تامة سندا الّا أنه مع ذلک لا یمکن الأخذ بها دلالة، وذلک لأن انصراف الامام  عن جواب سؤال السائل وبیان أمر آخر لا یرتبط بالسؤال لا محالة یکون مبنیا علی نکتة تبرره، وتلک النکتة مجهولة لنا وغیر مبینة، هذا اضافة الی أن ما بیّنة  فیها أیضا مجمل وغیر واضح المراد، فان قوله : «کان أبي مجاورا هاهنا فخرج یتلقی بعض هؤلاء فلما رجع فبلغ ذات عرق أحرم من ذات عرق الحج ودخل وهو محرم بالحج، مجمل، اذ مرداده من  مجاورة أبیه7 في مکة غیر معلوم، فان أراد  منها المجاورة التي هي الموضوع لانقلاب الوظیفة من التمتع الی الافراد کان احرامه من ذات عرق لحج الافراد دون التمتع، فاذن لا تکون الموثقة منافیة لما دل علی أن احرام حج التمتع من مکة، وإن أراد منها الإقامة فیها بفترة محدودة لا تمتد الی سنتین، فعندئذ وظیفته وان کانت حج التمتع، الّا ان احرامه من ذات عرق هل هو له أو لعمرة التمتع؟ ولا ظهور لها في الأول، باعتبار عدم ظهورها في أن خروجه من مکة کان بعد الاتیان بعمرة التمتع بل لا یبعد ظهورها السیاقي في أنه کان قبل الاتیان بها.

فالنتیجة: أن الموثقة غیر ظاهرة في أن احرامه  من ذات  عرق کان لحج التمتع. نعم لو کانت ظاهره في ذلک لکانت دالة علی توسعة میقات حج التمتع وأنه أغم من مکة المکرمة وذات عرق، ولا تنافي بینها وبین الروایات التي تدل علی أن میقات حج التمتع هو مکة المکرمة، باعتبار أنه لا مفهوم لها لکي تدل بمفهومها علی نفي میقات آخر له، غایة الأمر أنها ساکتة، وتدل علی نفیه بالاطلاق الناشئ من السکوت في مقام البیان، وهو لا ینافي النص علی خلافه.

3- الفیاض: الخبر صحیح سندا، وواضح دلالة.

4- الفیاض: علی المشهور ولا دلیل علیه.

5- الفیاض: في الأفضلیة اشکال بل منع، وإن کانت معروفة. وقد استدل علی ذلک بصحیحة معاویة بن عمار عن أبي عبد الله : «قال: اذا کان یوم الترویة إن شاء الله تعالی فاغتسل ثم البس ثوبیک وادخل المسجد حافیا وعلیک السکینة والوقار، ثم صل رکعتین عند مقام ابراهیم أو في الحجر ثم اقعد حتی تزول الشمس فصلّ المکتوبة، ثم قل في دبر صلاتک کما قلت حین أحرمت من الشجرة فاحرم بالحج وعلیک السکینة والوقار، فاذا انتهیت الی الرفضاء دون الردم فلبّ، فاذا انتهیت الی الردم بالصلاة وأشرفت علی الأبطح فارفع صوتک باتلبیة حتی تأتي منی»(الوسائل باب: 52 من أبواب الاحرام الحدیث: 1) بدعوی ان الأمر بالصلاة عند مقام ابراهیم  أو  في الحجر ثم الجلوس فیه حتی زوال الشمس والاتیان بالمکتوبة فیه ثم الإحرام یدل علی أنه افضل مواضع الاحرام.

ولکن للمناقشة في دلالتها علی ذلک مجال، فانها تدل علی أن ذلک أفضل مواضع الصلاة لا أنه أفضل مواضع الإحرام، ولا أقل من الاجمال، فاذن لا تدل علی أن الاحرام من المسجد أفضل من سائر مواضع مکة، بل تدل علی أن الدخول في المسجد انما هو للصلاة والدعاء فیه والتهیؤ للإحرام، باعتبار أن الاحرام انما یتحقق بالتلبیة وهو مأمور بها اذا خرج من المسجد ووصل الی الرفضاء.

6- الفیاض: في وجوب التجدید اشکال بل منع اذا کان المحرم غیر متمکن حین الاحرام من مکانه من العود الی مکة والاحرام منها، فان وظیفته في هذه الحالة تکون الإحرام من مکانه، والمفروض أنه أحرم منه، ومعه لا مجال لتجدیده ثانیا، لأن المبرر لإحرام الحج من غیر مکة المکرمة انما هو عدم تمکنه من العود الیها والإحرام منها، والحال أن هذا المبرر موجود في الواقع حین الإحرام الأول، فاذن یکون تجدیده ثانیا لغوا وتحصیلا للحاصل، وبکلمة اذا افترضنا ان عدم التمکن من العود الیها لا یکون مبررا للإحرام من غیرها فحینئذ کما لا یکون مبررا للإحرام الأول، کذلک لا یکون مبررا لتجدیده أیضا.

مثال ذلک: اذا خرج الحاج من مکة بعد عمرة التمتع الی الطائف – مثلا – لسبب من الأسباب، ثم أحرم منه للحج ناسیا أو معتقدا جوازه من غیرها في حال وهو غیر متمکن من العود الی مکة والاحرام منها في الواقع، ثم ذهب منه الی الموقف، وبعد الوصول الیه تذکر بالحال أو علم بالحکم فلا موجب لتجدیده ثانیا. نعم اذا احرم في الطائف ناسیا أو جاهلا بالحکم في حال وهو متمکن من العود الی مکة والإحرام منها واقعا کان إحرامه باطلا، لأنه لا یکون مأمورا به في هذه الحالة، علی أساس أن الاحرام من غیر المیقات انما یکون مأمورا به اذا لم یتمکن من الرجوع الیه في الواقع، والّا فلا أمر به، وحینئذ فاذا ذهب الی الموقف وبعد الوصول الیه تذکر بالحال أو علم بالحکم، ولکن ذلک في وقت لا یتمکن من العود الی مکة للإحرام، ففي هذه الحالة یجب علیه الاحرام من مکانه.

وتدل علی صحة الاحرام من غیر المیقات اذا لم یتمکن من الرجوع الیه الروایات الواردة في حکم من تجاوز عن المیقات بدون احرام ناسیا أو جاهلا بالحکم الی أن دخل في الحرم أو مکة المکرمة، فانه في هذه الحالة إن کان متمکنا من الرجوع الی میقات وجب علیه الرجوع الیه والاحرام منه، وإن لم یتمکن من ذلک أو خاف أن یفوته الحج اذا رجع الیه أحرم من مکانه اذا لم یتمکن من الرجوع الی خارج الحرم أیضا، والّا وجب الرجوع الیه والاحرام منه. ومورد هذه الروایات وإن کان احرام العمرة الّا أن العرف بمناسبات الحکم والموضوع الارتکازیة لا یفهم منها خصوصیة لموردها، بل یفهم منها أن المعیار في مشروعیة الإحرام من غیر المیقات انما هو عدم التمکن من الرجوع الیه والاحرام منه ولو من جهة خوف قوت الموقف، وهذا الملاک کما یکون مبررا لمشروعیة الإحرام للعمرة من غیر میقاتها، کذلک یکون مبررا لمشروعیة الإحرام للحج من غیر مکة المکرمة.

فالنتیجة: ان هذه الروایات تدل بمقتضی المتفاهم العرفي الارتکازي علی عدم خصوصیة لموردها، فاذن یکون التعدي من موردها الی غیره کإحرام الحج علی القاعدة، وأما اذا ترک الإحرام من مکة ناسیا أو جاهلا، وذهب الی الموقف، ثم تذکر بالحال أو علم بها، فان تمکن من العود الیها والاحرام منها ودرک الموقف وجب، والّا أحرم من مکانه. وأما اذا تذکر بالحال أو علم بالحکم بعد الأعمال وقضاء المناسک صح حجه، ولا شيء علیه.

وتدل علی الحکم الثاني صحیحة علي بن جعفر عن أخیه7 قال: «سألته عن رجل کان متمتعا خرج الی عرفات وجهل أن یحرم یوم الترویة بالحج حتی رجع صحیحته الأخری قال: اذا قضی المناسک کلها فقد تم حجّه»(الوسائل باب: 20 من أبواب المواقیت الحدیث: 2)، وعلی الحکم الاول فما حاله؟ قال: «سألته عن رجل نسی الإحرام بالحج فذکر وهو بعرفات فما حاله؟ قال: یقول: اللهمّ علی کتابک وسنة نبیک فقد تم إحرامه»(الوسائل باب: 20 من أبواب المواقیت الحدیث: 3) فانهما تدلان علی أن ترک الإحرام من الحاج عامدا وملتفتا الی الحکم الشرعي غیر جائز وموجب لبطلان حجه، وأما ترکه نسیانا أو جهلا لا یضر به، غایة الأمر إن التفت في الأثناء ولم یتمکن من الرجوع الی مکة والاحرام منها نواه من مکانه، وإن التفت بعد الانتهاء من أعمال الحج فلا شيء علیه.

فالنتیجة: ان صحة حج التمتع مشروطة بالاحرام من مکة للعامد الملتفت لا مطلقا.

 

 الخامس: ربما يقال : إنّه يشترط فيه (1) أن يكون مجموع عمرته وحجّه من واحد وعن واحد ؛ فلو استؤجر إثنان لحجّ التمتّع عن ميّت، أحدهما لعمرته والاُخرى لحجّه، لم‌يجز عنه، وكذا لو حجّ شخص وجعل عمرته عن شخص وحجّه عن آخر لم‌يصحّ؛ ولكنّه محلّ تأمّل ، بل ربما يظهر من خبر محمّد بن مسلم  عن أبي جعفر علیه السّلام صحّة الثاني ، حيث قال: سألته عن رجل يحجّ عن أبيه أيتمتّع؟  قال: «نعم، المتعة له والحجّ عن أبيه».

1- الفیاض: بل لا شبهة في اعتبار هذا الشرط بالنسبة الی النائب، فلا یمکن استئجار شخصین لحج التمتع أحدهما لعمرته والآخر لحجه، وذلک لأن عمرة التمتع بوصف کونها جزءا من حج التمتع فلا یمکن انجازها بصورة مستقلة عن الحج، والّا فهي عمرة مفردة لا عمرة تمتع، ومن هنا لا یکون بامکان أي أحد أن ینوي عمرة التمتع مستقلة عن الحج، لأن ذلک تشریع، ولا یمکن الحکم بصحتها بدون أن یأتي بالحج بعدها صحیحا، کما لا یمکن أن ینوي حج التمتع بصورة مستقلة عن العمرة، فان صحة کل منهما مشروطة بوجود الآخر، فصحة العمرة مشروطة بکونها ملحوقة بالحج وصحة الحج مشروطة بکونه مسبوقا بالعمرة.

فالنتیجة: أنهما عمل واحد مرکب من جزءین ارتباطیین ثبوتا وسقوطا کالصلاة ونحوها، فلذلک لا یمکن استئجار فردین له أحدهما لعمرته والآخر لحجه، لأن حجه واجب علی من أتی بالعمرة وأنه مرتهن به لا غیره، کما أن عمرته انما هي واجبة علی من نوی الاتیان بحجه بعدها.

وأما النسبة الی المنوب عنه، فهل یمکن أن یستأجر شخصا واحدا من قبل شخصین، بأن یقوم بالعمرة نیابة عن أحدهما، وبالحج نیابة عن الآخر؟ فیه خلاف، الظاهر أنه لا یمکن، فان محذور تعدد النائب وإن کان غیر لازم في هذا الفرض، الّا أن هناک محذور آخر، وهو أن لازم ذلک أن تکون عمرة التمتع واجبة مستقلة علی المنوب عنه وغیر مربوطة بالحج، وکذلک الحج لکي تصح نیابته عن الأول في العمرة وعن الثاني في الحج، وهو کما تری! وأما اذا کان کل منهما جزء الواجب – کما هو المفروض – فلا تکون العمرة وحدها مشروعة في حقه، وکذلک الحج وحده حتی یمکن أن یستنیب عنه فیها، وهذا نظیر ما اذا استوجر شخص في صلاة واحدة من قبل شخصین، بأن یأتي بنصفها نیابة عن أحدهما وبنصفها الآخر نیابة عن الثاني، ومن المعلوم أن مثل هذه النیابة غیر معقولة، لأن نصف الصلاة لا یکون مشروعا في حق أحد حتی تصح النیابة عنه فیه، وحج التمتع کالصلاة من هذه الناحیة.

وأما منشأ تأمل الماتن في المسألة، فالظاهر انه صحیحة محمد بن مسلم عن أبي جعفر  قال: «سألته عن رجل یحج عن أبیه، دیتمتع؟ قال: نعم، المتعة له، والحج عن أبیه»(الوسائل باب: 27 من أبواب النیابة في الحج الحدیث: 1) بدعوی أنها ظاهرة في جواز التفریق بین العمرة والحج بأن تکون الأولی لشخص والثاني لآخر.

ولکن للمناقشة في دلالتها مجال، لأن محتملات هذه الروایة متمثلة في أمور:

الأول: أن یکون مراد السائل من قوله (أ یتمتع) أن یحج حج التمتع عن أبیه.

الثاني: أن یکون مراده منه التمتع بالنساء والطیب بعد العمرة.

الثالث: أن یکون المراد منه یتمتع لنفسه زائدا عی حج التمتع مع عمرته عن أبیه.

الرابع: أن یکون المراد منه أنه یحج عن أبیه بدون عمرة ویتمتع لنفسه بلا حج.

ولا ظهور لها في الاحتمال الثالث أو الرابع، فان الاحتمال الأول وإن کان بعیدا عن مثل محمد بن مسلم وأنه لا یدري مشروعیة حج التمتع عن أبیه نیابة، وأما الاحتمال الثاني فهو غیر بعید، ولعل منشؤه احتمال أن النائب کالمنوب عنه، فکما أنه بنفسه محروم عن التمتع بالنساء اذا کان میتا في فترة زمنیة بین العمرة واحرام الحج فکذلک النائب، وأجاب الامام «بانه لیس مثله».

فالنتیجة: انه لا ظهور للروایة في التفرقة بین العمرة والحج، بل انها لو لم تکن ظاهرة في الاحتمال

الثاني مجملة، فلا یمکن التمسک بها.

 

 

مسألة 2: المشهور أنّه لايجوز  الخروج من مكّة بعد الإحلال من عمرة التمتّع قبل أن يأتي بالحجّ، وأنـّه إذا أراد ذلک، عليه أن يحرم بالحجّ فيخرج محرماً به، وإن خرج محلاّ ورجع بعد شهر فعليه أن يحرم بالعمرة، وذلک لجملة من الأخبار الناهية للخروج والدالّة على أنـّه مرتهن ومحتبس بالحجّ والدالّة على أنـّه لو أراد الخروج خرج ملبّيآ بالحجّ والدالّة على أنـّه لو خرج محلاّ فإن رجع في شهره دخل محلاّ وإن رجع في غير شهره دخل محرماً، والأقوى عدم حرمة  الخروج   وجوازه محلاّ، حملا للأخبار على الكراهة(1) كما عن ابن إدريس وجماعة اُخرى بقرينة التعبير ب «لااُحبّ»(2) في بعض تلک الأخبار ؛ وقوله في مرسلة الصدوق(3): «إذا أراد المتمتّع الخروج من مكّة إلى بعض المواضع فليس له ذلک»، لأنـّه مرتبط بالحجّ حتّى يقضيه، إلّا أن يعلم أنـّه لايفوته الحجّ؛ ونحوه الرضويّ، بل وقوله علیه السّلام في مرسل أبان: «و لايتجاوز إلّا على قدر ما لاتفوته عرفة»، إذ هو وإن كان بعد قوله : «فيخرج محرماً»، إلّا أنـّه يمكن أن يستفاد منه أنّ المدار فوت الحجّ وعدمه، بل يمكن أن يقال(4): إنّ المنساق من جميع الأخبار المانعة أنّ ذلک للتحفّظ عن عدم إدراک الحجّ وفوته، لكون الخروج في معرض ذلک، وعلى هذا فيمكن دعوى عدم الكراهة  أيضا(5) مع علمه بعدم فوات الحجّ منه ؛ نعم، لايجوز الخروج لا بنيّة العود  أو مع العلم بفوات الحجّ منه إذا خرج.

