انهار
انهار
مطالب خواندنی

فصل فی النـيابـة

بزرگ نمایی کوچک نمایی

لا إشكال في صحّة النيابة عن الميّت في الحجّ الواجب والمندوب، وعن الحيّ في المندوب مطلقاً وفي الواجب في بعض الصور.

مسألة 1: يشترط في النائب اُمور :

 

أحدها: البلوغ على المشهور؛ فلايصحّ نيابة الصبيّ عندهم وإن كان مميّزاً، و هو الأحوط(1)، لا لما قيل من عدم صحّة عباداته لكونها تمرينيّة، لأنّ الأقوى كونها شرعيّة، ولا لعدم الوثوق به لعدم الرادع له من جهة عدم تكليفه، لأنـّه أخصّ من المدّعى، بل لأصالة عدم فراغ ذمّة المنوب عنه بعد دعوى انصراف الأدلّة(2) خصوصاً مع اشتمال جملة من الأخبار على لفظ الرجل؛ ولا فرق بين أن يكون حجّه بالإجارة أو بالتبرّع، بإذن الوليّ(3) أو عدمه وإن كان لايبعد دعوى صحّة  نيابته في الحجّ المندوب(4) بإذن الوليّ.

1- الفیاض: بل هو الأقوی، وذلک لأن مشروعیة النیابة بحاجة الی دلیل، حیث أنها کانت علی خلاف القاعدة، فمقتضاها عدم سقوط الواجب عن ذمة شخص بفعل غیره عنه، فانه لا یکون مصداقا للواجب ولا ینطبق علیه انطباق الطبیعي علی فرده، بل سقوطه عن ذمته منوط بقیامه المباشر بالاتیان به، لکي یکون منطبقا علیه الواجب ومجزیا، هذا بحسب ما تقتضیه القاعدة.

وأما بحسب الروایات، فهي تدل علی مشروعیة النیابة في الجملة، أي بنحو القضیة المهملة، وذلک لعدم اطلاق لها من هذه الناحیة لکي تدل باطلاقها علی مشروعیتها کذلک، وهذه الروایات تکون علی طوائف:

منها: ما یکون موردها البالغ، والتعدي منه الی غیر البالغ بحاجة الی قرینة.

ومنها: ما یکون موردها الرجل والمرأة، والظاهر أن المنصرف منهما البالغ دون الأعم منه ومن غیر البالغ.

ومنها: ما یکون في مقام بیان أحکام أخری دون مشروعیة نیابة النائب.

ومنها: ما یدل علی عدم اعتبار کون النائب رجلا فیجوز أن یکون امرأة.

ومنها: ما یدل علی اعتبار کون النائب صرورة لا مال له.

ومنها: أن لا یکون علیه حجة الإسلام.

ومنها: أنه لا یعتبر أن یکون النائب أجنبیا، فیجوز أن یکون من أقرباء المیت، کالأب أو الابن أو الأم أو الأخ أو الأخت.

ومنها: أن یحج عنه من بلده اذا أوصی به، شریطة أن تکون الترکة وافیة بنفقة الحجة البلدیة، والّا فمن المیقات.

ومنها: أن یحج عنه ما دام له مال اذا أوصی بشيء مبهم ولم یسمّ شیئا.

ومنها: ما اذا فضل من الأجرة شيء فانه للأجیر، ولا یجب علیه رده.

ومنها: ان النائب اذا حج من غیر البلد الذي عیّن في الاجارة کفی اذا أتی بالحج بکامل اجزائه وشروطه.

ومنها: ان من کان عنده مال للمیت ویعلم بأن علیه حجة الإسلام ویخاف من الورثة أن لا یؤدوها فعلیه أن یحج عنه ویرد الباقي الیهم.

ومنها: ان من یعطی الحجة یجوز له أن یدفعها الی غیره شریطة عدم اشتراط المباشرة.

ومنها: غیر ذلک، ولا یوجد في شيء من تلک الروایات ما یکون في مقام بیان ثبوت مشروعیة النیابة للطبیعي الجامع بین البالغ وغیره حتی یمکن التمسک باطلاقه.

2- الفیاض: فیه أنه لا وجه لهذه الدعوی، لما مر من أنه لا اطلاق لها من هذه الناحیة، لکي یدعی انصرافه عن الصبي، هذا اضافة الی أنه لو کان لها اطلاق من هذه الناحیة فلا وجه لدعوی الانصراف، اذ لا منشأ لها في المقام، لأن منشأه أحد أمرین: اما کثرة الاستعمال، أو مناسبة الحکم والموضوع الارتکازیة، وکلا الأمرین غیر متوفر فیه. اما الأول، فلأن المطلق مستعمل في الجامع دون حصة خاصة لکي یقال أن کثرة استعماله فیها توجب انصرافه الیها عند الاطلاق. واما الثاني، فلأنه لیس هناک مناسبة ارتکازیة تقتضي عرفا أن یکون المتبادر منها کون النائب بالغا، بعد فرض أن عبادات الصبي الممیز مشروعة وصحیحة.

3- الفیاض: فیه اشکال بل منع، اذ لا دلیل علی أن صحة حج الصبي بالتبرع عن غیره تتوقف علی إذن الولي، نعم لو کانت نیابته بالاجارة مشروعة فهي تتوقف علی اذن الولي، بملاک أن صحة معاملاته مرتبطة به.

فالنتیجة: ان نیابة الصبي في مورد تکون مشروعة کما في الحج الاستحبابي، فإن کانت بالاجارة کانت صحتها متوقفة علی اذن الولي، تطبیقا لما مر، وإن کانت بالتبرع لم تکن متوقفة علی إذنه، باعتبار أنه لا معاملة في البین.

4- الفیاض: بل هي الأظهر، لأن الروایات التي تنص علی استحباب النیابة عن الغیر في الحج والعمرة والطواف حتی من المعصومین:، وإن کانت لا اطلاق لها، الّا أن المستفاد من سیاق تلک الروایات عرفا أن الغرض من تشریع ذلک انما هو ایصال الثواب الیه. ومن المعلوم أن هذا الغرض یتحقق بحج الصبي الممیز عن غیره بناء علی ما هو الصحیح من أن عباداته مشروعة، أو فقل إن صحة نیابة الصبي في المستحبات متقومة بشرعیة عباداته، وفي ضوئها یصح له الاتیان بالحج من قبل غیره تبرعا أو اجارة.

ثم أن حقیقة النیابة متمثلة في قصد النائب الإتیان بعمل یری أنه مصداق لما في ذمة المنوب عنه تنزیلا، فمن أجل ذلک تتوقف صحة النیابة علی عنایة زائدة ثبوتا واثباتا. اما ثبوتا فلابد من افتراض أن فعل النائب مشتمل علی تمام ملاک فعل المنوب عنه وآثاره لکي یقوم مقامه، ویکون بمنزلته حکومة، واما اثباتا فلابد من افتراض وجود دلیل یدل علی هذا التنزیل والحکومة.

ثم ان النیابة في المستحب تفترق عن النیابة في الواجب بمجموعة من الأمور:

الأول: انه یعتبر في النائب اذا کان في الواجبات أن یکون بالغا، فلا تصح نیابة الصبي فیه، کما مر، وفي المستحبات لا یعتبر أن یکون بالغا.

الثاني: انه لا شبهة في أن النیابة في الواجب تکون مشروعة عن المیت بدون فرق بین أن یکون الواجب متمثلا في حجة الإسلام أو في غیرها من الواجبات کالصلاة والصیام ونحوهما، فاذا وجب الحج علی المکلف بالاستطاعة، وبامکانه أن یقوم بعملیة الحج، ولکنه تسامح وتساهل، ولم یقم بها الی أن مات وجب أن یستنیب، شخصا من ترکته لأن یحج عنه، فان أوصی بأن یحج عنه من ترکته وجب الانفاق من الترکة علی حجة بلدیة عنه. وإن لم یکن قد أوصی بأن یحج عنه فلا حق له في هذه الحالة الّا في نفقات حجة میقاتیة من الترکة. وتفصیل الکلام في هذه المسائل یأتي في باب الوصیة، واما النیابة عن الحي فهي غیر مشروعة الّا في الحج في حالة واحدة، وهي ما اذا کان الانسان مستطیعا ولم تتح الفرصة له لأن یقوم بعملیة الحج، لإصابته بمرض یمنعه عن القیام بها، أو أي عائق آخر، أو اتیحت الفرصة له للقیام بها ولکنه تساهل ولم یقم بالحج الی أن أصابه مرض الشیخوخة أو نحوه من العوائق وعجز عن القیام المباشر به، فعلیه اذا انقطع أمله وصار مأیوسا من القیام به مباشرة أن یرسل شخصا لیحج عنه نیابة. وأما في المستحب فهي مشروعة عن الأموات والأحیاء علی حد سواء کما مر.

الثالث: اعتبار اسلام المنوب عنه اذا کانت النیابة في الواجبات، سواء أکان شیعیا أو سنیا، وعدم اعتباره اذا کانت في المستحبات، وسوف نشیر الی ذلک عن قریب.

الرابع: یصح نیابة شخص واحد عن جماعة في المستحب کالحج المستحب أو نحوه، بدون فرق في ذلک بین الأحیاء والأموات، وتنص علی ذلک مجموعة من الروایات، ولا یصح ذلک في الواجب، فاذا کان الحج واجبا علی شخصین أو أشخاص احتاج کل منهم الی نائب مستقل، سواء أکانوا من الأحیاء أم الأموات.

الخامس: یجوز لجماعة أن ینوبوا في عام واحد عن شخص واحد، فیحج کل واحد منهم نیابة عنه في واجب أو مستحب، کما اذا قصد الکل النیابة عنه في حجة الإسلام احتیاطا، علی أساس أن کل واحد منهم یحتمل أن عمل الآخرین ناقص في الواقع، أو قصد أحدهم النیابة عنه في حج مستحب، والآخر في حج واجب، ولا فرق في ذلک بین أن یکون ذلک الشخص حیا أو میتا، غایة الأمر اذا کان حیا وکانت النیابة عنه في حجة الإسلام اعتبر أن یکون مأیوسا عن القیام المباشر بالحج، ومنقطعا أمله عن استعادة قوته علیه مرة ثانیة.

 

 

الثاني: العقل؛ فلاتصحّ نيابة المجنون الّذي لايتحقّق منه القصد، مطبقاً كان جنونه أو أدواريّاً في دور جنونه؛ ولا بأس بنيابة السفيه.

الثالث: الإيمان؛ لعدم صحّة عمل غير المؤمن وإن كان معتقداً بوجوبه وحصل منه نيّة القربة؛ ودعوى أنّ ذلک في العمل لنفسه دون غيره، كماترى.

الرابع: العدالة أو الوثوق بصحّة عمله(1)؛ وهذا الشرط إنّما يعتبر في جواز الاستنابة، لا في صحّة عمله.

1- الفیاض: في اعتباره اشکال بل منع، اذ لا دلیل علیه، فانه علی تقدیر اعتبار أن یکون النائب عادلا أو ثقة فلا یعتبر الوثوق بحصة عمله، بل یکفي احرازها بأصالة الصحة بعد وقوعه في الخارج، فاذا شککنا في أن العمل الصادر من النائب العادل أو الثقة صحیح أو لا، فلا مانع من التمسک بها لإحراز صحته.

ثم ان العدالة غیر معتبرة في النائب جزما، بل لا مقتضی لاعتبارها فیه، واما الوثاقة والأمانة فهل هي معتبرة فیه؟ الظاهر هو الاعتبار، علی أساس أن الغرض من النیابة انما هو حصول براءة ذمة المنوب عنه عن الواجب، ومن المعلوم ان ذمته لا تبرأ عنه الا بقیام النائب بالحج، والاتیان به علی الوجه الصحیح، فاذن لابد أن یستنیب شخصا مأمونا وثقة حتی یکون واثقا بأدائه العمل.

وإن شئت قلت: ان وظیفة الوصي أو الولي هي أن یستنیب شخصا یکون واثقا ومطمئنا بأنه یؤدي العمل علی الوجه الصحیح، ولا یجوز له أن یستنیب شخصا لا یثق به، وکذلک الحي العاجز عن القیام المباشر بالحج، فان وظیفته أن یستنیب شخصا یکون واثقا ومتأکدا بأنه یقوم بالعمل علی الوجه المطلوب، ولا یکتفي باستنابة من لا یثق به.

فالنتیجة: ان ذلک وظیفة الوصي أو الولي بحکم العقل، لا أنه معتبر شرعا في صحة الاجارة، فانها صحیحة وإن لم یکن الأجیر ثقة ومأمونا، غایة الأمر إن حصل له الیقین أو الاطمئنان بأنه أداه علی الوجه الصحیح فهو، والّا فعلیه أن یستأجر ثانیا من ماله الخاص، علی أساس أنه اتلف مال المیت عامدا وملتفتا الی أنه لا یجوز له أن یستأجره. وکذلک الحال بالنسبة الی الحي العاجز المأیوس نهائیا من التمکن علی العمل مباشرة، هذا من ناحیة.

ومن ناحیة أخری انه یعتبر في النائب أن یکون متمکنا من القیام بکل واجبات الحج، وأما إذا کان معذورا في بعضها کالطواف أو صلاته لمرض أو نحوه، فلا یعلم بکفایة نیابته عن غیره في الحج الواجب، لعدم اطلاق أو عموم في أدلة النیابة، فاذن مقتضی القاعدة عدم سقوطه عن ذمة المنوب عنه، فلذلک لا یجوز أن یستأجره لأداء الحج الواجب عن غیره، کما اذا بادر وتبرع بأدائه عن الغیر فلا یکتفی بذلک.

 

الخامس: معرفته بأفعال‌الحجّ وأحكامه وإن‌كان بإرشاد معلّم حال‌كلّ عمل(1).

1- الفیاض: أو بالاحتیاط اذا لم یعلم حکمه.

فالنتیجة: ان النائب لابد أن یکون جدیرا بالثقة والاعتماد علی نحو یثق الانسان بأنه یؤدي الحج علی الوجه الصحیح، سواء أکان بالتعرف علی واجباته تفصیلا، أم کان بالاحتیاط.

ثم إن هذا الشرط کشرط الأمانة والثقة لیس من شروط صحة الاجارة، بل هو من شروط جواز استئجار لأداء الحج من قبل المیت أو الحي، حیث انه لا یجوز تکلیفا استئجار من لا یثق بأنه یؤدي الحج علی الوجه الصحیح، اما من ناحیة عدم مبالاته، أو من ناحیة عدم التعرف علی واجباته.

 

السادس: عدم‌اشتغال ذمّته بحجّواجب عليه في ذلک العام؛ فلاتصحّ نيابة من وجب عليه حجّة الإسلام أو النذر المضيّق مع تمكّنه من إتيانه، وأمّا مع عدم تمكّنه لعدم ‌المال فلا بأس، فلوحجّ عن‌غيره مع‌تمكّنه من‌الحجّلنفسه بطل على‌المشهور،  لكنّ الأقوى أنّ هذا الشرط إنّما هو لصحّة الاستنابة والإجارة، وإلّا فالحجّ  صحيح وإن لم‌يستحقّ الاُجرة(1)، وتبرأ ذمّة المنوب عنه على ما هو الأقوى من  عدم كون الأمر بالشيء نهياً عن ضدّه، مع أنّ ذلک على القول به وإيجابه للبطلان إنّما يتمّ مع العلم والعمد، وأمّا مع الجهل(2) أو الغفلة فلا، بل الظاهر صحّة الإجارة أيضاً على هذا التقدير، لأنّ البطلان إنّما هو من جهة عدم القدرة الشرعيّة على العمل المستأجر عليه، حيث إنّ المانع الشرعيّ كالمانع العقليّ، ومع الجهل أو الغفلة لا مانع، لأنـّه قادر شرعاً.

 

1- الفیاض: یعني الأجرة المسمّاة، باعتبار أن اجارة الشخص المکلف بالحج عالما بأنه مکلف به وملتفتا الی ذلک باطلة، علی أساس أن الحج الواجب علیه مباشرة إن کان حجة الإسلام فصرف وجوبه رافع لوجوب الوفاء بالاجارة ووارد علیه، بمقتضی قوله: «إن شرط الله قبل شرطکم» فان المتفاهم العرفي منه أن وجوب الوفاء بشروطکم والتزاماتکم کالإجارة والنذر والعهد ونحوها مقید بأن لا یکون شرطا الله ثابتا في المرتبة السابقة وبقطع النظر عنه، والّا فلا یصل الدور الیه. وإن کان غیرها کالحج النذري، فان قلنا بأن وجوب الوفاء فعلي، والواجب متأخر علی نحو الواجب المعلق والشرط المتأخر، فهو مانع عن صحة الاجارة، باعتبار أنه یلزم المکلف بحفظ قدرته علی الوفاء بالنذر في ظرفه الکاشف عن أن ملاکه تام فیه، وعدم جواز تفویتها، ومعه لا یکون قادرا علی تسلیم العمل المستأجر علیه، فاذن لا تصح الاجارة لانتفاء شرط صحتها، وإن قلنا بأن وجوب الوفاء بالنذر لا یکون فعلیا الّا في ظرفه – کما هو الصحیح – وقع التعارض بین اطلاق دلیل وجوب الوفاء بها واطلاق دلیل وجوب الوفاء بالنذر، وحیث انه لا ترجیح في البین فیسقطان معا، فاذن لا دلیل علی الصحة. وأما وجوب الوفاء بکل منهما مقیدا بعدم الوفاء بالآخر لبا فلا یکون منشأ حتی یجب الوفاء به.

وإن شئت قلت: إن مقتضی اطلاق دلیل الامضاء هو وجوب الوفاء بما وقع علیه عقد الایجار، وحیث ان ما وقع علیه العقد بین المؤجر والمستأجر هو الحج في سنة خاصة، فیجب علیه الوفاء به فیها، وبما أن الحج في نفس تلک السنة واجب علی المؤجر بالنذر، فمقتضی اطلاق دلیل وجوب الوفاء بالنذر هو الوفاء به فیها أیضا، وعلیه فیقع التعارض بین اطلاق دلیل وجوب الوفاء بالاجارة، واطلاق دلیل وجوب الوفاء بالنذر، فیسقطان معا من جهة المعارضة، فلا دلیل علی صحة الاجارة، ولا علی صحة النذر.

ودعوی: ان الأخذ بکلا الاطلاقین لا یمکن، وأما الأخذ بکل منهما مقیدا بعدم الوفاء بالآخر لبا، علی أساس التقیید اللبي العام، فلا مانع منه، فاذن لا موجب لرفع الید عن أصل وجوب الوفاء بکل منهما.

مدفوعة: بأنها انما تتم في الخطابات الشرعیة الابتدائیة، فان کان خطاب شرعي مقید لبا بعدم الاشتغال بضد واجب لا یقل عنه في الأهمیة، علی ضوء التقیید اللبي العام الثابت بحکم العقل، ولا تتم في الأحکام الشرعیة المترتبة علی التزامات المکلفین وشروطهم، کالعقود والایقاعات والنذور والعهود وغیر ذلک، فإنها تتبع تلک الالتزامات سعة وضیقا، باعتبار أنها بمثابة أنها بمثابة الموضوع لها وأمرها بیدهم کذلک، وعلی هذا ففي المقام ما وقع علیه عقد الایجار، وهو الحج في ذمة المؤجر في سنة معینة، فلا یمکن أن یکون مشمولا لإطلاق دلیل الامضاء من جهة المعارضة، باعتبار أن ذمته مشغولة بالحج النذري أیضا في نفس تلک السنة، وما هو قابل لأن یکون مشمولا لإطلاقه وهو الحج المقید بعدم الوفاء بالنذر لبا، فلا یکون موردا لعقد الایجار ومنشأ به لکي یجب الوفاء بذلک بمقتضی اطلاق دلیل الامضاء، وکذلک الحال في الحج النذري، فان ما هو متعلق النذر وهو الحج المطلق لا یکون مشمولا للإطلاق، وما یمکن أن یکون مشمولا له وهو المقید لا یکون متعلقا للنذر.

فالنتیجة: إن الإجارة باطلة، سواء أکان الحج الواجب علی الأجیر حجة الإسلام، أم کان غیرها کالحج النذري أو العهدي، غایة الأمر في الحالة الثانیة یبطل النذر أیضا بناء علی ما هو الصحیح من أن وجوب الوفاء به لا یکون فعلیا الّا في ظرف العمل به. وفي کلتا الحالتین.

قد تسأل: إذا وقعت هذه الاجارة، وأتی الأجیر بالحج نیابة، فهل یحکم یصحته؟

والجواب: انه یحکم بصحته في کلتا الحالتین، أما في الحالة الأولی، فبناء علی القول بالترتب، فإن وجوب الحج نیابة وإن سقط، باعتبار أن وجوب حجة الإسلام رافع له کما مر، واما استحبابه نیابة فلا موجب لسقوطه نهائیا، وانما الساقط هو اطلاقه، لأنه مقید لبا بعدم الاشتغال بحجة الإسلام، ومع الاشتغال بها فلا استحباب، وأما إذا عصی وترک حجة الإسلام فلا مانع من ثبوته بناء علی الترتب.

واما في الحالة الثانیة، فلا تتوقف صحته علی القول بالترتب، لما مرّ من أن وجوب الوفاء بالنذر سقط من جهة المعارضة، مع وجوب الوفاء بالاجارة، فاذن لا مزاحم للأمر الستحبابي بالنیابة.

وقد تسأل: اذا أدی الأجیر نیابة، فهل یستحق شیئا علی المستأجر؟ والجواب: انه یستحق أجرة المثل، وهي الأجرة التي یتقاضها الأجراء عادة للقیام بمثل ذلک العمل.

