انهار
انهار
مطالب خواندنی

شرایط وجوب حجةالإسلام، از مسأله61 تا 80

بزرگ نمایی کوچک نمایی

مسألة 61: يشترط في وجوب الحجّ الاستطاعة البدنيّة؛ فلو كان مريضآ لايقدر على الركوب أو كان حرجآ عليه ولو على المحمل أو الكنيسة لم‌يجب(1) ، وكذا لو تمكّن من الركوب على المحمل لكن لم‌يكن عنده مؤونته، وكذا لو احتاج إلى خادم ولم‌يكن عنده مؤونته.

1- الفیاض: هذا شریطة أن یکون الشخص واثقا ومطمئنا باستمرار عذره ما دام في قید الحیاة، فانه حینئذ یجب علیه ارسال شخص لیحج نیابة عنه. نعم إذا کان عدم وجوب الحج علیه من جهة أنه لا یقدر علی أجرة الرکوب في الطائرة وإن کانت عنده اجرة الرکوب في السیارة، الّا أنه لا یقدر علی الرکوب فیها، أو حرجي، أو بحاجة الی وجود خادم في سفر الحج ولکن لیس لدیه الامکانیة المالیة لاستخدامه، وبدونه یقع في المشقة والحرج، ففي أمثال هذه الحالات لا یکون مستطیعا لکي یجب علیه ارسال لیحج عنه.

 مسألة 62: ويشترط أيضآ الاستطاعة الزمانيّة؛ فلو كان الوقت ضيقاً لايمكنه الوصول إلى الحجّ أو أمكن لكن بمشقّة شديدة، لم‌يجب، وحينئذٍ فإن بقيت الاستطاعة إلى العام القابل وجب وإلّا فلا(1).

1- الفیاض: فیه ان الظاهر جوب الحفاظ علی الاستطاعة الی العام القادم، وعدم جواز تفویتها لاستلزامه تفویت الملاک الملزم في ظرفه، وذلک لأن المستفاد من الآیة الشریفة والروایات الکثیرة التي تنص علی وجوب الحج مرة بلسان: «من کان عنده ما یحج به»، وأخری بلسان: «من کان عنده زاد وراحلة»، وثالثة بلسان: «من کان عنده زاد وراحلة وصحة البدن وتخلیة السرب»، ان وجوب الحج یتحقق بتحقق الاستطاعة التي هي عبارة عن الامکانیة المالیة، والأمن في الطریق، والسلامة في البدن، وعدم الوقوع في العسر والحرج بعد الرجوع والإتفاق علی الحج، فاذا توفرت الاستطاعة بکل عناصرها اتصف الحج بالملاک في مرحلة المبادئ، وبالوجوب في مرحلة الاعتبار، ولکن ترتب الملاک علیه في الخارج مشروط بشرط متأخر وهو مجيء وقته کیوم عرفة، فانه قید للواجب، وقد ذکرنا في علم الأصول أن قید الواجب اذا کان غیر اختیاري فلابد من أخذه قیدا للوجوب أیضا اذا لا یمکن ان یکون الواجب مشروطا بشرط غیر مقدور، والوجوب مطلقا وفعلیا، الّا لزم أن یکون محرکا نحو الاتیان بالواجب المقید بقید غیر مقدور وهو تکلیف بالمحال هذا، اضافة إلی أن ملاکه بما أنه لا یترتب علیه الّا بالاتیان به في ذلک الیوم فلا معنی لأن یکون وجوبه مطلقا، فلا محالة یکون مشروطا به علی نحو الشرط المتأخر، ولا مانع من الالتزام به في مرحلة الاعتبار والجعل، وعلی هذا الأساس یکون وجوب الحفاظ علی الاستطاعة بعد حصولها وعدم جواز تفویتها علی القاعدة، باعتبار أن تفویتها یستلزم تفویت الملاک عامدا وملتفتا الی الحکم الشرعي.

فالنتیجة: ان الاستطاعة في أي وقت تحققت وحصلت یجب الحفاظ علیها، ولا یجوز التساهل والتسامح في التحفظ بها.

 مسألة 63: ويشترط أيضاً الاستطاعة السربيّة، بأن لايكون في الطريق مانع لا يمكن معه الوصول إلى الميقات أو إلى تمام الأعمال، وإلّا لم‌يجب، وكذا لو كان غير مأمون، بأن يخاف على نفسه أو بدنه أو عرضه أو ماله وكان الطريق منحصرآ فيه أو كان جميع الطرق كذلک ولو كان هناک طريقان أحدهما أقرب لكنّه غير مأمون، وجب الذهاب من الأبعد المأمون؛ ولو كان جميع الطرق مخوفاً إلّا أنـّه يمكنه الوصول إلى الحجّ بالدوران في البلاد، مثل ما إذا كان من أهل العراق ولايمكنه إلّا أن يمشي إلى كرمان، ومنه إلى خراسان، ومنه إلى بخارا، ومنه إلى الهند، ومنه إلى بوشهر، ومنه إلى جدّة مثلا، ومنه إلى المدينة، ومنها إلى مكّة، فهل يجب أو لا؟ وجهان؛ أقواهما عدم الوجوب(1)، لأنـّه يصدق عليه أنـّه لايكون مخلّى السرب(2).

 1-  الفیاض: بل الاقوی الوجوب، لإطلاق الأدلة، فان مقتضاه وجوب الحج علی کل من کانت له الامکانیة المالیة والأمن والسلامة في الطریق وعدم الوقوع في حرج بدون خصوصیة للطریق، نعم إذا کان ذهابه الی الحج بهذه الطریقة والدوران في البلاد حرجیا لم یجب.

2- الفیاض: في عدم الصدق اشکال بل منع، نعم ان الذهاب الی الحج بهذا الطریق بما أنه غالبا یؤدي الی الوقوع في المشقة والحرج في القرون القدیمة بسبب أو آخر، فمن أجل ذلک یقال انه غیر مخلی السرب، لأن الطریق الاعتیادي محفوف بالمخاطر وغیره حرجي غالبا، والّا فلا مانع منه، وأما في العصر الحاضر وبالوسائل الحدیثة فلا فرق.

 مسألة 64: إذا استلزم الذهاب إلى الحجّ تلف مال له في بلده معتدّ به، لم‌يجب(1)، وكذا إذا كان هناک مانع شرعيّ من استلزامه ترک واجب فوريّ سابقٍ  على حصول الاستطاعة(2) أو لاحقٍ، مع كونه أهمّ من الحجّ كإنقاذ غريق أو حريق، وكذا إذا توقّف على ارتكاب محرّم(3)، كما إذا توقّف على ركوب دابّة غصبيّة أو المشي في الأرض المغصوبة.

1- الفیاض: هذا اذا أدی الی کون انفاقه علی الحج حرجیا، والّا وجب، إذ مجرد کونه ضرریا أي موجبا لتلف مال له لا یمنع من الانفاق علیه إذا لم یصل الی حد الحرج، باعتبار أن الحج مبني علی الضرر المالي بدون تحدیده بحد خاص الّا اذا وصل الی حد الاجحاف والحرج.

2- الفیاض: في کونه مانعا عن وجوب الحج اشکال بل منع، والأظهر وقوع التزاحم بینهما والرجوع الی مرجحاته، والسبب فیه أن مانعیته عن وجوبه مبنیة علی تمامیة أحد أمرین:

الأول: أن یکون المراد من الاستطاعة المعنی المساوق لعدم المانع الأعم من التکویني والتشریعي المولوي، فاذن یکون وجوب واجب آخر واردا علی وجوب الحج ورافعا له بارتفاع موضوعه.

الثاني: أن یکون الأسبق زمانا أحد مرجحات باب التزاحم.

ولکن کلا الأمرین غیر تام.