ثمّ الظاهر أنّ الأمر بالإحرام إذا كان رجوعه بعد شهر إنّما هو من جهة أنّ لكلّ شهر عمرة، لا أن يكون ذلک تعبّداً أو لفساد عمرته السابقة أو لأجل وجوب الإحرام على من دخل مكّة، بل هو صريح  خبر إسحاق بن عمّار، قال: سألت أباالحسن  علیه السّلام عن المتمتّع يجيء فيقضي متعته ثمّ تبدو له حاجة فيخرج إلى المدينة أو إلى ذات عرق أو إلى بعض المنازل، قال علیه السّلام: «يرجع إلى مكّة بعمرة إن كان في غير الشهر الّذي تمتّع فيه، لأنّ لكلّ شهر عمرة، وهو مرتهن بالحجّ... الخ». وحينئذٍ فيكون الحكم بالإحرام إذا رجع بعد شهر على وجه الاستحباب(6) لا الوجوب، لأنّ العمرة الّتي هي وظيفة كلّ شهر ليست واجبة ، لكن في جملة من الأخبار كون المدار على الدخول في شهر الخروج أو بعده، كصحيحتي حمّاد وحفص بن البختري(7)  ومرسلة الصدوق والرضويّ، وظاهرها الوجوب، إلّا أن تحمل على الغالب، من كون الخروج بعد العمرة بلا فصل، لكنّه بعيد، فلايُترک الاحتياط(8) بالإحرام إذا كان الدخول في غير شهر الخروج  ، بل القدر المتيقّن من جواز الدخول محلاّ صورة كونه قبل مضيّ شهر من حين الإهلال، أي الشروع في إحرام العمرة والإحلال منها ومن حين الخروج، إذ الاحتمالات في الشهر ثلاثة وثلاثين يوماً من حين الإهلال وثلاثين من حين الإحلال بمقتضى خبر إسحاق بن عمّار، وثلاثين من حين الخروج بمقتضى هذه الأخبار، بل من حيث احتمال   كون المراد من الشهر في الأخبار هنا والأخبار الدالّة على أنّ لكلّ شهر عمرة الأشهر الإثنى‌عشر المعروفة(9)، لا بمعنى ثلاثين يوماً، ولازم ذلک أنـّه إذا كانت عمرته في آخر شهر من هذه الشهور فخرج ودخل في شهر آخر أن يكون عليه عمرة، الأولى مراعاة الاحتياط   من هذه الجهة    أيضا. وظهر ممّا ذكرنا أنّ الاحتمالات ستّة؛ كون المدار على الإهلال، أو الإحلال، أو الخروج، وعلى التقادير، الشهر بمعنى ثلاثين يوماً أو أحد الأشهر المعروفة(10). وعلى أىّ حال إذا ترک الإحرام مع الدخول في شهر آخر ولو قلنا بحرمته، لايكون موجباً لبطلان عمرته السابقة(11)، فيصحّ حجّه بعدها  .

ثمّ إنّ عدم جواز الخروج، على القول به، إنّما هو في غير حال الضرورة، بل مطلق الحاجة، وأمّا مع الضرورة أو الحاجة   مع كون الإحرام بالحجّ غير ممكن  أو حرجاً عليه فلا إشكال فيه(12). و أيضا الظاهر اختصاص المنع على القول به بالخروج إلى المواضع البعيدة  ، فلا بأس بالخروج إلى فرسخ أو فرسخين(13)، بل يمكن أن‌يقال باختصاصه بالخروج   إلى خارج‌الحرم وإن‌كان الأحوط خلافه(14)  . ثمّ الظاهر أنّه لا فرق في المسألة بين الحجّ الواجب والمستحبّ، فلو نوى التمتّع مستحبّاً ثمّ أتى بعمرته يكون مرتهناً بالحجّ، ويكون حاله في الخروج محرماً أو محلاّ(15) والدخول كذلک كالحجّ الواجب.

ثمّ إنّ سقوط وجوب الإحرام عمّن خرج محلاّ ودخل قبل شهر، مختصّ بما إذا أتى بعمرة بقصد التمتّع(16)  ، وأمّا من لم‌يكن سبق منه عمرة فيلحقه حكم من دخل مكّة في حرمة دخوله بغير الإحرام  ، إلّا مثل الحطّاب والحشّاش ونحوهما.  و أيضا سقوطه إذا كان بعد العمرة قبل شهر، إنّما هو على وجه الرخصة (17)  بناءً على ما هو الأقوى   من عدم اشتراط فصل شهر بين العمرتين(18)، فيجوز الدخول بإحرام قبل الشهر  أيضا؛ ثمّ إذا دخل بإحرام، فهل عمرة التمتّع هي العمرة الاُولى أو الأخيرة؟ مقتضى حسنة حمّاد أنـّها الأخيرة المتّصلة بالحجّ، وعليه لايجب فيها طواف النساء، وهل يجب حينئذٍ في الاُولى أو لا؟ وجهان؛ أقواهما نعم (19) ، والأحوط الإتيان بطوافٍ مردّدٍ بين كونه للاُولى أو الثانية. ثمّ الظاهر أنّه لاإشكال    في جواز الخروج في أثناء عمرة التمتّع (20)قبل الإحلال منها.

1- الفیاض: فیه ان الأظهر جواز الخروج من مکة بعد عمرة التمتع لمن کان واثقا ومتأکدا بتمکنه من الرجوع الیها للإحرام للحج وعدم فوته منه، هذا علی ما تقتضیه القاعدة.

وأما الروایات الواردة في المسألة فهي تصنف الی ثلاثة أصناف:

الصنف الأول: الروایات الناهیة عن الخروج عن مکة حتی یحج.

الصنف الثاني: الروایات التي تدل علی جواز الخروج منها اذا عرضت له الحاجة محرما باحرام الحج.

الصنف الثالث: ما یدل علی جواز الخروج الی المناطق القریبة کالطائف ونحوها مطلقا وإن لم تکن حاجة تدعو الیها.

أما الصنف الأول: فهو متمثل في ثلاث روایات:

منها: صحیحة زرارة عن أبي جعفر7 قال: «قلت له: کیف أتمتع؟ قال: تأتي الوقت فتلبي – الی أن قال – ولیس لک أن تخرج من مکة حتی تحج»(الوسائل باب: 22 من أبواب أقسام الحج الحدیث: 1).

ومنها: صحیحته الأخری عن أبي جعفر7 قال: «قلت لأبي جعفر7: کیف أتمتع؟ فقال: تأتي الوقت فتلبي بالحج، فاذا أتی مکة طاف وسعی وأحل من کل شيء وهو محتبس لیس له أن یخرج من مکة حتی یحج»(الوسائل باب: 5 من أبواب أقسام الحج الحدیث: 1).

ومنها: صحیحة حماد بن عیسی عن أبي عبد الله7: «قال من دخل مکة متمتعا في أشهر الحج لم یکن له أن یخرج حتی یقضي الحج – الحدیث -»(الوسائل باب: 22 من أبواب أقسام الحج الحدیث: 6)، فان المتفاهم العرفي منها علی أساس مناسبات الحکم والموضوع الارتکازیة عدم جواز الخروج المنافي للحج لا مطلق الخروج وإن لم یکن منافیا له، إذ احتمال أن یکون عدم جواز الخروج حکما تعبدیا صرفا بعید جدا عن الارتکاز العرفي، فان قوله7: «حتی یحج» یمنع عن ذلک، ویدل علی أنّ الحج هو الغایة النهائیة، فالمناط انما هو بحصولها، فاذا کان الشخص علی یقین من أنه اذا خرج منها الی بلاد أخری لم یفت الحج منه فلا مانع من الخروج، والروایات لا تدل علی عدم جوازه، فان المستفاد منها عرفا – کما مر – انما هو عدم جوازه اذا خاف فوت الحج، وعدم التمکن من ادراکه لا مطلقا، وتدل علی ذلک صریحا صحیحة علي بن جعفر عن أخیه قال7: «وسألته عن رجل قدم مکة متمتعا فحل أیرجع؟ قال: لا یرجع حتی یحرم بالحج، ولا یجاوز الطائف وشبهها مخافة أن لا یدرک الحج، فان أحب أن یرجع الی مکة رجع، وإن خاف أن یفوته الحج مضی علی وجهه الی عرفات»(الوسائل باب: 22 من أبواب أقسام الحج الحدیث: 12)، فانها تدل علی أن النهي عن التجاوز عن الطائف وشبهها منوط بخوف فوت الحج لا مطلقا.

وبکلمة: ان المرتکز العرفي منها أن النهي عن الخروج انما هو للحفاظ علی الحج وعدم تفویته منه، والّا فلا موضوعیة له.

واما الصنف الثاني: فهو متمثل في روایتین:

احداهما: صحیحة حفص بن البختري عن أبي عبد الله7: «في رجل قضی متعة وعرضت له حاجة أراد أن یمضی الیها، قال: فقال: فلیغتسل للإحرام ولیهل بالحج ولیمض في حاجته، فإن لم یقدر علی الرجوع الی مکة مضی الی عرفات»(الوسائل باب:: 22 من أبواب أقسام الحج الحدیث: 4).

والأخری: قوله7 في صحیحة حماد بن عیسی المتقدمة: «فان عرضت له حاجة الی عسفان أو الی الطائف أو الی ذات عرق خرج محرما ودخل ملبیا بالحج، فلا یزال علی إحرامه، فان رجع الی مکة رجع محرما ولم یقرب البیت حتی یخرج مع الناس الی منی علی إحرامه، وإن شاء وجهه ذلک الی منی – الحدیث -»(الوسائل باب: 2 من أبواب أقسام الحج الحدیث: 6).

وهاتان الصحیحتان لا تدلان علی انتفاء جواز الخروج بانتفاء الإحرام، لأن قاعدة احترازیة القیود انما تقتضي انتفاء شخص الحکم المجعول في القضیة بانتفاء قیدة، ولا تقتضي انتفاء أي حکم آخر مثله، وبذلک اختلفت عن المفهوم في موارد ثبوته، حیث أنه یقتضي انتفاء طبیعي الحکم وسنخه بانتفاء الشرط. نعم قد ذکرنا في علم الأصول أنه لا مانع من الالتزام بدلالة الوصف علی المفهوم وهو انتفاء طبیعي الحکم بانتفائه علی نحو السالبة الجزئیة، علی أساس أن تقیید جواز الخروج من مکة بالاحرام منها فیهما یدل علی انتفاء الجواز عن حالة انتفاء القید في الجملة، اذ لو کان الجوز ثابتا في حالات الانتفاء مطلقا ولو بفرد آخر من الجواز وبجعل مستقل لکان التقیید به لغوا وجزافا، فمن أجل ذلک یدل هذا التقیید علی الانتفاء في الجملة، أي بنحو السالبة الجزئیة، باعتبار أن الالتزام بهذه الدلالة انما هو من جهة أن خروج القید عن اللغویة یقتضي تلک الدلالة، ولا یقتضي أکثر منها، وتمام الکلام في علم الأصول.

فالنتیجة: أن هاتین الصحیحتین بمقتضی التقیید فیهما لا تدلان علی أکثر من عدم جواز الخروج من مکة المکرمة بدون الإحرام اذا لم یکن الشخص واثقا ومطمئنا بتمکنه من العود الیها للإحرام للحج، باعتبار أن هذا المقدار من الدلالة یکفي في خروج القید عن اللغویة، فلذلک لا تدلان علی عدم جواز الخروج منها بدون الاحرام اذا کان واثقا ومتأکدا بتمکنه من الرجوع الیها والاحرام منها.

وأما الصنف الثالث: فهو متمثل في صحیحة الحلبي، قال: «سألت أبا عبد الله7 عن الرجل یتمتع بالعمرة الی الحج یرید الخروج الی الطائف، قال: یهل بالحج من مکة وما أحب أن یخرج منها الّا محرما، ولا یتجاوز الطائف، قال: یهل بالحج من مکة وما أحب أن یخرج منها الّا محرما، ولا یتجاوز الطائف انها قریبة من مکة»(الوسائل باب: 22 من أبواب أقسام الحج الحدیث: 7).

وهذه الصحیحة تدل علی أمور:

الأول: جواز الخروج من مکة الی المناطق القریبة کالطائف ونحوها.

الثاني: ان ذلک الخروج لا یکون محبوبا الّا محرما.

الثالث: النهي عن تجاوز تلک المناطق معللا بأنها قریبة من مکة.

اما الأول: فمقتضی اطلاقه جواز الخروج وإن لم تکن هناک حاجة تدعو الیه.

واما الأمر الثاني: فلا یدل علی أکثر من استحباب الإحرام دون الوجوب، فان جملة «لا أحب» بنفسها لا تدل علی أکثر من کراهة الخروج وعدم رجحانه بدون الإحرام. نعم قد تستعمل في الحرمة والمبغوضیة، ولکن بقرینة خارجیة، کما في قوله تعالی: (وَ اَللّهُ لا یُحِبُّ اَلفَسادَ) (البقرة الآیة: 205) وقوله تعالی: (لا یُحِبُّ اَللهُ) (اَلجَهرَ بِالسُّوءِ)(النساء الآیة: 148).

فالنتیجة: ان هذه الجملة لو لم تکن ظاهرة في الکراهة لم تکن ظاهرة في الحرمة، فلا أقل أنها مجملة ولا یمکن الاستدلال بها لا علی الجواز ولا علی الحرمة.

وأما الأمر الثالث: وهو النهي عن التجاوز عن الطائف معللا بأنها قریبة من مکة، فلا یدل علی عدم جوازه اذا کان المکلف علی یقین من تمکنه من الرجوع للإحرام للحج، اذ من المحتمل قویا أن یکون هذا النهي المعلل انما هو بملاک أنه اذا أجار الخروج الی المناطق البعیدة فانه قد یؤدي الی تفویت الحج، فاذن لا یستفاد منه أکثر من عدم جواز الخروج الی المناطق البعیدة مع عدم الوثوق والاطمئنان بتمکنه من الرجوع الی مکة لإحرام الحج ومخافة الفوت، وتدل علی ذلک صحیحة علي بن جعفر المتقدمة.

ثم إن کان واثقا ومطمئنا بأنه اذا خرج من مکة الی المناطق القریبة أو البعیدة یتمکن من الرجوع الیها للإحرام للحج لم یجب علیه أن یخرج محرما، وإن کان محبوبا بمقتضی هذه الصحیحة. وأما إذا عرضت له حاجة لأن یخرج منها لقضائها فیجب علیه أن یخرج محرما، ولعله من جهة أنه قد لا یکون واثقا ومتأکدا بتمکنه من الرجوع الی مکة للإحرام للحج بعد قضاء حاجته، ولذا قد صرح في بعض هذه الروایات أنه اذا لم یقدر علی الرجوع الی مکة مضی الی عرفات، وفي بعضها الآخر إن شاء رجع الی منی.

وبکلمة: انّ المتفاهم العرفي من هذه الروایات بمناسبة الحکم والموضوع أن وجوب الخروج محرما علی من عرضت له الحاجة انما هو بملاک أنه لا یثق بتمکنه من الرجوع الی مکة للإحرام لحجة الإسلام بعد انجار حاجته، لاحتمال أن انجازها وحصولها بحاجة الی مزید من الوقت، وأما من کان علی یقین بتمکنه من ذلک فهو غیر مشمول لها، ومقتضی القاعدة جواز خروجه بدون احرام، وإن کان الأحوط والأجدر به أن یخرج محرما. ومن هنا یظهر أن المراد من کونه محتبسا ومرتهنا بالحج بعد عمرة التمتع أنه لا یجوز له تفویته بعد العمرة وعدم الاتیان به بعدها، فان مناسبة الحکم والموضوع لا تقتضي أکثر من ذلک، لا أنه لا یجوز له الخروج من مکة مطلقا وإن کان لا ینافي الاتیان به في موعده.