2- الفیاض: هذا اذا کان جهله مرکبا، أو بسیطا شریطة أن یکون معذورا فیه، وأما اذا لم یکن معذورا فحاله حال العامد والملتفت، باعتبار أن الواقع منجز علیه علی تقدیر ثبوته، ومعه لا تصح الاجارة تطبیقا لما تقدم.

بیان ذلک: انا قد ذکرنا في علم الأصول ان الخطابین المتعلقین بالضدین اذا کان أحدهما مجهولا وغیر منجز، فلا تزاحم بینهما حقیقة، وحینئذ فلا مانع من الأخذ باطلاق الخطاب الثاني وعدم تقییده لبا بعدم الاشتغال بالمجهول، وذلک لأن المانع منه انما هو وصول الخطاب الأول وتنجزه، فانه اذا کان کذلک فهو مانع عنه، سواء أکان مساویا له، أم کان أهم منه، غایة الأمر فعلی الأول لابد من تقیید اطلاق کل منهما بعدم الاشتغال بالآخر لبا، علی أساس حکم العقل بالتقیید اللبي العام لکل خطاب شرعي بعدم الاشتغال بضد واجب لا یقل عنه في الأهمیة، وعلی الثاني لابد من تقیید اطلاقه بعدم الاشتغال بالأهم دون العکس، وأما إذا لم یکن واصلا ومنجزا فلا یحکم العقل بلزوم امتثاله واستحقاق العقوبة والادانة علی مخالفته، فاذا لم یحکم العقل بذلک فلا مبرر لرفع الید عن اطلاق الخطاب الثاني وتقییده بعدم الاشتغال بالأول، لأن هذا التقیید غیر معقول، حیث ان لازمه جواز ترک المتثال الخطاب المنجز بدون مبرر، لفرض أن الاشتغال بالأول بما أنه غیر واجب فلا یصلح أن یکون مبررا له لأن هذا الاشتراط اللبی العام انما جاء من ناحیة التزاحم بین اطلاقي الخطابین، وعدم امکان الجمع بینهما في مقام الامتثال، والفرض أنه لا تزاحم بینهما، لأن الخطاب المجهول لا یقتضي استحقاق الامتثال حتی یکون مزاحما لاقتضاء الخطاب المعلوم المنجز وعلی هذا فلا مانع من الحکم بصحة الاجارة أیضا علی الضد المعلوم، باعتبار أنه مقدور عقلا وشرعا، هذا من ناحیة.

ومن ناحیة أخری: کما أنه لا تزاحم بین الخطابین المذکورین، کذلک لا تعارض بینهما أیضا، لا بلحاظ مرحلة المبادئ، وهي مرحلة الارادة والکراهة، والحب والبغض، والمفسدة والمصلحة، ولا بلحاظ مرحلة الفعلیة، وهي مرحلة استتباع الحکم اقتضاء التحریک والبعث نحو الاطاعة والامتثال.

اما في المرحلة الأولی فلا یلزم اجتماع الارادة والکراهة ولا الحب والبغض علی شيء واحد حتی یکون مستحیلا، لوضوح أنه لا یلزم من ارادة الضدین اجتماع المثلین، ومن ارادة أحدهما وکراهة الآخر اجتماع الضدین، باعتبار أن مبادئ الأحکام من الارادة والکراهة، والحب والبغض من الأمور التکوینیة فلا مانع من تعلقهما بالضدین.

واما في مرحلة الفعلیة، فلأن جعل الحکم من المولی انما هو بغایة ایجاد الداعي الامکاني في ذهن المکلف وانبعاثه الاقتضائي شریطة وصوله الیه، ومن المعلوم أنه لا تنافي بین الحکمین المجعولین للضدین ذاتا، أي في ذات الداعویة والاقتضائیة، وانما التنافي بینهما في وصفهما الفعلي، لوضوح أن الداعویة ثابتة للحکم المجهول وغیر المنجز ذاتا لا وضعا، فالمولی أو جد الداعي في عالم الاعتبار ذاتا، وأما اتصافه بالداعویة فهو مرتبط بوصوله الی المکلف في مرحلة الفعلیة وتنجزه فیها، ونتیجة ذلک أن التنافي بینهما في اقتضاء کل منهما استحقاق الامتثال في مرحلة الفعلیة، وداعویة کل منهما للمکلف الیه في تلک المرحلة، ومن المعلوم أن ذلک منوط بالوصول والتنجز في هذه المرحلة، وبما أن الحکم المجهول غیر منجز فیها فلا یقتضي استحقاق الامتثال.

قد تحصل من ذلک أنه لا تنافي بین الحکمین المجعولین للضدین اذا کان أحدهما مجهولا وغیر منجز لا بلحاظ مرحلة المبادي، ولا بلحاظ الفعلیة، وعلی هذا فلا مانع من جعل الحکمین للضدین في مورد الجهل بأحدهما المانع عن تنجزه.

ومن هنا یظهر أن قیاس بمسألة الاجتماع علی القول بالامتناع ووحدة المجمع، قیاس مع الفارق، فان الامتناع في باب الاجتماع علی هذا القول انما هو في المرتبة السابقة علی الحکم، وهي مرتبة المبادئ، لاستحالة اجتماع الإرادة والکراهة والحب والبغض علی شيء واحد، فمن أجل ذلک تدخل المسألة علی هذا القول في باب التعارض، وهذا بخلاف المقام، لما مر من أنه لا تنافي بینهما في مرحلة المبادي.

 

مسألة 2: لايشترط في النائب الحرّيّة، فتصحّ نيابة المملوک بإذن مولاه ولاتصحّ استنابته بدونه، ولو حجّ بدون إذنه بطل(1).

1- الفیاض: فیه ان الأمر کما افاده1، الّا أن الکلام في اذنه اللاحق، هل أنه یجدي في صحّة حجّه أو لا؟ فیه وجهان: الظاهر هو الثاني، وذلک لأن الحج من الأفعال الخارجیة، فاذا صدر من العبد في الخارج بدون اذنه کان مبغوضا، باعتبار أنه مصداق للتصرف في مال الغیر بدون إذنه، ومن المعلوم ان الإذن اللاحق لا یوجب انقلاب الواقع وجعل ما وقع مبغوضا محبوبا، ولا یقاس هذا بالنکاح الصادر من العبد بدون إذن سیده، فان المعاملات تختلف عن العبادات في نقطتین:

الأولی: ان المعاملات أمور اعتباریة لا واقع موضوعي لهاف ولا مانع من اعتبارها وإنشائها من سبب مبغوض ومحرم، ولا تسري حرمته الیه، وعلی تقدیر السرایة فهي لا توجب فساده، والعبادات کالصلاة والصیام والحج وغیرها أمور تکوینیة خارجیة، فاذا تعلق النهي بها تعلق بنفس تلک الأفعال، ومعه لا یمکن الحکم بصحتها.

الثانیة: ان الصحة في باب المعاملات ترتبط بکونها مشمولة لإطلاقات أدلة الامضاء، ولذلک تکون صحتها بالاجازة المتأخرة علی القاعدة، فاذا صدر معاملة فضولة ثم أجاز أهلها، حکم بصحتها من حین الاجارة، باعتبار أنها من هذا الحین قد أصبحت مشمولة لإطلاق دلیل الامضاء والصحة في باب العبادة ترتبط بمدی انطباقها علی الفرد المأتي به في الخارج، فاذا کان ذلک الفرد مبغوضا ومحرما فلا یمکن انطباقها علیه، بملاک استحالة انطباق المحبوب علی المبغوض والواجب علی الحرام، ومن الواضح أن الاجازة المتأخرة لا توجب انقلاب الواقع بأن تجعل المبغوض محبوبا، فاذن قیاس المقام بالنکاح الصادر من العبد بدون اذن سیده قیاس مع الفارق، فان النکاح کغیره من المعاملات قابل للاتصاف بالصحة بالاجازة المتأخرة، ولا فرق بینه وبین سائر المعاملات من هذه الناحیة.

 

مسألة 3: يشترط في المنوب‌عنه الإسلام، فلا تصحّ النيابة عن الكافر(1) لالعدم انتفاعه بالعمل عنه، لمنعه وإمكان دعوى انتفاعه بالتخفيف في عقابه، بل لانصراف الأدّلة، فلو مات مستطيعاً وكان الوارث مسلمآ لايجب عليه استيجاره عنه.

ويشترط فيه أيضاً كونه ميّتاً أو حيّاً عاجزاً في الحجّ الواجب؛ فلاتصحّ النيابة عن الحيّ في الحجّ الواجب إلّا إذا كان عاجزاً، وأمّا في الحجّ الندبيّ فيجوز عن الحيّ والميّت تبرّعاً أو بالإجارة.

1- الفیاض: أما بناء علی القول بأن الکفار لا یکونون مکلفین بالفروع فلا موضوع لها، وأما علی القول بأنهم مکلفون بالفروع، فذمتهم وإن کانت مشغولة بالعبادات، الّا أن صحة النیابة عنهم بحاجة الی دلیل، ولا اطلاق لأدلة النیابة حتی تشمل باطلاقها النیابة عنهم، ولا یوجد دلیل آخر علی ذلک، وعلیه فاذا کان للکافر وارث مسلم یجب علیه استئجار شخص عنه من ترکته، وعلی الجملة فالمنصرف عرفا من الروایات التي تنص لعی أن من مات ولم یحج حجة الإسلام یجب علی ولیه أن یستنیب عنه من ترکته خصوص من کان یعتقد بالحج، ویری نفسه مکلفا به، ولکنه تسامح الی أن مات ولم یحج، وکذلک الحال في الروایات التي تنص علی وجوب الاستنابة علی من عجز عن القیام المباشر بالحج، لإصابته بشیخوخة أو مرض انقطع امله بالشفاء عنه، فانها لا تعم الکافر.

ولکن مع الاغماض عن ذلک، وتسلیم ان لروایات النیابة اطلاقا في کلا الموردین، فلا مانع من التمسک به والحکم بصحة النیابة عن الکافر فیهما.

 

مسألة 4: تجوز النيابة عن الصبيّ المميّز والمجنون(1)، بل يجب الاستيجار عن المجنون إذا استقرّ عليه حال إفاقته ثمّ مات مجنوناً.

1- الفیاض: هذا هو الصحیح، لأن الروایات التي تدل علی استحباب النیابة عن غیره في الحج ونحوه من العبادات تعم باطلاقها المجنون أیضا، ولا سیما الروایات التي تنص علی جواز اشراک جماعة في الحج المستحب، فان اطلاقها یعم ما اذا کان بین هؤلاء الجماعة مجنون، اذ لا یلزم في صحة النیابة عن شخص أن یکون الحج مستحبا علیه، فان نیابة شخص واحد عن جماعة جائز، مع أن الحج الواحد لا یکون مستحبا علی هؤلاء الجماعة کفرد واحد، وعلیه فمعنی النیابة هو ایصال ثواب العمل الیهم، لا أنه مصداق تنزیلي لفعلهم کما هو الحال في النیابة عن الواجب.

 

مسألة 5: لاتشترط المماثلة بين النائب والمنوب‌عنه في الذكورة والاُنوثة، فتصحّ نيابة المرأة عن الرجل كالعكس؛ نعم، الأولى المماثلة(1).

1- الفیاض: هذا لا من جهة اعتبار عرفي، بل من جهة النص الشرعي، وهو موثقة عبید بن زرارة قال: «قلت لأبي عبد الله: الرجل الصرورة یوصي أن یحج عنه، هل تجزي عنه امرأة؟ قال: لا کیف تجزي امرأة وشهادته شهادتان؟ قال: انما ینبغي أن تحج المرأة عن المرأة والرجل عن الرجل، وقال: لا بأس أن یحج الرجل عن المرأة»(الوسائل باب: 9 من أبواب النیابة الحج الحدیث: 2) فان صدرها وإن دل علی عدم الجواز، الا أن قوله في ذیلها: «انما هي ینبغي أن تحج المرأة عن المرأة» یدل علی أن هذا الحکم استحبابي لا وجوبي، لأن الظاهر من کلمة (ینبغي) هو الاستحباب دون الوجوب، هذا اضافة الی أن الروایات التي تنص علی جواز نیابة المرأة عن الرجل، کصحیحة أبي أیوب وصحیحة معاویة بن عمار وغیرهما (راجع الوسائل باب: 8 من أبواب النیابة في الحج) قرینة علی رفع الید عن ظهور هذه الموثقة في عدم الجواز وحملها علی الکراهة.

 

مسألة 6: لا بأس باستنابة الصرورة، رجلا كان أوامرأةً، عن رجل(1) أوامرأة؛ والقول بعدم جواز استنابة المرأة الصرورة مطلقآ أو مع كون‌المنوب عنه رجلا(2)، ضعيف؛ نعم، يكره ذلک(3)، خصوصآ مع كون المنوب عنه رجلا، بل لايبعد كراهة استيجار الصرورة ولو كان رجلا عن رجل(4).

1- الفیاض: هذا هو الأظهر وإن کان الأولی والأجدر أن یکون النائب عنه رجلا صرورة، وقد تقدم تفصیل ذلک في المسألة (72) من شرائط وجوب الحج.

ثم ان المنوب عنه قد یکون رجلا، وقد یکون امرأة، وعلی کلا التقدیرین، فمرة یکون صرورة، وأخری غیر صرورة، وعلی جمیع التقادیر، فمرة یکون حیا، وأخری یکون میتا، هذا بالنسبة إلی المنوب عنه.

واما النائب فهو قد یکون رجلا، وقد یکون امرأة، وعلی کلا التقدیرین، فیسوغ له أن یستنیب عن کل من المرأة والرجل في تمام تلک التقادیر، وتؤکد ذلک صحیحة حکم بن حکیم عن أبي عبد الله: «قال: یحج الرجل عن المرأة، والمرأة عن الرجل، والمرأة عن المرأة»(الوسائل باب: 8 من أبواب النیابة في الحج الحدیث: 6) بتقریب أنها تنص علی جواز نیابة الرجل عن المرأة، والمرأة عن المرأة، والمرأة عن الرجل، ومقتضی اطلاقها عدم الفرق بین أن یکون المنوب عنه میتا أو حیا، صرورة أو غیر صرورة، رجلا أو امرأة، کما أن مقتضی اطلاقها عدم الفرق بین أن یکون النائب صرورة أو غیر صرورة، واما سکوتها عن الصورة الرابعة وهي نیابة الرجل عن الرجل، فالظاهر أنه لوضوحها وعدم الحاجة الی بیانها.

واما ما ورد في بعض الروایات کروایة مصادف، وزید الشحام، وسلیمان ابن جعفر (راجع الوسائل باب: 8 الحدیث: 4 و7 وباب: 9 الحدیث: 1 و3 من أبواب النیابة في الحج)، من النهي عن استنابة المرأة الصرورة عن الرجل الصرورة والمرأة الصرورة، فبما أنها ضعاف من ناحیة السند، فلا یمکن الاعتماد علیها، واما مع الاغماض عن ذلک، وتسلیم أنها تامة سندا فلا وجه لحملها علی الکراهة، وذلک لأن النهي عن نیابة المرأة الصرورة عن الرجل الصرورة والمرأة الصرورة لیس نهیا مولویا تکلیفیا حتی یمکن رفع الید عن ظهوره في الحرمة، وحمله علی الکراهة، بل هو ارشاد الی عدم مشروعیة نیابة المرأة الصرورة عن الرجل والمرأة الصرورتین، ولیس في قبالها روایات تدل علی علی جواز نیابتها عنهما، ولو کانت لوقع التعارض بینهما، لا أنها قرینة علی حمل تلک الروایات علی الکراهة تطبیقا للجمع الدلالي العرفي، لما عرفت من أنه لا مجال لهذا الحمل، مع أنه لیس في مقابلها الا الروایات المطلقة الدالة علی جواز نیابة المرأة عن الرجل والمرأة، کما في صحیحة حکم بن حکیم المتقدمة وغیرها(راجع الوسائل باب: 8 من أبواب النیابة في الحج)، وهي قابلة للتقیید بتلک بالروایات، فاذن یتعین الأخذ بها، ولا مجال للقول بکراهة نیابة المرأة الصرورة للرجل الصرورة ولا للمرأة الصرورة.

لحد الآن قد استطعنا أن نخرج بهذه النتیجة، وهي جواز نیابة المرأة سواء أکانت صرورة أم لا عن الرجل والمرأة بدون فرق بین کونهما ضرورتین أو غیر ضرورتین، حیین أو میتین، وإن کان الأولی والأجدر أن تکون المرأة نائبة عن المرأة بمقتضی موثقة عبید بن زرارة المتقدمة (الوسائل باب: 9 من أبواب النیابة في الحج الحدیث: 2).

قد یقال: إن المنوب عنه اذا کان میتا وصرورة اعتبر أن یکون النائب عنه أیضا صرورة، وقد استدل علی ذلک بصحیحة معاویة بن عمار عن أبي عبد الله: «في رجل صرورة مات، ولم یحج حجة الإسلام، وله مال، قال: یحج عنه صرورة لا مال له»(الوسائل باب: 5 من أبواب النیابة في الحج الحدیث: 2) بدعوی أنها تدل علی اعتبار الصرورة في النائب اذا کان المنوب عنه میتا وصرورة.

والجواب: إن غایة ما تدل الصحیحة علی أساس مفهوم الوصف هو عدم جواز نیابة غیر الصرورة في الجملة، لما ذکرناه في علم الأصول من أن الوصف لا یدل علی المفهوم الّا بنحو القضیة السالبة الجزئیة، بتقریب أن تقیید جواز استنابة الرجل بالصرورة في المقام یدل عرفا علی عدم جوازها لغیر الصرورة، اذ لو کانت جائزة ولو بفرد آخر من الجواز وبجعل مستقل لکان تقیید الرجل بها لغوا، باعتبار أن نیابته جائزة سواء أکان صرورة أم لا، فاذن لا فائدة في هذا القید.

ولکن بما أن منشأ هذه الدلالة هو الحفاظ علی ظهور القید في الاحتراز، وعدم کونه لغوا، فلا یکون شعاعها أکثر من السالبة الجزئیة، وهي انتفاء الحکم عن بعض حالات الموضوع عند انتفاء هذا القید عنه، فانه یکفي في الحفاظ علی ظهوره في الاحترازیة، وخروجه عن اللغویة، ولا یتوقف ذلک علی انتفاء الحکم عن کل حالاته عند انتفائه لکي یکون مفهومه سالبة کلیة، فاذن لا تدل الصحیحة علی عدم جواز نیابة غیر الصرورة مطلقا، ولا مانع من الالتزام بجواز نیابته في الجملة، هذا اضافة الی أن الوصف في الصحیحة وهو الصرورة قد ذکر مستقلا بدون ذکر موصوفه، ومثله لا یدل علی المفهوم، فان حاله حال اللقب.

نعم یدل علی أنه دخیل في شخص الحکم المجعول في القضیة، علی أساس ظهور حال المتکلم في أن کل ما أخذه في کلامه فهو دخیل في مراده الجدي، ولا یکون أخذه لغوا وبدون أي مبرر، ونتیجة ذلک انتفاء شخص هذا الحکم بانتفائه، لا انتفاء طبیعي الحکم الذي هو معنی المفهوم.

ومع الإغماض عن ذلک، إن هذه الصحیحة معارضة بصحیحتین أخریین:

احدهما: صحیحة أبي أیوب، قال: «قلت لأبي عبد الله: امرأة من أهلنا مات اخوها، فأوصی بحجّة وقد حجّت المرأة، فقالت: إن کان یصلح حججت أنا عن أخي وکنت أنا احق بها من غیري، فقال أبو عبد الله: لا بأس بأن تحج عن أخیها، وإن کان لها مال فلتحج من مالها فإنه أعظم لأجرها»(الوسائل باب: 8 من أبواب النیابة في الحج الحدیث: 1) فانها ناصة علی جواز نیابة غیر الصرورة، فاذن تصلح أن تکون قرینة علی رفع الید عن ظهور صحیحة معاویة بن عمار في اعتبار الصرورة في النائب، وحملها علی الأولویة.

والأخری: صحیحة حکم بن حکیم قال: «قلت لأبي عبد الله: انسان هلک ولم یحج ولم یوص بالحج، فاحج عنه بعض أهله رجلا أو امرأة، هل یجزي ذلک ویکون قضاء عنه، ویکون الحج لمن حج ویؤجر من احج عنه؟ فقال: إن کان الحاج غیر صرورة اجزأ عنهما جمیعا، وأجر الذي أحجّه»(الوسائل باب: 28 من أبواب وجوب الحج وشرائطه الحدیث: 8) فانها صریحة في صحة نیابة غیر الصرورة للصرورة، وتصلح أن تکون قرینة لرفع الید عن ظهورها وحملها علی الأجدر.

فالنتیجة: ان مقتضی الجمع الدلالي العرفي بینها وبین هاتین الصحیحتین هو عدم اعتبار الصرورة في صحة النیابة. نعم أنها أولی وأجدر فیها من غیر الصرورة. وبذلک یظهر أن التعارض بینهما غیر مستقر.

2- الفیاض: في الکراهة اشکال بل منع، لأن الروایات التي تدل علی عدم جواز نیابة المرأة الصرورة فقد مر أنها لم تثبت سندا، فلا یمکن الاعتماد علیها، ولا یوجد دلیل آخر یدل علیها، وعلی تقدیر تمامیتها سندا فلا مناص من الأخذ بها لعدم المعارض لها.

3- الفیاض: مر أنه لا خصوصیة له.