أما الأمر الأول: فقد تقدم أن الاستطاعة بحسب المتفاهم العرفي من الآیة الشریفة والروایات عبارة عن القدرة التکوینیة المتکونة من العناصر الثلاثة المتقدمة، فاذن لا محالة یقع التزاحم بینهما ویرجع فیه الی مرجحاته.

واما الثاني: فقد ذکرنا في علم الأصول أن السبق الزماني بعنوانه لا یکون من أحد مرجحات باب التزاحم ما لم یرجع الی مرجح آخر، وتمام الکلام هناک.

3- الفیاض: فیه أن هذا المثال کالسابق یکون من موارد التزاحم، فلابد من لحاظ أن أیا منهما أهم من الآخر، أو محتمل الاهمیة حتی یتقدم علی الآخر.

 مسألة 65: قد علم ممّا مرّ أنـّه يشترط في وجوب الحجّ مضافآ إلى البلوغ والعقل والحرّيّة، الاستطاعة الماليّة والبدنيّة والزمانيّة والسربيّة وعدم استلزامه الضرر أو ترک واجب أو فعل حرام(1)، ومع فقد أحد هذه لايجب.

1- الفیاض: هذا اذا کان الواجب أو الحرام أهم من الحج، أو لا أقل من احتمال کونه أهم، فعندئذ یکون وجوب الحج مشروط بذلک لبا دون العکس، واما إذا کان مساویا له فکل منهما مشروط بترک الاشتغال بالآخر، فالنتیجة هي التخییر بینهما، کما هو الحال في کل مورد یکون التزاحم فیه بین واجبین متساویین، الّا أن یقال ان المراد من الاستطاعة القدرة الشرعیة التي ترتفع بالاشتغال بکل واجب أو ترک کل حرام دون العکس.

ولکن قد مر أنه لا أساس لهذا القول، وأن المراد من الاستطاعة هو القدرة التکوینیة في مقابل العجز التکویني الاضطراري، وحینئذ فیصلح أن یزاحم اي واجب آخر، غایة الأمر إن کان أهم أو محتمل الأهمیة قدم علیه، ویکون وجوبه حینئذ مشروطا لبا بعدم الاشتغال به بمقتضی التقیید اللبی العام، ومع الاشتغال به یرتفع بارتفاع موضوعه.

 فبقي الكلام في أمرين :

أحدهما: إذا اعتقد تحقّق جميع هذه مع فقد بعضها واقعآ أو اعتقد فقد بعضها وكان متحقّقآ، فنقول: إذا اعتقد كونه بالغآ أو حرّآ مع تحقّق سائر الشرائط فحجّ، ثمّ بان أنـّه كان صغيرآ أو عبدآ، فالظاهر بل المقطوع عدم إجزائه عن حجّة الإسلام(1) ، وإن اعتقد كونه غير بالغ أو عبداً مع تحقّق سائر الشرائط وأتى به أجزأه عن حجّة‌الإسلام، كما مرّ سابقاً(2)؛ وإن تركه مع بقاء الشرائط إلى ذي الحجّة(3)، فالظاهر استقرار وجوب الحجّ عليه(4)، فإن فقد بعض الشرائط بعد ذلک، كما إذا تلف ماله وجب عليه الحجّ ولو متسكّعاً، وإن اعتقد كونه مستطيعاً مالا وأنّ ما عنده يكفيه، فبان الخلاف بعد الحجّ، ففي إجزائه عن حجّة الإسلام وعدمه وجهان(5)؛ من فقد الشرط واقعاً ومن أنّ القدر المسلّم من عدم إجزاء حجّ غير المستطيع عن حجّة الإسلام غير هذه الصورة(6). وإن اعتقد عدم كفاية ما عنده من المال وكان في الواقع كافياً وترک الحجّ، فالظاهر الاستقرار عليه(7) . وإن اعتقد عدم الضرر أو عدم الحرج فحجّ، فبان الخلاف، فالظاهر كفايته(8). وإن اعتقد المانع من العدوّ أو الضرر أو الحرج فترک الحجّ، فبان الخلاف، فهل يستقرّ عليه الحجّ أو لا؟ وجهان؛ والأقوى عدمه(9)، لأنّ المناط في الضرر الخوف(10)، وهو حاصل إلّا إذا كان اعتقاده على خلاف رويّة العقلاء وبدون الفحص والتفتيش(11). وإن اعتقد عدم مانع شرعيّ (12) فحجّ، فالظاهر الإجزاء (13) إذا بان الخلاف؛ وإن اعتقد وجوده فترک، فبان الخلاف، فالظاهر الاستقرار(14).

1- الفیاض: الأمر کما افاده1 علی أساس ما مر من أن حجة الإسلام حجة خاصة، ولا تنطبق إلا علی الحجة الأولی للمستطیع البالغ العاقل الحر، وعلی هذا فاذا لم یکن الشخص بالغا أو حرا وإن کانت سائر الشروط متوفرة فیه لم یکن حجه حجة الإسلام، ولا تنطبق علیه وإن أتی به بهذا الاسم جاهلا أو غافلا، لأنه لا یغیر الواقع، باعتبار ان نیة ما لیس بحجة الإسلام لا تجعله حجة الإسلام ما لم تتوفر شروطها.

2- الفیاض: قد مر تفصیل ذلک في المسألة (9) من فصل (شرائط حجة الإسلام) فلا نعید.

3- الفیاض: فیه أنه لا وجه لهذا التحدید أصلا، ولعله من سهو القلم، فان بقاء شروط وجوب الحج الی ذلک الحد لا أثر له للمکلف الملتفت الی وجوبه، فضلا عمن لا یکون ملتفتا الیه، لأن المستطیع الملتفت الی توفر کل شروطه فیه اذا دخل علیه شهر ذي الحجة ثم زالت عنه الاستطاعة بسبب أو آخر بدون تقصیر وتفریط منه کشف عن  عدمها من الأول، لا عن استقرار وجوب الحج علیه، بل لو تلف ماله في أثناء اعمال الحج ولم یتمکن من اتمامه یکشف عن عدم استطاعته من الأول لا عن استقراره، ومن هنا کان علی الماتن1 أن یحدّد بقاء مثل هذه الشروط الی نهایة اعمال الحج في استقراره علیه شریطة أن یکون ذلک عن عمد والتفات لا مطلقا.

4- الفیاض: فیه اشکال بل منع، والظاهر بل المقطوع به عدم الاستقرار في المقام لأمرین:

أحدهما: ان بقاء الشروط عنده الی ذي الحجة مع علمه والتفاته الیها لا یوجب استقرار الحج علیه، فضلا عن صورة اعتقاده بالخلاف.

والآخر: أن ما یوجب استقراره انما هو ترک الحج عامدا وملتفتا الی الحکم الشرعي للتساهل والتسامح فیه طول فترة وقته مع تمکنه من الاتیان به في ذلک الوقت بدون أي عائق في البین، واما إذا کان عن عذر فلا یوجب ذلک، والسبب في هذا أن وجوب استقراره انما یستفاد من الروایات التي تنص علی عدم جواز التسویف والاهمال فیه، وأن من سوّف الحج وترکه عامدا وملتفتا، فقد ترک شریعة من شرائع الإسلام ویموت اما یهودیا او نصرانیا، فانه یستفاد من هذه الروایات ان الحج یظل ثابتا في ذمته وإن زالت استطاعته هذا اضافة الی أنه لما کان معتقدا بعدم بلوغه وحریته فهو کالغافل، ومعه لا یکون قابلا لتوجیه التکلیف الیه في الواقع علی أساس أن الغرض من جعله هو امکان داعویته للمکلف ومحرکیته له، ومع الغفلة لا یمکن أن یکون داعیا ومحرکا، فاذن لا وجوب علیه في الواقع حتی یستقر.