وأما اذا خرج الی المدینة أو نحوها من الأماکن البعیدة بغیر احرام جاهلا أو عامدا وملتفتا الی الحکم الشرعي، فان رجع الی مکة في شهره دخل بغیر احرام، وإن دخل في غیر الشهر دخل محرما باحرام عمرة التمتع، ویدل علیه ذیل صحیحة حماد بن عیسی المتقدمة: «قلت: فان جهل فخرج الی المدینة أو الی نحوها بغیر احرام ثم رجع في إیّان الحج في أشهر الحج یرید الحج فیدخلها محرما أو بغیر إحرام، قال: إن رجع في شهره دخل بغیر احرام، وإن دخل في غیر الشهر دخل محرما، قلت: فاي الاحرامین والمتعتین متعة الأولی أو الأخیرة؟ قال: الأخیرة هي عمرته، وهي المحتبس بها التي وصلت بحجته. قلت: فما فرق بین المفردة وبین عمرة التمتع اذا دخل في أشهر الحج؟ قال: أحرم بالعمرة وهو ینوي العمرة ثم أحل منها ولم یکن علیه دم ولم یکن محتبسا بها لأنه لا یکون ینوي الحج»(الوسائل باب: 22 من أبواب أقسام الحج الحدیث: 6). ثم إنه لا یدل علی عدم جواز الخروج بغیر احرام اذا لم یکن جاهلا، وذلک لأن الجهل مأخوذ في کلام السائل من جهة أن صدر الصحیحة یدل علی جواز الخروج محرما، وظن السائل منه عدم الجواز بغیر احرام، فلذلک سأل عن حکم الجاهل اذا خرج بدون إحرام.

فالنتیجة: في نهایة الشوط أنه لا یبعد جواز الخروج الی المناطق القریبة أو البعیدة بدون حاجة تدعو الیه شریطة أن یکون واثقا ومطمئنا بتمکنه من الرجوع الی مکة للإحرام للحج وإن کان الخروج محرما أولی وأجدر، کما أن الأولی والأجدر الاقتصار علی المناطق القریبة.

2- الفیاض: مر أن هذه الکلمة انما وردت في صحیحة الحلبي (الوسائل باب: 22 من ابواب أقسام الحج الحدیث: 7) المتقدمة وقد عرفت أن موردها الخروج الی المناطق القریبة کالطائف ونحوها بارادته لا بسبب حاجة تدعو الیه، ویظهر من سیاق التعلیل فیها أنه واثق بتمکنه من الرجوع الی مکة للإحرام لحجة الإسلام، وعلیه فتکون الصحیحة أخص من الروایات الناهیة عن الخروج حتی یحج، وتقیید اطلاقها بما اذا کان الخروج الی المناطق البعیدة.

فالنتیجة: انه لا بأس بالخروج الی المناطق القریبة کالطائف وجدة ونحوهما، ولا یجوز الی المناطق التي تکون أبعد منها اذا لم یکن واثقا ومطمئنا بتمکنه من الرجوع الیها للإحرام للحج.

وبکلمة: أن هذه الصحیحة تدل علی أمرین:

أحدهما: جواز الخروج الی المناطق القریبة التي یطمئن الانسان بأن الخروج الیها لا یضر بالحج.

والآخر: ان ذلک إن کان مع الاحرام فهو أحب، فاذن تکون مقیدة لإطلاق تلک الروایات بغیر الخروج الی المناطق القریبة. ومن هنا یظهر أنها لا تصلح أن تکون قرینة علی حمل النهي عن الخروج فیها علی الکراهة، فانها انما تصلح لذلک إذا کان موردها جواز الخروج مطلقا لا الی المناطق القریبة فقط.

وبذلک یتبین أنه لا وجه لما عن الماتن1 من حمل النهي فیها علی الکراهة، فانه بحاجة الی قرینة، ولا قرینة علی ذلک، فاذن لا مناص من الأخذ بظاهرة، ولکن قد مر أن مناسبات الحکم والموضوع الارتکازیة تقتضي اختصاصه بالخروج من مکة بعد العمرة مع عدم الوثوق والاطمئنان بالتمکن من العود الیها للإحرام، ولا یعم ما اذا کان الشخص واثقا ومطمئنا بالتمکن من ذلک، هذا اضافة الی أن ذلک مقتضی صحیحة علي بن جعفر (الوسائل باب: 22 من أبواب أقسام الحج الحدیث: 12) المتقدمة.

3- الفیاض: فیه ان المرسلة وإن کانت تامة دلالة، الّا أنها ضعیفة سندا، فلا تصلح أن تکون قرینة علی حمل النهي فیها علی الکراهة، وبه یظهر حال ما بعده.

4- الفیاض: هذا هو الصحیح کما مر.

5- الفیاض: بل هو الظاهر کما تقدم الآن.

6- الفیاض: بل علی وجه الوجوب لظهور صحیحة حماد بن عیسی في أن العمرة الثانیة هي عمرة التمتع، ومن المعلوم أنها لا تخلو اما أن تکون واجبة علیه، او تکون غیر مشروعة ولا یمکن أن تکون مستحبة، لأنها إن کانت متعة فهي واجبة والأولی ملغیة، وإن لم تکن الأولی ملغیة فهي غیر مشروعیة متعة، ضرورة ان العمرتین المتعتین في موسم واحد غیر مشروعة ولا یمکن الحکم بصحتهما معا. وأما التعلیل الوارد في موثقة اسحاق بن عمار وهو قوله7: «لأن لکل شهر عمرة وهو مرتهن بالحج»(الوسائل باب: 22 من أبواب أقسام الحج الحدیث: 8) فهو لا یدل علی استحباب هذه العمرة، فانه في مقام بیان مشروعیة العمرة في کل شهر، فاذا کانت مشروعیة في حقه اذا رجع في الشهر الآخر کانت واجبة، باعتبار أنها عمرة التمتع بنص صحیحة حماد، والمفروض أنها واجبة علیه ذاتا، ووجوبها یکشف عن بطلان الأولی.

أو فقل: ان الصیحیحة تدل علی ان صحة العمرة الأولی مشروطة بأن لا تفصل بینها وبین الحج عمرة أخری، بملاک أنها المحتبس بها والموصولة بالحج، وعلی هذا فاذا رجع في الشهر الآخر فبما أن دخوله في مکة لا یجوز بدون إحرام فیجب علیه أن یحرم لعمرة التمتع، علی أساس أنه مرتهن بالحج، وحینئذ فتصبح الأولی لاغیة، والثانیة واجبة، فان صحة الأولی مشروطة بالرجوع الی شهره، هذا من ناحیة.

ومن ناحیة أخری: ان هذه الصحیحة تدل بالالتزام علی أنه لا یمکن الفصل بین عمرة التمتع والحج بعمرة مفردة معللة بأن عمرة التمتع هي المحتبس بها والموصولة بالحج، فمن أتی بعمرة مفردة بینهما ناسیا أو جاهلا بالحکم تصبح عمرة التمتع لاغیة باعتبار وجود الفصل بینها وبین الحج وهو العمرة المفردة، وهل تنقلب المفردة متعة؟ الظاهر عدم الانقلاب، لأنه بحاجة الی دلیل، ولا دلیل علیه في المقام.

7- الفیاض: الظاهر ان هذا من سهو القلم، اذ لیس في صحیحة حفص بن البختري تعرض لهذا التفصیل، وهو الدخول في شهره والدخول في غیر الشهر.

8- الفیاض: بل هو الأقوی اذا کان الدخول في غیر شهر التمتع، کما هو المفروض، باعتبار أن لکل شهر عمرة.

9- الفیاض: هذا هو الصحیح والظاهر من الروایات الواردة في المسألة، وقد تقدم تفصیل ذلک بشکل موسع في المسألة (3) من (فصل أقسام العمرة). وعلی هذا فالمراد من الشهر في قوله7 في صحیحة حماد بن عیسی: «إن رجع في شهره»(الوسائل باب: 22 من أبواب أقسام الحج الحدیث: 6) الشهر القمري الذي أتی فیه بعمرة التمتع، بقرینة ان لکل شهر قمري عمرة، علی تفصیل قد سبق وقد ذکرنا هناک أن الشهر ظاهر في الشهر القمري، وارادة ثلاثین یوما منه بحاجة الی قرینة، وعلی هذا فالشهر في قوله7: «إن رجع في شهره» هو الشهر القمري الذي تمتع فیه دون شهر الخروج من مکة، فانه لو ارید منه شهر الخروج، فإما أن یراد منه ثلاثون یوما من حین الخروج، أو یراد منه الشهر القمري الآخر، بمعنی أنه خرج بعد مضي شهر التمتع، کما اذا تمتع في شوال وخرج في ذي القعدة، وکلاهما لا یمکن.

اما الأول، فمضافا الی أنه بحاجة الی قرینة، ان لازم ذلک أنه اذا رجع قبل انتهاء شهر الخروج وبعد مضي شهر التمتع جاز له الدخول في مکة محلا، مع أنه لا یجوز له ذلک جزما، علی أساس أن لکل شهر قمري عمرة، ولا یجوز الدخول فیها في کل شهر بدون احرام. وبذلک یظهر بطلان الاحتمال الثاني أیضا، فاذن لا محالة یکون المراد من الشهر في هذه الصحیحة هو شهر التمتع. ومن هنا قد صرح به في موثقة اسحاق بن عمار.

فالنتیجة: ان مفاد الحیحة أنه إن رجع في شهره دخل بغیر إحرام، وإن رجع في غیره دخل محرما، وکذلک الحالفي موثقة اسحاق بن عمار، بل قد صرح بذلک فیها – کما مر -. ومن هنا یظهر ان ما في المتن من الاحتمالات للشهر الذي اذا رجع فیه دخل محلا، لا دلیل علی شيء منها.

10- الفیاض: مر أن هذا هو الظاهر من النصوص، فاذا أحرم في العشرة الأولی من شوال ثم خرج فان رجع في نفس ذلک الشهر دخل محلا، وإن رجع في ذي القعدة أو أول ذي الحجة دخل محرما بعمرة التمتع، ویکشف ذلک عن بطلان العمرة الأولی.

11- الفیاض: الأظهر هو البطلان، وذلک لأن صحیحة حماد المتقدمة التي تفصل بین من رجع الی مکة في شهره ومن رجع في غیر الشهر الذي تمتع فیه، وأنه علی الأول دخل بغیر احرام، وعلی الثاني محرما باحرام التمتع ظاهرة في أن صحة المتعة الأولی مشروطة برجوعه الیها في شهره الذي تمتع فیه، وأما اذا رجع في الشهر الآخر غیره فبما أنه مأمور بالدخول محرما باحرام التمتع فیکون کاشفا عن بطلان المتعة الأولی، اذ لا یمکن الجمع بین کونه مأمورا باحرام التمتع من جدید وبین بقاء الأولی علی الصحة، اذ لو ظلت باقیة علی الصحة لم تکن الثانیة مشروعة حتی یکون مأمورا بالاتیان بها، فاذن بطبیعة الحال یکشف الأمر بالثانیة عن الغاء الأولی وبطلانها.

فالنتیجة: ان المستفاد من الصحیحة أن صحة الأولی مشروطة بأن یرجع في الشهر الذي تمتع فیه، وإن مضی ذلک الشهر ولم یرجع کاشف عن بطلانها، ومن هنا اذا رجع في غیره بدون احرام وإن کان عن جهل أو غفلة فلیس له أن یکتفي بالمتعة الأولی لأنها بطلت، بل علیه أن یرجع الی میقات أهله والإحرام منه للتمتع ثانیا إن أمکن، والّا فمن خارج الحرم أو من مکانه علی تفصیل تقدم.

واما موثقة اسحاق بن عمار (الوسائل باب: 22 من أبواب أقسام الحج الحدیث: 8)، فهي ظاهرة في وجوب الرجوع للإحرام للحج باعتبار أنه مرتهن به، غایة الأمر انه إن رجع في غیر الشهر الذي تمتع فیه دخل محرما بعمرة معللا بأن لکل شهر عمرة، ولا تدل علی کونها عمرة التمتع، بل تدل علی أن دخوله في مکة بدون احرام لعمرة بما أنه غیر جائز اذا کان في غیر الشهر الذي تمتع فیه، باعتبار أن لکل شهر عمرة، فیجب علیه الإحرام ، اما انه لعمرة التمتع أو المفردة، فالموثقة لا تدل علی أنه للتمتع دون المفردة، ولکن لابد من حملها علی ذلک بقرینة الصحیحة تطبیقا لحمل المجمل علی المبین. وأما قوله7 في ذیل الموثقة: «وهو مرتهن بالحج»(الوسائل باب: 22 من أبواب أقسام الحج الحدیث: 8) فلا یکون قرینة علی أن ارتهانه وارتباطه به انما هو بسبب العمرة الثانیة لو لم یدل علی أنه بسبب العمرة الأولی.

وبکلمة: ان الموثقة تدل علی انه اذا دخل في مکة في غیر الشهر الذي تمتع فیه دخل فیها محرما، وأما أن احرامه لعمرة التمتع او للمفردة، فهي لا تدل علی ذلک، فاذن یکون المرجع فیه الصحیحة.

ثم إن المستفاد من الصحیحة فروع:

الفرع الأول: أن من خرج عن مکة بعد عمرة التمتع بدون احرام جاهلا أو عامدا وملتفتا وجب الرجوع الیها للإحرام للحج.

الفرع الثاني: أنه اذا رجع في شهره رجع بدون احرام، واذا رجع في غیر الشهر الذي تمتع فیه رجع محرما.

الفرع الثالث: أنه نوی احرام عمرة التمتع لا المفردة.

الفرع الرابع: أن صحة العمرة الأولی مشروطة برجوعه في شهره، والّا فهي فاسدة.

الفرع الخامس: أن عمرة التمتع هي العمرة الموصولة بالحج، ولا یجوز الفصل بینهما بعمرة.

ونذکر فیما یلی عددا من المسائل:

الاولی: قد تسأل ان من خرج عن مکة بعد عمرة التمتع محرما للحج، فهل اذا رجع في غیر الشهر الذي خرج فیه یدخل محرما؟

والجواب: أنه یدخل ملبیا بالحج وبدون احرام للعمرة، وهذا یعني انه یبقی محرما للحج وإن طال أمد الرجوع ورجع في غیر الشهر الذي تمتع فیه، ویدل علی ذلک اطلاق صحیحتي حفص وحماد المتقدمتین.

الثانیة: قد تسأل ان من خرج عن مکة بعد العمرة عامدا وملتفتا بدون احرام، ثم رجع في الشهر الآخر وأحرم ناویا احرام العمرة المفردة فهل تبطل عمرة التمتع أو تبطل العمرة المفردة؟

والجواب: تبطل عمرة التمتع، لأن صحتها مشروطة بکونها موصولة بالحج، بأن لا تفصل بینها وبینه بعمرة ولا موجب لبطلان العمرة المفردة، لعدم الدلیل علی أن صحتها مشروطة بأن لا تقع بعد عمرة التمتع وقبل الحج، بل قد مر ان صحتها مشروطة برجوعه في الشهر الذي تمتع فیه والّا بطلت.

الثالثة: قد تسأل بأنه لما ذا لا نقول بانقلاب العمرة المفردة الی عمرة التمتع، وکون العمرة الأولی لاغیة.

والجواب: ان الانقلاب بحاجة الی دلیل ولا دلیل علیه، الّا فیما اذا أتی بها في أشهر الحج ناویا الرجوع الی بلده، ولکنه بعد الاتیان بها عدل وبنی علی البقاء في مکة بنیة الحج، أو بغرض آخر ثم بنی علیه، فانها تنقلب متعة کما مر.

الرابعة: قد تسأل أن المراد من الشهر الذي رجع فیه هل هو الشهر الهلالي أو ثلاثون یوما؟

والجواب: ان المراد منه الشهر الهلالي، دون ثلاثین یوما، کما مر.

الخامسة: قد تسأل ان من خرج عن مکة بعد العمرة بدون احرام ناسیا أو غافلا، ثم رجع في الشهر الآخر الیها وأحرم بنیة العمرة المفردة، فهل تنقلب متعة أولا؟

والجواب: عدم الانقلاب، لان انقلاب ما أتی به ناویا به اسمه الخاص الممیز له شرعا الی غیره مرتبط بوجود دلیل علیه، والّا فمقتضی القاعدة عدمه.

12- الفیاض: في اطلاق ما ذکره1 اشکال بل منع، وذلک لأن ما دعاه الی الخروج منها فان کان ضرورة بحیث یکون ترک الخروج الیه حرجیا، ففي هذه الحالة لا شبهة في جواز الخروج منها مطلقا وإن لم یتمکن من الإحرام أو کان حرجیا علیه، ولا تدل صحیحتا حفص وحماد علی عدم جواز الخروج في هذه الحالة بدون احرام، لأن موردهما مطلق الحاجة لا الضرورة، کما أنه لا یمکن التمسک باطلاق الروایات الناهیة عن الخروج منها حتی یحج، لأنها لا تعم هذه الصورة جزما، وإن کان مطلق الحاجة، فان کان متمکنا من الخروج الیها محرما، جاز بمقتضی اطلاق صحیحتي حماد وحفص المتقدمیتن، وإن لم یتمکن من الخروج الیها کذلک او کان حرجیا، فالظاهر عدم جوازه، لإطلاق الروایات الناهیة.