4- الفیاض: فیه اشکال، والأظهر عدم ثبوت الکراهة، بل الثابت هو استحباب نیابة الصرورة بمقتضی صحیحة معاویة بن عمار (الوسائل باب: 5 من أبواب النیابة في الحج الحدیث: 2) المتقدمة. نعم قد یستدل علی الکراهة بروایتین:

احدهما: روایة ابراهیم بن عقبة، قال: «کتبت إلیه أسأله عن رجل صرورة لم یحج قط حج عن صرورة لم یحج قط، أیجزي کل واحد منهما تلک الحجة عن حجة الإسلام أو لا؟ بین لي ذلک یا سیدي إن شاء الله. فکتب7: لا یجزي ذلک»(الوسائل باب: 6 من أبواب النیابة في الحج الحدیث: 3).

والجواب، أولا: ان الروایة غیر تامة سندا، فان ابراهیم بن عقبة لم یثبت توثیقه غیر وروده في اسناد کامل الزیارات، وقد مر في غیر مورد أن مجرد وروده فیها لا یکفي في توثیقه.

وثانیا: مع الاغماض عن ذلک، وتسلیم أنها تامة سندا، الّا أنها ساقطة دلالة، فان السؤال فیها عن اجزاء هذه الحجة عن حجة الإسلام عن کل واحد منهما، ومن المعلوم أن حجة الإسلام لا تقبل الشرکة، ولا یمکن أن تجزي حجة واحدة عن حجتین اسلامیتین، فاذن قوله: «لا یجزي ذلک» أي لا تجزي عن کل واحد منهما، وأما أنها تجزي أو لا تجزي عن المنوب عنه، فالروایة ساکتة من هذه الناحیة، والمرجع فیها سائر الروایات التي تدل علی الاجزاء.

وقد تحمل هذه الروایة علی صورة التبرع بالحج عن الحي، بدعوی أنها وإن کانت مطلقة، الّا أنه لابد من تقیید اطلاقها بما اذا کان المنوب عنه حیا، بقرینة صحیحة معاویة (الوسائل باب: 5 من أبواب النیابة في الحج الحدیث: 2) المتقدمة التي یکون موردها المیت، وتنص علی صحة النیابة عنه، وبما أن الحج في صورة التبرع لا یکون بأمر الحي العاجز وارساله فلا یکون مشمولا للروایات التي تنص علی أن وظیفة الحي العاجز عن القیام المباشر به أن یجهز رجلا ویرسله لیحج عنه.

والجواب، أولا: ان الروایة مطلقة من هذه الناحیة، ولا تختص بصورة التبرع.

وثانیا: ان المتفاهم العرفي من تلک الروایات بمناسبة الحکم والموضوع الارتکازیة، أن الواجب علی الحي العاجز هو استنابة رجل لیحج عنه، ولا یجب علیه أن یوفر جمیع وسائل سفره من الزاد والراحلة أو بطاقات السفر ومنح تأشیر الدخول في الجواز وغیر ذلک، بل علیه اتاحة الفرصة له وتمهید الطریق، وهو یقوم مباشرة بتوفیر هذه الوسائل.

وإن شئت قلت: ان الغرض الأصلي انما هو الحج عنه بعد ما عجز عن القیام المباشر به، وتوفیر کل تلک الوسائل حتی الاستنابة مقدمة لذلک، فوجوبه وجوب مقدمي، وعلی هذا فاذا قام شخص بالحج نیابة عنه تبرعا کفی، لأن الروایات المذکورة تدل علی مشروعیة النیابة في المرتبة السابقة، وأنها کافیة في اسقاط الحج عن ذمته، لوضوح أنها لو لم تکن مشروعة وکافیة في اسقاط الحج الواجب عن ذمته لم تصح الإجارة، لأنها لا تکون مشرعة، ولا تجعل ما لیس بمسقط شرعا مسقطا.

فالنتیجة: أن هذه الروایات بنفسها تدل علی کفایة النیابة التبرعیة.

ودعوی: ان حج المتبرع عنه لا یستند الیه، وظاهر الروایات أن حج النائب لابد أن یکون بأمره وارساله لیحج عنه، والّا فلا یکون مجزیا.

مدفوعة أولا: ما عرفت من أن المتفاهم العرفي منها بمناسبة الحکم والموضوع والارتکازیة أن أمره بالحج عنه وارساله الیه انما یلحظ بنحو الطریقیة الصرفة، ولا موضوعیة له.

وثانیا: أنه لا یعتبر في النیابة أن یکون فعل النائب فعلا للمنوب عنه، کما یعتبر ذلک في الوکالة، لأن الوکالة معنی حرفي، حیث ان الوکیل مجرد وسیلة للموکل، وبمثابة الآلة له، ویفعل بواسطته، وأما النیابة فهي معنی اسمي، والفعل مستند الی النائب حقیقة لا الی المنوب عنه، ولا یعتبر في صحة النیابة أن یکون فعل النائب مستندا الی المنوب عنه، وعلی هذا فاذا تبرع أحد بالحج عنه نیابة فلا تتوقف صحتها علی استناد فعله الیه، لوضوح أن فعله لیس فعلا له وإن کان باذنه وأمره وان کان الاحوط والاجدر بالحي العاجز عدم الاکتفاء بالتبرع.

وثالثا: مع الاغماض عن کل ذلک، إن مقتضی هذه الروایة عدم صحة استئجار الصرورة لا کراهته، فالحمل علی الکراهة بحاجة الی قرینة، ولا قرینة علیه، لا في نفس الروایة ولا من الخارج.

والأخری: روایة بکر بن صالح قال: «کتبت إلی أبي جعفر: أن ابني معي وقد أمرته أن یحج عن أمّي، أیجزي عنها حجّة الإسلام؟ فکتب: لا، وکان ابنه صرورة، وکانت أمه صرورة»(الوسائل باب: 6 من أبواب النیابة في الحج الحدیث: 4).

والجواب: أن الروایة ضعیفة سندا، فان في سندها بکر بن صالح، وهو لم یثبت توثیقه، وقد مر أن مجرد وروده في اسناد کامل الزیارات لا یجدي.

فالنتیجة: انه لا دلیل علی کراهة استئجار الصرورة، بل الأولی والأجدر أن یکون النائب عن الحي العاجز صرورة.

 

مسألة 7: يشترط في صحّة النيابة قصد النيابة(1) وتعيين المنوب‌عنه في النيّة ولو بالإجمال، ولا يشترط ذكر اسمه وإن كان يستحبّ ذلک في جميع المواطن والمواقف.

1- الفیاض: الأمر کما افاده1 حیث ان قصدها هو الممیّز لها شرعا، لأن عنوان النیابة عنوان تقییدی لعمل النائب، ومتقوم بالقصد، فان قصد النیابة حین العمل صح، والّا لم یقع عن المنوب عنه. أو فقل: ان النیابة عنایة زائدة، وهي عبارة عن اتیان الشخص العمل ناویا کونه بدیلا عن عمل غیره، ولو لا هذه النیة لم یقع منه، فمن أجل ذلک تکون النیابة من العناوین القصدیة.

 

 

مسألة 8: كما تصحّ النيابة بالتبرّع وبالإجارة، كذا تصحّ بالجعالة(1)،  ولاتفرغ ذمّة المنوب ‌عنه إلّا بإتيان النائب صحيحاً ولاتفرغ بمجرّد الإجارة؛ وما دلّ من الأخبار على كون الأجير ضامناً وكفاية الإجارة في فراغها(2) منزّلة على أنّ اللّه تعالى يعطيه ثواب الحجّ إذا قصر النائب في الإتيان، أو مطروحة، لعدم عمل العلماء بها بظاهرها.

1- الفیاض: لإطلاق أدلتها.

2- الفیاض: فیه ان الروایات الواردة في المسألة لا تدل علی فراغ ذمة المنوب عنه بمجرد عقد الایجار وانتقال من ذمته الی ذمة الأجیر.

بیان ذلک: إن هذه الروایات علی طوائف:

الأولی: الروایات التي تنص علی أن الأجیر الذي اعطاه مالا لیحج عنه، اذا حج عن نفسه فهو لصاحب المال.

الثانیة: الروایات التي تنص علی أن من أخذ مالا من غیره لیحج عنه ولم یحج الی أن مات فان کان قد حج أخذت حجته ودفعت الی صاحب المال.

الثالثة: ما یدل علی أن الأجیر ضامن للحج.

اما الطائفة الأولی فهي متمثلة في روایتین:

احداهما: روایة أبي حمزة والحسین عن أبي عبد الله: «في رجل اعطاه رجل مالا لیحج عنه فحج عنه نفسه، فقال: هي عن صاحب المال»(الوسائل باب: 22 من أبواب النیابة في الحج الحدیث: 1).

والأخری: مرفوعة محمد بن یحیی قال: «سئل أبو عبد الله عن رجل اعطی مالا یحج عنه فیحج عن نفسه، فقال: هي عن صاحب المال»(الوسائل باب: 22 من أبواب النیابة في الحج الحدیث: 2).

والجواب أولا: إن الروایتین ضعیفتان من ناحیة السند، فلا یمکن الاعتماد علیهما.

وثانیا: مع الاغماض عن ذلک، وتسلیم أنهما تامتان سندا، الّا أنه لابد من حملهما علی الحج الاستحبابي، والمراد أنه لصاحب المال یعني ثوابه، ولا یمکن أن یکون موردهما حجة الإسلام بقرینة أن النائب اذا أتی بها لنفسه فلا یعقل انقلابها ووقوعها للمنوب عنه، مع أنه غیر ناو له، هذا اضافة الی أن المتفاهم العرفي منهما الحج المستحب، علی أساس ان النیابة فیهما انما هي عن الحيّ بدون افتراض أنه عاجز عنه، فیکون ذلک قرینة علی أن المراد من الحج عنه الحج المستحب.

وثالثا: أنهما لا تدلان علی فراغ ذمة المنوب عنه بمجرد عقد الاجارة، باعتبار أنهما لیستا في مقام البیان من هذه الناحیة.

وأما الطائفة الثانیة: فهي متمثلة في ثلاث روایات:

منها: مرسلة ابن أبي عمیر عن بعض رجاله عن أبي عبد الله: «في رجل أخذ من رجل مالا ولم یحج عنه، ومات ولم یخلف شیئا، فقال: إن کان حج الأجیر أخذت حجته ودفعت الی صاحب المال، وإن لم یکن حج کتب لصاحب المال ثواب الحج...»(الوسائل باب: 23 من أبواب النیابة في الحج الحدیث: 1).

والجواب أولا: ان الروایة ضعیفة سندا لمکان الإرسال.

وثانیا: علی تقدیر تسلیم أنها حجة، بناء علی أن مرسلات ابن أبي عمیر حجة علی حساب الاحتمالات، الّا أنه لابد من حملها علی الاستنابة من الحي في الحج الاستحبابي بقرینة أن المراد من الحج فیها لو کان حجة الإسلام فلا یعقل أخذها من الأجیر ودفعها الی صاحب المال الّا بلحاظ ثوابها، فان الرجل اذا حج بدون أن ینوي النیابة عن غیره لم یعقل وقوع حجه عنه، لما مر من أن عنوان النیابة عنوان قصدي ومقوم للحج النیابي فلا یعقل وقوعه بدون أن یقصد به عنوانه الخاص الممیز له شرعا، فاذن لا محالة یکون المراد من الأخذ والدفع فیها هو الحج المستحب بلحاظ ثوابه وأجره، ویؤکد ذلک قوله في ذیلها: »وإن لم یکن حج کتب لصاحب المال ثواب الحج» فانه یدل علی أن المراد منه الحج الاستحبابي، فاذا لم یأت به النائب کتب ثوابه للمنوب عنه تفضلا منه تعالی، ومن المعلوم أن هذا لا ینسجم مع کون الحج في موردها حجة الإسلام، فان المعیار فیها انما هو بسقوطها عن الذمة وعدم سقوطها عنها، هذا اضافة الی أنها لا تدل علی أن ذمة المیت قد فرغت بنفس عقد الاجارة.

ومنها: مرسلة الصدوق، قال: «قیل لأبي عبد الله: الرجل یأخذ الحجة من الرجل فیموت، فلا یترک شیئا، فقال: أجزأت عن المیت وإن کان له عند الله حجّة اثبتت لصاحبه»(الوسائل باب: 23 من أبواب النیابة في الحج الحدیث: 3). فیه مضافا إلی ضعفها سندا، یرد علیها نفس ما مر في الروایة الأولی.

ومنها: موثقة عمار بن موسی عن أبي عبد الله: «عن رجل دراهم رجل فانفقها فلما حضر أوان الحج لم یقدر الرجل علی شيء، قال: یحتال ویحج عن صاحبه کما ضمن. سئل: إن لم یقدر، قال: إن کانت له عند الله حجّة أخذها منه فجعلها للذي أخذ منه الحجة»(الوسائل باب: 23 من أبواب النیابة في الحج الحدیث: 3) بدعوی أنها تدل علی أن النائب والأجیر ضمن الحج بعقد الاجارة، ومعنی الضمان هو انتقال الحج من ذمة المنوب عنه الی ذمة النائب، ولازم ذلک فراغ ذمته واشتغال ذمة الأجیر بمجرد العقد.

والجواب: ان المراد من الضمان هنا لیس هو انتقال الحج من ذمة المنوب عنه الی ذمة النائب کما هو الحال في ضمان الدین، فانه عبارة عن نقل ذمة الی ذمة، فان الضمان بهذا المعنی غیر متصور في المقام، لأن مقتضی عقد الإجارة تملک المستأجر العمل المستأجر علیه في ذمة الأجیر، في مقابل تملک الأجیر الأجرة علی ذمة المستأجر.

مثال ذلک: اذا استأجر وصي أو ولي من قبل المیت زیدا – مثلا – علی الحج لقاء أجرة معینة، فهو یملک الحج علی ذمة زید ولایة أو وصایة من قبل المیت، وزید یملک الأجرة علیه، وکل منهما ضامن للآخر، فالمستأجر ضامن للأجرة، والأجیر ضامن العمل، ویجب علی کل منهما تسلیم ما عنده للآخر، وإن أتلف فبدله، کما هو الحال في سائر المعاوضات کالبیع والصلح ونحوهما، ویسمی هذا الضمان بضمان المعاوضة، وهذا هو معنی أن الأجیر ضامن للعمل، ولا یرتبط هذا الضمان بالضمان في باب الدین، فانه عبارة عن نقل الدین من ذمة المدیون الی ذمة الضامن، لوضوح أن عقد الایجار لا یقتضي انتقال الواجب کالحج أو نحوه من ذمة المستأجر الی ذمة الأجیر، وفراغ ذمته عنه بمجرد العقد، والّا فلازمه أن تکون ذمة الأجیر مشغولة لله تعالی لا للمستأجر، وهو کما تری، بل مقتضاه أن ذمة الأجیر مشغولة للمستأجر للعمل الواقع علی العقد الذي هو بدیل لعمله الثابت في ذمته، باعتبار أن الواجب علی المستأجر أن یقوم بالحج بنفسه ومباشرة، وإن لم یتمکن من ذلک یقوم به بنائبه، فیکون فعله بدیلا لفعله ومصداقا تنزیلیا للواجب، هذا من ناحیة.

ومن ناحیة أخری ان تفسیر الضمان هنا بضمان الأجیر للحج من جهة إفساده له تفسیر خاطئ، اذ لا یمکن حمل الضمان في الموثقة علی ذلک، حیث لم یفرض فیها افساد الحج بل هو ضمان بالمعاوضة کما مر.

فالنتیجة: أن الضمان في باب المعاوضات أجنبي عن الضمان في باب الدین، ولا صلة لأحدهما بالآخر، فاذن لا تدل الموثقة علی فراغ ذمة المنوب عنه بمجرد عقد النیابة وعدم توقفه علی العمل. هذا اضافة الی أن الموثقة غیر ظاهرة في أن المراد من الحج في موردها هو حجة الإسلام، بل قوله في ذیلها: «إن کانت له عند الله حجّة أخذها منه فجعلها للذي أخذ منه الحجة»(الوسائل باب: 23 من أبواب النیابة في الحج الحدیث: 3) یناسب کون الحجة حجة استحبابیة، والمراد من أخذها أخذ ثوابها، باعتبار أن غرض المستأجر من الاجارة علی الحج الاستحبابي هو الثواب، واما اذا کانت الحجة حجة وجوبیة، فأخذها من النائب وجعلها للمنوب عنه، لا یرجع الی معنی محصل.

واما الطائفة الثالثة: فهي متمثلة في موثقة اسحاق بن عمار، قال: «سألته عن الرجل یموت فیوصي بحجة، فیعطی رجل دراهم یحج بها عنه، فیموت قبل أن یحج، ثم أعطي الدراهم غیره، فقال: إن مات في الطریق أو بمکة قبل أن یقضي مناسکه فانه یجزي عن الأول، قلت: فان ابتلی بشيء یفسد علیه حجّه حتی یصیر علیه الحج من قابل أیجزي عن الأول؟ قال: نعم، قلت: لأن الأجیر ضامن للحج، قال: نعم»(الوسائل باب: 15 من أبواب النیابة في الحج الحدیث: 1) بتقریب أن الأجیر ضامن للحج، ومعنی الضمان هو اشتغال ذمته بالحج بدیلا عن ذمة المنوب عنه.

والجواب: قد ظهر مما تقدم من أن المراد من الضمان هنا هو ضمان المعاوضة، ولا یرتبط بالضمان في باب الدین.

فالنتیجة: أن هذه الروایات بکل اصنافها وطوائفها لا تدل علی فراغ ذمة المنوب عنه بمجرد عقد الایجار.

 

مسألة 9: لايجوز استيجار المعذور في ترک بعض الأعمال، بل لو تبرّع المعذور يشكل الاكتفاء(1) به.

1- الفیاض: الأظهر عدم الاکتفاء، فاذا بادر المعذور وتبرع بأداء الحج عن غیره فلا یکتفی به، لما تقدم من أن سقوط الواجب عن ذمة شخص بفعل غیره بما أنه یکون علی خلاف القاعدة فیحتاج الی دلیل، والقدر المتیقن منه ما اذا لم یکن النائب معذورا في بعض واجبات الحج، والّا فمقتضی القاعدة عدم الکفایة، بدون فرق في ذلک بین التبرع والإجارة.

 

 

مسألة 10: إذا مات النائب قبل الإتيان بالمناسک، فإن كان قبل الإحرام لم‌يجز عن المنوب‌عنه، لما مرّ من كون الأصل عدم فراغ ذمّته إلّا بالإتيان، بعد حمل الأخبار الدالّة على ضمان الأجير على ما أشرنا إليه(1). وإن مات بعد الإحرام ودخول الحرم، أجزأ عنه، لا لكون الحكم كذلک في الحاجّ عن نفسه، لاختصاص ما دلّ عليه به، وكون فعل النائب فعل المنوب عنه لايقتضي الإلحاق، بل لموثّقة إسحاق بن عمّار المؤيّدة بمرسلتي حسين بن عثمان وحسين بن يحيى الدالّة على أنّ النائب إذا مات في الطريق أجزأ عن المنوب‌عنه، المقيّدة بمرسلة المقنعة(2): «من خرج حاجّآ فمات في الطريق فإنّه إن كان مات في الحرم فقد سقطت عنه الحجّة» الشاملة للحاجّ عن غيره(3) أيضاً؛ ولايعارضها موثّقة عمّار الدالّة على أنّ النائب إذا مات في الطريق عليه أن يوصي، لأنـّها محمولة على ما إذا مات قبل الإحرام أو على الاستحباب(4)، مضافاً إلى الإجماع (5) على عدم كفاية مطلق الموت في الطريق، وضعفها سنداً بل ودلالةً (6)منجبر بالشهرة والإجماعات المنقولة، فلاينبغي الإشكال في الإجزاء في الصورة المزبورة. وأمّا إذا مات بعد الإحرام وقبل دخول الحرم، ففي الإجزاء قولان؛ ولايبعد الإجزاء وإن لم‌نقل به في الحاجّ عن نفسه، لإطلاق الأخبار في المقام، والقدر المتيقّن من التقييد هو اعتبار كونه بعد الإحرام، لكنّ الأقوى عدمه(7)، فحاله حال الحاجّ عن نفسه في اعتبار الأمرين في الإجزاء(8). و الظاهر عدم الفرق بين حجّة الإسلام وغيرها من أقسام الحجّ(9) وكون النيابة بالاُجرة أو بالتبرّع.

1- الفیاض: لم یشر السید الماتن الی معنی الضمان سابقا، فان الموجود في المسألة السابقة قوله: (وما دل من الأخبار علی کون الأجیر ضامنا وکفایة الاجارة في فراغها منزلة علی أن الله تعالی یعطیه ثواب الحج اذا قصر النائب في الاتیان...) ومن المعلوم أن هذا لیس تفسیرا لمعنی الضمان في الموثقة، ولذلک فالصحیح ما ذکرناه من أن المراد من الضمان في الموثقة هو ضمان المعاوضة، وهو مقتضی عقد الاجارة.

2- الفیاض: فیه ان المرسلة باعتبار ضعفها سندا لا تصلح أن تکون مقیدة لإطلاق الموثقة، وعلی هذا فلابد من النظر الی نفس الموثقة، وهل أنها مطلقة في نفسها أو مقیدة بما اذا مات بعد الإحرام؟ فیه وجهان: الأظهر هو الثاني، بتقریب أن قوله فیها: «قبل أن یقتضي مناسکه» قرینة علی أن موته کان بعد التلبس بها، علی أساس أن معنی القضاء الإنهاء عن الشيء، وهو بنفسه یدل علی أنه تلبس بأعمال الحج، ولکنه مات قبل الفراغ والإنهاء منها، وعلیه فلا یصح هذا التعبیر عرفا اذا کان موته قبل الإحرام والتلبس بالمناسک، مثلا اذا مات المکلف في أثناء الصلاة صح أن یقال انه مات قبل أن یقضي صلاته ویفرغ منها، واذا مات قبل الدخول فیها لم یصح أن یقال عرفا انه مات قبل أن یقضیها ویفرغ منها، لأن التعبیر عن أن فلانا لم یفرغ عن صلاته معناه أنه شرع فیها، نعم لو کان بدل کلمة (أن یقضي) کلمة (أن یأتي) لم یکن له هذا الظهور.