5- الفیاض: الظاهر عدم الاجزاء لما مر من أن حجة الإسلام عبارة عن الحجة الأولی للمستطیع ولا تنطبق علی حج غیره، ولا یوجد دلیل علی أنه یجزی عنها.

6- الفیاض: هذا اذا کان الدلیل علی عدم الاجزاء دلیلا لبیا حتی یکون المتیقن منه غیر هذه الصورة، بل الدلیل علیه اطلاق الآیة الشریفة والروایات التي تنص علی وجوب الحج علی المستطیع، ومقتضی اطلاقها وجوبه علیه مطلقا وان حج قبل حصول الاستطاعة.

نعم قد مر في المسألة (56) انه اذا حج عن غیره تبرعا أو إجارة لا یبعد إجزاؤه عن حجة الإسلام عن نفسه أیضا نظریا، وإن کان الأحوط والأجدر به وجوبا الاتیان بها اذا استطاع.

7- الفیاض: في الظهور اشکال بل منع، لما مر من أن استقرار وجوب الحج علی المکلف مرتبط بأن یکون ترکه في وقته مستندا إلی التساهل والتسامح منه عامدا وملتفتا الی الحکم الشرعي حتی یکون مشمولا لنصوص التسویف والإهمال، ومن المعلوم ان ترکه اذا کان من جهة اعتقاده بعدم الاستطاعة والامکانیة المالیة له لا یکون مشمولا لتلک النصوص، لعدم صدق التسویف والإهمال فیه هذا اضافة الی أنه في حال الاعتقاد الجزمي بعدم الاستطاعة لا یمکن أن یکون مکلفا بالحج، لدن توجیه الخطاب به الیه في هذه الحالة لغو وجزاف، نعم إن ظلت استطاعته الی ما بعد تفطنه بالحال وجب الحفاظ بها الی العام القادم شریطة أن لا یکون واثقا بتمکنه من الحج في المستقبل إن لم یحافظ علیها.

8- الفیاض: في الکفایة اشکال بل منع، لما مر المسألة (29) من ان التمکن مما به الکفایة بمعنی استعادة وضعه المعاشي بعد الحج، وعدم الوقوع في حرج بسببه معتبر في الاستطاعة فانه نتیجة تطبیق القاعدة علی من لم یکن لدیه ما به الکفایة، وعلی أساس ذلک لا تنطبق حجة الإسلام علی ما أتی به من الحج، فلذلک حکم بالفساد، ولا یکون الفساد مستندا إلی تطبیق القاعدة مباشرة، فان مفادها النفي لا الاثبات، بل هو مستند الی عدم انطباق المأمور به علیه وإن کان ذلک مستندا إلی تطبیقها في نهایة المطاف.

فالنتیجة: ان حجة الإسلام لا تنطبق علیهذه الحجة لتکون کافیة، لأنه لیس بمستطیع في الواقع.

9- الفیاض: بل هو المتعین، لما مر من ان استقرار وجوب الحج مرتبط بالتسویف والاهمال فیه الی أن فات بفوات وقته.

10-الفیاض: فیه اشکال بل منع، لأن العبرة انما هي بوجود الضرر في الواقع لا بالخوف، فان وجوده في النفس طریق الیه، ولا موضوعیة له حتی یکون مانعا عن وجوب الحج وإن لم یکن ضرر في الواقع، وذلک لأن المنع من العدو مرة یکون من السیر في الطریق، وأخری یکون بایقاع الضرر علی نفسه أو ماله أو عرضه فیه، وعلی کلا التقدیرین فهو معتقد بعدم توفر الاستطاعة عنده بکل عناصرها، حیث ان منها تخلیة السرب، ومنها الأمن في الطریق، والخوف في کلا الفرضین طریق، ولا موضوعیة له، وعلیه فهو مستطیع في الواقع، ولکن بما ان ترکه الحج في وقته کان مستندا الی غفلته وجهله بالحال فیکون معذورا فیه، ولا یوجب استقراره کما مر، فاذن حال هذا الفرض حال ما تقدم، فلا فرق بینهما، فالفرق مبني علی أن یکون الخوف ملحوظا علی نحو الموضوعیة کما هو ظاهر المتن، ولکن الأمر لیس کذلک.

11- الفیاض: فیه ان اعتقاده بالضرر أو الحرج إن کان جزمیا فهو حجة ذاتا، سواء أکان حاصلا من سبب بدون فحص وتأکد، أم کان حاصلا منه منع الفحص والتأکد علی أساس أن حجیة اللقطع ذاتیة، فالقاطع معذور، وإن کان قطعه حاصلا من سبب لا یصلح لدی العقلاء أن یکون سببا له الّا أنه غیر ملتفت الی ذلک، فمن أجله یکون معذورا، ومعه لا یمکن استقرار وجوب الحج علیه، لأن استقراره انما هو إذا کان ترکه مستندا إلی التسویف والتأخیر تسامحا وتساهلا عامدا وعالما بالحکم، وإن کان اطمئنانیا فهو أیضا حجة ذاتا وإن کان منشؤه سببا غیر عقلائي غیر أنه لما لم یلتفت الی خصوصیته حصل له الاطمئنان بذلک، فاذا حصل له الاطمئنان بأنه حرجي من أي سبب کان فهو معذور في ترکه، ومعه لا موجب لاستقراره علیه.

فالنتیجة: ان هذا الاستثناء لا یرجع الی معنی محصل.

12- الفیاض: مر أن وجوب واجب مضاد للحج لا یکون مانعا عن وجوبه، غایة الأمر یقع التزاحم بینهما ویرجع الی مرجحاته.

13- الفیاض: بل مطلقا حتی اذا علم المکلف بوجود واجب آخر مضاد للحج، فانه اذا قام بالاتیان به عامدا وملتفتا الی الحکم الشرعي صح، بناء علی القول بالترتب – کما هو الصحیح – وإن کان الواجب الآخر أهم منه، واما في صورة الجهل به فلا شبهة في صحة الحج حتی علی القول باستحالة الترتب، لما ذکرناه في علم الأصول من أنه لا تزاحم بین الواجبین المتضادین اذا کان أحدهما مجهولا، فاذا فرضنا ان الواجب الأهم مجهول وغیر واصل الی المکلف، والواجب المهم معلوم وواصل الیه، فلا مانع من فعلیة وجوب الواجب المهم مطلقا حتی في صورة الاشتغال بالواجب الأهم جهلا، علی أساس أنه لا مبرر للتقیید اللبي، وهو تقیید وجوبه بعدم الاشتغال بالأهم، فان المبرر لهذا التقیید هو ما اذا کان وجوب الأهم واصلا ومنجزا لکي یحرک المکلف ویبعث نحو ایجاد متعلقه والاشتغال به، فعندئذ لابد من تقیید وجوب المهم بعدم الاشتغال به حتی یخرج باب التزاحم عن با التعارض، والّا وقع التعارض بین اطلاقي الخطابین، واما اذا کان وجوب الأهم غیر واصل ولا منجز فلا موجب لتقیید اطلاق وجوب المهم بعدم الاشتغال، به علی أساس أنه لا تنافي ولا تعارض بینهما في مرحلة المبادئ، لعدم اجتماع المصلحة والمفسدة في شيء واحد، ولا الحب والبغض، ولا الإرادة والکراهة، واما التنافي بینهما في مرحلة الفعلیة والتحریک نحو الامتثال فهو مرتبط بفعلیة کلا التکلیفین معا وتنجزهما کذلک، واما اذا کان التکلیف بأحدهما مجهولا وغیر منجز، وبالآخر معلوما ومنجزا، فلا مانع من اطلاق التکلیف المعلوم وعدم تقییده بعدم الاشتغال بالمجهول وإن کان أهم، حیث لا یلزم من ذلک التکلیف بغیر المقدور باعتبار أن التکلیف المجهول لا یکون محرکا وباعثا للمکلف نحو الاتیان بمتعلقه وامتثاله لکن یلزم التکلیف بالمحال، وتمام الکلام هناک.