وإن شئت قلت: إن القول بعدم جواز الخروج من مکة بعد الاتیان بالعمرة مبني علی القول باطلاق الروایات الناهیة عن الخروج حتی یحج، ومقتضی اطلاقها عدم جواز الخروج منها محلا ومحرما مع الحاجة وبدونها، وقد خرج عن اطلاقها بمقتضی الصحیحتین صورة واحدة، وهي خروجه منها مع الحاجة محرما، وأما سائر الصور فهي تظل مشمولة له.

13- الفیاض: فیه ان تحدید جواز الخروج بذلک بحاجة الی دلیل بعد البناء علی القول بعدم جواز الخروج منها حتی یحج بمقتضی اطلاق الروایات الناهیة عنه، فان مقتضاه ان الحکم یدور مدار صدق الخروج منها، فان صدق لم یجز وإن کان أقل من فرسخ، والّا جاز، فاذن المعیار انما هو بصدق الخروج من مکة بعد العمرة وعدم صدقه عرفا.

14- الفیاض: بل الأقوی خلافه بناء علی هذا القول، فان مقتضی الروایات عدم جواز الخروج من مکة بعد العمرة وإن لم یؤد الخروج منها الی الخروج عن الحرم، ولا دلیل علی تحدید عدم جواز الخروج بالخروج الی خارج الحرم، ولا یدل علیه شيء من هذه الروایات. اللهم الّا أن یقال: ان المراد من مکة في هذه الروایات حرمها لا بلدتها، وهذا بحاجة الی قرینة ولا قرینة علی ذلک، کما أنه لا دلیل علی تحدید عدم جواز الخروج بالخروج بمقدار المسافة الشرعیة، فان الوارد في الروایات انما هو النهي عن الخروج عن مکة، فاذن المعیار انما هو بصدقه عرفا وإن کان بمسافة أقلّ بکثیر من المسافة الشرعیة المحددة.

15- الفیاض: فیه فرق بین الواجب والمستحب بناء علی ما هو الصحیح من أن العمرة الثانیة عمرة التمتع، علی أساس أنها مرتبطة بالحج ومتصلة به، ولا یجوز فصلها عنه، فان فصلت الغیت، فمن أجل ذلک تصبح العمرة الأولی لاغیة، وقد نصت علی ذلک صحیحة حماد المتقدمة، وعلی هذا فان خرج المکلف عن مکة بعد العمرة محلا فان رجع في شهره الذي تمتع فیه رجع محلا ولا شيء علیه، وإن رجع في غیره فحینئذ إن کان الحج واجبا علیه لزم أن یرجع محرما باحرام عمرة التمتع، باعتبار أن العمرة الأولی قد فسدت من جهة انتفاء شرط صحتها وهو الرجوع في شهره، والمفروض أنه مرتهن بالحج وملزم بالاتیان به، ولا یسوغ له رفع الید عنه، وإن کان مستحبا لم یکن ملزما بالرجوع، لأن عمرته الأولی قد فسدت من جهة انتفاء شرطها، فلا یکون عندئذ ملزما بالحج، لفرض عدم وجوبه علیه، ومن هنا یسوغ له أن یترک الرجوع الی مکة، کما أن له أن یرجع الیها محرما باحرام العمرة المفردة، وله أن یرجع الیها محرما باحرام عمرة التمتع.

16- الفیاض: بل مطلقا ولو کانت مفردة، فانه إن دخل قبل شهرها لم یجب علیه الاحرام، وجاز له الدخول بدونه، وإن کان بعده وجب الإحرام لأن دخول مکة غیر جائز بعد الشهر بدون احرام، ولا فرق في ذلک بین عمرة التمتع والعمرة المفردة.

17- الفیاض: بل علی وجه العزیمة علی الأظهر، لما مر من أن الثابت انما هو مشروعیة العمرة في کل شهر قمري دون الأقل، وعندئذ فلا یجوز الاحرام للعمرة مرة ثانیة قبل مضي شهر العمرة الأولی الّا رجاء.

18- الفیاض: تقدم في (فصل أقسام العمرة) أن الأقوی اشتراط فصل شهر بینهما، وتمام الکلام هناک.

19- الفیاض: بل الأقوی العدم، لما مر من أن العمرة الأولی بطلت لا أنها تنقلب مفردة، والثانیة متعة فان ذلک بحاجة الی دلیل، باعتبار أن الانقلاب لیس علی القاعدة بعد ما کان عنوان عمرة التمتع وعنوان العمرة المفردة من العناوین القصدیة المقومة والممیزة لها شرعا.

20- الفیاض: الأمر کما أفاده1، أما بناء علی ما استظهرناه من الروایات من جواز الخروج بعد العمرة اذا کان واثقا ومطمئنا من الرجوع للإحرام للحج فظاهر، وأما بناء علی عدم جوازه الّا عند الحاجة محرما، فالظاهر ان الأمر أیضا کذلک، لأن موضوع عدم جواز الخروج في صحیحتي الحلبي وحماد المتقدمتین وإن کان الدخول في مکة، الّا أن النهي عن الخروج في صحیحة حماد لما کان مغیّی بالاتیان بالحج فهو ظاهر في أنه بعد العمرة، اذ لو کان في أثنائها لکان المناسب أن یجعله مغیی باتمام العمرة والاتیان بالحج، ویؤکد ذلک ما دل علی أنه مرتهن بالحج ومحتبس به، ومن الواضح أن ارتهانه واحتباسه به انما هو بعد الاتیان بالعمرة، هذا اضافة الی أن قوله7: «بعد ذلک خرج محرما اذا عرضت له الحاجة» یدل علی أن الخروج منها محرما باحرام الحج عند الحاجة لا مانع منه، ومن المعلوم أن احرام الحج في أثناء العمرة غیر مشروع، وکذلک الحال في صحیحة الحلبي، فانها تنص علی أنه اذا أراد الخروج خرج محرما ومهلا بالحج، فاذن لا محالة یکون المراد من الخروج فیها هو الخروج بعد العمرة، ولا یمکن أن یکون المراد منه الأعم.

فالنتیجة: إنه لا مانع من الخروج في أثناء العمرة، غایة الأمر محلا لا محرما، شریطة أن یکون واثقا ومطمئنا بالرجوع للحج اذا کان واجبا.

 

 

مسألة 3: لايجوز لمن وظيفته التمتّع أن يعدل إلى غيره من القسمين الأخيرين اختياراً؛ نعم، إن ضاق وقته عن إتمام العمرة وإدراک الحجّ، جاز له نقل النيّة إلى الإفراد وأن يأتي بالعمرة بعد الحجّ بلا خلاف ولا إشكال، وإنّما الكلام في حدّ الضيق المسوّغ لذلک؛ واختلفوا فيه على أقوال :

أحدها: خوف فوات الاختياريّ من وقوف عرفة.

الثاني : فوات الركن من الوقوف الاختياريّ وهو المسمّى منه.

الثالث: فوات الاضطراريّ منه.

الرابع: زوال يوم التروية.

الخامس: غروبه.

السادس: زوال يوم عرفة.

السابع: التخيير بعد زوال يوم التروية بين العدول والإتمام إذا لم‌يخف الفوت. والمنشأ اختلاف الأخبار، فإنّها مختلفة أشدّ الاختلاف؛ والأقوى أحد القولين الأوّلين(1)، لجملة مستفيضة من تلک الأخبار، فإنّها يستفاد منها على اختلاف ألسنتها أنّ المناط في الإتمام عدم خوف فوت الوقوف بعرفة؛ منها قوله علیه السّلام في رواية يعقوب بن شعيب  الميثمي(2): «لا بأس للمتمتّع إن لم‌يحرم من ليلة التروية متى ما تيسّر له، ما لم‌يخف فوات الموقفين» وفي نسخة: «لا بأس للمتمتّع أن يحرم ليلة عرفة... الخ». وأمّا الأخبار المحدّدة بزوال يوم التروية أو بغروبه أو بليلة عرفة أو سحرها، فمحمولة على صورة عدم إمكان الإدراک إلّا قبل هذه الأوقات، فإنّه مختلف باختلاف الأوقات والأحوال والأشخاص؛ ويمكن حملها على التقيّة(3) إذا لم‌يخرجوا مع الناس يوم التروية، ويمكن كون الاختلاف لأجل التقيّة، كما في أخبار الأوقات للصلوات؛ وربما تحمل على تفاوت مراتب أفراد المتعة في الفضل(4) بعد التخصيص بالحجّ المندوب(5)، فإنّ أفضل أنواع التمتّع أن تكون عمرته قبل ذي الحجّة، ثمّ ما تكون عمرته قبل يوم التروية، ثمّ ما يكون قبل يوم عرفة، مع أنّا لو أغمضنا عن الأخبار من جهة شدّة اختلافها وتعارضها نقول: مقتضى القاعدة هو ما ذكرنا، لأنّ المفروض أنّ الواجب عليه هو التمتّع، فمادام ممكناً لايجوز العدول عنه، والقدر المسلّم من جواز العدول صورة عدم إمكان إدراک الحجّ، واللّازم إدراک الاختياريّ من الوقوف، فإنّ كفاية الاضطراريّ منه خلاف الأصل.

يبقى الكلام في ترجيح أحد القولين الأوّلين، ولايبعد رجحان أوّلهما (6)، بناءً على كون الواجب استيعاب تمام ما بين الزوال والغروب بالوقوف وإن كان الركن هو المسمّى، ولكن مع ذلک لايخلو عن إشكال ، فإنّ من جملة الأخبار مرفوع سهل   عن أبي عبداللّه علیه السّلام في متمتّع دخل يوم عرفة، قال: «متعته تامّة إلى أن يقطع الناس تلبيتهم، حيث إنّ قطع التلبية بزوال يوم عرفة» وصحيحة جميل : «المتمتّع له المتعة إلى زوال الشمس من يوم عرفة، وله الحجّ إلى زوال الشمس من يوم النحر». ومقتضاهما كفاية إدراک مسمّى الوقوف الاختياريّ، فإنّ من البعيد إتمام العمرة قبل الزوال من عرفة وإدراک الناس في أوّل الزوال بعرفات، و أيضا يصدق إدراک الموقف إذا أدركهم قبل الغروب إلّا أن يمنع الصدق فإنّ المنساق منه إدراک تمام الواجب، ويجاب عن المرفوعة والصحيحة بالشذوذ (7)كما ادّعي؛ وقد يؤيّد القول الثالث وهو كفاية إدراک الاضطراريّ من عرفة، بالأخبار الدالّة على أنّ من يأتي بعد إفاضة الناس من عرفات وأدركها ليلة النحر تمّ حجّه؛ وفيه : أنّ موردها غير ما نحن فيه وهو عدم الإدراک من حيث هو، وفيما نحن فيه يمكن الإدراک، والمانع كونه في أثناء العمرة فلايقاس بها؛ نعم، لو أتمّ عمرته في سعة الوقت ثمّ اتّفق أنـّه لم‌يدرک الاختياريّ من الوقوف كفاه الاضطراريّ، ودخل في مورد تلک الأخبار، بل لايبعد دخول من اعتقد سعة الوقت(8) فأتمّ عمرته  ثمّ بان كون الوقت مضيّقآ في تلک الأخبار. ثمّ إنّ الظاهر عموم حكم المقام بالنسبة إلى الحجّ المندوب وشمول الأخبار له، فلو نوى التمتّع ندباً وضاق وقته عن إتمام العمرة وإدراک الحجّ، جاز له العدول إلى الإفراد، وفي وجوب العمرة بعده إشكال، والأقوى عدم وجوبها (9). ولو علم من وظيفته التمتّع ضيق الوقت عن إتمام العمرة وإدراک الحجّ قبل أن يدخل في العمرة، هل يجوز له العدول من الأوّل إلى الإفراد؟ فيه إشكال وإن كان غير بعيد(10) . ولو دخل في العمرة بنيّة التمتّع في سعة الوقت وأخّر الطواف والسعي متعمّداً إلى ضيق الوقت، ففي جواز العدول وكفايته إشكال(11)  ، والأحوط العدول   وعدم الاكتفاء إذا كان الحجّ واجباً عليه.

1- الفیاض: بل الأقوی هو القول الثاني، وذلک لأن الروایات الواردة في تحدید وقت العمرة سعة وضیقا مختلفة غایة الاختلاف. ویمکن تصنیف هذه الروایات إلی طوائف.

الأولی: ما یدل علی أن المعیار إنما هو بادراک الناس بمنی.

منها: صحیحة أبي بصیر قال: «قلت لأبي عبد الله : المرأة تجيء متمتعة فتطمث قبل أن تطوف بالبیت فیکون طهرها لیلة عرفة، فقال:

إن کانت تعلم أنها تطهر وتطوف بالبیت وتحل من ارحامها وتلحق الناس بمنی فلتفعل»(الوسائل باب: 20 من أبواب أقسام الحج الحدیث:

3) فانها واضحة الدلالة علی أن العبرة في وجوب العمرة علی الحاج إنما هي بادراک الناس بمنی، فان کان متمکنا من ادراکهم هناک

مع الاتیان بالعمرة وجب، والّا فوظیفته الافراد وترک العمرة والغائها.

ومنها: صحیحة مرازم بن حکیم قال: «قلت لأبي عبد الله7: المتمتع یدخل لیلة عرفة مکة، أو المرأة الحائض متی یکون لها المتعة؟ قال:

ما أدرکوا الناس بمنی»(الوسائل باب: 20 من أبواب أقسام الحج الحدیث: 14) فانها تنص علی أن وقت العمرة محدود بادراک الناس

بمنی.

الثانیة: ما یدل علی أن وقت العمرة محدد إلی السحر من لیلة عرفة.

منها: صحیحة محمد بن مسلم قال: «قلت لأبي عبد الله7: إلی متی یکون للحاج عمرة؟ قال: إلی السحر من لیلة عرفة»(الوسائل باب: 20

من أبواب أقسام الحج الحدیث: 9).

الثالثة: ما یدل علی تحدید وقت العمرة إلی غروب الشمس من یوم الترویة.

منها: صحیحة عیص بن القاسم قال: «سألت أبا عبد الله عن المتمتع یقدم مکة یوم الترویة صلاة العصر تفوته المتعة، فقال: لا، له ما بینه وبین غروب الشمس، وقال: قد صنع ذلک رسول الله6»(الوسائل باب: 20 من أبواب أقسام الحج الحدیث: 10).

الرابعة: ما یدل علی تحدید وقتها إلی لیلة عرفة.

منها: صحیحة عمر بن یزید عن أبي عبد الله  «قال: إذا قدمت مکة یوم الترویة وانت متمتع فلک ما بینک وبین اللیل أن تطوف بالبیت

وتسعی وتجعلها متعة...» (الوسائل باب: 20 من أبواب أقسام الحج الحدیث: 12).

الخامسة: ما یدل علی تحدید وقتها إلی زوال الشمس من یوم عرفة.

منها: صحیحة جمیل بن دراج عن أبي عبد الله : «قال: المتمتع له المتعة إلی زوال الشمس من یوم عرفة وله الحج إلی زوال الشمس من یوم النحر»(الوسائل باب: 20 من أبواب أقسام الحج الحدیث: 15).

السادسة: ما یدل علی تحدید وقتها بخوف فوت الموقف.

منها: صحیحة الحلبي قال: «سألت أبا عبد الله  عن رجل أهل بالحج والعمرة جمیعا، ثم قدم مکة والناس بعرفات فخشی ان هو طاف وسعی بین الصفا والمروة أن یفوته الموقف، قال: یدع العمرة فإذا أتم حجّه صنع کما صنعت عائشة ولا هدی علیه»(الوسائل باب: 21 من أبواب أقسام الحج الحدیث: 6).

ثم ان هذه الطوائف بحسب الظاهر متعارضة بعضها مع بعض، ما عدا الطائفة الأخیرة، فانها تنسجم مع الکل، وتصلح أن تکون قرینة لحمل البقیة علیها، وعلی هذا المحتمل في هذه الطوائف أمران:

الأول: إنها متعارضة وتسقط من جهة المعارضة، ویکون المرجع حینئذ هو الطائفة الأخیرة.