فالنتیجة: انه لا اطلاق للموثقة في نفسها.

قد یقال کما قیل: إن قوله: «قبل أن یقضي مناسکه» یرجع الی القید الأخیر، وهو الدخول في مکة، ولا أقل أنه متیقن، فاذن تدل الموثقة علی الاجزاء اذا کان موته بعد الاحرام ودخول مکة، واما اذا کان موته في الطریق ولو کان بعد الإحرام وقبل دخول مکة فلا یجزي.

والجواب: انه لا شبهة في ظهور رجوع القید الی أحد الأمرین، وهما الموت في الطریق، والدخول في مکة، وذلک لأن احتمال رجوع القید الی خصوص الجملة الأخیرة انما هو اذا کان عطفها علی الجملة الأولی بکلمة (الواو)، واما اذا کان عطفها علیها بکلمة (أو) کما في المقام، فیرجع القید الی الجامع بینهما وهو عنوان أحدهما، ولا موجب حینئذ لتوهم الاختصاص.

وأما موثقة عمار الساباطي عن أبي عبد الله: «في رجل حج عن أخر ومات في الطریق، قال: وقد وقع أجره علی الله، ولکن یوصي فان قدر علی رجل یرکب في رحله ویأکل زاده فعل»(الوسائل باب: 15 من أبواب النیابة في الحج الحدیث: 5) فهي تدل باطلاقها علی عدم الاجزاء وإن کان موته بعد الاحرام، ولکن بما أن نسبتها الی موثقة اسحاق بن عمار نسبة المطلق الی المقید، فلابد من رفع الید عن اطلاقها وحملها علی ما اذا کان موته قبل الإحرام.

فالنتیجة: ان النائب اذا مات في الطریق قبل الإحرام لم یجز، واذا مات بعد الإحرام اجزأ، سواء أکان بعد دخول الحرم أو مکة أو قبله، ومن هنا یمتاز النائب عن المستطیع الحاج لنفسه، فانه اذا مات في الطریق فان کان بعد الاحرام ودخول الحرم أجزأ، واما اذا مات قبل دخول الحرم لم یجزئ وإن کان بعد الإحرام، وهذا بخلاف النائب فانه اذا مات بعد الاحرام اجزأ، وإن کان قبل دخول الحرم فالمعیار في النائب انما هو بموته بعد الإحرام، کما أن المعیار في الحج لنفسه انما هو بموته بعد الاحرام ودخول الحرم معا.

3- الفیاض: فیه انه لا یبعد اختصاص المرسلة بالحاج لنفسه، ولا تعم الحاج عن غیره، وعلی تقدیر تسلیم أنها تعم النائب أیضا، فحینئذ تکون النسبة بینها وبین  الموثقة عموما من وجه، لأن الموثقة عامة من جهة أن موت النائب کان قبل الإحرام أو بعده، وخاصة بالنائب. والمرسلة عامة من جهة أن الحاج کان لنفسه أو لغیره، وخاصة بما اذا کان موته في الحرم، ویکون مورد الالتقاء بینهما ما اذا مات النائب قبل دخول الحرم، فان مقتضی اطلاق الموثقة الاجزاء، ومقتضی اطلاق المرسلة عدم الاجزاء، فاذن لا تصلح المرسلة أن تکون مقیدة لإطلاق الموثقة تطبیقا لقاعدة حمل المطلق علی المقید.

4- الفیاض: فیه انه لا مقتضی لهذا الحمل، حیث أنه بحاجة الی قرینة عرفا، ولا قرینة علیه، وبدونها لا یمکن رفع الید عن ظهورها في الوجوب، بل مقتضی الجمع الدلالي العرفي، وهو حمل المطلق علی المقید.

5- الفیاض: فیه أن مقتضی القاعدة عدم الکفایة اذا مات النائب في الطریق وإن کان بعد الاحرام ودخول الحرم ورفع الید عنه بالنص اذا کان موته بعد الإحرام، ولا یحتاج ذلک الی دعوی الاجماع علیه، هذا اضافة الی أنا لو سلّمنا ثبوت الاجماع في المقام، الّا أنه لا أثر له في المسألة التي یتلقی حکمها من مقتضی القاعدة.

6- الفیاض: مرت الاشارة في غیر مورد الی أن ضعف الروایة سندا ودلالة لا ینجبر بعمل المشهور، ولا بالإجماعات المنقولة. فدعوی الانجبار لا أساس لها لا نظریة ولا تطبیقیة، ولا سیما في دلالتها باعتبار أن حجیة دلالتها مبنیة علی تحقق ظهورها التصدیقي بلحاظ الارادة الجدیة، ولا یمکن رفع الید عن حجیة هذا الظهور الّا بسبب قیام قرینة علی خلافه، والمفروض أن عمل المشهور بما أنه لا یکون حجة في نفسه، فلا یصلح ان یکون قرینة مانعة عن حجیته، کما أنه لا یوجب انقلابه موضوعا.

7- الفیاض: مر أن الأظهر هو الإجزاء اذا مات النائب بعد الإحرام، وإن کان قبل دخول الحرم، وقد مر أن هذه المسألة تختلف عن مسألة الحاج عن نفسه.

8- الفیاض: في اطلاقه اشکال بل منع، لما تقدم من أن حال النائب لیس کحال الحاج عن نفسه، حیث أن الحج عن المنوب عنه یجزي اذا مات النائب بعد الاحرام وإن کان قبل دخول الحرم، وعن الحاج عن نفسه لا یجزئ الّا اذا مات بعد الإحرام ودخول الحرم معا.

9- الفیاض: هذا انما یتم في النائب فقط، لإطلاق النصوص فیه ومقتضاها عدم الفرق بینهما، وأما في الحاج عن نفسه فلا یتم، لأن مورد النصوص فیه حجة الإسلام، ولا تعم غیرها، ولا یمکن التعدي عن موردها الی سائر الموارد، فانه بحاجة الی قرینة باعتبار أن الحکم یکون علی خلاف القاعدة.

 

 

 

مسألة 11: إذا مات الأجير بعد الإحرام و دخول الحرم(1) ، يستحقّ تمام الاُجرة إذا كان أجيراً على تفريغ الذمّة، وبالنسبة إلى ما أتى به من الأعمال إذا كان أجيراً على الإتيان بالحجّ بمعنى الأعمال  المخصوصة، وإن مات قبل ذلک لايستحقّ شيئاً؛ سواء مات قبل الشروع في المشي أو بعده، وقبل الإحرام أو بعده (2) وقبل الدخول في الحرم، لأنّه لم‌يأت بالعمل المستأجرعليه لا كلاّ ولا بعضاً بعد فرض عدم إجزائه؛ من غير فرق بين أن يكون المستأجر عليه نفس الأعمال أو مع المقدّمات من المشي ونحوه؛ نعم، لو كان المشي داخلا في الإجارة على وجه الجزئيّة، بأن يكون مطلوبآ في الإجارة نفساً، استحقّ مقدار ما يقابله من الاُجرة، بخلاف ما إذا لم‌يكن داخلا أصلا أو كان داخلا فيها لا نفسآ بل بوصف المقدّميّة؛ فما ذهب إليه بعضهم من توزيع الاُجرة عليه أيضآ مطلقآ، لا وجه له، كما أنّه  لاوجه  لما ذكره بعضهم من التوزيع على ما أتى به من الأعمال بعد الإحرام، إذ هو نظير ما إذا استوجر للصلاة فأتى بركعة أو أزيد ثمّ أبطلت صلاته، فإنّهلا إشكال في أنّه لايستحقّ الاُجرة على ما أتى به؛ ودعوى أنّه وإن كان لايستحقّ من المسمّى بالنسبة لكن يستحقّ اُجرة المثل لما أتى به، حيث إنّ عمله محترم، مدفوعة بأنـّه لا وجه له بعد عدم نفع للمستأجر فيه(3)، والمفروض أنـّه لم‌يكن  مغروراً من قبله، وحينئذٍ فتنفسخ الإجارة إذا كانت للحجّ في سنة معيّنة، ويجب عليه الإتيان به إذا كانت مطلقة(4)  من غير استحقاق لشيء على التقديرين.

1- الفیاض: مر عدم اعتباره في الأجیر، فانه إذا مات بعد الاحرام وان کان قبل دخول الحرم فالأظهر هو الاجزاء، غایة الأمر إن کانت الإجارة علی تفریغ ذمة المیت استحق تما الأجرة وإن کانت علی الأعمال والنسک توزع الاجرة علیها بالنسبة.

2- الفیاض: تقدم ان الأظهر هو الاجزاء اذا مات النائب بعد الاحرام وإن کان قبل دخول الحرم، ویستحق تمام الأجرة شریطة أن تکون الإجارة علی تفریغ ذمة المیت وتوزع إن کانت علی الأعمال والنسک بالنسبة. نعم لو قلنا بعدم الاجزاء لم یستحق شیئا من الأجرة لفرض أن الاجارة لم تکن علی الإحرام فقط، وانما تکون علیه شریطة أن لا یتعقب بسائر اعمال الحج ونسکه، فاذن یکون وجوده کالعدم ولا قیمة له.

3- الفیاض: مجرد هذا لا یصلح أن یکون سببا لعدم استحقاق الأجیر الأجرة التي یتقاضها الأجراء عادة للقیام بمثل ذلک العمل، فان سبب استحقاقه أحد أمرین:

الأول: أن یکون ما أتی به بأمر المستأجر.

الثاني: أن تون له مالیة لدی العرف والعقلاء علی نحو یبذل المال بازائه.

فاذا توفر أحد هذین الأمرین فیه استحق اجرة المثل بالنسبة، سواء انتفع المستأجر به أم لا. ولکن کلا الأمرین غیر متوفر فیه.

اما الأول: فلأن المستأجر إنما أمر بالاحرام في ضمن أمره بالحج بکامل اجزائه وشروطه لا مستقلا، فاذا سقط أمره بالحج بموت النائب سقط أمره بالاحرام أیضا، اذ لا یعقل بقاء الأمر الضمني وسقوط الأمر الاستقلالي.

واما الثاني: فلأنه لا أثر للإحرام وحده ولا قیمة له.

4- الفیاض: لا یخفی ما في العبارة من المسامحة، بل لعلّها من سهو القلم، باعتبار أن المفروض في المسألة هو موت الأجیر، ومعه لا معنی لقول الماتن (یجب علیه الاتیان به اذا کانت مطلقة). ومن هنا کان ینبغي للماتن1 أن یقول هکذا (إن کانت الاجارة مقیدة بقیام النائب بالحج مباشرة، انفسخت الاجارة بموته، سواء أکانت مقیدة بسنة خاصة أم کانت مطلقة. وإن لم تکن مقیدة بقیامه کذلک وجب الاستئجار من ترکة الأجیر إن أمکن وإن کانت في سنة معینة) هذا.

ولکن ذلک غیر صحیح، فان النائب علی الأول وهو اعتبار قیامه المباشر بالحج إن مات قبل الإحرام بطلت الإجارة، فان موته یکشف عن عدم قدرته علی الوفاء بها في ظرفه، بدون فرق بین أن تکون الاجارة مقیدة بسنة معینة أو مطلقة، وإن مات بعد الإحرام وقبل دخول الحرم، فعلی القول بعدم الاجزاء فالأمر أیضا کذلک، وعلی القول بالاجزاء – کما استظهرناه – فعندئذ إن کانت الإجارة علی تفریغ الذمة صحت، واستحق الأجیر تمام الأجرة المسماة، ولا موجب لانفساخها بدون فرق بین أن تکون الاجارة مقیدة أو مطلقة، وإن کانت علی الأعمال والنسک انفسخت بالنسبة إلی الاعمال الباقیة، وصحت بالنسبة إلی الأعمال الماضیة، بلافرق بین نحوین من الاجارة أیضا، وتوزع الأجرة علیهما بالنسبة.

وأما علی الثاني، وهو عدم اعتبار قید المباشرة في العمل، فان مات الأجیر بعد الإحرام وقبل دخل الحرم، فعلی القول بعدم الاجزاء فلا موجب لانفساخها ولا لبطلانها، بل یجب الاستئجار من ترکته بدون فرق بین ان تکون الاجارة مقیدة بسنة معینة أو مطلقة، غایة الأمر في الصورة الاولی اذا لم بتمکن من الاستئجار من ترکته لضیق الوقت، أو لم یوجد من یستأجره انکشف عن بطلان الاجارة من الأول، لعدم التمکن من الوفاء بها في ظرفه، وعلی القول بالاجزاء – کما هو الأقوی والأظهر – فعندئذ إن کانت الاجارة علی تفریغ الذمة فقد وفي بها واستحق تمام الأجرة، ولا مبرر للقول بالانفساخ، بدون فرق بین أن تکون الاجارة مقیدة أو مطلقة.

 

 مسألة 12: يجب في الإجارة تعيين نوع الحجّ (1) من تمتّع أو قران أو إفراد. ولايجوز للموجر العدول عمّا عيّن له وإن كان إلى الأفضل كالعدول من أحد الأخيرين إلى الأوّل، إلّا إذا رضي المستأجر  بذلک فيما إذا كان مخيّرآ بين النوعين أو الأنواع كما في الحجّ المستحبيّ والمنذور المطلق، أو كان ذا منزلين متساويين في مكّة وخارجها؛ وأمّا إذا كان ما عليه من نوع خاصّ، فلاينفع رضاه  أيضآ بالعدول إلى غيره(2)، وفي صورة جواز الرضا يكون رضاه من باب إسقاط حقّ الشرط إن كان التعيين بعنوان الشرطيّة(3) ومن باب الرضا بالوفاء بغير الجنس إن كان بعنوان القيديّة، وعلى أىّ تقدير يستحقّ الاُجرة المسمّـاة وإن لم‌يأت بالعمل المستأجرعليه على التقدير الثاني، لأنّ المستأجر إذا رضي بغير النوع الّذي عيّنه فقد وصل إليه ما له على الموجر، كما في الوفاء بغير الجنس في سائر الديون، فكأنّه قد أتى بالعمل المستأجر عليه.

ولا فرق فيما ذكرنا بين العدول إلى الأفضل أو إلى المفضول؛ هذا، ويظهر من جماعةٍ جواز العدول إلى الأفضل، كالعدول إلى التمتّع تعبّدآ من الشارع، لخبر أبي بصير(4)  عن أحدهما علیهما السّلام في رجل أعطى رجلا دراهم يحجّ بها مفردة أيجوز له أن يتمتّع بالعمرة إلى الحجّ؟ قال علیه السّلام: «نعم، إنّما خالف إلى الأفضل»؛ والأقوى ما ذكرنا، والخبر منزّل على صورة العلم برضا المستأجر بذلک مع كونه مخيّرآ بين النوعين، جمعآ بينه وبين خبر آخر(5) في رجل أعطى رجلا دراهم يحجّ بها حجّة مفردة، قال  علیه السّلام: «ليس له أن يتمتّع بالعمرة إلى الحجّ؛ لايخالف صاحب الدراهم».

وعلى ما ذكرنا من عدم جواز العدول إلّا مع العلم بالرضا إذا عدل بدون ذلک، لايستحقّ الاُجرة في صورة التعيين على وجه القيديّة وإن كان حجّه صحيحاً عن المنوب‌عنه ومفرّغاً لذمّته إذا لم‌يكن ما في ذمّته متعيّنآ فيما عيّن، وأمّا إذا كان على وجه الشرطيّة(6) فيستحقّ، إلّا إذا فسخ المستأجر الإجارة من جهة تخلّف الشرط، إذ حينئذٍ لايستحقّ المسمّى بل اُجرة المثل.

1- الفیاض: فیه أنه لا یعتبر في صحة الإجارة تعیین نوع الحج، فتصح الاجارة علی الجامع حتی اذا کانت ذمة المنوب عنه مشغولة بقسم منه کحج التمتع – مثلا – غایة الأمر اذا قام الأجیر بالاتیان بحج التمتع سقط عن ذمة المنوب عنه، والّا فلا، ولا یحق للمستأجر الزام الأجیر بالاتیان به، باعتبار أن الواجب علیه العمل بما وقع علیه عقد الایجار، والمفروض أن ما وقع علیه العقد هو الجامع دون الفرد، ولعل الماتن أراد من اعتبار التعیین اعتباره في استئجار الوصي أو الولي شخصا من قبل المیت للقیام بما کان واجبا علیه من الحج، بلحاظ أن ما کان واجبا علیه من الحج نوع خاص منه کالتمتع او الافراد، فانه لابد حینئذ من الاستئجار علیه، ولکن ذلک خلاف الظاهر منه، فان الظاهر أنه في مقام بیان ما هو معتبر في صحة الاجارة وشروطها، لا في مقام بیان ما هو وظیفة الوصي أو الولي أو الحي العاجز.

2- الفیاض: هذا بالنسبة إلی براءة ذمة المنوب عنه، فانها اذا کانت مشغولة بحج التمتع – مثلا – ورضي المستأجر بالعدول إلی حج الافراد أو القرآن، وعدل الأجیر الیه وأتی به لم ینفع في براءة ذمته عنه، بل ظلت مشغولة به، وأما بالنسبة إلی الأجرة فهو یستحق الأجرة المسماة باعتبار أن العدول الی عمل آخر إذا کان باذن المستأجر ورضاه بنفس الأجرة استحقها.

وإن شئت قلت: إن عدول النائب من العمل المستأجر علیه کحج التمتع – مثلا – الی عمل آخر کحج الافراد اذا کان باذن المستأجر ورضاه فانه في الحقیقة فسخ للعقد الأول وتجدید للعقد ثانیا بنفس الأجرة التي کانت في العقد الأول، فمن أجل ذلک یستحق تلک الأجرة بکاملها.

فالنتیجة: ان قیام الأجیر بالاتیان بالعمل الآخر کحج الافراد – مثلا – برضی المستأجر واذنه لا یجدی في فراغ ذمته عن العمل المستأجر علیه أو لا کحج التمتع، فانه مرتبط بالاتیان به لکي ینطبق علیه، لا بالعمل الآخر الذي لا یکون من افراده ومصادیقه، ولکن بما أن هذا العدول کان باذنه ولم یکن مجانا ولم یعین الاجرة له، فبطبیعة الحال کان اذنه بالعدول الیه والقیام به بنفس الأجرة السابقة، باعتبار أن ذلک في الحقیقة معاوضة جدیدة بینها وبین العمل المعدول الیه.

3- الفیاض: فیه ان الشرطیة في المقام لیست بمعناها الحقیقي وهو ما یکون خارجا عن حقیقة المشروط، بل بمعنی أنه یقوم لها فاذا استأجر شخصا علی حج التمتع، ثم أذن له بالعدول الی حج الافراد، فعدل الیه، فانه لیس من اسقاط حق الشرط، فان حج التمتع الذي له اسم خاص الممیز له شرعا لا یتحقق بدون قصد ذلک الاسم، لأنه مقوم له، بل هو إذن بالعدول من عمل مباین الی عمل مباین آخر، وفي مثل ذلک لا شبهة في عدم اجزاء الاتیان بالعمل المعدول الیه عن العمل المعدول منه الثابت في ذمة المستأجر لعدم انطباقه علیه، باعتبار أن عنوان التمتع او الافراد بما أنه من العناوین المقومة فهو یوجب تحصیص العمل المستأجر علیه بحصة خاصة، وهي لا تنطبق علی حصة أخری مباینة لها.

فالنتیجة: أن مقتضی القاعدة في هذا الفرض عدم الاجزاء، وأما استحقاق الأجیر الاجرة المسماة فهو وإن کان علی خلاف القاعدة أیضا، الّا أنه مبني علی ما ذکرناه من التخریج الفني، وهذا بخلاف ما اذا کان الإذن بالعدول عن العمل الواجد للشرط الی الفاقد له، والغاء المستأجر الشرط، فانه خارج عن محل الکلام، اذ لا شبهة في الاجزاء وفي استحقاقه الأجرة المسماة، کما اذا استأجر شخصا علی صلاة المیت – مثلا – واشترط علیه في ضمن العقد أن یأتي بها في المسجد أو في الجماعة أو في الحرم أو مع الأذان والإقامة أو غیر ذلک، ثم ألغی هذا الشرط وأذن بالصلاة مطلقا، فان هذا لیس إذنا بالعدول إلی عمل آخر، بل هو إذن بالغاء ما هو خارج عن العمل المستأجر علیه، ولا یکون دخیلا في حقیقته ولا في صحته، حیث أن صحیح سواء أکان واجدا له أم فاقدا، ومن هنا لا یضر ترکه عامدا وملتفتا وبدون اذن المستأجر ولا ینقص من الأجرة.

ثم إنه لا فرق في العنوان المقوم للعمل والممیز له شرعا بین أن یکون مأخوذا في عقد الایجار بنحو الشرطیة أو القیدیة، فان الأول یرجع الی الثاني لبا وبحسب مقام الثبوت والواقع، ولا فرق بینهما الّا في صیغة التعبیر فقط، فان عنوان التمتع او الافراد عنوان مقوم لحقیقة الحج، وبانتفائه ینتفي الحج بدون فرق بین أن یکون مأخوذا في الاجارة بنحو الشرطیة، بأن یقول: (استأجرتک للحج علی أن یکون تمتعا) أو بنحو القیدیة بأن یقول: (استأجرتک لحج التمتع او الافراد). فان الأول یرجع الی الثاني لبا، وإن أخذ بنحو الشرطیة، فاذا خالف وأتی بحج الافراد فقد أتی بعمل آخر مباین للعمل المستأجر علیه، وبذلک یظهر أن ما ذکره الماتن من أن المستأجر اذا أذن بحج الافراد بدلا عن التمتع، فان کان التمتع مأخوذا بنحو الشرطیة، فهو من باب اسقاط حق الشرط، وإن کان مأخوذا بنحو القیدیة فهو من باب الرضا بالوفاء بجنس آخر لا یرجع الی معنی محصل، فانه علی کلا التقدیرین من باب الإذن بالوفاء بجنس آخر، والفرق انما هو في التعبیر فقط لا في الواقع ومقام الثبوت.