14- الفیاض: مر أن الاستقرار مرتبط بترک المستطیع الحج في وقته عن عمد والتفات وبدون أي مبرر، والمقام بما أنه لیس کذلک باعتبار ان ترکه کان عن عذر فلا مقتضی للاسترار.

ثانيهما: إذا ترک الحجّ مع تحقّق الشرائط متعمّداً، أو حجّ مع فقد بعضها كذلک؛أمّا الأوّل، فلا إشكال في استقرار الحجّ عليه مع بقائها إلى ذي الحجّة(1)؛ وأمّا الثاني، فإن حجّ مع عدم البلوغ أو مع عدم الحرّيّة فلا إشكال في عدم إجزائه،إلّا إذا بلغ أو انعتق قبل أحد الموقفين على إشكال في البلوغ قد مرّ(2)، وإن حجّ مع عدم الاستطاعة الماليّة فظاهرهم مسلّميّة عدم الإجزاء ولا دليل عليه إلّا الإجماع(3)، وإلّا فالظاهر أنّ حجّة الإسلام هو الحجّ الأوّل، وإذا أتى به كفى(4) ولو كان ندبآ، كما إذا أتى الصبيّ صلاة الظهر مستحبّآ، بناءً على شرعيّة  عباداته فبلغ في أثناء الوقت، فإنّ الأقوى عدم وجوب إعادتها(5). ودعوى أنّ  المستحبّ لايجزي عن الواجب، ممنوعة بعد اتّحاد ماهيّة الواجب والمستحبّ؛ نعم، لو ثبت تعدّد ماهيّة حجّ المتسكّع والمستطيع(6)، تمّ ما ذكر، لا لعدم إجزاء المستحبّ عن الواجب، بل لتعدّد الماهيّة. وإن حجّ مع عدم أمن الطريق أو مع عدم صحّة البدن مع كونه حرجآ عليه أو مع ضيق الوقت كذلک، فالمشهور بينهم عدم إجزائه عن الواجب(7)، وعن الدروس: الإجزاء، إلّا إذا كان إلى حدّ الإضرار بالنفس(8) وقارن بعض المناسک، فيحتمل عدم الإجزاء، ففرّق بين حجّ المتسكّع وحجّ  هؤلاء (9) وعلّل الإجزاء بأنّ ذلک من باب تحصيل الشرط، فإنّه لايجب، لكن إذا حصله وجب؛ وفيه: أنّ مجرّد البناء على ذلک لايكفي في حصول الشرط، مع أنّ غاية الأمر حصول المقدّمة الّتي هو المشي إلى مكّة ومنى وعرفات، ومن المعلوم أنّ مجرّد هذا لايجب حصول الشرط الّذي هو عدم الضرر أو عدم الحرج(10)؛ نعم، لو كان الحرج أو الضرر في المشي إلى الميقات فقط ولم‌يكونا حين الشروع في الأعمال، تمّ ماذكره، ولا قائل بعدم الإجزاء في هذه الصورة. هذا، ومع ذلک فالأقوى  ماذكره في الدروس، لا لما ذكره، بل لأنّ الضرر والحرج إذا لم‌يصلا إلى حـدّ الحرمة إنّما يرفعان الوجوب والإلزام لا أصل الطلب(11)، فإذا تحمّلهما وأتى بالمأمور به كفى.

1- الفیاض: في اطلاقه اشکال بل منع، فان بقاء سائر الشروط غیر الاستطاعة المالیة الی ذي الحجة لا یکفي في استقراره، نعم اذا استمر بقاؤها فیه الی نهایة اعماله استقر علیه، واما اذا ظلت هذه الشروط ثابتة فیه ولکن انتفت استطاعته المالیة بسرقة أو تلف بسبب حادثة أرضیة أو سماویة، ففي هذه الحالة اذا کان انتفاؤها مستندا إلی امتناعه عن الحج عامدا وعالما استقر الحج علیه شریطة أنه لو حج وانفق ماله في سبیله لم یقع في ورطة التلف، ولکن بما أنه تسامح فیه وأخره عامدا وملتفتا إلی أن وقع في ورطة التلف، فعندئذ لا یبعد استقراره علیه، ولا سیما إذا لم یکن واثقا بتمکنه من الحج إذا أخر في السنین القادمة، واما إذا لم یکن التلف مستندا الی تورطه فیه وتقصیره فلا موجب للاستقرار.

2- الفیاض: مرّ تفصیلا عدم الاجزاء فیه في المسألة (7) من فصل (شرائط وجوب حجة الإسلام).

3- الفیاض: فیه مضافا إلی أنه لا أثر للإجماع، ان الدلیل علی ذلک انما هو اطلاقات الأدلة من الآیة الشریفة والروایاتف ومقتضی تلک الاطلاقات وجوب الحج علی المستطیع وإن حج قبل الاستطاعة هذا، اضافة الی ما تقدم من أن حجة الإسلام عبارة عن الحجة الأولی للمستطیع، فلا یکون حجه قبل الاستطاعة مصداقا لها.

4- الفیاض: في الکفایة اشکال بل منع، لما مر من أن حجة الإسلام لا تنطبق علی الحج الندبي.

5- الفیاض: فیه ان الأمر وإن کان کذلک في باب الصلاة علی أساس أن الصلاة باسمها الخاص الممیز لها شرعا مستحبة للصبي، فتکون الصلاة المستحبة متحدة مع الصلاة الواجبة، فلا فرق بینهما الّا في الوجوب والاستحباب، وهذا الفرق لا یمنع من الصحة وانطباق الواجب علی المستحب، الّا أن الأمر في باب الحج لیس کذلک، فان حجة الإسلام لا ینطبق علی الحج الندبي، لأنها مع اسمها الخاص الممیز لها شرعا مباینة له ومتمثلة في الحج الأول للمستطیع الواجب علیه.

6- الفیاض: هذا هو الصحیح لما مر من ان حجة الإسلام لا تنطبق علی الحج الندبي المتسکع.

7- الفیاض: هذا هو الصحیح، اما مع عدم صحة البدن وسلامته أو أمن الطریق فالحکم واضح، لما تقدم من أن سلامة البدن أو أمن الطریق من أحد عناصر الاستطاعة وأرکانها، ومع عدم لا یکون الشخص مستطیعا لکي یکون حجه حجة الإسلام، وقد مر أنها متمثلة في الحج الأول للمستطیع، ولا ینطبق علی غیره، واما مع توفر هذه الشروط ولکن کان الحج حرجیا بسبب أو آخر فلا یجب تطبیقا لقاعدة لا حرج، ومع عدم الوجوب لا تنطبق علیه حجة الإسلام، لما مر من اختصاصها بالحج الواجب علی المستطیع في أول مرة، ولا تعم الحج المستحب.

ودعوی: ان الواجب علیه هو حجة الإسلام، ولکن وجوبها قد ارتفع بالقاعدة، فیبقی استحبابه، وعلیه فما أتی به هو حجة الإسلام وإن ارتفع وجوبه بحدیث لا حرج...

مدفوعة: أولا: بأنا لو سلمنا ذلک وقبلنا بأن المرفوع بها انما هو وجوبه دون استحبابه فانه یظل ثابتا، ولکن قد تقدم أن حجة الإسلام بما أنها متمثلة في الحج الأول للمستطیع فلا تنطبق علیه اذا کان وجوبه مرفوعا فعلا بالقاعدة، ویظل استحبابه ثابتا باعتبار انه غیر مستطیع.