الثاني: إن أخص تلک الطوائف هي الطائفة الخامسة باستثناء الطائفة الأخیرة، فإن الطائفة الاولی قد حددت وقت العمرة بادراک الناس بمنی، ومقتضی اطلاقها الناشئ من السکوت في مقام البیان انتهاء وقتها بعدم ادراک الناس فیه، ومقتضی اطلاق الطائفة الثانیة التي تنص علی أن وقتها یمتد إلی السحر من لیلة عرفة أن وقتها ینتهي بدخول السحر من یوم عرفة، ونرفع الید عندئذ عن اطلاق کلتا الطائفتین بالطائفة الخامسة التي تنص علی أن وقتها یمتدإلی زوال الشمس من یوم عرفة، ولکن شریطة عدم خوف فوت الموقف بذلک، والّا فوظیفته ترک العمرة والغائها، فان النسبة بین الطائفة الخامسة والطائفة الأخیرة التي أناطت الغاء العمرة بالخوف وإن کانت عموما من وجه، الّا أنه مع ذلک لابد من تقدیم الطائفة الأخیرة علیها، اذ لا یحتمل أن لا یسوغ الاتیان بالعمرة وإن کان بعد زوال الشمس ما دام أنه لم یخف فوت الرکن من الموقف، کما أنه لا یحتمل جواز الاتیان بها قبل زوال یوم عرفة إذا خشی فوت الرکن منه، فمن أجل ذلک کانت مناسبة الحکم والموضوع الارتکازیة تقتضي أن تحدید وقتها بالزوال من یوم عرفة إنما هو إذا لم یخف فوت الموقف بذلک، وکذلک الحال بالنسبة إلی سائر الطوائف، فانه إذا خاف فوت الموقف قبل السحر من یوم عرفة أو قبل دخول لیلة عرفة بسبب من الاسباب فعلیه الغاء العمرة والذهاب إلی عرفات، ولا یجوز له التأخیر، وعلی هذا یحمل صحیحة عمر بن یزید عن أبي عبد الله7: «قال: إذا قدمت مکة یوم الترویة وقد غربت الشمس فلیس لک متعة، امض کما أنت بحجک»(الوسائل باب: 21 من أبواب أقسام الحج الحدیث: 12) إذ من غیر المحتمل أن من قدم مکة یوم الترویة وقد غربت الشمس وکان متمکنا من الاتیان بالعمرة ودرک الموقف، فمع ذلک تکون وظیفته ترک العمرة والذهاب إلی الحج، لوضوح أن الانقلاب انما هو في حال الاضطرار وعدم التمکن من ادراک العمرة لا مطلقا حتی مع التمکن.

فالنتیجة: إن هذا التحدید إنما هو بلحاظ الغالب، والمعیار انما هو بخوف فوت الموقف وعدم التمکن من ادراکه، وهذا یختلف باختلاف حالات المکلفین والأزمنة، ومعنی ذلک أنه لیس للعمرة وقت زمني محدد في الواقع، بل المعیار فیه في کل عصر انما هو بخوف فوته، والکاشف عن ذلک انما هو اختلاف الروایات، وعلی ذلک ففي العصر الحاضر إذا دخل الحاج مکة بعد زوال یوم عرفة، بل قبل غروب ذلک الیوم بساعتین کان یتمکن غالبا من الاتیان بالعمرة وادراک الموقف في عرفات، مع أنه لم یکن متمکنا من ذلک في العصور المتقدمة.

وقد تحصل من ذلک ان الأظهر هو الاحتمال الثاني دون الاحتمال الأول، لوضوح انه لا یجوز رفع الید عن العمرة وترکها الّا إذا خاف أن الاتیان بها یوجب فوت الموقف، فعندئذ یضطر إلی الغائها وترکها، فإذا اضطر إلی ذلک انقلبت وظیفته من التمتع إلی الافراد، والّا فلا موجب للانقلاب.

فالنتیجة: ان الطائفة الأخیرة من الروایات کلمة الفصل بین جمیع الطوائف الاخری وتحکم علیها، وتنص علی أن الضابط العام الانقلاب الحج من التمتع إلی الافراد والغاء العمرة وترکها هو خوف فوت الموقف، وأما المعاییر الاخری المحددة في سائر الطوائف فهي معاییر جانبیة، فان تسببت الخوف فالعبرة انما هي به لا بها، والّا فلا قیمة لها أصلا، ولا توجب الغاء العمرة وترکها ضرورة أنه لا یسوغ الغاؤها بدون مبرّر شرعي.

2- الفیاض: الروایة (الوسائل باب: 20 من أبواب أقسام الحج الحدیث: 5) ضعیفة سندا، فلا یمکن الاعتماد علیها.

3- الفیاض: فیه أنه لا منشأ للحمل علی التقیة، ولا مبرر له بعد کان الإحرام للحج من یوم الترویة أو بعد زوالها أمر مستحب عندهم لا فرض، ولا مانع من التأخیر عندهم، ولا سیّما من دخل مکة بعد زوال یوم الترویة أو غروبه.

فالنتیجة: انه لا مقتضی للحمل علی التقیة.

4- الفیاض: فیه ان هذا الحمل تبرعي لا شاهد علیه لا في نفس روایات الباب ولا من الخارج.

5- الفیاض: في التخصیص اشکال بل منع، فانه بحاجة إلی قرینة ولا قرینة في الروایات علیه، علی أساس أنها في مقام بیان تحدید وقت العمرة بدون نظر إلی کون الحج واجبا أو مندوبا.

6- الفیاض: بل الأظهر هو الثاني، لأن ما یکون جزء الحج وواجباته هو الوقوف الرکني والزائد علیه لیس من اجزاء الحج وواجباته، بل هو واجب مستقل فیه ولا یضر ترکه عامدا وملتفتا إلی الحکم الشرعي بصحته، ولا یوجب الا الإثم، هذا إضافة إلی أن مقتضی نص صحیحة جمیل المتقدمة کفایة ادراک الرکن وهو مسمی الوقوف فیها.

7- الفیاض: فیه ان شذوذ الروایة لا توجب سقوطها عن الحجیة، سواء أکانت شذوذها من جهة اعراض الأصحاب عنها أم کانت من جهة أن موردها مسألة شاذة.

اما الأول: فقد ذکرنا غیر مرة أن اعراضهم عن روایة معتبرة لا أثر له الّا اذا توفر فیه أمران:

أحدهما: أن یکون ذلک الاعراض من الفقهاء المتقدمین الذین کانوا مدرکین لأصحاب الأئمة:.

والآخر: أن لا یکون اعراضهم عنها کلا أو بعضا مستندا إلی شيء آخر.

أما الأمر الأول: فلا طریق لنا إلیه.

واما الأمر الثاني: فأیضا کذلک، اذ لا طریق لنا إلی احراز أن اعراضهم عنها کان تعبدیا صرفا، لاحتمال أن یکون مستندا إلی جهة اخری، ککونها شاذة أو غیر ذلک.

وأما الثاني:فلأنه لا یوجب سقوط الروایة عن الاعتبار، لوضوح أن مجرد کون المسألة قلیلة الابتلاء لا یوجب الغاء الروایة فیها عن الحجیة.

8- الفیاض: بل هو الظاهر لإطلاق بعض تلک الروایات، وهو صحیحة معاویة بن عمار عن أبي عبد الله قال: «قال: في رجل أدرک الامام وهو بجمع، فقال: إن ظنّ انه یأتي عرفات فیقف بها قلیلا، ثم یدرک جمعا قبل طلوع الشمس فلیأتها، وإن ظن أنه لا یأتیها حتی یفیضوا فلا یأتها ولیقم بجمع فقد تم حجّه»(الوسائل باب: 22 من أبواب الوقوف بالمشعر الحدیث: 1) فانها باطلاقها تشمل المقام، لأن الموضوع فیها ادراک الإمام وهو بجمع، سواء أکان سبب ذلک اعتقاده بسعة الوقت والاتیان بالعمرة ثم تبین ضیقه وعدم ادراک الناس بعرفات أم کان سببه تأخیر وصوله الی مکة لسبب من الاسباب.

نعم لا تشمله صحیحة الحلبي قال: «سألت أبا عبد الله عن رجل یأتي بعد ما یفیض الناس من عرفات، فقال: إن کان في مهل حتی یأتي عرفات من لیلته فیقف بها ثم یفیض فیدرک الناس في المشعر قبل أن یفیضوا فلا یتم حجّه حتی یأتي عرفات، وإن قدم رجل وقد فاتته عرفات فلیقف بالمشعر الحرام، فان الله أعذر لعبده فقد تم حجّه إذا أردک المشعر الحرام قبل الطلوع الشمس وقبل أن یفیض الناس، فان لم یدرک المشعر الحرام فقد فاته الحج، فلیجعلها عمرة مفردة وعلیه الحج من قابل»(الوسائل باب: 22 من أبواب الوقوف بالمشعرة الحدیث: 2) بتقریب أن السؤال فیها إنما هو عن حکم الرجل الذي وصل إلی مکة بعد ما یفیض الناس من عرفات، ومن المعلوم أنه لا یعم من وصل إلی مکة جاهلا مرکبا بضیق الوقت ومعتقدا سعته.

ثم إنه لا اشکال في صحة حجه متمتعا، (اما حجّه) فلأنه یکفي في صحته ادراک الوقوف الاضطرارة في عرفة والاختیاري في المشعر، وإن لم یتمکن من ادراک الوقوف الاضطراري في عرفة أیضا کفی ادراک الوقوف الاختیاري في المشعر بنص هاتین الصحیحتین وغیرهما. (واما عمرته متعة) فلما مر من أنه لیس لها وقت محدد، وانما الضابط فیها بخوف فوت الموقف، فان خاف فوته لم یجز الاتیان بها وإن أصر علی ذلک وأتی بها عامدا وملتفتا إلی الحکم الشرعي، وأدی إلی فوت الموقف بطلت عمرته متعة وأصبحت لاغیة بسبب بطلان حجه بترک الموقف فیه عامدا وملتفتا، لا أنها منقلبة إلی المفردة، لأن الانقلاب بحاجة إلی دلیل، ولا دلیل علیه في المقام، فاذن بطلان العمرة لیست من جهة أنها واقعة في خارج وقتها المحدد، بل من جهة بطلان الحج، وأما إذا کان جاهلا بضیق الوقت ومعتقدا سعته، وبدأ بالعمرة وواصل أعمالها وبعد الانتهاء منها انکشف ضیق الوقت وفوت الموقف منه، ففي هذه الحالة إذا تمکن من ادراک الموقف الاضطراري لعرفة والاختیاري للمشعر، أو الثاني فقط صح حجه بمقتضی اطلاق صحیحة معاویة بن عمار المتقدمة، ومعه لا موجب لبطلان العمرة وکونها لاغیة.

وللتعرف بکیفیة تطبیق ما ذکرناه نستعرض ثلاث حالات:

الحالة الاولی: أن یتأخر وصول الحاج إلی مکة لسبب من الأسباب ووصل في وقت لا یتمکن الّا من ادراک الناس في المشعر الحرام فقط، وفي هذه الحالة وظیفته تنقلب من التمتع إلی الافراد، وحینئذ فان تمکن من ادراک الوقوف الاضطراري في عرفة لیلا، ثم یأتي في المشعر الحرام قبل طلوع الشمس وجب علیه ذلک، والّا کفی ادراک الوقوف الاختیاري في المشعر فقط.

الحالة الثانیة: إنه وصل إلی مکة في وقت متسع وأتی بالعمرة، ثم اتفق لسبب من الأسباب فوت الموقف الاختیاري منه في عرفات، وفي هذه الحالة ما هو وظیفته؟

والجواب: ان وظیفته أن یذهب لیلا إلی عرفات لإدرک الوقوف الاضطراري فیها، ثم یعود منها إلی المشعر لإدراک الناس فیه، وإن لم یتمکن من ادراک الوقوف الاضطراري لعرفة فان تمکن من ادراک الوقوف الاختیاري للمشعر کفی وصح حجّة تمتعا کما مر.

الحالة الثالثة: إنه وصل إلی مکة في ضیق الوقت في الواقع، الّا أنه کان جاهلا ومعتقدا سعته وأتی بالعمرة، ثم بان ضیقه وان وظیفته کانت ترک العمرة والغائها وإدراک الموقف في عرفات، ولکنه من جهة اعتقاده بالسعة أتی بالعمرة وسبب إتیانها فوت الموقف منه، وحینئذ فان کان متمکنا من ادراک الوقوف الاضطراري في عرفات والاختیاري ف يالمشعر، أو الاختیاري في المشعر فحسب صح حجه تمتعا، لإطلاق صحیحة معاویة المتقدمة، فانه لا یکون قاصرا عن شمول هذه الحالة.

9- الفیاض: هذا هو الصحیح لأن الأمر باتیان العمرة المفردة بعد الاتیان بحج الافراد المنقلب إلیه وإن ورد في مجموعة من روایات الباب، الا أنها لیست في مقام بیان وجوبها بعد الحج، بل في مقام بیان أن من انقلبت وظیفته من التمتع إلی الافراد یصنع کما یصنع المفرد، وحینئذ فان کان حج الافراد واجبا کانت عمرته المفردة أیضا واجبة، وإن کان مستحبا فهي مستحبة.

ودعوی: أن المکلف اذا بدأ بحج الافراد وجب علیه اتماما وإن کان مستحبا في نفسه، فإذا وجب اتمامه وجب الاتیان بعمرته أیضا.

مدفوعة: بأن عمرته عمل مستقل لا ترتبط به، فوجوب اتمامه بعد البدء به لا یستلزم وجوب الاتیان بها، هذا اضافة إلی أن الاتیان بالعمرة بعد الانقلاب في المقام انما هو بدیل عن العمرة التمتع، وحینئذ فان کانت عمرة التمتع واجبة فهي واجبة والّا فلا.

وتدل علی هذه البلدیة صحیحة جمیل بن دراج، قال: «سألت أبا عبد الله عن المرأة الحائض اذا قدمت مکة یوم الترویة، قال: تمضي کما هي إلی عرفات فتجعلها حجة، ثم تقیم حتی تطهر فتخرج إلی التنعیم فتحرم فتجعلها عمرة»(الوسائل باب: 21 من أبواب أقسام الحج الحدیث: 2) فان قوله : «فتجعلها عمرة» ظاهرة في جعلها بدلا عن عمرة التمتع التي فاتت منه. وتؤید ذکل مرسلة الشیخ4 في التهذیب.

قد یتساءل عن أن المکلف إذا نوی الإحرام لحج التمتع ندبا ووصل إلی مکة وقد ضاق وقت العمرة، فان بدأ بها فات الموقف منه، فهل یجب علیه أن ینوي حج الافراد، أو یأتي بعمرة مفردة لغایة الخروج عن الإحرام، أو تبطل عمرته؟ فیه وجوه.

والجواب: ان مقتضی اطلاق روایات الباب هو الوجه الأول، فانها باطلاقها تعم الواجب والمستحب، فاذا احرم لحج التمتع ندبا وجب علیه اتمامه، غایة الأمر إن لم یتمکن من اتمامه تمتعا وجب اتمامه افرادا. أو فقل: إن مقتضی الروایات أن کل من خاف فوت الموقف إذا بدأ بالعمرة وواصل أعمالها فوظیفته الافراد شرعا، وعلیه اتمامه بعد ما لم یتمکن من اتمامه تمتعا، وهذا التبدیل والانقلاب انما هو بحکم الشارع، ولا یدور مدار قصد المکلف العدول منه إلی الافراد وعدم قصده. (واما الوجه الثاني) وهو انقلاب عمرة التمتع مفردة فلا دلیل علیه، وبدونه لا یمکن الحکم بصحتها مفردة، والفرض انه احرم باسم عمرة التمتع الممیز لها شرعا، فما نواه لم یقع، ووقوع ما لم ینوه بحاجة إلی دلیل. (وأما الوجه الثالث) فلا موجب له بعد اطلاق روایات الانقلاب للمقام.

10- الفیاض: بل هو بعید عن ظاهر روایات الباب، لأنها جمیعا متفقة علی انه احرم لعمرة التمتع ودخل مکة وضاق وقتها، وخاف فوت الموقف اذا بدأ بها وطاف وسعی بین الصفا والمروة، وأما من علم بذلک قبل الإحرام لها فهو خارج عن مورد الروایات، والتعدي بحاجة إلی قرینة، باعتبار أن الحکم یکون علی خلاف القاعدة، ولا توجد قرینة علی ذلک لا في نفس الروایات ولا من الخارج.