4- الفیاض: أي صحیحة أبي بصیر (الوسائل باب: 12 من أبواب النیابة في الحج الحدیث: 1)، وهي تدل علی أن من استأجره لحجة مفردة یسوغ له أن یعدل إلی حجة التمتع، معللا بأنه انما خالف الی الأفضل، ومقتضی اطلاق هذا التعلیل أنه یجوز للأجیر أن یعدل من العمل المستأجر علیه الی عمل آخر مطلقا وإن کان مباینا له شریطة أن یکون أفضل منه.

والجواب: أن مقتضی القاعدة عدم جواز العدول عما عیّنه المستأجر علی الموجر في عقد الاجارة، فلو عدل لم یستحق شیئا من الأجرة، باعتبار أنه لم یف بما یتطلبه عقد الایجار، ولا فرق في ذلک بین أن تکون الإجارة علی الواجب أو المستحب.

واما بحسب النص، فمقتضی صحیحة أبي بصیر جواز العدول إلی الأفضل، ولا یمکن حمل ذلک علی التعبد المحض، باعتبار أن التعلیل فیها ظاهر في أنه تعلیل بأمر ارتکازي لا تعبدي، علی أساس أن العدول إلی الأفضل موافق للارتکاز العرفي، فاذن ارتکازیة التعلیل ومناسبة الحکم والموضوع الارتکازیة تتطلبان حمل الصحیحة علی الإجارة علی المستحب بأمل ان یکتسب الثواب، فاذا علم المؤجر أن غرض المستأجر ذلک جز له العدول الی عمل آخر أکثر ثوابا، ویقوم به نیابة عنه بدیلا عن العمل المستأجر علیه، ومما یؤکد هذا الحمل أن الصحیحة ظاهرة في أن الإجارة في موردها انما هي من الرجل الحي، وقد تقدم أن الاجارة منه لا تکون مشروعة الّا اذا کان عاجزا ومأیوسا عن القیام المباشر بالحج، فاذن مقتضی اطلاقها جواز ااستئجار منه وإن کان متمکنا، وهذا لا یمکن الّا أن یکون الاستئجار علی المستحب، هذا اضافة الی إمکان حمل اطلاقها علی ما اذا کان العدول باذن المستأجر.

فالنتیجة: ان الروایة لا تدل علی جواز العدول إلی الأفضل مطلقا حتی في الواجب وإن کان بدون رضی المستأجر.

5- الفیاض: فیه ان الخبر ضعیف سندا، فان الحسن بن محبوب روی عن علي، فان کان المراد منه علي بن أبي طالب7 فالخبر مرسل، لأن ابن محبوب لا یمکن أن یروي عنه7 بلاواسطة، وان کان غیره فهو مردد بین علي بن موسی الرضا7 وبین غیره، هذا ولکن في المدارک استظهر أن المروي عنه هو علي ابن رئاب، وکیف کان فالروایة لم تثبت عن المعصوم7، فمن أجل ذلک لا تصلح أن تعارض صحیحة أبي بصیر، فالعمدة ما أشرنا الیه من أن الروایة الأولی وإن کانت تامة سندا، الّا أنها ضعیفة دلالة.

6- الفیاض: مر أن مرجع الشرط في المقام إلی التقیید لبا، ولا فرق بینهما في مقام الثبوت والواقع وإن کان مأخوذا في عقد الاجارة في مقام الاثبات بنحو الشرطیة.

 

 

مسألة 13: لايشترط في الإجارة تعيين الطريق وإن كان في الحجّ البلديّ، لعدم تعلّق الغرض بالطريق نوعاً؛ ولكن لو عيّن، تعيّن ولايجوز العدول عنه إلى غيره، إلّا إذا علم أنـّه لا غرض للمستأجر في خصوصيّته وإنّما ذكره على المتعارف، فهو راضٍ بأىّ طريق كان، فحينئذٍ لو عدل صحّ واستحقّ تمام الاُجرة، وكذا إذا أسقط بعد العقد حقّ تعيينه؛ فالقول بجواز العدول مطلقآ أو مع عدم العلم بغرض في الخصوصيّة(1) ضعيف، كالاستدلال له بصحيحة حريز عن رجل أعطى رجلا حجّة يحجّ عنه من الكوفة، فحجّ عنه من البصرة، فقال علیه السّلام: «لا بأس، إذا قضى جميع المناسک فقد تمّ حجّه»، إذ هي محمولة على صورة العلم بعدم الغرض(2) كما هوالغالب، مع أنـّها إنّما دلّت على صحّة الحجّ من حيث هو، لا من حيث كونه عملا مستأجرآ عليه كما هو المدّعى، وربما تحمل على محامل اُخر(3)، وكيف كان لاإشكال في صحّة حجّه وبرائة ذمّة المنوب‌عنه إذا لم‌يكن ما عليه مقيّدآ بخصوصيّة الطريق‌المعيّن(4)؛ إنّما الكلام فياستحقاقه الاُجرة المسمّاة على‌تقدير العدول وعدمه، والأقوى أنـّه يستحقّ من المسمّى بالنسبة ويسقط منه بمقدار  المخالفة إذا كان الطريق معتبراً في الإجارة على وجه الجزئيّة، ولايستحقّ شيئاً على تقدير اعتباره على وجه القيديّة، لعدم إتيانه بالعمل المستأجر عليه حينئذٍ وإن برئت ذمّة المنوب‌عنه بما أتى به، لأنـّه حينئذٍ متبرّع بعمله؛ ودعوى أنـّه يعدّ في العرف أنّه أتى ببعض مااستوجر عليه فيستحقّ بالنسبة وقصد التقييد بالخصوصيّة لايخرجه عرفآ عن العمل ذي الأجزاء، كما ذهب إليه في الجواهر، لاوجه لها. ويستحقّ تمام الاُجرة إن كان اعتباره على وجه الشرطيّة الفقهيّة بمعنى الالتزام في الالتزام؛ نعم، للمستأجر خيار الفسخ لتخلّف الشرط، فيرجع إلى اُجرة المثل.

 

1-  الفیاض: فیه أنه لا بأس بالعدول في هذا الفرض اذ مع الشک في اعتبار الخصوصیة في طریق خاص لا مانع من الرجوع الی أصالة البراءة عنه والذهاب من طریق آخر أو من بلدة أخری.

2- الفیاض: فیه أنه لا شاهد علی هذا الحمل لا في نفس الروایة ولا من الخارج، بل انها ظاهرة في أن هذه المخالفة لا تضر بصحة الحج اذا أتی به بکامل واجباته، کما هو ظاهر تفریغ تمامیة الحج بقضاء جمیع المناسک.

فالنتیجة: أن الاستدلال بالصحیحة علی جواز العدول مطلقا حتی مع التعیین لا أساس له أصلا فانها غیر ناظرة الی هذه الناحیة، بل ناظرة الی أن هذه المخالفة بما أنها مخالفة في المقدمات الخارجیة غیر المقومة، فلا تضر بصحة الحج اذا أتی به بکل واجباته، ولا شبهة فط ظهورها في ذلک.

3- الفیاض: منها: أن قوله (من الکوفة) صفة بقوله (أعطی)، فیکون مفاده أن رجلا استجار رجلا من الکوفة لیحج عنه.

ومنها: ان قوله (من الکوفة) صفة القومه (رجلا)، فیکون معناه ان الاجیر هو الرجل الموصوف من الکوفة.

ومنها: ان قید (الکوفة) شرط خارج عن عقد الاجارة.

ولکن من المعلوم أن کل هذه المحامل بعیدة عن الروایة جدا، ولا شاهد علیها أصلا، لا من الداخل ولا من الخارج، فلا یمکن حملها علی شيء منها.

فالصحیح فیها ما مر من أنها ظاهرة في أن مخالفة هذا الشرط لا تضر بصحة الحج.

4- الفیاض: بل و إن کان مقیدا بها، ومع هذا اذا حج من طریق آخر صح وبرئت ذمة المنوب عنه وإن خالف مقتضی عقد الإجارة، وذلک لأن تعیین الطریق الخاص والمعین للذهاب الی الحج في عقد الإجارة، سواء أکان بنحو التقیید بأن یکون متعلق العقد حصة خاصة من طبیعي الحج، وهي الحصة المقیدة بخصوصیة الطریق، أم کان بنحو الترکیب، بأن یکونا متعلقه مرکبا منهما لا یضر بصحة الحج اذا أتی به من طریق آخر وفي ضمن حصة أخری، وبراءة ذمة المنوب عنه، غایة الأمر انه لم یف بمقتضی عقد الایجار باعتبار عدم اتیانه بالحج المستأجر علیه، إما لانتفاء قیدها المقوم لها أو جزئها، ولکن بما أن الحج الثابت في ذمة المستأجر طبیعي الحج بدون تحصصه بهذه الحصة أو بتلک، باعتبار أن طي المسافة من أي طریق کان فهو من المقدمات الخارجیة، ولا یعقل أن یکون قیدا أو جزء له، فلذلک ینطبق ما في ذمته علی ما أتی به الأجیر، فاذا انطبق صح وبرئت ذمته.

وبکلمة: ان متعلق الاجارة مرة یکون حصة خاصة من الحج، وهي المقیدة بطيّ المسافة من الطریق المعین او البلدة المعینة، وأخری یکون مرکبا منها ومن طي المسافة من ذلک الطریق او تلک البلدة، وثالثة یکون الطبیعي الحج وتعیین الطریق إنما هو بنحو الاشتراط.

اما علی الأول، فاذا خالف الأجیر، وأتی بالحج من الطریق آخر أو بلدة أخری بکامل اجزائه وشروطه فلا شبهة في صحته وبراءة ذمة المنوب عنه عنه، لانطباق ما في ذمته علی ما أتی به الأجیر تنزیلا وحکومة، باعتبار أن الثابت في ذمته نفس طبیعي اعمال الحج بواجباتها، والمفروض ان الأجیر قد أتی بها کذلک، ولکنه لا یکون مصداقا للوفاء بالاجارة، لعدم انطباق متعلقها علیه، لأنه حصة أخری الأجرة للحصة التي وقعت علیها الإجارة، فمن أجل ذلک لا یستحق شیئا، لا الأجرة المسمّاة لا کلا ولا بعضا، ولا أجرة المثل وهي الاجرة التي یتقاضها الأجراء للقیام بمثل ذلک العمل عادة، أما الأول فهو ظاهر، لأنه لم یف بالاجارة. واما الثاني فلأن ما أتی به لم یکن باذن المستأجر وأمره، فاذن لا محالة یکون مصداقا للنیابة التبرعیة.

وأما علی الثاني، وهو ما اذا کان متعلق الإجارة مرکبا من طي المسافة من الطریق المعین أو البلدة المعینة الی المیقات واعمال الحج بواجباتها، فالظاهر أن الأجرة توزع علیهما بالنسبة، فیستحق منها ما یوازي اعمال الحج دون ما یوازي الطریق الی المیقات.

وأما علی الثالث، وهو ما اذا اشترط علی الأجیر أن یحج من الطریق الفلاني أو من البلدة الفلانیة، فانه اذا حج من طریق آخر أو من بلدة أخری فقد خالف الشرط فقط دون العمل بالاجارة، ولذلک یستحق تمام الأجرة، غایة الأمر یثبت للمستأجر خیار تخلف الشرط.

ثم إنه کما یثبت الخیار له في هذه الصورة، کذلک یثبت له الخیار في الصورتین الأولیین أیضا، أما في الصورة الأولی فمن جهة عدم تسلیم العمل، وأما في الصورة الثانیة فمن جهة تبعض الصفقة، وعلی هذا فاذا فسخ المستأجر الإجارة في الصورة الأولی، فله أن یطالب الأجیر بتمام الاجرة المسماة، وإن لم یفسخها فله أن یطالبه بقیمة العمل التالف، وإن فسخ في الصورة الثانیة فله أن یطالب الأجیر بتمام الأجرة، کما أن للأجیر أن یطالبه بأجرة المثل للعمل الذي قام بتسلیمه الیه وإن لم یفسخ فحینئذ إن قلنا بأن الاجارة انفسخت بالنسبة الی الجزء الذي لم یف الأجیر بالاجارة فیه وصحت بالنسبة إلی الجزء الذي وفي بها، فله أن یطالب الأجیر بنفس الاجرة المسماة علی ذلک الجزء فقط، لاستحقاقه الاجرة المسماة علی الجزء الذي وفي بالاجارة فیه، وإن قلنا بأنها لم تنفسخ – کما هو الصحیح، اذ لا موجب للانفساخ – فله أن یطالب الأجیر بقیمة ذلک الجزء التالف.

 

 

مسألة 14: إذا آجر نفسه للحجّ عن شخص مباشرةً في سنة معيّنة، ثمّ آجر عن شخص آخر في تلک السنة مباشرةً أيضلً، بطلت الإجارة الثانية(1)، لعدم القدرة على العمل بها بعد وجوب العمل بالاُولى؛ ومع عدم اشتراط المباشرة فيهما أو في إحداهما، صحّتا معاً؛ ودعوى بطلان الثانية وإن لم‌يشترط فيها المباشرة مع اعتبارها في الاُولى لأنـّه يعتبر في صحّة الإجارة تمكّن الأجير من العمل بنفسه فلايجوز إجارة الأعمى على قرائة القرآن وكذا لايجوز إجارة الحائض لكنس المسجد وإن لم‌يشترط المباشرة، ممنوعة، فالأقوى الصحّة، هذا إذا آجر نفسه ثانيآ للحجّ بلااشتراط المباشرة؛ وأمّا إذا آجر نفسه لتحصيله فلا إشكال فيه، وكذا تصحّ الثانية مع اختلاف السنتين أو مع توسعة الإجارتين أو توسعة إحداهما، بل وكذا مع إطلاقهما أو إطلاق إحداهما إذا لم‌يكن انصراف  إلى التعجيل.

و لو اقترنت الإجارتان، كما إذا آجر نفسه من شخص وآجره وكيله من آخر في سنة واحدة وكان وقوع الإجارتين في وقت واحد، بطلتا معآ (2) مع اشتراط المباشرة فيهما.

ولو آجره فضوليّان من شخصين مع اقتران الإجارتين، يجوز له إجازة إحداهما كما في صورة عدم الاقتران؛ ولو آجر نفسه من شخص ثمّ علم أنـّه آجره فضوليّ من شخص آخر سابقاً على عقد نفسه، ليس له إجازة ذلک العقد وإن قلنا بكون الإجازة كاشفة(3)، بدعوى أنـّها حينئذٍ تكشف عن بطلان إجارة نفسه، لكون إجارته نفسه مانعآ عن صحّة الإجازة(4) حتّى تكون كاشفة، وانصراف أدلّة صحّة الفضوليّ عن مثل ذلک.

1- الفیاض: في بطلان خصوص الثانیة اشکال، والأظهر بطلان کلیتهما معا، والسبب فیه ان کلا من الإجارتین في نفسها مشمولة لإطلاق دلیل الامضاء، ومجرد السبق الزمني للأولی علی الثانیة لا یمنع عن شموله للثانیة، فان ما یتوهم کونه مانعا عنه في المقام – کما ادعي – هو أن متعلق الثانیة غیر مقدور للمؤجر شرعا، فاذا لم یکن مقدورا له کذلک لم تصح الإجارة علیه، علی أساس أن صحة الاجارة مشروطة بالقدرة علی الوفاء بها في ظرفها عقلا وشرعا.

والجواب: ان الکبری وإن کانت تامة نظریة، الّا أنها غیر تامة تطبیقیة نظرا إلی أن المقام لیس من عناصر هذه الکبری، لأن وجوب الوفاء بالاجارة الأولی الذي هو مفاد دلیل الامضاء لا یصلح أن یکون بنفسه مانعا عن الإجارة الثانیة ورافعا لموضوعها وهو القدرة، وذلک لأنه انما یکون مانعا عنها ورافعا لموضوعها اذا افترض أن مردّه الی الزام الموجر بالحفاظ علی قدرته للوفاء بالأولی في ظرفها وعدم جواز تفویتها إن کان واجدا لها، وتحصیلها علی الوفاء بها کذلک إن کان فاقدا لها، فانه حینئذ یکون معجزا مولویا عن صرف قدرته في الوفاء بالاجارة الثانیة، فلا یکون الوفاء بها مقدورا له شرعا، فلذلک تبطل.

مثالث ذلک: اذا أجار شخص نفسه للحج في سنة معینة من زید، ثم بعد ذلک أجار نفسه للحج في نفس هذه السنة من خالد، فان وجوب الوفاء بالإجارة الأولی إن کان مرده إلی الزام المؤجر بالوفاء بها في ظرفها مطلقا ولو بالحفاظ علی قدرته الی وقت الوفاء بها وعدم تفویتها، بل تحصیلها اذا کان فاقدا لها کان معجزا مولویا عن صرف قدرته في الوفاء بالاجارة الثانیة، فیکون متعلقها غیر مقدور له شرعا، فلذلک تبطل.

ولکن من الواضح ان هذا مجرد افتراض لا واقع له، حیث انه مبني علی أن یکون وجوب الوفاء بالاجارة الأولی فعلیا ومنجزا، فحینئذ یکون مانعا عن الاجارة الثانیة بالمنع عن تحقق موضوعها، مع ان الأمر لیس کذلک، فان وجوب الوفاء بها مشروط بالقدرة علیه في ظرفه، ومن المعلوم أن هذا الوجوب المشروط لا یکون مانعا عنها، أو فقل: إن ذلک مبني علی أن تکون الإجارة الأولی مشمولة لإطلاق دلیل الامضاء فعلا ومنجزا، ومن الواضح أن الأمر لیس کذلک لوضوح أنها مشمولة له من الأول، وعلی هذا ففي المثال المتقدم شاملا لها، وإلا فلا تکون مشمولة له من الأول، وعلی هذا ففي المثال المتقدم اذا کان الأجیر قادرا علی الحج بکامل واجباته في وقته وموسمه کان اطلاقه شاملا لها، وإلا انکشف عن عدم شموله لها من الأول، حیث قد مر أن القدرة المعتبرة فیه انما هی القدرة الخاصة وهي القدرة في ظرف العمل لا مطلقا، فاذن لا یکون الموجر في المقام ملزما بصرف قدرته علی الوفاء بالاجارة الأولی والحفاظ علیها لأجلها، بل له تفویت هذه القدرة وصرفها في شيء آخر قبل وقت الوفاء بها.

فالنتیجة: إن متعلق الاجارة الثانیة مقدور للأجیر عقلا وشرعا، أما عقلا فهو واضح، وأما شرعا فلعدم المانع الشرعي منه فعلا، لأن المانع الشرعي المتوهم في المقام کما عرفتم هو أن وجوب الوفاء بالاجارة الأولی یقتضي منع صرفها في الوفاء بالثانیة، وقد مر أنه لا واقع لهذا التوهم أصلا، وعلی هذا الأساس فلا مانع من کون الإجارة الثانیة مشمولة لإطلاق دلیل الامضاء في نفسها، فاذن یقع التعارض بین شمول الاطلاق للإجارة الأولی، وشموله للإجارة الثانیة، فیسقطان معا من جهة المعارضة، وحینئذ فلا دلیل علی صحة شيء منهما.

وبکلمة: إن نسبة اطلاق دلیل الامضاء بالنسبة إلی کل من الإجارتین علی حد سواء، ولا مانع من شموله لکل منهما في نفسها، کما اذا کانتا في عرض واحد، اذ لا أثر للسبق الزمني – کما مر – ولکن لا یمکن شموله لکلتیهما معا للتعارض.

لحد الآن قد تبین أن بطلان الاجارة الثانیة مبني علی نقطة خاطئة، وهي أن صحة الاجارة مشروطة بالقدرة المطلقة علی الوفاء بها لا القدرة الخاصة في ظرف الوفاء والعمل، ولکن قد مر أن الأمر لیس کذلک، وأنها مشروطة بالقدرة الخاصة، اي القدرة في ظرف العمل لا القدرة المطلقة، فاذا کان الموجر عاجزا حین الاجارة لم یجب علیه تحصیل القدرة علی الوفاء بها في ظرفها، فان تمکن من الوفاء بها وجب، والّا اکشف عن بطلانها من الأول. نعم لو کانت الاجارة الثانیة في زمن تنجز وجوب الوفاء بالاجارة الأولی وتسلیم العمل المستأجر علیه وأدائه کانت باطلة، لأن وجوب التسلیم اذا صار فعلیا ومنجزا کان معجزا مولویا عن الوفاء بالاجارة الثانیة، هذا کله اذا کانت الاجارة الثانیة مشروطة بالمباشرة، والّا فلا مانع من الحکم بصحة کلتا الاجارتین، لأن الموجر قادر علی الوفاء بهما معا، غایة الأمر علی الأولی بالمباشرة، وعلی الثانیة بالتسبیب.