وثانیا: ان الوجوب أمر بسیط، فاذا کان مرفوعا بها کان استحبابه بحاجة الی دلیل آخر، لأن الدلیل الدال علی الوجوب قد سقط بالقاعدة، نعم بما أنه قد ثبت استحباب الحج استحبابا، عاما حتی لمن یکون الحج حرجیا علیه فلا تنطبق حجة الإسلام علیه.

وإن شئت قلت: ان الحرج في باب الحج لا یخلو إما أن یکون من ناحیة المال، أو البدن، او الطریق، او العمل، فان کان الأول، کما اذا لم یکن عنده ما به الکفایة لدی الرجوع، أو کان ولکن الامکانیة المالیة عنده لا تکفي لنفقات سفر الحج ومتطلباته اللائقة بمکانته، والاکتفاء بما دونها حرجي علیه، فان کان کذلک فهو غیر مستطیع مالا، وحینئذ فان حج حج متسکعا، ولا تنطبق علیه حجة الإسلام، وإن کان الثاني، فانه اما من جهة اصابته بشیخوخة أو مرض فهو غیر مستطیع بدنا، ویکون حجه حینئذ حج المتسکع، وإن کان الثالث، فان کانت حرجیته من ناحیة عدم الأمن في الطریق علی نفسه وعند اعمال الحج، فهو غیر مستطیع، ولا یکون حجه حجة الإسلام، لأنه غیر مخلی السرب، وإن کانت من جهة أخری ککون الطریق طویلا، أو عدم توفر الوسائل الأولیة للحیاة فیه، أو نحو ذلک، فهو مستطیع بکل عناصر الاستطاعة، ولکن بما أن طيّ المسافة یکون حرجیا علیه فلا یجب باعتبار أن منشأه لما کان وجوب الحج في نهایة الشوط فهو مرفوع تطبیقا للقاعدة، ونتیجة ذلک أن وجوب الحج علی المستطیع مشروط بعدم کونه حرجیا، نعم حیث ان الحرج في المقام لما کان في المقدمة فحسب، وهي قطع المسافة بسبب آخر لا بسبب عدم الأمن، فاذا أقدم المکلف علی قطعها متحملا الحرج ووصل الی المیقات وأحرم منها ویواصل اعمال الحج صح، ویکون حجه حجة الإسلام باعتبار أن الحج لا یکون حرجیا، والحرج انما هو في مقدمته، وهي قطع المسافة، فاذا قطعها رغم کونه حرجیا ووصل الی المیقات وجب البدء بالحج لاستطاعته وإن لم یکن واجبا قبل القطع. وإن کان الرابع، وهو ان یکون الحج باعماله حرجیا، فان قام بالاتیان به متحملا حرجه لم یجزئ عن حجة الإسلام، لعدم انطباقها علیه.

فالنتیجة: ان الحرج إن کان ناتجا من قلة امکانیته مالا، أو تدهور صحته بدنا، أو عدم وجود طریق آمن، فمعناه انه غیر مستطیع، وحینئذ فان حج کان متسکعا، ولا یجزي عن حجة الإسلام، وإن کان ناتجا من سبب آخر مع توفر الاستطاعة فیه بکل أرکانها، کما اذا کان رکوب السیارة أو الطائرة حرجیا علیه اذا کان الطریق بعیدا، فحینئذ وإن کان الحج غیر واجب علیه، الّا أنه اذا رکب وتحمل هذا الحرج ووصل الی المیقات وجب باعتبار أنه استطاع علیه بدون الوقوع في حرج، فاذا حج عندئذ کان حجه حجة الإسلام.

8- الفیاض: فیه أنه مبني علی أن مطلق الإضرار بالنفس حرام، ولکن لا دلیل علیه کذلک، فان ما هو ثابت هو حرمة حصة خاصة منه، وهي القاء النفس في التهلکة أو مما یتلو تلوها.

9- الفیاض: ظهر مما مر أنه لا فرق بینهما في أکثر الصور والفروض.

10- الفیاض: هذا اذا کان الضرر أو الحرج في نفس عملیة الحج ومناسکه، وأما إذا کان في مقدمتها کقطع المسافة شریطة أن لا یکون من جهة عدم الأمن والسلامة في الطریق، بل من جهة أخری لا ترتبط بعناصر الاستطاعة کما هو المفروض، فحینئذ اذا قطعها متحملا الضرر أو الحرج، ثم بدأ باعمال الحج صح، ویکون حجه حجة الإسلام، باعتبار أنه لا حرج في عملیة الحج، ویصدق علیه أنه الحجة الأولی للمستطیع.

11- الفیاض: فیه ان الوجوب بما أنه أمر اعتباري بسیط محض، ولا یکون مرکبا من طلب الفعل مع المنع من الترک، لأن المنع من الترک لازم للوجوب وعبارة أخری عن النهي عن ضده العام، فاذا کان مرفوعا فلا دلیل علی بقاء أصل الطلب.

 مسألة 66: إذا حجّ مع استلزامه لترک واجب أو ارتكاب محرّم لم‌يجزه عن حجّة الإسلام(1) وإن اجتمع سائر الشرائط، لا لأنّ الأمر بالشيء نهي عن ضدّه لمنعه أوّلا ومنع بطلان العمل بهذا النهي ثانيآ، لأنّ النهي متعلّق بأمر خارج(2)، بل لأنّ الأمر مشروط بعدم المانع  ووجوب ذلک الواجب مانع(3)، وكذلک النهي المتعلّق بذلک المحرّم مانع ومعه لا أمر بالحجّ؛ نعم، لو كان الحجّ مستقرّآ عليه وتوقّف الإتيان به على ترک واجب أو فعل حرام، دخل في تلک المسألة، وأمكن أن يقال بالإجزاء(4)، لما ذكر من منع اقتضاء الأمر بشيء للنهي عن ضدّه، ومنع كون النهي المتعلّق بأمر خارج (5) موجبآ للبطلان.

1- الفیاض: فیه اشکال بل منع، والأظهر الاجزاء مطلقا حتی اذا کان ذلک الواجب أو الحرام أهم من الحج، بناء علی ما هو الصحیح من القول بالترتب شریطة توفر سائر شروطه.

2- الفیاض: فیه أن متعلق بنفس الضد العبادي وهو الحج علی تقدیر ثبوته لا بأمر خارج عنه، ولکن معه ذلک لا یقتضي الفساد، لما ذکرناه في علم الأصول من أن صحة الضد الواجب تتوقف علی ثبوت أحد أمرین:

الأول: امکان القول بالترتب.

الثاني: احراز الملاک فیه.

اما الأول: فقد ذکرنا هناک أن هذا القول هو الصحیح، ویحکم علی ضوئه بصحته وإن کان الواجب الآخر أهم منه، ولا فرق فیه بین القول باقتضاء الأمر بشيء النهي عن ضده، والقول بعدم الاقتضاء.

واما الثاني: فلا طریق لنا الی احراز الملاک فیه بدون فرق بین القولین في المسألة، فاذن تصحیح الضد العبادي المهم مرتبط بالقول بامکان الترتب فحسب، والّا فهو محکوم بالفساد، بلافرق بین القول بکونه متعلقا للنهي الغیري أو لا.

3- الفیاض: مر أن وجوبه لا یصلح أن یکون مانعا عن وجوب الحج، لأنه مشروط بالاستطاعة التي هي عبارة عن القدرة التکوینیة المتمثلة في الأمور التالیة: الامکانیة المالیة، والأمن والسلامة في الطریق وحین ممارسة الأعمال، والتمکن من اعادة وضعه المعاشي بعد الرجوع بدون الوقوع في حرج – کما تقدم – ولیس معنی الاستطاعة عدم المانع أعم من التکویني والتشریعي، وعلی هذا فیقع التزاحم بینهما، فان کان وجوب الحج أهم منه أو محتمل الأهمیة قدم علیه، وإن کان غیره أهم منه جزما أو احتمالا فالأمر بالعکس، وإن کان متساویین فالتخییر، وبه یظهر حال ما بعده.