ودعوی الأولویة ممنوعة، لأنها لا تکون بمرتبة تصلح أن تکون قرینة علی ذلک، بل لا أولویة في البین، لأن المکلف إذا أحرم لعمرة التمتع ودخل مکة في وقت لا یتمکن من اتمامها، ففي مثل هذه الحالة جعل الشارع احرامها احراما لحج الافراد بقاء، وأما إذا علم بضیق الوقت قبل الاحرام وعدم تمکنه من الاتیان بحج التمتع، فان کان ذلک مستندا إلی تسامحه وتهاونه في تأخیره فترة بعد اخری إلی أن ضاق الوقت فقد استقر علیه الحج، ویجب علیه الاتیان به في العام القادم، لا أن وظیفته تنقلب من التمتع إلی الافراد، فان الانقلاب بحاجة إلی دلیل، ولا یوجد دلیل علیه.

واما روایات الباب فهي ظاهرة بمناسبة الحکم والموضوع الارتکازیة في أن ضیق الوقت وعدم التمکن من الاتیان بالعمرة خشیة فوت الموقف انما هو مستند إلی مانع خارجي کالحصر أو المرض أو نحو ذلک مما هو خارج عن اختیار المکلف، ولا تعم ما اذا کان ذلک مستندا إلی سوء اختیاره عامدا وملتفتا إلی الحکم الشرعي.

فالنتیجة: إنه لا دلیل علی الانقلاب في هذا الفرض، وکفایة حج الافراد عن التمتع.

وبکلمة: إن وظیفة النائي هي حج التمتع، فان کان متمکنا منه وجب علیه الاتیان به، وإن لم یکن متمکنا لضیق الوقت، فان کان ذلک مستندا إلی تأخیره عامدا وملتفتا فقد استقر وجوب الحج علیه، لا أنه ینقلب الی الافراد، لعدم الدلیل، وإن کان مستندا إلی مانع خارجي انقلب الی الافراد.

11- الفیاض: والأظهر عدم الکفایة، لأن روایات الباب لا تشمل هذه الصورة، لما مر من اختصاصها عرفا بمن لا یتمکن من اتمام العمرة في نفسه فان وظیفته تنقلب من التمتع إلی الافراد، وأما من کان متمکنا من اتمامها کذلک، ولکنه باختیاره ومتعمدا أخر الاتیان بها تساهلا إلی أن ضاق الوقت فلا یکون مشمولا لتلک الروایات حتی تنقلب وظیفته من التمتع إلی الافراد، فاذن لا یتمکن من أن ینوي الافراد بعنوان أنه المنقلب الیه. نعم یسوغ له أن ینویه ندبا، ولکنه لا یکفي عن التمتع.

 

 

مسألة 4: اختلفوا في الحائض والنفساء إذا ضاق وقتهما عن الطهر وإتمام العمرة وإدراک الحجّ، على أقوال :

أحدها: أنّ عليهما العدول إلى الإفراد  ، والإتمام ثمّ الإتيان بعمرة بعد الحجّ، لجملة من الأخبار.

 

الثاني: ما عن جماعة من أنّ عليهما ترک الطواف والإتيان بالسعي، ثمّ الإحلال وإدراک الحجّ وقضاء طواف العمرة بعده، فيكون عليهما الطواف ثلاث مرّات؛ مرّة لقضاء طواف العمرة ومرّة للحجّ ومرّة للنساء، ويدلّ على ما ذكروه  أيضا جملة من الأخبار.

الثالث: ما عن الإسكافيّ وبعض متأخّري المتأخّرين من التخيير بين الأمرين، للجمع بين الطائفتين بذلک.

الرابع: التفصيل بين ما إذا كانت حائضآ قبل الإحرام فتعدل، أو كانت طاهراً حال الشروع فيه ثمّ طرأ الحيض في الأثناء فتترک الطواف وتتمّ العمرة وتقضي بعد الحجّ؛ اختاره بعضٌ بدعوى أنـّه مقتضى الجمع بين الطائفتين، بشهادة خبر أبي بصير: سمعت أبا عبداللّه علیه السّلام يقول في المرأة المتمتّعة إذا أحرمت وهي طاهر ثمّ حاضت قبل أن تقضي متعتها: «سعت ولم‌تطف حتّى تطهر، ثمّ تقضي طوافها وقد قضت عمرتها، وإن أحرمت وهي حائض لم‌تسع ولم‌تطف حتّى تطهر» وفي الرضوي علیه السّلام: «إذا حاضت المرأة من قبل أن تحرم ـ إلى قوله علیه السّلام: ـ وإن طهرت بعد الزوال يوم التروية فقد بطلت متعتها، فتجعلها حجّة مفردة، وإن حاضت بعد ماأحرمت سعت بين الصفا والمروة وفرغت من المناسک كلّها إلّا الطواف بالبيت، فإذا طهرت قضت الطواف بالبيت وهي متمتّعة بالعمرة إلى الحجّ، وعليها طواف الحجّ وطواف العمرة وطواف النساء».

وقيل في توجيه الفرق بين الصورتين: أنّ في الصورة الاُولى لم‌تدرک شيئاً من أفعال العمرة طاهراً، فعليها العدول إلى الإفراد، بخلاف الصورة الثانية، فإنّها أدركت بعض أفعالها طاهراً فتبني عليها وتقضي الطواف بعد الحجّ. وعن المجلسي قدس سرّه في وجه الفرق، ما محصّله: أنّ في الصورة الاُولى لاتقدر على نيّة العمرة، لأنـّها تعلم أنـّها لاتطهر للطواف وإدراک الحجّ، بخلاف الصورة الثانية، فإنّها حيث كانت طاهرة وقعت منها النيّة والدخول فيها.

الخامس: ما نقل عن بعض، من أنـّها تستنيب للطواف ثمّ تتمّ العمرة وتأتي بالحجّ، لكن لم‌يعرف قائله. والأقوى من هذه الأقوال هو القول الأوّل(1) ، للفرقة الاُولى من الأخبار الّتي هي أرجح من الفرقة الثانية لشهرة العمل بها(2)  دونها؛ وأمّا القول الثالث وهو التخيير، فإن كان المراد منه الواقعيّ بدعوى كونه مقتضى الجمع بين الطائفتين، ففيه أنّهما يعدّان من المتعارضين والعرف لايفهم التخيير منهما، والجمع الدلاليّ فرع فهم العرف من ملاحظة الخبرين ذلک، وإن كان المراد التخيير الظاهريّ العمليّ، فهو فرع مكافاة الفرقتين(3) ، والمفروض أنّ الفرقة الاُولى أرجح من حيث شهرة العمل بها، وأمّا التفصيل المذكور فموهون بعدم العمل، مع أنّ بعض أخبار القول الأوّل ظاهر في صورة كون الحيض بعد الدخول في الإحرام؛ نعم، لو فرض كونها حائضاً حال الإحرام وعالمة بأنّها لاتطهر لإدراک الحجّ، يمكن أن يقال: يتعيّن عليها العدول إلى الإفراد من الأوّل(4) ، لعدم فائدة في الدخول في العمرة، ثمّ العدول إلى الحجّ؛ وأمّا القول الخامس، فلا وجه له (5) ولا له قائل معلوم.

1- الفیاض: في القوة اشکال بل منع، والأظهر نظریا هو القول الخامس، فانه مقتضی کونها معذورة عن الطواف کسائر المعذورین عنه، ولکن مع ذلک فالأحوط والأجدر بها وجوبا أن تجمع بین الاستنابة فعلا والاتیان به مباشرة بعد اعمال الحج.

بیان ذلک: إن هاهنا طائفتین من الروایات:

الاولی: الروایات التي تنص علی أن اوظیفتها تنقلب من التمتع إلی الافراد.منها: موثقة اسحاق بن عمار عن أبي الحسن  قال: «سألته عن المرأة تجيء متمتعة فتطمث قبل أن تطوف بالبیت حتی تخرج الی عرفات، قال: تصیر حجة مفردة – الحدیث -»(الوسائل باب: 21 من أبواب أقسام الحج الحدیث: 13).

ومنها: صحیحة جمیل بن دراج قال: «سألت أبا عبد الله عن المرأة الحائض إذا قدمت مکة یوم الترویة، قال: تمضي کما هي إلی عرفاد فتجعلها حجة، ثم تقیم حتی تطهر فتخرج إلی التنعیم فتحرم فتجعلها عمرة»(الوسائل باب: 21 من أبواب أقسام الحج الحدیث: 2) فان هذه الطائفة تدل علی أن وظیفتها تنقلب من التمتع إلی الإفراد، ومقتضی اطلاقها عدم الفرق بین أن تکون المرأة حائضا حین الإحرام أو بعده.

الثانیة: الروایات التي تنص علی عدم الانقلاب وأن وظیفتها تأخیر طواف العمرة إلی ما بعد الانتهاء من أعمال منی.

منها: صحیحة عبد الرحمن بن الحجاج وعلي بن رئاب عن أبي عبد الله : «قال: المرأة المتمتعة إذا قدمت مکة ثم حاضت تقیم ما بینها وبین الترویة، فان طهرت طافت بالبیت وسعت بین الصفا والمروة، وإن لم تطهر إلی یوم الترویة اغتسلت واحتشت ثم سعت بین الصفا والمروة، ثم خرجت إلی منی، فإذا قضت المناسک وزارت بالبیت وطاقت بالبیت طوافا لعمرتها، ثم طافت طوفا للحج، ثم خرجت فسعت، فاذا فعلت ذلک فقد احلت من کل شيء یحل منه المحرم الّا فراش زوجها، فاذا طافت طوفا آخر حلّ لها فراش زوجها»(الوسائل باب: 84 من أبواب الطواف الحدیث: 1). وتؤید ذلک مجموعة من الروایات الاخری.

وهذه الطائفة بما أنها ناصة في عدم الانقلاب والاولی ناصة في الانقلاب فیقع التعارض بینهما، وبعد التساقط یرجع إلی استصحاب بقاء حج التمتع علی ذمتها وعدم انقلابه إلی الإفراد. بل هو مقتضی اطلاق ما دلّ علی انه وظیفة النائي وعلیه فوظیفتها الاستنابة في الطواف، علی أساس أنها معذورة عنه، ولا فرق في العذر بین أن یکون مرضا أو حیضا أو عائقا آخر، فان مورد الروایات وإن کان المریض والمبطلون والمغمی علیه وما شاکل ذلک، الّا أن العرف لا یفهم منها خصوصیة له وموضوعیة، بل یفهم منها أن ذکره انما هو باب المثال وبملاک أنه معذور عنه.

فالنتیجة: إن المستفاد منها بمناسبات الحکم والموضوع الارتکازیة الضابط العام، وهو جواز الاستنابة فیه للمعذور، بدون فرق بین کون العذر مرضا أو اغماء أو حیضا أو ما شابه ذلک، وعلی هذا فاذا استنابت المرأة للطواف عنها وسعت بنفسها ومباشرة بین الصفا والمروة وقصرت فرغت ذمتها من العمرة، ثم بعد ذلک تنوي الإحرام للحج فتحرم فتذهب إلی عرفات، ولکن مع هذا الأحوط والأجدر بها وجوبا أن تجمع بین الاستنابة فیه قبل الحج وبین الاتیان به مباشرة بعد اعمال الحج وحصول الطهارة.

ومع الاغماض عن ذلک، وتسلیم أن لمورد تلک الروایات خصوصیة، فوظیفتها مع ذلک هي الاحتیاط، لأن دلیل الانقلاب قد سقط بالتعارض علی الفرض، وحینئذ فتبقی ذمتها مشغولة بحج التمتع بمقتضی الاستصحاب بل الاطلاق، إذ لا یحتمل سقوطه عنها في هذه الحالة بالمرة فاذن یتعیّن علیها أحد أمرین، اما الاستنابة فیه، او القضاء بعد اعمال منی، وحیث أنه لا معین في البین فیجب علیها الجمع بینهما. ومن هنا یظهر أن القول بأن مقتضی القاعدة هو الجمع بینهما برفع الید عن ظهور کل منهما في الوجوب التعییني بالاطلاق الناشئ من السکوت في مقام البیان، وعدم ذکر عدل له بکلمة (أو)، بنص کل منهما في الوجوب علی نحو القضیة المهملة، ونتیجة ذلک هي التخییر بین العدول إلی الافراد وبین الاتیان بالعمرة مباشرة باستثناء طوافها، فانه یؤخره إلی بعد الانتهاء من اعمال الحج، لا یرجع إلی معنی صحیح، إذ لا یمکن تطبیق ضابط الجمع الدلالي العرفي علی ذلک، لأن الجمع العرفي بین الدلیلین المتعارضین بتقدیم أحدهما علی الآخر انما هو فیما إذا کان مدلوله متعینا للقرینیة لدی العرف بملاک الأظهریة أو النصوصیة أو الأخصیة، بحیث لا یحتمل أن یکون هادما ومعارضا لمدلول الدلیل الآخر، بل هو مفسر ومبین للمراد الجدي منه سعة أو ضیقا، وفي المقام ان استفادة الوجوب بنحو القضیة المهملة انما هي من حاق صیغة الأمر بالدلالة الوضعیة لکل منهما، واستفادة تعینه انما هي بالاطلاق الناشئ من السکوت في مقام البیان، وبما أن الدلالة الوضعیة لکل منهما لیست دلالة مستقلة عن الدلالة الاطلاقیة، بل هي مربوطة بها ومندکة فیها لوضوح أنه لیس لکل من الطائفتین دلالتان مستقلتان علی مدلولین مستقلین في مقام الاثبات، بل لکل منهما دلالة واحدة علی مدلول واحد، وهي الدلالة الاطلاقیة التي تتضمن الدلالة الوضعیة ضمنا، ومن الواضح أن المعیار بنظر العرف العام في التعارض بین الدلیلین انما هو التنافي بین المدلولین العرفیین لکل منهما، سواء أکانا ثابتین بالاطلاق ومقدمات الحکمة، أم کانا بالوضع، کما أن المعیار بنظرهم في الجمع الدلالي العرفي بین الدلیلین هو تعین مدلول أحدهما للقرینیة علی الآخر بملاک الأظهریة أو النصوصیة أو الأخصیة، وحیث أن لکل من الطائفتین مدلولا واحدا وهو المدلول الاطلاقي ودلالة واحدة وهي الدلالة الاطلاقیة، فیکون التنافي والتعارض انما هو بین المدلول الاطلاقي لکل منهما مع المدلول الاطلاقي للآخر، وأما المدلول الوضعي فبما أنه في ضمن المدلول الاطلاقي ومندک فیه، فهو لا یصلح للقرینیة باعتبار أن دلالة اللفظ علیه انما هو في ضمن دلالته علی المدلول الاطلاقي التصدیقي، فاذا سقطت دلالته علی المدلول الاطلاقي التصدیقي سقطت دلالته علی المدلول الوضعي أیضا، لاستحالة بقاء الدلالة علی الجزء الضمنیة مع سقوط الدلالة علی الکل الاستقلالیة، والّا لزم الخلف، وعلی هذا الأساس فلا یعقل أن تکون دلالة کل منهما علی الوجوب في الجملة بالوضع قرینة علی رفع الید عن الدلالة الاطلاقیة للآخر فقط.

ونظیر ذلک ما اذا ورد الدلیل مثلا (لا بأس ببیع العذرة) و(ثمن العذرة سحت)، فانه قد یدعی أن لکل منهما دلالتین:

احداهما: دلالة مستندة إلی الوضع، وهي الدلالة علی ثبوت الحکم بنحو القضیة المهملة.

والاخری: دلالة مستندة إلی مقدمات الحکمة، وهي الدلالة علی ثبوت الحکم بنحو القضیة المطلقة. والمعارضة بینهما في الحقیقة انما هي

بین الدلالة الإطلاقیة لکل منهما مع الدلالة الاطلاقیة للآخر، لا الدلالة الوضعیة لکل منهما مع الدلالة الوضعیة للآخر، وبما أن الدلالة الوضعیة لکل منهما ناصة باعتبار أنها القدر المتیقن منهما فتصلح أن تکون قرینة علی رفع الید عن اطلاق کل منهما وحمله علی قضیة مهملة تتمثل في القدر المتیقن، ونتیجة ذلک هي حمل العذرة في الدلیل الأول علی عذره غیر مأکول اللحم، وفي الدلیل الثاني علی عذره

المأکول، هذا اضافة إلی أن وجود القدر المتیقن في کل منهما مانع عن ثبوت الاطلاق للآخر ومنعه عن اجراء مقدمات الحکمة فیه، فیکون بمثابة القرینة المتصلة.