ثم إنه لا فرق في صحة الإجارة علی الجامع بین أن یکون الموجر قادرا علی القیام المباشر بالعمل أو لا، أما علی الأول فظاهر، وکذلک علی الثاني، لأن الجامع مقدور بالقدرة علی أحد أفراده، ومن هنا تصح اجارة الأعمی علی قراءة القرآن اذا لم یشترط قیامه المباشر بالقراءة واجارة الجنب لکنس المسجد اذا لم یشترط علیه المباشرة، علی أساس أن الجامع مقدور، ولا فرق في ذلک بین أن یکون المستأجر ملتفتا إلی أن الموجر غیر قادر علی العمل مباشرة أو لا، فانه علی کلا التقدیرین لا مانع من الاجارة.

2- الفیاض: لعدم امکان شمول اطلاق دلیل الامضاء لکلتیهما معا من جهة المعارضة فیسقط، وقد تقدم أنه لا فرق فیه بین أن تکون الاجارتان في عرض واحد، أو تکون احداهما في طول الأخری شریطة أن لا تکون الثانیة في وقت تسلیم العمل في الأول، والّا بطلت الثانیة فقط.

فالنتیجة: إن کلتا الإجارتین محکومة بالفساد، ولا یجب علی المؤجر الوفاء بشيء منهما، نعم لو تبرع المرجر وحج عن أحدهما نیابة بداعي أمر استحبابي صح، ولکنه لا یستحق شیئا علی المنوب عنه، لا الاجرة المسماة لعدم العقد، ولا أجرة المثل لأن قیامه بهذا العمل لا یکون بأمره وإذنه.

3- الفیاض: قد حققنا في محله أن الصحیح کون الاجازة في باب الفضولي ناقلة لا کاشفة، بمعنی أن العقد الواقع من الفضولي یستند الی المجیز من حین الاجازة، ضرورة أن هذا العقد عقد له بها، وعلهی فبطبیعة الحال یکون مشمولا لإطلاق دلیل الإمضاء من الآن، ومحکوما بالصحة وموضوعا لترتیب الآثار کذلک.

وبکلمة: أن العقد الممضی وإن کان من السابق الّا أن امضاءه من حین الاجازة، فانه من هذا الحین یکون مشمولا للإطلاق ومحکوما بالصحة لا من السابق، وفرق بین کونه ممضي من السابق وکونه ممضي من الآن، فالکشف مبني علی الأول، والنقل علی الثاني، وبما أن شمول الاطلاق له من حین الإجازة فالمتعین هو الثاني، ولا مجال للأول علی تفصیل ذکرناه هناک.

ثم إن اجازة الإجارة الفضولیة إن کانت قبل وقت العمل بالإجارة الأصلیة وقع التعارض بین اطلاق دلیل الامضاء باعتبار أن نسبته الی کلتا الإجارتین علی حد سواء، وقد مر أنه لا أثر للسبق الزمني لإحداهما علی الأخری، وإن کانت في وقت العمل بها فلا أثر لإجازتها، لأنها فاقدة لشرط صحتها وهو القدرة علی الوفاء بها عقلا وشرعا، فان وجوب العمل بالاجارة الأصلیة في وقته مانع عن العمل بها شرعا.

4- الفیاض: ظهر مما مر أن مجرد اجارته نفسه لا تکون مانعة عن صحة الإجازة الّا في وقت العمل بها.

 

مسألة 15: إذا آجر نفسه للحجّ في سنة‌معيّنة، لايجوز له التأخير، بل ولاالتقديم، إلّا مع رضى المستأجر؛ ولو أخّر لا لعذر، أثم وتنفسخ الإجارة(1) إن كان التعيين على وجه التقييد، ويكون للمستأجر خيار الفسخ لو كان على وجه الشرطيّة(2) وإن أتى به مؤخّراً لايستحقّ الاُجرة على الأوّل وإن برئت ذمّة المنوب‌عنه به، ويستحقّ المسمّـاة على الثاني(3) إلّا إذا فسخ المستأجر، فيرجع إلى اُجرة المثل. وإذا أطلق الإجارة وقلنا بوجوب التعجيل لاتبطل مع الإهمال(4)، وفي ثبوت الخيار للمستأجر حينئذٍ وعدمه وجهان، من أنّ الفوريّة ليست توقيتاً(5)، ومن كونها بمنزلة الاشتراط.

1- الفیاض: في الانفساخ اشکال، بل منع لأن التأخیر إن کان عن عذر من مرض أو عائق آخر یمنعه من القیام المباشر بالحج في وقته، کان ذلک کاشفا عن بطلان الإجازة من الأول، شریطة أن تکون علی حصة خاصة من الحج وهي الحج في سنة معینة، کما هو المفروض في المسألة بملاک أن صحتها مشروطة بأن یکون العمل بها مقدورا في ظرفه، وإن کان التأخیر عامدا وملتفتا إلی الحکم الشرعي مع کونه قادرا علیه في وقته لم یکن ذلک کاشفا عن بطلانها لعدم الموجب له، لأنه باختیاره اذا ترک العمل بالاجارة ولم یقم بالوفاء بها في ظرفه، فلا مبرر لبطلانها، غایة الأمر یثبت الخیار للمستأجر من جهة عدم قیام الموجر بتسلیم العمل الیه في وقته، وحینئذ فان فسخ العقد طالب الأجیر بالأجرة المسماة، والّا طالبه بقیمة العمل في ذمته.

فالنتیجة: إن التأخیر من الأجیر اذا کان عن عذر کشف ذلک عن بطلان الاجارة من الأول، لا أنها انفسخت من حین طرو العذر، واذا کان عن عمد والتفات ظلت الاجارة صحیحة، ولا موجب لبطلانها ولا لانفساخها، غایة الأمر یثبت الخیار للمستأجر کما مر. وبذلک یظهر حال ما في المتن.

2- الفیاض: فیه ان مردها الی القیدیة، فاذا اشترط علی الموجر أن یحج عنه في سنة معینة، فهو وإن کان بصورة الشرط، الّا أنه في الحقیقة قید مقوم للعمل، لأن مرجعه الی أن العمل المستأجر علیه حصة خاصة من الحج، وهي الحج في تلک السنة المعینة، فاذن لا فرق بحسب مقام اللب والواقع بین أن یجعل السنة المعینة في عقد الایجار بنحو القیدیة أو یجعلها بنحو الشرطیة لأن مرد الثانیة الی الأولی واقعا، فلا فرق بینهما الا في صیغة التعبیر.

3- الفیاض: هذا مبني علی أن یکون الشرط في مقابل القید، ولکن قد مر أنه لا فرق بینهما في المقام الّا في الصورة، فاذن لا یستحق الأجرة المسماة علی کلا التقدیرین، لأن ما وقعت علیه الإجارة وهو حصة خاصة من حجة الإسلام لم یأت به، وما أتی به في سنة أخری لم تقع الاجارة علیه، ومن هنا لا یستحق علیه أجرة المثل أیضا، باعتبار أن اتیانه بحصة أخری لم یکن بأمر المستأجر واذنه.

4- الفیاض: في اطلاقه اشکال بل منع، لأن الاجارة إن کانت مطلقة وغیر مقیدة بسنة خاصة، فان اشترط التعجیل بالوفاء بها فورا ففورا، فالاهمال فیه والتأخیر إن کان عامدا وملتفتا الی الحکم الشرعي فهو لا یوجب الّا مخالفة الشرط دون الإجارة، ویترتب علیها ثبوت خیار تخلف الشرط للمستأجر وإن کان التأخیر مستندا إلی العذر من مرض أو عائق آخر فهو کاشف عن بطلان الشرط دون الإجارة وإن لم یشترط التعجیل وکان اطلاق الاجارة منصرفا إلیه، وحینئذ فان کان المتفاهم العرفي منه وحدة المطلوب کان الواجب حصة خاصة وهي الحج في السنة الأولی، فاذن لا فرق بین انصراف المطلق الی المقید بقید خاص کالسنة الأولی، وبین تقییده به، فالواجب علی کلا التقدیرین هو المقید، وعلیه فان کان الموجر تارکا للواجب عامدا وملتفتا الی الحکم الشرعي ثبت الخیار للمستأجر من جهة عدم قیام المؤجر بتسلیم العمل الواجب علیه، فان فسخ العقد طالب الموجر بنفس الاجرة المسماة، والّا طالبه بقیمة العمل التالف، ولا موجب لبطلان العقد في هذا الفرض وإن کان تارکا له لطرو عذر من مرض أو عائق آخر کان ذلک کاشفا عن بطلان الاجارة من الأول، باعتبار أن صحتها مرتبطة بقدرة الموجر علی العمل في ظرفه، والمفروض أنه غیر مقدور علیه.

5- الفیاض: بل هي توقیت اذا کانت مستندة الی انصراف العقد الی المؤقت بوقت خاص – کما مر -.

 

 مسألة 16: قد عرفت عدم صحّة الإجارة الثانية(1) فيما إذا آجر نفسه من شخص في سنة معيّنة، ثمّ آجر من آخر في تلک السنة، فهل يمكن تصحيح الثانية بإجازة المستأجر الأوّل أو لا؟ فيه تفصيل(2)، وهو أنـّه إن كانت الاُولى واقعة على العمل  في الذمّة لاتصحّ الثانية  بالإجازة، لأنـّه لا دخل للمستأجر بها إذا لم‌تقع على ماله حتّى تصحّ له إجازتها، وإن كانت واقعة على منفعة الأجير في تلک السنة بأن تكون منفعته من حيث الحجّ أو جميع منافعه له، جاز له إجازة الثانية، لوقوعها على ماله، وكذا الحال في نظائر المقام، فلو آجر نفسه ليخيط لزيدٍ في يوم معيّن ثمّ آجر نفسه ليخيط أو ليكتب لعمرو في ذلک اليوم ليس لزيد إجازة العقد الثاني، وأمّا إذا ملّكه منفعته الخياطيّ فآجر نفسه للخياطة أو للكتابة لعمرو جاز له إجازة هذا العقد، لأنـّه تصرّف في متعلّق حقّه، وإذا أجاز يكون مال الإجارة له، لاللموجر؛ نعم، لو ملک منفعة خاصّة كخياطة ثوب معيّن أو الحجّ عن ميّت معيّن على وجه التقييد، يكون كالأوّل في عدم إمكان إجازته.

 

1- الفیاض: بل عرفت أن الأظهر عدم صحة کلتا الإجارتین معا، لا خصوص الثانیة شریطة أن لا تکون الثانیة في وقت الوفاء بالأولی، والّا فهي باطلة فقط، وقد تقدم تفصیل ذلک في المسألة (14).

2- الفیاض: فیه انه لا موضوع لهذا التفصیل بناء علی ما استظهرناه من بطلان کلتا الاجارتین معا اذا کانت الاجارة الثانیة واقعة قبل وقت العمل بالأولی، فانها اذا کانت باطلة کالثانیة فلا یکون المستأجر فیها مالکا لشيء حتی یکون له حق الاجازة للإجارة الثانیة باعتبار وقوعها علی ماله أو متعلق حقه، نعم اذا کانت الثانیة واقعة بعد وقت العمل بالأولی، وتنجز وجوب التسلیم فیها علی ما وقعت علیه الأولی، کان له حق الإجازة، فإن اجازها صحت وانتقلت الأجرة الیه، والّا بطلت.

مثال ذلک: اذا ملّک زید منافعه الخارجیة في فترة زمنیة کأسبوع أو أکثر من بکر، ثم ملّک تلک المنافع بعینها في نفس تلک الفترة من خالد، فتکون الاجارة الثانیة واقعة علی نفس ما وقعت علیه الأولی، فاذن صحة الثانیة مرتبطة باذن المستأجر الأول واجازته، فإن أجازها صحت، والّا فلا، وأما اذا تکن الثانیة واقعة علی ما وقعت علیه الأولی، بل وقعت علی شيء أخر مضاد له أو مماثل، کما اذا وقعت الاجارة علی العمل في الذمة، مثلا اذا أجّر شخص نفسه لبناء دار من زید في سنة معینة في الذمة، ثم أجر نفسه لبناء دار من بکر في نفس تلک السنة کذلک، فان متعلق الاجارة الثانیة غیر متعلق الاجارة الأولی، ولکن المؤجر غیر قادر علی الوفاء بکلتا الإجارتین معا في نفس سنة الإجارة، لأنه من الجمع بین المثلین في موضوع واحد ووقت فارد، وهو لا یمکن، أو اذا أجر نفسه لبناء دار زید في فترة معینة، ثم أجر نفسه في نفس تلک الفترة للکتابة من بکر، فان متعلق الإجارة الثانیة وإن کان غیر متعلق الاجارة الأولی، الّا أنه مضاد له، فلا یقدر الموجر علی الجمیع بینهما، وعلی هذا فالاجارة الثانیة باطلة في نفسها اذا کان وقوعها في وقت الوفاء بالأولی من جهة انتفاء شرط صحتها، وهو القدرة علی الوفاء بها في ظرفه، ولا یمکن تصحیحها باجازة المستأجر الأول، باعتبار أنها لم تقع علی ماله أو متعلق حقه بدون إذنه لکي تتوقف صحتها علیه، ولکن بما أن بطلانها مستند الی عدم قدرة الأجیر علی الوفاء بها شرعا من جهة أنه مأمور بصرف قدرته علی تسلیم العمل في الاجارة الأولی، فاذا رفع المستأجر الأول یده عن الاجارة الأولی، إما باسقاط حق المباشرة فیها، أو فسخها واقالتها مع الموجر لا مانع من الحکم بصحة الثانیة، باعتبار أن المانع منه هو الزام الأجیر بصرف قدرته فیها، فاذا ارتفع هذا المانع فهو قادر علی تسلیم العمل المستأجر علیه في الإجارة الثانیة، فاذا کان قادرا صحت ومشمولة لأدلة الامضاء.

فالنتیجة: إن الاجارة الثانیة إن کانت واقعة علی نفس ما وقعت علیه الأولی، فصحتها تتوقف علی اجازة المستأجر الأول، فإن اجازها جازت، والّا فلا، وإن کانت واقعة علی غیر ما وقعت علیه الأولی، الّا ان الأجیر لا یتمکن من الجمع بینهما في مقام الوفاء فسدت الثانیة اما مطلقا – کما لعله المشهور – أو اذا کانت واقعة في وقت الوفاء بالأولی – کما استظهرناه – وحینئذ فصحة الثانیة تتوقف علی أحد أمرین:

الأول: أن یتنازل المستأجر الأول عن حق المباشرة، فاذا تنازل عن ذلک فلا تنافي بین الإجارتین، ولا مانع من الحکم بصحة کلتیهما معا بمقتضی اطلاقات أدلة الامضاء.

الثاني: أن یقوم بفسخها وإقالتها مع الأجیر.

فاذا تحقق أحد الأمرین توفرت شروط صحة الاجارة الثانیة، وحکم بصحتها.

ثم إن السید الماتن قد أکد علی أن متعلق الاجارة الثانیة اذا کان متحدا مع متعلق الاجارة الأولی صحت الثانیة بالاجازة، واما اذا کان مختلفا فلا قیمة للإجازة، وأما أنها صحیحة بتنازل المستأجر الأول عن حق قید المباشرة له، أو فسخها ورفع الید عنها فهو ساکت عن ذلک.

 

مسألة 17: إذا صُدّ الأجير أو اُحصر، كان حكمه كالحاجّ عن نفسه (1)فيما عليه من الأعمال وتنفسخ الإجارة (2) مع كونها مقيّدة بتلک السنة ويبقى الحجّ في ذمّته مع الإطلاق، وللمستأجر خيار التخلّف إذا كان اعتبار تلک السنة على وجه الشرط في ضمن العقد، ولايجزي عن المنوب‌عنه وإن كان بعد الإحرام ودخول الحرم، لأنّ ذلک كان في خصوص الموت من جهة الأخبار، والقياس عليه لا وجه له؛ ولو ضمن الموجر الحجّ في المستقبل في صورة التقييد لم‌تجب إجابته، والقول بوجوبه ضعيف؛ وظاهرهم استحقاق الاُجرة بالنسبة إلى ما أتى به من الأعمال، وهو مشكل(3)، لأنّ المفروض عدم إتيانه للعمل المستأجرعليه وعدم فائدة فيما أتى به، فهو نظير الانفساخ في الأثناء لعذر غير الصدّ والحصر(4)، وكالانفساخ في أثناء سائرالأعمال المرتبطة لعذر في إتمامها. وقاعدة احترام عمل المسلم لاتجري، لعدم الاستناد إلى المستأجر، فلايستحقّ اُجرة المثل أيضاً.

1- الفیاض: لإطلاق النصوص الدالة علی أن وظیفة المصدود الذبح في مکان الصدّ، وبه یخرج عن الاحرام، والمحصور یبعث بالهدي ویواعد اصحابه میعادا، فاذا بلغ الهدي احل بدون فرق بین أن یکون المصدود او المحصور حاجا عن نفسه أو عن غیره، ولا قرینة في الروایة علی التخصیص بالأول.

2- الفیاض: بل یکشف عن بطلانها من الأول، لأن صحتها مرتبطة بان یکون الأجیر قادرا علی تسلیم العمل المستأجر علیه في ظرفه، فاذا لم یکن قادرا علیه في الواقع من جهة الحصر أو الصد کشف ذلک عن عدم توفر شروط صحتها، لا أنها صحیحة ولکن بالحصر أو الصد انفسخت، الّا أن یکون مراده من انفساخها بطلانها وعدم انعقادها من الأول، هذا اذا کانت مقیدة بسنة معینة، واما اذا کانت مطلقة فهي تظل ثابتة في ذمته، غایة الأمر ان المستأجر إن اشترط علی الموجر الوفاء بها في تلک السنة ثبت له خیار تخلف الشرط، فان فسخ العقد طالبه بالأجرة، والّا فعلیه أن یأتي بها في السنة القادمة، وإن لم یشترط علیه الاتیان بها في السنة الأولی فلا خیار له أیضا بل علیه الوفاء في السنین القادمة.

3- الفیاض: بل الظاهر عدم الاستحقاق باعتبار أن العمل المستأجر علیه وإن کان عملا مرکبا، الا أن الترکیب بین أجزائه ترکیب ارتباطي ثبوتا وسقوطا، کالصلاة.

ومن هنا لا قیمة للإتیان ببعض أجزائه اذا لم یتمکن من اتمامه، ولا فائدة تترتب علیه، فاذا احرم للعمرة ثم احصر أو صد فلا أثر لإحرامه، نظیر ما اذا کبّر الأجیر للصلاة المستأجر علیها وقرأ الحمد، ثم عجز عن اتمامها أو مات، فانه لا یستحق الأجرة، لأن ما استوجر علیه لم یأت بهف وما أتی به لم یستأجر علیه، فلا موجب لتقسیط الأجرة، لأنه انما هو اذا کانت للجزء من العمل المستأجر علیه قیمة وکان مطلوبا للمستأجر ومتعلقا لغرضه کما مر.

4- الفیاض: مر أن الأجیر اذا لم یتمکن من العمل المستأجر علیه في ظرفه بسبب من الأسباب وان کان قادرا علیه حین العقد، فهو کاشف عن بطلان الإجارة وعدم انعقادها من الأول، باعتبار أن صحتها مشروطة بالقدرة علیه حین العمل، فاذن لا موضوع للانفساخ، فانه فرع الانعقاد أولا، وبه یظهر حال ما بعده.

مسألة 18: إذا أتى النائب بما يوجب الكفّارة، فهو من ماله(1).

1- الفیاض: للروایات التي تنص علی أن الکفارات التي تترتب علی ممارسة أشیاء معینة أوان الاحرام للحج أو العمرة انما هي من أحکام المحرم، فانه اذا احرم حرمت علیه تلک الأشیاء المعینة، واذا مارسها فعلیه الإثم والکفارة.

 

مسألة 19: إطلاق الإجارة يقتضي التعجيل، بمعنى الحلول في مقابل الأجل،  لا بمعنى الفوريّة(1)، إذ لا دليل عليها، والقول بوجوب التعجيل  إذا لم‌يشترط الأجل ضعيف، فحالها حال البيع في أنّ إطلاقه يقتضي الحلول بمعنى جواز المطالبة ووجوب المبادرة معها.

1- الفیاض: بل بمنی أن الاجارة اذا کانت مطلقة کان یحق للمستأجر أن یطالب الموجر بتعجیل تسلیم العمل المستأجر علیه في مقابل المؤجل الذي لیس له حق المطالبة به قبل حلول الأجل.

 

 

مسألة 20: إذا قصرت الاُجرة، لا يجب على المستأجر إتمامها، كما أنّها لو زادت ليس له استرداد الزائد؛ نعم، يستحبّ الإتمام كما قيل، بل قيل: يستحبّ على الأجير أيضاً ردّ الزائد. ولا دليل بالخصوص على شيء من القولين؛ نعم، يستدلّ على الأوّل بأنـّه معاونة على البرّ والتقوى(1)، وعلى الثاني بكونه موجبآ للإخلاص في العبادة.

1- الفیاض: هذا إذا کان في أثناء العمل، وأما إذا کان بعد قیام الموجر بالعمل واتمامه – کما هو المفروض – فلا یکون اتمام الأجرة بعده مصداقا للمعاونة علی البر والتقوی.

نعم هو مصداق للإحسان بالمؤمن، کما أنه لیس لرد الزائد من الأجرة إلی المستأجر بعد العمل بکامل واجباته دخل في الاخلاص به.

 

مسألة 21: لو أفسد الأجير حجّه بالجماع قبل المشعر، فكالحاجّ عن نفسه يجب عليه إتمامه والحجّ من قابل وكفّارة بدنة، وهل يستحقّ الاُجرة على الأوّل أو لا؟ قولان مبنيّان على أنّ الواجب هو الأوّل وأنّ الثاني عقوبة، أو هو الثاني وأنّ الأوّل عقوبة؛ قد يقال بالثاني، للتعبير في الأخبار بالفساد الظاهر في البطلان،  وحمله على إرادة النقصان وعدم الكمال مجازٌ لا داعي إليه، وحينئذٍ فتنفسخ الإجارة إذا كانت معيّنة ولايستحقّ الاُجرة ويجب عليه الإتيان في القابل بلااُجرة، ومع إطلاق الإجارة تبقى ذمّته مشغولة ويستحقّ الاُجرة على ما يأتي به في القابل.