فالنتیجة: ان الحج صحیح، فانه ان کان أهم فالأمر به فعلي مطلقا، وإن کان غیره أهم فالأمر به فعلي علی القول بالترتب، فما في المتن من أنه لا أمر به مبني علی القول باستحالة الترتب.

4- الفیاض: بل الاجزاء هو المتعین، لا لما ذکره الماتن1، بل لما مر من صحة القول بالترتب، وقد عرفت أنه لا أثر للنهي الغیري، لأنه علی تقدیر ثبوته لا یقتضي الفساد وإن تعلق بنفس العبادة، فان الصحة تدور مدار امکان القول بالترتب، أو احراز اشتمالها علی الملاک في تلک الحالة، کما أن الفساد یدور مدار عدم امکان هذا القول من ناحیة، وعدم امکان احراز الملاک فیها من ناحیة أخری، سواء فیه القول بثبوت النهي الغیري أم بعدم ثبوته، ومن هنا یظهر أنه لا فرق في ذلک بین أن یکون الحج مستقرا أو لا.

5- الفیاض: مر أن النهي في المقام علی تقدیر ثبوته تعلق بنفس الضد الخاص وهو الحج في المثال لا بأمر خارج.

 مسألة 67: إذا كان في الطريق عدوّ لايندفع إلّا بالمال، فهل يجب بذله ويجب الحجّ أو لا؟ أقوال؛ ثالثها الفرق بين المضرّ بحاله وعدمه(1)، فيجب في الثاني دون الأوّل.

 

1- الفیاض: تقدم في المسألة (7) أن المعیار في عدم وجوب الحج انما هو بلزوم الحرج، فان بذل المال والانفاق علیه اذا بلغ من الکثرة حدا یکون حرجیا علیه لم یجب تطبیقا للقاعدة، والّا وجب وإن کان الانفاق کثیرا، ولا مجال للتمسک بقاعدة لا ضرر في المقام، باعتبار أن عملیة الحج بطبعها عملیة ضرریة، فلا تکون مشمولة لها، وبما أنها مرتبطة بالاستطاعة والامکانیة المالیة بدون التحدید بحد خاص ومعین فهي واجبة علیه ما دامت عنده الامکانیة المالیة ولم یبلغ حد الحرج، فاذا اتفق ارتفاع الاسعار والأجور صدفة بسبب أو أخر مع أنه واثق ومتأکد بأنه موقت، أو کان في الطریق من لا یندفع الا بالمال، فانه ما دامت لدیه الامکانیة المالیة لنفقات الحج وإن کانت باسعار عالیة، أو لرفع المانع عن الطریق وجب ما لم یصل الی حد الحرج.

 مسألة 68: لو توقّف الحجّ على قتال العدوّ، لم‌يجب، حتّى مع ظنّ الغلبة عليه والسلامة، وقد يقال بالوجوب في هذه الصورة(1) .

1- الفیاض: القول بالوجوب ضعیف جدا، فان المعتبر في وجوب الحج هو الأمن والسلامة علی نفسه أو ماله أو عرضه في الطریق وعند ممارسة اعماله، ومن المعلوم أنه لا یحصل ذلک الّا أن یکون الانسان علی یقین من دفع العدو، أو علی ثقة واطمئنان بذلک.

مسألة 69: لو انحصر الطريق في البحر، وجب ركوبه، إلّا مع خوف الغرق أو المرض خوفاً عقلائيّاً (1) أو استلزامه الإخلال بصلاته(2)  أو إيجابه لأكل النجس  أو شربه(3)، ولو حجّ مع هذا صحّ حجّه، لأنّ ذلک في المقدّمة وهي المشي إلى الميقات، كما إذا ركب دابّة غصبيّة إلى الميقات.

1- الفیاض: فیه انه لا وجه للتقیید بذلک، فان الضابط العام فیه أن یکون تحمله حرجیا، سواء أکان عقلائیا أم لا، فاذا خاف الغرق من الرکوب او المرض وکان تحمله حرجیا لم یجب وإن کان الخوف غیر عقلائي، فان المعیار في عدم وجوب الرکوب للسفر الی الحج انما هو بکونه حرجیا علیه وإن کان مصدر الخوف منه غیر عقلائي، کما انه لو کان عقلائیا ولکن لا یوجب خوفه بدرجة یکون حرجیا علیه وجب.

2- الفیاض: فیه ان الاخلال بواجبات الصلاة غیر الرکنیة کالصلاة في ثوب أو بدن متنجس، أو بدون طمأنینه واستقرار، أو جلوسا أو نحو ذلک لا یمنع من وجوب الحج، فاذا علم أنه اذا رکب السفینة للذهاب إلی الحج اضطر الی أن یصلي کذلک، فانه لا یمنع من الرکوب فیها والذهاب إلی الحج لمکان أهمیته.

3- الفیاض: فیه ان اضطراره الی أکل النجس أو شربه لا یمنع من وجوب الحج لوضوح أن وجوبه أهم من حرمته، فلا تصلح أن تزاحمه.

فالنتیجة: أنه لا شبهة في وجوب الحج في هذه الموارد، وان الاخلال بواجبات الصلاة دون أصلها، أو الاضطرار الی أکل النجس أو شربه لا یمنع من وجوبه، وعلی تقدیر المنع اذا فعل صح حجه، لأن حرمة المقدمة لا تمنع عن صحته.

 مسألة 70: إذا استقرّ عليه الحجّ وكان عليه خمس أو زكاة أو غيرهما من الحقوق الواجبة، وجب عليه أداؤها ولايجوز له المشي إلى الحجّ قبلها، ولو تركه عصى، وأمّا حجّه فصحيح إذا كانت الحقوق في ذمّته لا في عين ماله،  وكذا إذا كانت في عين ماله ولكن كان ما يصرفه في مؤونته من المال الّذي لايكون فيه خمس أو زكاة أو غيرهما، أو كان ممّا تعلّق به الحقوق ولكن كان ثوب إحرامه وطوافه وسعيه (1) وثمن هديه من المال الّذي ليس فيه حقّ(2)، بل وكذا إذا كانا ممّا تعلّق به الحقّ من الخمس والزكاة، إلّا أنـّه بقي عنده مقدار ما فيه منهما، بناءً على ما هو الأقوى من كونهما في العين على نحو الكلّي في المعيّن لا على وجه الإشاعة(3).

1- الفیاض: تقدم في المسألة (60) أن غصبیة ثوبي الإحرام والستر في الطواف والسعي لا تمنع عن صحة هذه الواجبات، أما في الأول، فلأن صحة الإحرام لا تکون مشروطة بلبس ثوبیه، بل هو واجب مستقل في حال الاحرام، واما في الثاني، فلأن صحة الطواف وإن کانت مشروطة بوجود الساتر، الّا أن غصبیته لا تمنع عن صحته علی الأظهر – کما مر – وأما في الثالث فلأن صحته غیر مشروطة بالستر، بل یصح عریانا.

2- الفیاض: مر في المسألة (60) أنه اذا اشتری الهدي بعین الثمن المغصوب خارجا بطل الهدي والّا فلا.