والجواب، أولا: إن وجود القدر المتیقن لا یمنع عن ظهور المطلق في الاطلاق، والّا فلازمه أن ال ینعقد الظهور الاطلاقي للمطلق في کثیر من الموارد، اذ قلّما یوجد مطلق لم یکن له قدر متیقن بین افراده.

وثانیا: إن دلالة کل منهما علی ثبوت الحکم بنحو القضیة المهملة لیست دلالة مستقلة حتی تصلح للقرینیة، بل هي في ضمن الدلالة الاطلاقیة، والمفروض أنها معارضه. أو فقل: أن الدلالة علی القدر المتیقن نتیجة مدلولین مرددین بینهما الدلیل، فان مفاد الدلیل الأول (لا بأس ببیع العذرة) مردد بین مطلق العذرة أعم من المأکول وغیر المأکول، وبین خصوص عذرة المأکول. ومفاد الدلیل الثاني (ثمن العذره سحت) مردد بین مطلق العذرة وإن کانت من المأکول وبین خصوص عذرة غیر المأکول، فان کان مفاد الأول في الواقع خصوص عذرة المأکول، ومفاد الثاني خصوص عذرة غیر المأکول فلا معارضة بینهما، وإن کان مفاد الأول مطلق العذرة وإن کانت من غیر المأکول،

ومفاد الثاني أیضا کذلک کان بینهما تعارض، والدلالة علی ثبوت الحکم بنحو القضیة المهملة نتیجة تردد الدلیل بینهما في الواقع ومقام الثبوت، وأما في مقام الاثبات، فبما أن هذه الدلالة بینهما دلالته الاطلاقیة وتندک فیها فلکل منهما دلالة واحدة وهي الدلالة الاطلاقیة باعتبار ظهور کل منهما في الاطلاق بمقدمات الحکمة، وحیث أن دلالة کل منهما علی ثبوت الحکم بنحو القضیة المهملة لیست بدلالة مستقلة، ضرورة أنه لیست لکل منهما دلالتان مستقلتان علی مدلولین کذلک، بل دلالة واحدة علی مدلول واحد وهو الاطلاق، فتکون هذه الدلالة في ضمن تلک الدلالة الواحدة وهي الدلالة الاطلاقیة ومندکة فیها، فلذلک لا تصلح أن تکون قرینة علی رفع الید عن الدلالة الاطلاقیة للآخر، لوضوح أن رفع الید عنها بعینه هو رفع الید عن الدلالة الوضعیة، بلحاظ أنها في ضمنها ولیست دلالة مستقلة عنها، وقد مر أنه لا یعقل رفع الید عن الدلالة علی الکل وهي الدلالة الاستقلالیة، والحفاظ علی الدلالة علی الجزء وهي الدلالة الضمنیة، والّا لزم خلف فرض کونها ضمنیة.

وبکلمة: إن کلا من الدلیلین مطلق، وباطلاقه یعم عذرة المأکول وغیر المأکول، والأول یدل علی جواز بیعها مطلقا، والثاني علی حرمة بیعها کذلک، وان کان المتیقن في الأول عذرة المأکول، وفي الثاني عذرة غیر المأکول، الّا أن هذا المتیقن في ضمن المطلق، وعلیه فاذا سقطت دلالة المطلق علی کلا الفردین بالمعارضة فبطبیعة الحال سقطت دلالته المطلق علی هذا الفرد أیضا، فلا یعقل بقاؤها حتی تصلح أن تکون قرینة. ومن هنا لا یلتزم أحد في مثل قضیة (اکرم العلماء) و(لا تکرم العلماء) بحمل (العلماء) في الدلیل الأول علی (العلماء العدول) وفي الثاني علی (العلماء الفساق)، بل یعامل معهما معاملة المتعارضین. والنکتة في ذلک ما ذکرناه من أن التعارض بین الدلیلین مرتبط بالتنافي بین مدلولیهما عرفا، کما أن الجمع العرفة بینهما مرتبط بتعین مدلول أحدهما للقرینیة کذلک.

فالنتیجة: في نهایة المطاف أن الأظهر هو عدم انقلاب وظیفة الحائض من التمتع إلی الافراد، بل هي التمتع نظریا، ولکن مع هذا فالاحتیاط بالجمع لا یترک – کما مر -.

ثم إن في مقابل هاتین الطائفتین من الروایات طائفة ثالثة تنص علی أن المرأة إذا کانت حائضا حال الإحرام أو نفساء تنقلب وظیفتها من التمتع إلی الافراد شریطة استمرار حیضها أو نفاسها إلی ما بعد الموقف.

منها: صحیحة معاویة بن عمار عن أبي عبد الله7: «قال: ان أسماء بنت عمیس نفست بمحمّد بن أبي بکر بالبیداء لأربع بقین من ذي القعدة في حجّة الوداع، فامرها رسول الله6، فاغتسلت واحتشت وأحرمت ولبت مع النبي6 وأصحابه، فلما قدموا مکة لم تطهر حتی نفروا من منی وقد شهدت المواقف کلها عرفات وجمعا ورمت الجمار ولکن لم تطف بالبیت ولم تسع بین الصّفا والمروة فلما نفروا من منی أمرها رسول الله6 فاغتسلت وطافت بالبیت وبالصفا والمروة وکان جلوسها في أربع بقین من ذي القعدة وعشر من ذي الحجة وثلاث أیام التشریق»(الوسائل باب: 49 من أبواب الاحرام الحدیث: 1).

ومنها: صحیحة زرارة عن أبي جعفر7: «إن أسماء بنت عمیس نفست بمحمد بن أبي بکر فأمرها رسول الله6 حین ارادت الإحرام من ذي الحلیفة أن تحتشی بالکرسف والخرق وتهل بالحج فلما قدموا وقد نسکوا المناسک وقد أتی لها ثمانیة عشر یوما فأمرها رسول الله6 أن تطوف بالبیت وتصلي ولم ینقطع عنها الدم ففعلت ذلک»(الوسائل باب: 3 من أبواب النفاس الحدیث: 6) فانهما تدلان علی أن وظیفتها انقلبت من التمتع إلی الافراد، غایة الأمر إن علمت أنها لم تطهر قبل الموقف تنوي الاحرام للأفراد من الأول، وإن علمت أنها تطهر وتدرک الموقف بعد الاتیان بالعمرة تنوي الحرام للتمتع، وإن لم تعلم بذلک تنوي للأفراد بمقتضی الاستصحاب.

ثم إن موردها وإن کان النفاس، الّا أنه لا خصوصیة له، فان المعیار انما هو بکونها محدثة بحدث لا تتمکن معه من الدخول في المسجد، هذا.

ولکن لا یمکن الالتزام بهما، وذلک لما ذکرناه من أنهما متعارضتان بالروایات التي تنص علی أن حد النفاس عشرة أیام وبعدها استحاضة، وبما أن المعارضة بینهما في الزائد علی العشرة، فتسقطان من جهة المعارضة، فالمرجع في مورد الالتقاء والمعارضة الاطلاق الفوقي بالنسبة إلی وجوب الصلاة والصیام والطواف وجواز الوطي وأصالة البراءة بالنسبة إلی حرمة الدخول في المساجد والمکث فیها والمرور عن المسجدین الحرمین ومس کتابة القرآن ونحو ذلک، وعلی هذا فوظیفة أسماء بنت عمیس الاتیان بعمرة التمتع، ثم الاحرام للحج باعتبار أنه قد مضی علیها أقضی فترة النفاس قبل یوم الترویة، فاذن لا یمکن القول بالجمع بین الغائهما من جهة دلالتهما علی أن أقصی فترة النفاس ثمانیة عشر یوما، وبین الاستدلال بهما فیما نحن فیه، ضرورة أنه اذا قلنا بأن أقصی فترة النفاس عشرة أیام کانت اسماء مأمورة بالاحرام لعمرة التمتع من حجة الإسلام، علی أساس أنه قد مضی علیها قبل دخول یوم الترویة أقصی حد النفاس وهو عشرة أیام، هذا اضافة إلی أنهما لا تدلان علی أنها احرمت لحج الافراد، أما الصحیحة الاولی فلأن ظاهرها أنها احرمت لحج التمتع بقرینة تقیید عدم طهارتها إلی زمان نفرها من منی، ومعنی ذلک أنها اذا طهرت قبل ذلک فوظیفتها الاتیان بعمرة التمتع من حجة الإسلام، وأما الصحیحة الثانیة فالوارد فیها أن النبي6 أمر أسماء بأن تحتشي بالکرسف والخرق، وتهل بالحج، ولکن هذه الکلمة لا تدل علی أن اهلالها انما کان لحج الإفراد، اذ کما یحتمل ذلک یحتمل أن یکون لحج التمتع.

فالنتیجة في نهایة الشوط إن الصحیحتین ساقطتان من جهة المعارضة، فلا یمکن الأخذ بهما.

قد تسأل: ان المرأة اذا خاضت قبل الاحرام وعلمت بأنها لا تطهر الی ما بعد الموقف، فهل علیها أن تحرم لحج الإفراد أو التمتع؟

والجواب: انها تحرم للتمتع علی ما أشرنا إلیه آنفا من أن وظیفتها ذلک وانقلابها إلی الافراد بحاجة إلی الدلیل علیه، لأنه منحصر

بالصحیحتین المتقدمتین، وقد تقدم أنهما تسقطان من جهة المعارضة. وأما الاحتمال الثالث وهو سقوط الحج عنها فهو غیر محتمل، لأنها

متمکنة من الاتیان بحج التمتع بکلا جزأیة هما العمرة والحج، ومع تمکنها منه لا موجب لسقوطه عنها، غایة الأمر ان وظیفتها بالنسبة إلی الطواف إما الاستنابة أو تأخیرها إلی ما بعد اعمال منی.

وإن شئت قلت: ان احتمال سقوط وجوب الحج عنها رأسا من جهة عدم تمکنها من طواف العمرة علی أساس حیضها غیر محتمل، باعتبار أن عدم تمکن المکلف من الطواف لا یکون مبررا لسقوطه عنه، ومن هنا إذا علم المکلف من حاله أنه إذا ذهب إلی الحج فلیس بامکانه أن یطوف بنفسه ومباشرة لسبب أو آخر کالزحام أو نحوه، ولابد إما أن یطوف به آخر أو یستنیب شخصا یطوف عنه لم یحتمل سقوط الحج عنه وعدم ذهابه إلیه، وکذلک المرأة الحائض قبل الإحرام إذا کانت واثقة ومطمئنه بعدم انقطاع دمها واستمراره إلی الیوم العاشر من ذي الحجة.

ثم إن المرأة لا تکتفي بالقضاء فحسب، بل علیها الاستنابة للطواف فعلا والقضاء بعد اعمال منی، وذلک لأن عمدة الدلیل علی القضاء

هو صحیحة عبد الرحمن وعلي بن رئاب (الوسائل باب: 84 من أبواب الطواف الحدیث: 1) المتقدمة، وقد مر أنها سقطت من جهة

المعارضة، فاذن لا دلیل علی أن وظیفتها تأخیر الطواف والاتیان به بعد اعمال الحج.

ودعوی: أن مورد الصحیحة المرأة الحائض بعد الإحرام ودخول مکة فلا تعم المقام، وهو ما إذا رأت الدم قبل الإحرام وکان احرامها في حال الدم، ونتیجة ذلک أن الصحیحة لو لم تکن ساقطة من جهة المعارضة فأیضا لا تشمل المقام ولا تدل علی أن وظیفتها فیه تأخیر الطواف ثم قضاؤه، فاذن مقتضی القاعدة أن علیها الاستنابة في الطواف عنها في وقته، لا تأخیره والاتیان به بعد اعمال الحج قضاء.

مدفوعة: بأن موردها الصحیحة وإن کان ذلک، الّا أن العرف علی أساس مناسبة الحکم والموضوع الارتکازیة لا یری للحیض بعد الاحرام خصوصیة، بل المعیار انما هو بوجوده في وقت العمرة ومنعه عن الطواف حول البیت سواء أکان حدوثه قبل الاحرام أم کان بعده، باعتبار أن الاحرام لا یکون مشروطا بالطهارة.

فالنتیجة: إن مقتضی القاعدة وجوب الاستنابة علیها، لأنها داخلة في المعذور عن الطواف وصلاته، ولکن مع هذا فالاحتیاط بالجمع لا یترک، وبذلک یظهر حال سائر الأقوال في المسألة.

2- الفیاض: فیه أن الشهرة العملیة لیست من أحد مرجحات باب المعارضة، وأما الشهرة الروائیة فإن کانت بمعنی القطع بصدورها فلا یکون تقدیمها علی الروایة الشاذة من باب الترجیح، بل من جهة أن الروایة لا تکون حجة في نفسها لأنها مخالفة للسنة، وإن لم تکن بمعنی القطع به فلا تصلح أن تکون مرجحة علی تفصیل ذکرناه في علم الأصول، وعلی هذا فتسقط الطائفتان من جهة المعارضة.

3- الفیاض: فیه أن تکافؤهما وعدم الترجیح لإحداهما علی الاخری یوجب سقوطهما معا عن الحجیة بالمعارضة لا حجیة احداهما لا بعینه حتی تکون النتیجة هي التخییر بینهما في الحجیة، لأن دلیل الاعتبار کما لا یشمل کلا المتعارضین معا ولا لأحدهما معینا، کذلک لا یشمل أحدهما لا بعینه حتی یکون حجة علی نحو التخییر علی تفصیل ذکرناه في الأصول. وأما روایات التخییر فالمشهور وإن ذهبوا الیه في حالات التعارض بین الأخبار اذا لم یکن مرجح في البین، الّا أنها غیر تامة إما سندا، أو دلالة علی تفصیل في محله.

4- الفیاض: مر الاشکال بل المنع في أصل العدول والانقلاب، سواء أکان من الأول أم کان بعد الدخول في العمرة لما مر من ان الروایات التي استدل علی ذلک ساقطة من جهة المعارضة.

5- الفیاض: مر أنه الأظهر بحسب الصناعة والفن.

 

 

مسألة 5: إذا حدث الحيض وهي في أثناء طواف عمرة   التمتّع، فإن كان قبل تمام أربعة أشواط، بطل طوافه على الأقوى(1)  ، وحينئذٍ فإن كان الوقت موسّعآ أتمّت عمرتها بعد الطهر، وإلّا فلتعدل  إلى حجّ الإفراد(2)  وتأتي بعمرة مفردة بعده، وإن كان بعد تمام أربعة أشواط فتقطع الطواف وبعد الطهر تأتي بالثلاثة الاُخرى وتسعى وتقصّر مع سعة الوقت، ومع ضيقه تأتي بالسعي وتقصّر ثمّ تحرم للحجّ وتأتي بأفعاله ثمّ تقضي بقيّة طوافها قبل طواف الحجّ أو بعده (3)  ، ثمّ تأتي ببقيّة أعمال الحجّ، وحجّها صحيح تمتّعاً، وكذا الحال إذا حدث الحيض بعد الطواف وقبل صلاته(4).

1- الفیاض: في القوة اشکال بل منع، والأظهر عدم البطلان، وتدل علی ذلک صحیحة محمد بن مسلم قال: «سألت أبا عبد الله  عن امرأة طافت ثلاثة أشواط أو أقل من ذلک، ثم رأت دما، قال: تحفظ مکانها فاذا طهرت طافت واعتدت بما مضی»(الوسائل باب: 85 من أبواب الطواف الحدیث: 3) فانها تنص علی صحة طوافها وعدم بطلانه بحدوث حدث منها قبل اتمام أربعة أشواط، هذا.

وفي مقابلها طائفتان من الروایات:

الاولی: الروایات التي تنص علی بطلان الطواف ووجوب الاستئناف إذا کان حدوث الحیض منها قبل

بلوغ النصف.

منها: روایة أبي بصیر عن أبي عبد الله قال: «اذا حاضت المرأة هي في الطواف بالبیت أو بین الصفا والمروة فجاوزت النصف فعلمت ذلک الموضع فاذا طهرت رجعت فاتمت بقیة طوافها من الموضع الذي علمته، فان هي قطعت طوافها في أقل من النصف فعلیها أن تستأنف الطواف من أوله»(الوسائل باب: 85 من أبواب الطواف الحدیث: 1) وهذه الروایة وإن کانت واضحة دلالة الّا أنها

ضعیفة سندا، فان في سندها سلمة ابن الخطاب وهو لم یثبت توثیقه.