والأقوى صحّة الأوّل وكون الثاني عقوبة، لبعض الأخبار الصريحة في ذلک(1) في الحاجّ عن نفسه، ولا فرق بينه وبين الأجير، ولخصوص خبرين في خصوص الأجير عن إسحاق بن عمّار عن أحدهما علیهما السّلام قال: قلت: فإن ابتلي بشيء يفسدعليه حجّه حتّى يصير عليه الحجّ من قابل، أ يجزي عن الأوّل؟ قال: نعم، قلت: فإنّ الأجير ضامن للحجّ؟ قال: نعم؛ وفي الثاني سئل الصادق علیه السّلام عن رجل حجّ عن رجل فاجترح في حجّه شيئاً، يلزم فيه الحجّ من قابل وكفّارة؟ قال علیه السّلام: «هي للأوّل تامّة وعلى هذا ما اجترح»، فالأقوى استحقاق الاُجرة على الأوّل وإن ترک الإتيان من قابل عصيانآ أو لعذر، ولا فرق بين كون الإجارة مطلقة أو معيّنة.

وهل الواجب إتيان الثاني بالعنوان الّذي أتى به الأوّل، فيجب فيه قصد النيابة عن المنوب‌عنه وبذلک العنوان، أو هو واجب عليه تعبّدآ ويكون لنفسه؟ وجهان ؛ لايبعد الظهور في الأوّل، ولاينافي كونه عقوبة، فإنّه يكون الإعادة عقوبة؛ ولكنّ الأظهر الثاني، والأحوط أن يأتي به بقصد ما في الذمّة(2).

ثمّ لايخفى عدم تماميّة ما ذكره ذلک القائل من عدم استحقاق الاُجرة في  صورة كون الإجارة معيّنة ولو على ما يأتي به في القابل، لانفساخها(3) وكون وجوب الثاني تعبّداً، لكونه خارجآ عن متعلّق الإجارة وإن كان مبرئآ لذمّة المنوب عنه، وذلک لأنّ الإجارة وإن كانت منفسخة(4) بالنسبة إلى الأوّل لكنّها باقية بالنسبة  إلى الثاني تعبّداً(5)، لكونه عوضآ شرعيّاً تعبّديّاً عمّا وقع عليه العقد، فلا وجه لعدم  استحقاق الاُجرة على الثاني.

وقد يقال بعدم كفاية الحجّ الثاني أيضآ في تفريغ ذمّة المنوب‌عنه، بل لابدّ للمستأجر أن يستأجر مرّة اُخرى في صورة التعيين، وللأجير أن يحجّ ثالثآ في صورة الإطلاق، لأنّ الحجّ الأوّل فاسد والثاني إنّما وجب للإفساد عقوبةً فيجب ثالث، إذ التداخل خلاف الأصل؛ وفيه: أنّ هذا إنّما يتمّ إذا لم‌يكن الحجّ في القابل بالعنوان الأوّل، والظاهر من الأخبار على القول بعدم صحّة الأوّل وجوب إعادة الأوّل(6) وبذلک العنوان، فيكفي في التفريغ ولايكون من باب التداخل، فليس الإفساد عنوانآ مستقلاّ؛ نعم، إنّما يلزم ذلک إذا قلنا: إنّ الإفساد موجب لحجّ مستقلّ لا على نحو الأوّل، وهو خلاف ظاهر الأخبار (7).

وقد يقال في صورة التعيين: إنّ الحجّ الأوّل إذا كان فاسدآ وانفسخت الإجارة(8)، يكون لنفسه(9)، فقضاؤه في العام القابل أيضآ يكون لنفسه ولايكون مبرئآ لذمّة المنوب‌عنه، فيجب على المستأجر استيجار حجّ آخر؛ وفيه أيضآ ما عرفت من أنّ الثاني واجب بعنوان إعادة الأوّل(10)، وكون الأوّل بعد انفساخ الإجارة بالنسبة إليه لنفسه لايقتضي كون الثاني له وإن كان بدلا عنه(11)، لأنـّه بدل عنه بالعنوان المنويّ، لا بما صار إليه بعد الفسخ، هذا؛ والظاهر عدم الفرق في الأحكام المذكورة بين كون الحجّ الأوّل المستأجرعليه واجباً أو مندوباً، بل الظاهر جريان حكم وجوب الإتمام والإعادة في النيابة تبرّعآ أيضاً وإن كان لايستحقّ الاُجرة أصلا.

1- الفیاض: وهو صحیحة زرارة قال: «سألته عن محرم غشی امرأته وهي محرمة، قال: جاهلین أو عالمین، قلت: أجبني عن الوجهین جمیعا، قال: إن کانا جاهلین استغفرا ربهما ومضیا علی حجهما، ولیس علیهما شيء، وإن کان عالمین فرّق بینهما من المکان الذي احدثا فیه، وعلیهما بدنة، وعلیهما الحج من قابل، فاذا بلغا المکان الذي احدثا فیه فرق بینهما حتی یقضیا نسکهما ویرجعا الی المکان الذي أصابا فیه ما أصابا، قلت: فأي الحجتین لهما؟ قال: الأولی التي أحدثا فیها ما أحدثا، والأخری علیهما عقوبة»(الوسائل باب: 3 من أبواب کفارات الاستمتاع الحدیث: 9)، فانها ناصة في أن الحجة الأولی صحیحة، والثانیة عقوبة، وبما أن موضوع الحکم فیها المحرم، وهو یعم الموجر أیضا، فاذن شمول الصحیحة له لیس علی أساس عدم الفرق عرفا بین الحاج عن نفسه والحاج عن غیره، بل من جهة ظهورها في أن هذا الحکم حکم المحرم بدون موضوعیة للحاج عن نفسه، هذا اضافة الی أن موثقتي اسحاق بن عمار (الوسائل باب: 15 من أبواب النیابة في الحج الحدیث: 1 و2) قد وردتا في الأجیر، وتدلان علی صحة الحج الأول وأن الثاني کفارة وعقوبة لما فعل، ویترتب علی ذلک أن الموجر یستحق الأجرة بکاملها وإن لم یأت بالحجة الثانیة عامدا وملتفتا الحکم الشرعي، باعتبار أنها واجبة علیه عقوبة، ولا دخل لها بالمنوب عنه، فاذا لم یأت بها فهو آثم.

2- الفیاض: لا منشأ لهذا الاحتیاط وإن کان استحبابیا، والوجه في ذلک ظاهر، فان الحجة الثانیة بما أنها عقوبة وکفارة لما ارتکبه المحرم من المعصیة فیکون حالها حال سائر الکفارات، فکما أنه لا یحتمل أن یکون الواجب علیه الاتیان بها من قبل المنوب عنه، ضرورة أنها واجبة علیه مباشرة، ولا ترتبط به أصلا، فکذلک ما نحن فیه، فان الحجة الثانیة واجبة علی الموجر بالأصالة بملاک أنها عقوبة وکفارة لما ارتکبه من المحرم، ولا صلة لها بالمنوب عنه أصلا، لإن ذمته قد فرغت بالحجة الأولی فلا تکون مشغولة بشيء.

فالنتیجة: أن موضوع وجوب الکفارات هو ارتکاب المحرم لمحرمات الاحرام سواء کان احرامه لنفسه أم لغیره، وبذلک یظهر حال ما في المتن.

3- الفیاض: في الانفساخ اشکال بل منع، لأن الاجارة اذا کانت مقیدة بسنة خاصة، فعلی القول ببطلان الحج بما یحدث في اثنائه من الاستمتاع الجنسي اذا أحدث الموجر فیه ما یوجب بطلانه، فلا موجب لانفساخ الاجارة، باعتبار أنه کان متمکنا من اتمام الحج بکامل واجباته وتسلیمه الی المستأجر، ولکنه بسوء اختیاره أبطله، وهذا من عناصر اتلاف مال الغیر فیکون ضامنا فیکون ضامنا لقیمته، وحینئذ فللمستأجر أن یطالب الموجر بقیمة العمل التالف، أو یفسخ الاجارة بالخیار الثابت له من جهة عدم وفاء الموجر بها عامدا وملتفتا، ویطالبه برد نفس الأجرة المسماة، أو یستأجره ثانیا للحج في العام القادم بنفس تلک الأجرة، أو بأجرة أخری.

4- الفیاض: ظهر أنها لا تنفسخ باتلاف موردها عامدا وملتفتا.

5- الفیاض: فیه أن الاجارة في مفروض المسألة انما هي علی الحج في السنة الأولی فقط، وعندئذ فلا یعقل بقاؤها بعد انتفاء هذا الفرد، ولو دل دلیل علی أن الحج في السنة الثانیة بدل عن الحج في السنة الأولی وعوض عنه، فیمکن تخریج ذلک بأحد وجهین.

الأول: انه یکشف عن أن الاجارة في الواقع ومقام اللب کانت علی الجامع بین الحج في السنة الأولی والحج في السنة الثانیة، والتقیید بالأولی انما هو بملاک تمام المطلوب لا أصل المطلوب.

الثاني: انه یکشف عن عدم انفساخ الاجارة بتفویت محلها، من جهة جعل البدل له شرعا، وحینئذ الوفاء بها بالاتیان بالبدل والعوض عنه، وأما أنها تنفسخ بالنسبة إلی السنة الأولی، وتبقی بالنسبة الثانیة، مع أن الاجارة انما هي في السنة الأولی دون الثانیة، فهو غریب جدا.

فالنتیجة: ان هاهنا افتراضین:

الأول: ان الحجة الأولی صحیحة والثانیة عقوبة.

الثاني: عکس ذلک تماما. ونذکر لکل من الافتراضین عددا من الحالات.

أما في الافتراض الأول فنذکر أربع حالات:

الأولی: إن مقتضی اطلاق الروایات عدم الفرق بین أن تکون الحجة الأولی حجة الإسلام، أو غیرها من الحج الواجب بالنذر أو الاجارة أو نحوها، بل تعم الحج المستحب أیضا.

الثانیة: ان مقتضی بعض هذه الروایات أن الحجة الأولی صحیحة والثانیة عقوبة وکفارة، وقد مر أن هذا هو الصحیح.

الثالثة: إن الحجة الثانیة واجبة علی الحاج مباشرة وبعنوان العقوبة لما ارتکبه من المعصیة الکبیرة وإن کان أجیرا عن غیره، ولا یجب علیه حینئذ أن ینوي النیابة عنه.

الرابعة: إن الأجیر یستحق الاجرة علی أساس أنه أتی بالعمل المستأجر علیه صحیحا، ولا یستحق شیئا علی الحج الواجب علیه عقوبة باعتبار أنه واجب علیه بالأصالة ولا یرتبط بالمنوب عنه.

وأما في الافتراض الثاني فنذکر ثلاث حالات:

الحالة الأولی: ان الحجة الأولی إذا کانت حجة الإسلام وقد أفسدها، فهل الحجة الثانیة التي تجب علیه تجزي عنها، أو أنها عقوبة صرفة وتجب علیه حجة الإسلام في العام الثالث؟ الظاهر أنها تجزي وتنطبق علیها، لما تقدم من أن حجة الإسلام عبارة عن الحجة الأولی للمستطیع، والمفروض أن هذا العنوان ینطبق علیها اذا نوی اسمها الخاص، وهو لا یمنع من انطباق عنوان آخر علیها أیضا کالحج عقوبة باعتبار ظهور الروایات في ان الحجة الثانیة واجبة بعین ملاک الاولی وهذا لا ینافي کونها عقوبة بلحاظ أن تکالیفها علیه.

الثانیة: أن تکون الحجة الأولی حجة استئجاریة مقیدة بسنة خاصة کالسنة الأولی، فاذا أفسدها فیها بالجماع قبل المشعر، فقد مر أنه یضمن قیمتها لإتلافها ولا موجب لانفساخ الاجارة.

فالنتیجة: ان الأجیر لا یستحق الأجرة لا علی الأول لفساده، ولا علی الثاني لعدم الأمر بالاتیان به من قبله، وأما اذا کانت مطلقة ولکن اشترط علیه في ضمن العقد الاتیان بها في هذه السنة ثبت للمستأجر خیار تخلف الشرط، فإن قام باعمال الخیار وفسخها یطالب الأجیر بالأجرة المسماة بکاملها، وأما اذا لم یقم بها، فهل تکفی الحجة الثانیة في العام القادم للحجة النیابیة؟ الظاهر الکفایة، لأن الروایات بمناسبة الحکم والموضوع الارتکازیة تدل علی أن الحجة الثانیة واجبة علیه بعد بطلان الأولی بعین ملاکها، وعلی هذا فبما أن ذمة الأجیر تبقی مشغولة فیأتي بها نیابة عنه في العام القادم، ولا مانع من انطباق عنوان العقوبة علیها أیضا باعتبار ان نفقاتها علیه.

الثالثة: اذا کانت حجته غیر حجة الإسلام کالنذر أو نحوه، وأفسدها بالجماع قبل المشعر، ثم استطاع، فهل تجزي حجته الثانیة عن حجة الإسلام أو لا؟

والجواب: إنها تجزي کما مر، باعتبار أن حجة الإسلام تنطبق علیها حیث أنها عبارة عن الحجة الأولی للمستطیع، وهذا لا ینافي وجوبها بعنوان آخر أیضا.

6- الفیاض: بل الظاهر منها وجوبه علیه أصالة لا نیابة.

7- الفیاض: بل هو ظاهر الأخبار کما عرفت.

8- الفیاض: مر أنها لا تنفسخ بافساد الأجیر الحج فیها عامدا وملتفتا ولا مبرر له، بل هي تظل باقیة، وانما اتلف الموجر مال المستأجر وملکه فیکون ضامنا لقیمته علی تفصیل تقدم.

9- الفیاض: فیه أنه لا موجب لانقلاب الحج عن المنوب عنه بالافساد الی حج نفسه، بمعنی أنه إن أتی به صحیحا فهو للمنوب عنه، وإن افسده فهو له، لوضوح ان ذلک بحاجة الی دلیل، ولا دلیل علیه.

10- الفیاض: مر أن هذا غیر بعید علی القول ببطلان الحجة الأولی، وبه یظهر حال ما بعده.

11- الفیاض: مر أن الروایات لا تدل علی أن الثاني بدل علی الأول وعوض عنه، بل ظاهرها أنه واجب علیه مستقلا لا بعنوان أنه بدل له، وبه یظهر حال ما في المتن.

 

 

مسألة 22: يملک الأجير الاُجرة بمجرّد العقد، لكن لايجب تسليمها إلّا بعد العمل إذا لم‌يشترط التعجيل ولم‌تكن قرينة على إرادته، من انصراف أو غيره؛  ولافرق في عدم وجوب‌التسليم بين أن‌تكون عينآ أو دينآ، لكن إذا كانت عينآ ونمت كان النماء للأجير. وعلى ماذكر من عدم وجوب التسليم قبل العمل، إذا كان المستأجر وصيّآ أو وكيلا وسلّمها قبله، كان ضامناً لها على تقدير عدم العمل من الموجر أو كون عمله باطلا، ولايجوز لهما اشتراط التعجيل من دون إذن الموكّل(1) أو الوارث(2)، ولو لم‌يقدر الأجير على العمل مع عدم تسليم الاُجرة كان له الفسخ(3) وكذا للمستأجر، لكن لمّا كان المتعارف تسليمها أو نصفها قبل المشي يستحقّ الأجير المطالبة في صورة الإطلاق، ويجوز للوكيل والوصيّ دفعها من غير ضمان(4).

1- الفیاض: هذا اذا لم یکن وکیلا من قبله مطلقا حتی في اشتراط التعجیل، والّا فلا حاجة الی اذنه.

2- الفیاض: فیه انه لا دخل لإذن الوارث في جواز تصرف الوصي في ملک المیت، فانه یتصرف فیه حسب وصیته، فان أوصی بالحج من الثلث فله أن یتصرف فیه، ویجعل نفقاته منه، وإن أوصی به من الأصل فکذلک، ومن المعلوم أن جواز تصرفه في کل ذلک لا یتوقف علی اذن الوارث بعد ما کان منصوبا من قبل المیت في تنفیذ وصایاه، لأن الوارث أجنبي عنه.

3- الفیاض: تقدم أن صحة الاجارة مشروطة بقدرة الأجیر علی تسلیم العمل المستأجر علیه في ظرفه عقلا وشرعا، والّا بطلت الإجارة، وبما أن الأجیر في المقام لا یقدر علی العمل بدون دفع الأجرة فتکون الاجارة باطلة، والفرض أنه لا یجب علی المستأجر دفع الأجرة وایجاد القدرة فیه.

4- الفیاض: لعدم التفریط والتقصیر فیه بعد ما کان ذلک أمرا متعارفا، باعتبار أن المستأجر أو الوصي أمین لا یضمن الّا مع التفریط والتقصیر لا مطلقا.

 

 

مسألة 23: إطلاق الإجارة يقتضي المباشرة، فلايجوز للأجير أن يستأجر غيره إلّا مع الإذن صريحاً أو ظاهراً، والرواية الدالّة على الجواز (1) محمولة على صورة العلم بالرضا  من المستأجر.

1- الفیاض: فیه ان الروایة ساقطة سندا ودلالة، وإلیک نصّها، عثمان بن عیسی قال: «قلت لأبي الحسن الرضا7: ما تقول في الرجل یعطی الحجة فیدفعها الی غیره؟ قال: لا بأس»(الوسائل باب: 14 من أبواب النیابة في الحج الحدیث: 1). اما سندا فلأن عثمان بن عیسی نقل هذه الروایة في موضع من التهذیب عن أبي جعفر الأحول، وفي موضع آخر منه عن الأحول، وفي موضع ثالث عن جعفر الأحول، والأول ثقة دون الثاني والثالث، وبما أنه لم یثبت روایته عن الأول فلا نحرز حجیتها وصحتها سندا، هذا اضافة الی أن هناک مبعدات أخری لصحتها. واما دلالة فلأنها لا تدل علی أن اعطاء الحجة لرجل انما هو بنحو الاستنابة والاستئجار، اذ کما یحتمل ذلک یحتمل أن یکون اعطاؤها له بنحو التوکیل في ارسال أيّ شخص أراد، فکلا الأمرین محتمل، ولا ظهور لها في الاحتمال الأول.

فالنتیجة: أن اطلاق الاجارة وإن کان یقتضي المباشرة اذا لم تکن هناک قرینة حالیة أو مقالیة تؤدي الی الوثوق والاطمئنان بعدم الخصوصیة، الّا أن الکلام في مورد الروایة لیس في ذلک، وانما هو في أن اعطاء الحجة لرجل هل هو بنحو الاستنابة أو التوکیل، ولا ظهور لها في الأول، لا أنها ظاهرة فیه، ولکن لا یعلم في أنه بنحو المباشرة أو الأعم لکي یقال إن اطلاق الاستنابة یقتضی المباشرة، بل أنها مجملة ولا ظهور لها لا في الأول ولا في الثاني.

 

 

مسألة 24: لايجوز استيجار من ضاق وقته عن إتمام الحجّ تمتّعآ(1) وكانت وظيفته العدول إلى حجّ الإفراد عمّن عليه حجّ التمتّع. ولو استأجره مع سعة الوقت فنوى التمتّع ثمّ اتّفق ضيق الوقت، فهل يجوز له العدول ويجزي عن المنوب‌عنه أو لا؟ وجهان؛ من إطلاق أخبار العدول، ومن انصرافها إلى الحاجّ عن نفسه، والأقوى عدمه(2) ، وعلى تقديره فالأقوى عدم إجزائه عن الميّت وعدم استحقاق الاُجرة عليه، لأنّه غير ما على الميّت، ولأنّه غير العمل المستأجر عليه.

1- الفیاض: لما مر من أن من شروط صحة النیابة أن یکون النائب متمکنا من القیام بکل واجبات الحج من الأجزاء والشروط، وأما اذا کان معذورا في ذلک لمرض أو ضیق وقت أو عائق آخر فلا دلیل علی کفایة نیابته عن غیره في الحج الواجب، فلو بادر وأجر نفسه لم یجز الاکتفاء به، ومقتضی الأصل عدم الکفایة، وکذلک اذا بادر وتبرع بالحج عن غیره فلا یکتفی به، وعلی هذا فلا یجوز استئجار من لا یتمکن من اتمام حج التمتع لضیق الوقت وأن وظیفته العدول الی الإفراد.

2- الفیاض: الظاهر أن الأمر کما افاده1، لأنه مقتضی القاعدة، حیث ان اجزاء حج الافراد عن حج التمتع بحاجة الی دلیل، والّا فمقتضی القاعدة عدم الاجزاء، باعتبار أن ما وقعت علیه الاجارة، وهو حج التمتع لم یأت به، وما أتی به وهو حج الافراد لم تقع الاجارة علیه، ولا فرق فیه بین أن یکون الموجب للانقلاب ضیق الوقت أو جهة أخری کالحیض أو نحوه علی تفصیل یأتي في ضمن البحوث القادمة، وعلی هذا الأساس فاذا طرأ العجز علی الأجیر اتفاقا عن اتمام حج التمتع انکشف عن بطلان الإجارة من الأول باعتبار أن صحتها مشروطة بقدرة الأجیر علی الوفاء بها في ظرفه، نعم اذا طرأ العجز علیه بسوء اختیاره، کما اذا تسامح وأخر السفر الی الحج عامدا وملتفتا الی أن فات وقت العمرة، فهو لا یکشف عن بطلان الإجازة لأن تفویت القدرة اذا کان مستندا الی اختیاره فهو عین قدرته علی العمل والوفاء بها، وهذا نظیر من ترک الوفاء بالاجارة عامدا وعالما بالحال وعصیانا، فکما أنه لا یکشف عن بطلان الاجارة، فکذلک في المقام، فان عدم الوفاء بها وان کان مستندا إلی عدم قدرته وعجزه عنه مباشرة، الّا أنه مستند الی اختیاره، فبالنتیجة عدم الوفاء مستند الیه.