3- الفیاض: مر في مسألة الخمس انه بتمام اصنافه متعلق بالعین علی نحو الاشاعة لا علی نحو الکلي في المعین، واما الزکاة فهي مختلفة باختلاف اصنافها، اما زکاة الغلات الأربع فهي بالعین علی نحو الاشاعة فیها، لا علی نحو الکلي في المعین، واما زکاة الغنم فهي متعلقة بالعین علی نحو الکلي في المعین لا علی نحو الاشاعة، واما زکاة الإبل والبقر فهي بالعین علی نحو الشرکة في المالیة بکیفیة خاصة علی تفصیل تقدم في مبحث الزکاة.

  مسألة 71: يجب على المستطيع الحجّ مباشرةً، فلايكفيه حجّ غيره عنه تبرّعآ أو بالإجارة إذا كان متمكّنآ من المباشرة بنفسه.

 مسألة 72: إذا استقرّ الحجّ عليه ولم‌ يتمكّن من المباشرة لمرض لم‌يرج زواله(1) أو حصر كذلک، أو هرم بحيث لايقدر أو كان حرجآ عليه، فالمشهور وجوب الاستنابة عليه، بل ربّما يقال بعدم الخلاف فيه وهو الأقوى وإن كان ربّما يقال بعدم الوجوب، وذلک لظهور جملة من الأخبار في الوجوب؛ وأمّا إن كان موسرآ من حيث المال ولم‌يتمكّن من المباشرة مع عدم استقراره عليه ففي وجوب الاستنابة وعدمه قولان؛ لايخلو أوّلهما عن قوّة، لإطلاق الأخبار المشار إليها وهي وإن كانت مطلقة من حيث رجاء الزوال وعدمه(2) لكنّ المنساق من بعضها ذلک، مضافآ إلى ظهور الإجماع على عدم الوجوب مع رجاء الزوال، والظاهر فوريّة  الوجوب(3) كما في صورة المباشرة، ومع بقاء العذر إلى أن مات يجزيه حجّ النائب، فلايجب القضاء عنه وإن كان مستقرّآ عليه؛ وإن اتّفق ارتفاع العذر بعد ذلک، فالمشهور أنـّه يجب عليه مباشرةً وإن كان بعد إتيان النائب، بل ربّما يدّعى عدم الخلاف فيه، لكنّ الأقوى عدم الوجوب(4)، لأنّ ظاهر الأخبار أنّ حجّ النائب هو الّذي كان واجباً على المنوب عنه(5)، فإذا أتى به فقد حصل ما كان واجبآ عليه ولا دليل على وجوبه مرّة اُخرى، بل لو قلنا باستحباب الاستنابة، فالظاهر كفاية فعل النائب بعد كون الظاهر الاستنابة فيما كان عليه، ومعه لا وجه لدعوى أنّ المستحبّ لايجزي عن الواجب، إذ ذلک فيما إذا لم‌يكن المستحبّ نفس ماكان واجبآ، والمفروض في المقام أنّه هو، بل يمكن أن يقال: إذا ارتفع العذر في أثناء عمل النائب، بأن كان الارتفاع بعد إحرام النائب، أنّه يجب عليه الإتمام ويكفي عن المنوب عنه(6)، بل يحتمل  ذلک وإن كان في أثناء الطريق قبل الدخول في الإحرام؛ ودعوى أنّ جواز النيابة ماداميّ(7)، كماترى، بعد كون الاستنابة بأمر الشارع وكون الإجارة لازمة لا دليل على انفساخها، خصوصاً إذا لم‌يمكن إبلاغ النائب الموجر ذلک(8) ؛ ولا فرق فيما ذكرنا من وجوب الاستنابة بين من عرضه العذر من المرض وغيره وبين من كان معذورآ خلقةً(9)، والقول بعدم الوجوب في الثاني وإن قلنا بوجوبه في الأوّل ضعيف(10). وهل يختصّ الحكم بحجّة الإسلام أو يجري في الحجّ النذري والإفسادي أيضآ؟ قولان؛ والقدر المتيقّن هو الأوّل(11) بعد كون الحكم على خلاف القاعدة؛ وإن لم‌يتمكّن المعذور من الاستنابة ولو لعدم وجود النائب أو وجوده مع عدم رضاه إلّا بأزيد من اُجرة المثل ولم‌يتمكّن من الزيادة أو كانت مجحفة(12) سقط الوجوب، وحينئذٍ فيجب القضاء عنه بعد موته إن كان مستقرّاً عليه، ولايجب مع عدم الاستقرار. ولو ترک الاستنابة مع الإمكان عصى، بناءً على الوجوب، ووجب القضاء عنه مع الاستقرار، وهل يجب مع عدم الاستقرار أيضآ أو لا؟ وجهان؛ أقواهما نعم ،لأنـّه استقرّ عليه بعد التمكّن من الاستنابة؛ ولو استناب مع كون العذر مرجوّ الزوال، لم‌يجز عن حجّة الإسلام، فيجب عليه بعد زوال العذر؛ ولو استناب مع رجاء الزوال وحصل اليأس بعد عمل النائب، فالظاهر الكفاية، وعن صاحب المدارک عدمها ووجوب الإعادة، لعدم الوجوب مع عدم اليأس، فلايجزي عن الواجب، وهو كماترى. والظاهر كفاية حجّ المتبرّع عنه(13) في صورة وجوب الاستنابة. وهل يكفي  الاستنابة من‌الميقات كما هوالأقوى فيالقضاء عنه بعدموته؟ وجهان؛ لايبعد الجواز (14)حتّى إذا أمكن ذلک في مكّة مع كون الواجب عليه هو التمتّع، ولكنّ الأحوط خلافه، لأنّ القدر المتيقّن من الأخبار الاستنابة من مكانه، كما أنّ الأحوط عدم كفاية التبرّع عنه لذلک أيضاً.

1- الفیاض: فیه ان هذا القید وإن لم یرد في لسان شيء من روایات الباب، الّا انه مستفاد من تلک الروایات بمناسبة الحکم والموضوع، ونذکر عمدتها فیما یلي:

1- صحیحة عبد الله بن سنان عن أبي عبد الله قال: «ان أمیر المؤمنین صلوات الله علیه أمر شیخا کبیرا لم یحج قط ولم یطق الحج لکبره أن یجهّز رجلا یحج عنه»(الوسائل باب: 24 من أبواب وجوب الحج وشرائطه الحدیث: 6) ولکن موردها الشیخ الکبیر دون المریض، وتنص علی أن وجوب الاستنابة علیه مرتبط بأن لا یطبق الحج لإصابته بمرض الشیخوخة والکبر، ومثلها صحیحة معاویة بن عمار عن أبي عبد الله قال: «إن علیا رأی شیخا لم یحج قط ولم یطق الحج من کبره، فأمره أن یجهّز رجلا فیحج عنه»(الوسائل باب: 24 من أبواب وجوب الحج وشرائطه الحدیث: 1).

2- صحیحة الحلبي عن أبي عبد الله في حدیث قال: «وإن کان موسرا وحال بینه وبین الحج مرض أو حصر أو أمر یعذره الله فیه، فان علیه أن یحج عنه من ماله صرورة لا مال له»(الوسائل باب: 24 من أبواب وجوب الحج وشرائطه الحدیث: 2) وموردها مطلق العائق کالمرض أو نحوه، وتدل علی أن من کان موسرا ولدیه الامکانیة المالیة لنفقات سفر الحج اذا منعه عن القیام به مباشرة مرض أو حصر أو أمر یعذره الله تعالی فیه فعلیه أن یجهز صرورة لا مال له لیحج عنه بدون تقیید ذلک بالیأُس عن زوال العذر وانقطاع أمله في التمکن من القیام المباشر به طول فترة عمره.