ومنها: روایة ابراهیم بن اسحاق عمن سأل أبا عبد الله7: «عن امرأة طافت أربعة أشواط وهي معتمرة ثم طمثت، قال: تم طوافها ولیس علیها غیره ومتعتها تامة ولها أن تطوف بین الصفا والمروة لأنها زادت علی النصف وقد قضت متعتها فلتستأنف بعد الحج وإن هي لم تطف الّا ثلاثة اشواط فلتستأنف الحج فان أقام بها جمالها بعد الحج فلتخرج إلی الجعرانة أو إلی التنعیم فلتعتمر»(الوسائل باب: 85 من أبواب الطواف الحدیث: 4) فانها تدل علی بطلان الطواف بحدوث الحیض قبل أربعة أشواط، ولکنها ضعیفة من ناحیة السند للإرسال.

ومنها: روایة أبي اسحاق طاحب اللؤلؤ قال: «حدثني من سمع أبا عبد الله  یقول في المرأة المتمتعة اذا طافت بالبیت أربعة أشواط ثم حاضت فمتعتها تامة وتقضي ما فاتها من الطواف بالبیت وبین الصفا والمروة وتخرج إلی منی قبل أن تطوف الطواف الآخر»(الوسائل باب: 86 من أبواب الطواف الحدیث: 2) فانها وإن کانت تامة دلالة وتدل علی بطلان الطواف بالمفهوم اذا کان حدوث الحیض قبل أربعة أشواط، ولکنّها ضعیفة سندا، فان أبا اسحاق صاحب اللؤلؤ لم یثبت توثیقه.

فالنتیجة: إن الروایات التي تنص علی بطلان الطواف اذا حاضت المرأة قبل النصف بأجمعها ضعیفة سندا.

ودعوی: انجبار ضعفها بعمل المشهور بها

مدفوعة: بما ذکرناه غیر مرة من أنه لا أثر لعمل المشهور بروایة ضعیفة ولا یوجب انجبار ضعفها ودخولها في أدلة الحجیة والاعتبار ولا الوثوق والاطمئنان بصدورها.

الطائفة الثانیة: الروایات التي تنص علی أن الطائف إذا أحدث في طوافه فان کان بعد تجاوز النصف تم، وإن کان قبله بطل.

منها: روایة جمیل عن بعض أصحابنا عن أحدهما8: «في الرجل یحدث في طواف الفریضة وقد طاف بعضه، قال: یخرج ویتوضأ، فان کان جاز النصف بنی علی طوافه، وإن کان أقل من النصف أعاد الطواف»(الوسائل باب: 40 من أبواب الطواف الحدیث: 1) فان دلالتها وإن کانت واضحة الّا أنها ضعیفة سندا من جهة الارسال.

فالنتیجة: إنه لا یوجد في مقابل صحیحة محمد بن مسلم (الوسائل باب: 85 من أبواب الطواف الحدیث: 3) ما یصلح أن بعارضها أو یقید اطلاقها بغیر طواف الفریضة.

قد یقال: ان بین صحیحة الحلبي عن أبي عبد الله : «قال: إذا طاف الرجل بالبیت ثلاثة أشواط ثم اشتکی أعاد الطواف یعني الفریضة»(الوسائل باب: 45 من أبواب الطواف الحدیث: 1) وبین صحیحة

محمد بن مسلم معارضة بالتباین شریطة أن لا یکون التفسیر فیها من الإمام وکان من الراوي.

وأما إذا کان التفسیر منه  فلا معارضة بینهما، لأن نسبة صحیحة الحلبي إلی صحیحة محمد بنمسلم حینئذ نسبة المقید إلی المطلق، فتوجب تقیید اطلاق صحیحة محمد بن مسلم بغیر طواف الفریضة.

ولکن الظاهر أنه جزء من الروایة لا أنه زیادة فیها من الراوي، وعلی هذا فتقع المعارضة بینهما وتسقطان من جهة المعارضة، وحینئذ فإن کان في سعة الوقت فالمرجع قاعدة الاشتغال، وإن کان في ضیقه فالمشهور الانقلاب، وأما بناء علی ما استظهرناه فتکون الوظیفة الاستنابة، ومع هذا فالاحتیاط بالجمع بینهما وبین القضاء لا یترک.

ودعوی: ان العذر المانع عن اتمام الطواف في مورد صحیحة محمد بن مسلم الحیض، وفي مورد صحیحة الحلبي غیره کالمرض أو نحوه، فلا تنافي بینهما.

مدفوعة: بان المتفاهم العرفي عدم الفرق بین أن یکون المانع من اتمام الطواف حدث الحیض أو عذر آخر، فان المعیار انما هو بطروّ العذر المانع من الطواف بدون خصوصیة للاسم والعنوان.

وقیل: إن التعارض بینهما مبني علی أن تکون صحیحة الحلبي مشتملة علی کلمة (ثلاثة) کما في الوسائل، ولکن اشتمالها علی هذه الکلمة غیر ثابت، علی أساس أن صاحب الوسائل نقل هذه الصحیحة عن الکافي، والصحیحة فیه غیر مشتملة علیها، وانما تکون مشتملة علی کلمة (اشواطا)، فاذن تکون نسبة صحیحة محمد بن مسلم الیها نسبة المقید إلی المطلق، فلا تعارض بینهما.

والجواب: إن هذه الصحیحة معارضة لصحیحة محمد بن مسلم سواء أکانت مشتملة علی کلمة (ثلاثة) أم لا، وذلک لأن تقیید الاشراط في صحیحة محمد بن مسلم بثلاثة أو أقل، انما هو من باب التقیید بالفرد الخفي ولا مفهوم له، اذ لا یحتمل عرفا أن الحکم بعدم بطلان الطواف بظهور الحیض في المرأة مختص بما إذا طاقت ثلاثة أشواط أو أقل، وأما إذا طافت أکثر منها فلا یحکم بعدم البطلان، وعلی هذا فلا ظهور لتوصیف الأشراط بها في الاحتراز، ولا في نفي الحکم عن حالات انتفاء هذا الوصف بنحو السالبة الجزئیة.

فالنتیجة: ان العرف یفهم من الصحیحة عدم بطلان الطواف بظهور الحیض في أثنائه سواء أکان قبل ثلاثة أشواط أم کان بعدها، وعلیه فالتعارض بینهما قد ظل ثابتا ومستقرا، هذا.

فالصحیح في المقام أن یقال: ان التعدي عن مورد صحیحة الحلبي إلی ما نحن فیه بحاجة إلی قرینة وعنایة زائدة ثبوتا واثباتا.

اما ثبوتا: فلأنه یتوقف علی أن یکون المرض الطارئ في أثناء الطواف ملحوظا في مقام الثبوت علی نحو الطریقیة الصرفة وبعنوان أنه مانع من اتمامه بدون خصوصیة للاسم.

واما اثباتا: فهو یتوقف علی وجود قرینة علیه، والفرض عدم وجودها، واحتمال الخصوصیة فیه لا یکون علی خلاف الارتکاز العرفي، إذ لیس المتفاهم منها عرفا مطلق المانع بدون خصوصیة للمرض.

لحد الآن قد تبین أن الأظهر عدم بطلان الطواف بطرو الحیض في أثنائه وإن کان قبل تجاوز النصف، ولکن مع هذا فالاولی والأجدر بها أن تجمع بین الاستنابة فیه بنیة الأعم من التمام والإتمام وبین الاتیان به بعد اعمال الحج مباشرة کذلک، أو تجمع بین الاستنابة في الأشواط الباقیة وبین الإتیان بطواف کامل بعد الأعمال ناویا به الأعم من التمام والاتمام، هذا کله في ضیق الوقت. وأما في سعته فعلیها أن تتم عمرتها بعد الطهر، والأحوط والأجدر بها أن تأتي بطواف کامل بنیة الأعم من التمام والاتمام.

2- الفیاض: فیه انه لا وجه للقول بالعدول والانقلاب، لما تقدم من أن ما دل علی هذا القول قد سقط من جهة المعارضة، ومن هنا قلنا ان وظیفتها فیما اذا طرأ الحیض علیها بعد الاحرام وقبل الشروع في العمرة ولم تتمکن من الاتیان بها لضیق الوقت هي الجمع بین الاستنابة في الطواف والاتیان بالسعي والتقصیر بنفسها ومباشرة وبین القضاء بعد أعمال منی وقبل طواف الحج، وأما في المقام فلا یبعد أن تکون وظیفتها الاتیان ببقیة الأشواط بعد اعمال الحج مباشرة وإن کان الأجدر بها أن تجمع بین الاستنابة فیها والقضاء بعد اعمال منی.

3- الفیاض: مر أن الظاهر وجوب قضاء طواف العمرة قبل طواف الحج، وتنص علی ذلک صحیحة عبد الرحمن بن الحجاج وعلي بن رئاب (الوسائل باب: 84 من أبواب الطواف الحدیث: 1) المتقدمة.

4- الفیاض: فیه انا لو قلنا ببطلان الطواف فیما إذا حاضت المرأة بعد أربعة اشواط ولو من جهة تسلیم المعارضة بین صحیحة محمد بن مسلم وصحیحة الحلبي، فلا نقول به في المقام، لأنه خارج عن مورد الروایات، هذا اضافة الی وجود النصوص الخاصة التي تدل علی صحته في المقام.

ونذکر فیما یلي عددا من النتائج:

الاولی: إن المرأة اذا حاضت واستمر حیضها إلی أن ضاق وقت العمرة، فالمشهور ان وظیفتها تنقلب من حج التمتع إلی الافراد بدون فرق في ذلک بین أن یکون حیضها قبل الإحرام أو بعده، ولکن الأظهر بحسب الصناعة عدم الانقلاب وأن وظیفتها الاستنابة في الطواف عنها والاتیان بالسعي والتقصیر بنفسها ومباشرة وإن کان الأحوط والأجدر بها وجوبا أن تجمع بین الاستنابة فیه وبین قضائه بعد اعمال منی.

الثانیة: إن القول بأن المرأة في هذه الحالة مخیرة بین أن تعدل إلی حج الإفراد وبین تأخیر طواف العمرة إلی ما بعد اعمال منی، ولکن قد تقدم أنه لا أساس لهذا القول، ولا یمکن استفادته من نفس روایات الباب ولا من أخبار التخییر.

الثالثة: إن الأظهر عدم بطلان الطواف بطرو الحیض في أثنائه سواء أکان قبل التجاوز من النصف أم کان بعد التجاوز منه وإن کان الاولی الاحتیاط کما مر.


  

 
پاسخ به احکام شرعی
 
موتور جستجوی سایت

تابلو اعلانات

 




پیوندها

حدیث روز
بسم الله الرحمن الرحیم
چهار پناهگاه در قرآن
   
أَبَانُ بْنُ عُثْمَانَ وَ هِشَامُ بْنُ سَالِمٍ وَ مُحَمَّدُ بْنُ حُمْرَانَ عَنِ الصَّادِقِ (علیه السلام) قَالَ:
عَجِبْتُ لِمَنْ فَزِعَ مِنْ أَرْبَعٍ كَيْفَ لَا يَفْزَعُ إِلَى أَرْبَعٍ
(۱) عَجِبْتُ لِمَنْ خَافَ كَيْفَ لَا يَفْزَعُ إِلَى قَوْلِهِ- حَسْبُنَا اللَّهُ وَ نِعْمَ الْوَكِيلُ فَإِنِّي سَمِعْتُ اللَّهَ عَزَّ وَ جَلَّ يَقُولُ بِعَقَبِهَا فَانْقَلَبُوا بِنِعْمَةٍ مِنَ اللَّهِ وَ فَضْلٍ لَمْ يَمْسَسْهُمْ سُوءٌ
(۲) وَ عَجِبْتُ لِمَنِ اغْتَمَّ كَيْفَ لَا يَفْزَعُ إِلَى قَوْلِهِ- لا إِلهَ إِلَّا أَنْتَ سُبْحانَكَ إِنِّي كُنْتُ مِنَ الظَّالِمِينَ فَإِنِّي سَمِعْتُ اللَّهَ عَزَّ وَ جَلَّ يَقُولُ بِعَقَبِهَا- وَ نَجَّيْناهُ مِنَ الْغَمِّ وَ كَذلِكَ نُنْجِي الْمُؤْمِنِينَ
(۳) وَ عَجِبْتُ لِمَنْ مُكِرَ بِهِ كَيْفَ لَا يَفْزَعُ إِلَى قَوْلِهِ- وَ أُفَوِّضُ أَمْرِي إِلَى اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ بَصِيرٌ بِالْعِبادِ فَإِنِّي سَمِعْتُ اللَّهَ عَزَّ وَ جَلَّ يَقُولُ بِعَقَبِهَا- فَوَقاهُ اللَّهُ سَيِّئاتِ ما مَكَرُوا
(۴) وَ عَجِبْتُ لِمَنْ أَرَادَ الدُّنْيَا وَ زِينَتَهَا كَيْفَ لَا يَفْزَعُ إِلَى قَوْلِهِ- ما شاءَ اللَّهُ لا قُوَّةَ إِلَّا بِاللَّهِ فَإِنِّي سَمِعْتُ اللَّهَ عَزَّ وَ جَلَّ يَقُولُ بِعَقَبِهَا- إِنْ تَرَنِ أَنَا أَقَلَّ مِنْكَ مالًا وَ وَلَداً. فَعَسى‏ رَبِّي أَنْ يُؤْتِيَنِ خَيْراً مِنْ جَنَّتِكَ وَ عَسَى مُوجِبَةٌ
    
آقا امام صادق (عليه السّلام) فرمود: در شگفتم از كسى كه از چهار چيز مى‌هراسد چرا بچهار چيز پناهنده نميشود:
(۱) شگفتم از آنكه ميترسد چرا پناه نمى‌برد بفرمودۀ خداى عز و جل« حَسْبُنَا اَللّٰهُ‌ وَ نِعْمَ‌ اَلْوَكِيلُ‌ » خداوند ما را بس است و چه وكيل خوبى است زيرا شنيدم خداى جل جلاله بدنبال آن ميفرمايد:بواسطۀ نعمت و فضلى كه از طرف خداوند شامل حالشان گرديد باز گشتند و هيچ بدى بآنان نرسيد.
(۲) و شگفتم در كسى كه اندوهناك است چرا پناه نمى‌برد بفرمودۀ خداى عز و جل:« لاٰ إِلٰهَ‌ إِلاّٰ أَنْتَ‌ سُبْحٰانَكَ‌ إِنِّي كُنْتُ‌ مِنَ‌ اَلظّٰالِمِينَ‌ » زيرا شنيدم خداى عز و جل بدنبال آن ميفرمايد در خواستش را برآورديم و از اندوه نجاتش داديم و مؤمنين را هم چنين ميرهانيم.
(۳) و در شگفتم از كسى كه حيله‌اى در بارۀ او بكار رفته چرا بفرمودۀ خداى تعالى پناه نمى‌برد« وَ أُفَوِّضُ‌ أَمْرِي إِلَى اَللّٰهِ‌ إِنَّ‌ اَللّٰهَ‌ بَصِيرٌ بِالْعِبٰادِ »:كار خود را بخدا واگذار ميكنيم كه خداوند بحال بندگان بينا است)زيرا شنيدم خداى بزرگ و پاك بدنبالش مى‌فرمايد خداوند او را از بديهائى كه در بارۀ او بحيله انجام داده بودند نگه داشت.
(۴) و در شگفتم از كسى كه خواستار دنيا و آرايش آن است چرا پناهنده نميشود بفرمايش خداى تبارك و تعالى(« مٰا شٰاءَ اَللّٰهُ‌ لاٰ قُوَّةَ‌ إِلاّٰ بِاللّٰهِ‌ »)(آنچه خدا خواست همان است و نيروئى جز به يارى خداوند نيست)زيرا شنيدم خداى عز اسمه بدنبال آن ميفرمايد اگر چه مرا در مال و فرزند از خودت كمتر مى‌بينى ولى اميد هست كه پروردگار من بهتر از باغ تو مرا نصيب فرمايد (و كلمۀ:عسى در اين آيه بمعناى اميد تنها نيست بلكه بمعناى اثبات و تحقق يافتن است).
من لا يحضره الفقيه، ج‏۴، ص: ۳۹۲؛
الأمالي( للصدوق)، ص: ۶؛
الخصال، ج‏۱، ص: ۲۱۸.


کلیه حقوق مادی و معنوی این پورتال محفوظ و متعلق به حجت الاسلام و المسلمین سید محمدحسن بنی هاشمی خمینی میباشد.

طراحی و پیاده سازی: FARTECH/فرتک - فکور رایانه توسعه کویر -