تحصل من ذلک ان صحة الاجارة مشروطة بالقدرة علی الوفاء بها في ظرفه في مقابل العجز الاضطراري وإن کان شرعیا لا الأعم منه ومن الاختیاري، ومن هنا لا شبهة في أنه أثم اذا ترک الوفاء بها في ظرفه عامدا وملتفتا الی الحکم الشرعي، وکذلک اذا قام بتفویت قدرته وتعجیز نفسه عن الوفاء بها في ظرفه بسوء اختیاره، فانه في نهایة الشوط تارک للوفاء بها عامدا وملتفتا، فلذلک لا شبهة في أنه عاص وضامن لما اتلفه من العمل علی المالک وهو المستأجر.

وأما بحسب الروایات فهي وإن کانت کثیرة في المسألة الّا أنها لیست في مقام البیان من هذه الناحیة، وانما هي في مقام بیان تحدید وقت العمرة.

ودعوی: ان جملة من هذه الروایات مطلقة، وتشمل باطلاقها الحاج عن نفسه والحاج عن غیره.

منها: صحیحة الحلبي قال: «سألت أبا عبد الله: عن رجل اهل بالحج والعمرة جمیعا، ثم قدم مکة والناس بعرفات، فخشی إن هو طاف وسعی بین الصفا والمروة أن یفوته الموقف، قال: یدع العمرة، فاذا تم حجه صنع کما صنعت عائشة ولا هدي علیه»(الوسائل باب: 21 من أبواب أقسام الحج الحدیث: 6).

ومنها: صحیحة زرارة قال: «سألت أبا جعفر: عن الرجل یکون في یوم عرفة، وبینه وبین مکة ثلاثة أمیال وهو متمتع بالعمرة الی الحج، فقال: یقطع التلبیة تلبیة المتعة، ویهل بالحج بالتلبیة، اذا صلّی الفجر یمضی الی عرفات، فیقف مع الناس ویقضي جمیع المناسک ویقیم بمکة حتی یعتمر عمرة المحرم ولا شيء علیه»(الوسائل باب: 21 من أبواب أقسام الحج الحدیث: 7). ومنها غیرهما. بتقریب أن الموضوع فیها المتمتع وهو یعم الممتع لنفسه والمتمتع لغیره.

مدفوعة: بأن الموضوع المأخوذ فیها وإن کان المتمتع، الّا أنها لیست في مقام بیان حکمه بما هو متمتع، بل هي في مقام بیان حکم حالة طارئة علیه، وهو أن المتمتع اذا ضاق الوقت علیه وخشی أن یفوت عنه الموقف اذا أتی بالعمرة بتمام واجباتها فوظیفته هي العدول الی حج الإفراد، واما أن المراد من المتمتع طبیعي المتمتع بدون فرق بین أن یکون لنفسه أو لغیره، أو أن المراد منه خصوص الأول دون الأعم، فالروایات لیست في مقام البیان من هذه الناحیة، فاذن لا اطلاق لها.

وإن شئت قلت: إن هذه الروایات انما هي ناظرة الی بیان حکم حالة المتمتع، وهي حالة ضیق الوقت للعمرة الطارئة علیه، فانه في هذه الحالة ینوي الافراد بدل التمتع، ولیست ناظرة الی حکم المتمتع نفسه مباشرة لکي یمکن التمسک باطلاقها.

فالنتیجة: ان المتمتع اذا کان نائبا وضاق الوقت علیه، ولم یتمکن من اتمام حج التمتع واکماله، فالأظهر عدم انقلاب وظیفته النیابة من حج التمتع الی حج الافراد، وعلی هذا فیکون عدم تمکنه منه کاشفا عن بطلان النیابة من الأول. وأما الأجرة فلا یستحق الأجیر من الأجرة المسماة شیئا، وعلیه أن یرد کلها الی المستأجر، ویستحق أجرة المثل علی ما أتی به من المقدمات والاعمال، باعتبار أن اتیانها کان بأمر المستأجر واذنه.

 

ونذکر فیما یلي عددا من التساؤلات:

1- قد تسأل عن النائب اذا لم یتمکن من  حجة التمتع، ولا یکون العدول منها الی حجة الإفراد مشروعا له، فهل تجب علیه أن یأتي بعمرة مفردة بدلا عن عمرة التمتع للخروج عن الإحرام؟ وهذا یعني أن وظیفته تنقلب من عمرة التمتع الی العمرة المفردة.

والجواب: انه لا یجب علیه شيء، لأن عمرة التمتع الواجبة علیه بما أنه لا یتمکن من الاتیان بها فهي باطلة، ومعه یبطل احرامها، فلا یکون محرما فعلا حتی تجب علیه العمرة المفردة للخروج منه.

2- قد تسدل عن أن الشخص اذا کان معذورا عن القیام المباشر ببعض اعمال الحج وواجباته کالطواف أو صلاته أو السعي بین الصفا والمروة لمرض أو نحوه، فهل تجوز استنابته؟

والجواب: الظاهر أنه لا تجوز لأن النیابة بما أنها علی خلاف القاعدة، فهي بحاجة الی دلیل، ولا یعلم بشمول أدلة النیابة لها، لعدم الاطلاق فیها، ومقتضی الأصل عدم الکفایة.

3- قد تسأل ان الأجیر اذا کان متمکنا من القیام المباشر بالحج بتمام واجباته، ولکن طرأ علیه العجز في الأثناء لمرض أو حیض أو عائق آخر لا یتمکن من الطواف مثلا، فهل یکشف ذلک عن بطلان النیابة من الأول؟

والجواب: إنه لا یکشف عن بطلانها کذلک، لأن ادلة النیابة لا تکون قاصرة عن شمول هذه الصورة علی أساس مناسبة الحکم والموضوع الارتکازیة، غایة الأمر اذا طرأ علیه العجز عن بعض اعمال الحج في الاثناء انتقلت وظیفته الی البدل، وهو الاستنابة فیه، لأن الروایات التي تنص علی مشروعیة الاستنابة في الطواف والسعي ورمي الجمار لا تقصر عن شمول النائب، فاذن الناتج من ضم أدلة النیابة الی تلک الروایات هو صحة النیابة في هذه الصورة، ولا یکشف طرو العجز عن بطلانها.

 

 

 مسألة 25: يجوز التبرّع عن الميّت في الحجّ الواجب أيّ واجب كان(1)، والمندوب، بل يجوز التبرّع عنه بالمندوب وإن كانت ذمّته مشغولة بالواجب(2) ولوقبل الاستيجار عنه للواجب، وكذا يجوز الاستيجار عنه في المندوب كذلک. وأمّا الحيّ، فلايجوز التبرّع عنه في الواجب، إلّا إذا كان معذورآ في المباشرة لمرض أو هرم، فإنّه يجوز التبرّع عنه ويسقط عنه وجوب الاستنابة على الأقوى  كما مرّ سابقآ(3)، وأمّا الحجّ المندوب فيجوز التبرّع‌ عنه، كما يجوز له  أن‌يستأجر له حتّى إذا كان عليه حجّ واجب لايتمكّن من‌أدائه فعلا، وأمّا إن‌تمكّن‌منه فالاستيجار للمندوب قبل‌أدائه مشكل(4)، بل التبرّع عنه حينئذٍ أيضآ لايخلو عن إشكال في الحجّ الواجب(5)

1- الفیاض: وهذا غیر بعید، فان الدلیل علی ذلک صحیحة معاویة بن عمار، قال: «سألت أبا عبد الله عن رجل مات ولم یکن له مال، ولم یحج حجّة الإسلام (فحج) عنه بعض اخوانه، هل یجزي ذلک عنه؟ أو هل هي ناقصة؟ قال: لا بل هي حجّة تامة»(الوسائل باب: 31 من أبواب وجوب الحج وشرائطه الحدیث: 1) وموردها وإن کان حجة الإسلام، الّا أن العرف لا یفهم لها خصوصیة، فان التبرع بالنیابة اذا کان مجزیا في حجة الإسلام، ففي غیرها بالأولویة، وتؤید ذلک روایة عامر بن عمیرة (الوسائل باب: 31 من أبواب وجوب الحج وشرائطه الحدیث: 2).

قد یقال کما قیل: ان موثقة سماعة بن مهران قال: «سألت أبا عبد الله عن الرجل یموت ولم یحج حجّة الإسلام، ولم یوص بها وهو موسر، فقال: یحج عنه من صلب ماله، لا یجوز غیر ذلک»(الوسائل باب: 28 من أبواب وجوب الحج وشرائطه الحدیث: 4).

والجواب: ان الموثقة لا تدل علی عدم جواز التبرع في الحج عن المیت، بل مفادها أن من علیه حجة الإسلام ومات ولم یوص بها فعلی الوارث أن یخرج حجه من صلب ماله وترکته ولا یشرع غیر ذلک، ومن المعلوم ان هذا انما یجب علی الوارث اذا لم یکن هناک متبرع.

فالنتیجة: انه لا اشکال في جواز التبرع في الحج الواجب علی المیت، سواء أکان حجة الإسلام، أم کان بالنذر، أو بالاجارة أو غیر ذلک.

2- الفیاض: حتی حجة الإسلام بناء علی ما هو الصحیح من استحباب الحج استحبابا عاما بالستثناء الحجة الأولی للمستطیع، لأنها واجبة. وعلی هذا فاذا عصی من علیه حجة الإسلام وترکها وأتی بالحج عن غیره تبرعا بقصد الاستحباب صح علی القول بالترتب، نعم لا یمکن له أن یأتي بالحج استحبابا عن نفسه رغم ان علیه حجة الإسلام.

والنکتة في ذلک أن حجة الإسلام بما أن لها اسما خاصا ممیزا لها شرعا فیعتبر في صحتها قصد اسمها الخاص کما مر، وعلیه فاذا أتی بها المستطیع، فان کان بقصد اسمها الخاص ولکن معتقدا أن الأمر المتعلق بها أمر استحبابي صحت وانطبقت علیه حجة الإسلام التي هي متمثلة في الحجة الأولی للمستطیع، ولا تضر نیة الاستحباب، لأنها من الخطأ في التطبیق، ونیة الوجوب لا تکون معتبرة في صحتها، لأنها لیست من واجباتها لا جزءا ولا شرطا، وإن کان بقصد استحبابها استحبابا عاما لم تصح لا بعنوان المستحب ولا حجة الإسلام. اما الأول فلأن الحج لا یکون مستحبا علیه في الواقع. وأما الثاني فلانتفاء القصد، ومن هنا یعتبر في صحة کل عبادة لها اسم خاص ممیز لها شرعا أمور:

الأول: محبوبیتها في نفسها.

الثاني: قصد القربة.

الثالث: قصد اسمها الخاص.

وإن شئت قلت: ان الحجة الأولی واجبة علیه لا أنها مستحبة، وحینئذ فان کان عالما بوجوبها ومع ذلک نوی استحبابها تشریعا وافتراء علیه تعالی بطلت علی أساس التشریع المحرم، وإن کان جاهلا ومعتقدا بأنها مستحبة ففیه التفصیل المتقدم.

3- الفیاض: تقدم ذلک مفصلا في المسألة (6) وقلنا هناک أن هذا هو الصحیح.

4- الفیاض: الظاهر أنه لا اشکال في الحکم بصحته علی أساس الترتب، لوجود الأمر الاستحبابي فیه، هذا اضافة الی أنه لا دلیل علی أن من تکون ذمته مشغولة بالحج الواجب لا یجوز له الاستئجار للحج المندوب. ومقتضی القاعدة الجواز، لأنه مقدور شرعا وعقلا، والأمر بضده لا یکون معجزا مولویا عنه.

5- الفیاض: الظاهر أن هذا من سهو القلم منه1 أو من الخطأ في الطبع، فان موضعه في المسألة الآتیة مباشرة بعد قوله (فیها في عام واحد) یعني ان عبارة المسألة کانت علی النحو التالي: (لا یجوز أن ینوب واحد عن اثنین أو أزید في عام واحد في الحج الواجب) وموضعه قوله (وإن کان الأقوی فیه الصحة) هو موضع قوله (في الحج الواجب) في المسألة المتقدمة، فتکون العبارة کما یلي (أیضا لا یخلو عن اشکال وإن کان الأقوی الصحة).

 

 

مسألة 26: لايجوز أن ينوب واحد عن اثنين أو أزيد في عام واحد وإن كان الأقوى فيه الصحّة، إلّا إذا كان وجوبه عليهما على نحو الشركة، كما إذا نذر كلّ منهما أن يشترک مع الآخر في تحصيل الحجّ(1) ، وأمّا في الحجّ المندوب فيجوز حجّ واحد عن جماعة بعنوان النيابة، كما يجوز بعنوان إهداء الثواب، لجملة من الأخبار الظاهرة في جواز النيابة أيضاً، فلا داعي لحملها على خصوص إهداء الثواب.

1- الفیاض: هذا باعتبار أن النذر تابع لقصد الناذر، فاذا نذر کل منهما أن یشترک مع الآخر في احجاج شخص واحد وجب الوفاء علی کل منهما کذلک.

 

مسألة 27: يجوز أن ينوب جماعة عن الميّت أو الحيّ في عام واحد في الحجّ المندوب تبرّعاً أو بالإجارة، بل يجوز ذلک في الواجب أيضاً، كما إذا كان على الميّت أو الحيّ الّذي لايتمكّن من المباشرة لعذرٍ حجّان مختلفان نوعاً كحجّة الإسلام والنذر أو متّحدان من حيث النوع كحجّتين للنذر، فيجوز أن يستأجر أجيرين لهما في عام واحد، وكذا يجوز إذا كان أحدهما واجباً والآخر مستحبّاً، بل يجوز أن يستأجر أجيرين لحجّ واجب واحد كحجّة الإسلام في عام واحد احتياطاً، لاحتمال بطلان حجّ أحدهما، بل وكذا مع العلم بصحّة الحجّ من كلّ منهما، وكلاهما آتٍ بالحجّ الواجب وإن كان إحرام أحدهما قبل إحرام الآخر (1)، فهو مثل ما إذا صلّى جماعة على الميّت في وقت واحد، ولايضرّ سبق أحدهما بوجوب الآخر ، فإنّ الذمّة مشغولة ما لم‌يتمّ العمل، فيصحّ قصد الوجوب من كلّ منهما(2) ولو كان أحدهما أسبق شروعاً .

1- الفیاض: لا عبرة بذلک فان العبرة في جواز دخول کل منهما في العمل بنیة الوجوب انما هي فیما اذا کان واثقا ومتأکدا بأن الآخر لا یتم قبله، وأما اذا کان واثقا بأنه یتم العمل قبله فلا یجوز له الدخول فیه بقصد الوجوب، لمکان ارتباطیة الواجب، لا أن الوجوب قد سقط عنه بقاء عن الجزء الأخیر فقط، فانه خلف فرض کون الواجب ارتباطیا، نعم له أن یدخل فیه حینئذ رجاء واحتیاطا لا جازما بالوجوب.

2- الفیاض: هذا اذا لم یعلم أو لم یطمئن أن الآخر یتم قبله، والّا فلا یجوز له الدخول فیه بقصد الوجوب تطبیقا لما مر.


  

 
پاسخ به احکام شرعی
 
موتور جستجوی سایت

تابلو اعلانات

 




پیوندها

حدیث روز
بسم الله الرحمن الرحیم
چهار پناهگاه در قرآن
   
أَبَانُ بْنُ عُثْمَانَ وَ هِشَامُ بْنُ سَالِمٍ وَ مُحَمَّدُ بْنُ حُمْرَانَ عَنِ الصَّادِقِ (علیه السلام) قَالَ:
عَجِبْتُ لِمَنْ فَزِعَ مِنْ أَرْبَعٍ كَيْفَ لَا يَفْزَعُ إِلَى أَرْبَعٍ
(۱) عَجِبْتُ لِمَنْ خَافَ كَيْفَ لَا يَفْزَعُ إِلَى قَوْلِهِ- حَسْبُنَا اللَّهُ وَ نِعْمَ الْوَكِيلُ فَإِنِّي سَمِعْتُ اللَّهَ عَزَّ وَ جَلَّ يَقُولُ بِعَقَبِهَا فَانْقَلَبُوا بِنِعْمَةٍ مِنَ اللَّهِ وَ فَضْلٍ لَمْ يَمْسَسْهُمْ سُوءٌ
(۲) وَ عَجِبْتُ لِمَنِ اغْتَمَّ كَيْفَ لَا يَفْزَعُ إِلَى قَوْلِهِ- لا إِلهَ إِلَّا أَنْتَ سُبْحانَكَ إِنِّي كُنْتُ مِنَ الظَّالِمِينَ فَإِنِّي سَمِعْتُ اللَّهَ عَزَّ وَ جَلَّ يَقُولُ بِعَقَبِهَا- وَ نَجَّيْناهُ مِنَ الْغَمِّ وَ كَذلِكَ نُنْجِي الْمُؤْمِنِينَ
(۳) وَ عَجِبْتُ لِمَنْ مُكِرَ بِهِ كَيْفَ لَا يَفْزَعُ إِلَى قَوْلِهِ- وَ أُفَوِّضُ أَمْرِي إِلَى اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ بَصِيرٌ بِالْعِبادِ فَإِنِّي سَمِعْتُ اللَّهَ عَزَّ وَ جَلَّ يَقُولُ بِعَقَبِهَا- فَوَقاهُ اللَّهُ سَيِّئاتِ ما مَكَرُوا
(۴) وَ عَجِبْتُ لِمَنْ أَرَادَ الدُّنْيَا وَ زِينَتَهَا كَيْفَ لَا يَفْزَعُ إِلَى قَوْلِهِ- ما شاءَ اللَّهُ لا قُوَّةَ إِلَّا بِاللَّهِ فَإِنِّي سَمِعْتُ اللَّهَ عَزَّ وَ جَلَّ يَقُولُ بِعَقَبِهَا- إِنْ تَرَنِ أَنَا أَقَلَّ مِنْكَ مالًا وَ وَلَداً. فَعَسى‏ رَبِّي أَنْ يُؤْتِيَنِ خَيْراً مِنْ جَنَّتِكَ وَ عَسَى مُوجِبَةٌ
    
آقا امام صادق (عليه السّلام) فرمود: در شگفتم از كسى كه از چهار چيز مى‌هراسد چرا بچهار چيز پناهنده نميشود:
(۱) شگفتم از آنكه ميترسد چرا پناه نمى‌برد بفرمودۀ خداى عز و جل« حَسْبُنَا اَللّٰهُ‌ وَ نِعْمَ‌ اَلْوَكِيلُ‌ » خداوند ما را بس است و چه وكيل خوبى است زيرا شنيدم خداى جل جلاله بدنبال آن ميفرمايد:بواسطۀ نعمت و فضلى كه از طرف خداوند شامل حالشان گرديد باز گشتند و هيچ بدى بآنان نرسيد.
(۲) و شگفتم در كسى كه اندوهناك است چرا پناه نمى‌برد بفرمودۀ خداى عز و جل:« لاٰ إِلٰهَ‌ إِلاّٰ أَنْتَ‌ سُبْحٰانَكَ‌ إِنِّي كُنْتُ‌ مِنَ‌ اَلظّٰالِمِينَ‌ » زيرا شنيدم خداى عز و جل بدنبال آن ميفرمايد در خواستش را برآورديم و از اندوه نجاتش داديم و مؤمنين را هم چنين ميرهانيم.
(۳) و در شگفتم از كسى كه حيله‌اى در بارۀ او بكار رفته چرا بفرمودۀ خداى تعالى پناه نمى‌برد« وَ أُفَوِّضُ‌ أَمْرِي إِلَى اَللّٰهِ‌ إِنَّ‌ اَللّٰهَ‌ بَصِيرٌ بِالْعِبٰادِ »:كار خود را بخدا واگذار ميكنيم كه خداوند بحال بندگان بينا است)زيرا شنيدم خداى بزرگ و پاك بدنبالش مى‌فرمايد خداوند او را از بديهائى كه در بارۀ او بحيله انجام داده بودند نگه داشت.
(۴) و در شگفتم از كسى كه خواستار دنيا و آرايش آن است چرا پناهنده نميشود بفرمايش خداى تبارك و تعالى(« مٰا شٰاءَ اَللّٰهُ‌ لاٰ قُوَّةَ‌ إِلاّٰ بِاللّٰهِ‌ »)(آنچه خدا خواست همان است و نيروئى جز به يارى خداوند نيست)زيرا شنيدم خداى عز اسمه بدنبال آن ميفرمايد اگر چه مرا در مال و فرزند از خودت كمتر مى‌بينى ولى اميد هست كه پروردگار من بهتر از باغ تو مرا نصيب فرمايد (و كلمۀ:عسى در اين آيه بمعناى اميد تنها نيست بلكه بمعناى اثبات و تحقق يافتن است).
من لا يحضره الفقيه، ج‏۴، ص: ۳۹۲؛
الأمالي( للصدوق)، ص: ۶؛
الخصال، ج‏۱، ص: ۲۱۸.


کلیه حقوق مادی و معنوی این پورتال محفوظ و متعلق به حجت الاسلام و المسلمین سید محمدحسن بنی هاشمی خمینی میباشد.

طراحی و پیاده سازی: FARTECH/فرتک - فکور رایانه توسعه کویر -