3- صحیحة محمد بن مسلم عن أبي جعفر قال: «کان علی7 یقول: لو أن رجلا أراد الحج فعرض له مرض أو خالطه سقم فلم یستطع الخروج فلیجهّز رجلا من ماله، ثم لیبعثه مکانه»(الوسائل باب: 24 من أبواب وجوب الحج وشرائطه الحدیث: 5) فانها تنص علی أن المانع عن القیام بالحج مباشرة انما هو عروض المرض علیه بدون تقیید ذلک بصورة الیأس عن زواله وعدم رجاء برئه واستعادة صحته في النهایة، هذه هي عمدة روایات الباب، نعم هنا روایات أخری ولکنها غیر تامة من ناحیة السند.

ثم ان مقتضی الروایتین الأولیین وجوب الاستنابة علی الشیخ الکبیر الذي لا یطیق الحج مباشرة ولا یقدر علیه لإصابته بالشیخوخة المأیوس من زوالها واسعادة قوته مرة أخری، فلو کنا نحن وهاتین الروایتین من الاقتصار علی موردهما، وعدم التعدي الی اعذار أخری کالمرض أو نحوه، حتی فیما اذا کان مأیوسا من زوالها وواثقا ومتأکدا باستمرارها طول فترة عمره، وذلک لأن الحکم في موردهما حیث یکون علی خلاف القاعدة فلا یمکن التعدي منه الی سائر الموارد بدون قرینة.

وأما مقتضی الروایتین الأخیرتین فهو تعمیم الحکم لکل ذي عذر سواء أکان مرضا أو حصرا أو أمرا آخر یعذره الله تعالی فیه، فان المعیار انما هو بعدم استطاعته للحج بدون خصوصیة لسبب أو اخر، فان قوله في الروایة الأولی: «أو أمر یعذره الله فیه» وقوله في الروایة الثانیة «فلم یستطع الخروج» یدلان علی هذا التعمیم.

 تطبیقات وتکمیلات

 

إیضحا وتطبیقا لموارد الروایات نستعرض فیما یلي تسع حالات:

الحالة الأولی: ان مشروعیة النیابة ووجوبها علی الشیخ الکبیر مرتبط بأن لا یطیق ممارسة أعمال الحج مباشرة وإن کان ذلک من جهة الحرج علیه، واما وجوبها علی من لدیه الامکانیة المالیة لنفقات سفر الحج ولکن لا یطیق ممارسة اعماله مباشرة بسبب مرض أو حصر أو غیر ذلک، فهل هو مرتبط ببقاء العذر الی النهایة وانقطاع أمله من التمکن من القیام المباشر بها؟ أو لا، فیه وجهان: قد یقال بالثاني، بدعوی أنه مقتضی اطلاق الروایتین الأخیرتین. ولکن الصحیح هو الأول.

فلنا دعویان: الأولی: بطلان الوجه الثاني. الثانیة: صحة الوجه الأول.

اما الدعوی الأولی؛ فیرد علیها:

أولا: انه علی تقدیر اطلاقهما، فلا یمکن الأخذ به، اذ لازم ذلک وجوب الاستنابة عن المعذور وإن علم بزوال عذره واستعادة قوته في السنة القادمة، وهذا مقطوع البطلان، لوضوح ان الأمر لو کان کذلک لشاع بین الأصحاب ووصل إلینا یدا بید، وطبقة بعد طبقة من زمن الأئمة: وذلک لأمرین:

أحدهما: کثرة الابتلاء بالمسألة في هذا الفرض.

والآخر: اهتمام الناس بالحج من أي واجب آخر، مع أن الشائع بین الاصحاب عکس ذلک.

وثانیا: انه لا اطلاق لهما، والسبب فیه ان وجوبه علیه بالاستنابة بما أنه بدل اضطراري لوجوبه علیه بالأصالة، فالمتفاهم العرفي من دلیله المتمثل في الروایتین المذکورتین بمناسبة الحکم والموضوع الارتکازیة هو وجوبها عند تعذر المبدل، وحیث انه وجب في طول فترة العمر مرة واحدة فالمعیار انما هو بتعذره في طول تلک الفترة تماما، واما اذا تعذر بین فترة وأخری فلا یکون متعذرا، لفرض انه متمکن منه، ومعه لا ینتقل الأمر الی بدله.

وثالثا: ان مقتضی اطلاقهما عکس هذه الدعوی، لأن قوله في صحیحة الحلبي: «حال بینه وبین الحج مرض أو حصر أو أمر یعذره الله فیه»(الوسائل باب: 24 من أبواب وجوب الحج وشرائطه الحدیث: 2) مطلق وغیره مقید بفترة خاصة کالسنة الأولی من السطاعته مثلا، وکذلک قوله في صحیحة محمد بن مسلم: «فلم یستطع الخروج»(الوسائل باب: 24 من أبواب وجوب الحج وشرائطه الحدیث: 5) فانه مطلق وغیر مقید بزمن خاص، فاذن مقتضی اطلاق صحیحة الحلبي انه حال بینه وبین الحج في طول فترة عمره، اذ لو حال بینهما في فترة دون أخری لم یصدق انه  حال بینهما الّا في تلک الفترة خاصة لا مطلقا، فان الحج واجب علی الإنسان المستطیع في طول زمن مدة عمره مرة واحدة، وعلی هذا فمقتضی اطلاق قوله في صحیحة الحلبي: «حال بینه وبین الحج مرض... الخ» انه حال بینهما في تمام هذه المدة، والّا لم تصدق الحیلولة اذا کان متمکنا منه في فترة من تلک المدة، وکذلک الحال في قوله في صحیحة محمد بن مسلم: «فلم یستطع الخروج: فانه اذا استطاع الخروج الی الحج في طول تلک المدة لم یصدق انه غیر مستطیع، فان المعیار في وجوب الحج علیه مباشرة انما هو باستطاعته وتمکنه منه في فترة من فترات طول عمره، لا في تمام فتراته، ومن هنا اذا تمکن المکلف من الصلاة – مثلا – في فترة من فترات وقتها کفی في وجوبها علیه، لصدق انه متمکن من الاتیان بها في وقتها.

ومع الاغماض عن ذلک وتسلیم انه لا اطلاق لهما، الّا أنه لا شبهة في أنه لا اطلاق لهما أیضا في جواز الاستنابة مطلقا، بل تصبح الروایتان حینئذ مجملتین، فالقدر المتیقن منهما عدم جواز الاستنابة الّا في فرض الیأس وانقطاع الأمل في التمکن من القیان المباشر بالحج، ومن هنا یظهر حال الدعوی الثانیة، وانه لا مناص من الالتزام بها.

وإن شئت قلت: ان قوله: «حال بینه وبین الحج مرض...»(الوسائل باب: 24 من أبواب وجوب الحج وشرائطه الحدیث: 2) مطلق وغیر مقید بفترة خاصة کالسنة الأولی من الاستطاعة – مثلا – والفرض ان الحج واجب علیه طول عمره مرة واحدة لا في کل سنة، لأن الواجب في کل سنة انما هو فوریته علی المشهور، لا أصل الحج، والمفروض ان المرض قد حال بینه وبین أصل وجوب الحج لا فوریته، وعلی هذا فالمراد من حیلولة المرض أو نحوه حیلولته عن ممارسة أعمال الحج مباشرة في تمام عمره، والّا فلا یکون حائلا بینه وبین أصل الحج.

فالنتیجة: ان الانسان اذا کانت عنده الامکانیة المالیة لنفقات سفر الحج ولم یتح له أن یحج مباشرة لمرض أو اي عائق آخر، أو اتیح له ذلک ولکنه تساهل في التأخیر سنة بعد أخری الی أن ضعف عن الحج وعجز عنه لسبب من الأسباب وانقطع أمله في التمکن من المقام المباشر به، فعلیه دن یستنیب شخصا یحج عنه.

الحالة الثانیة: اذا عرض علی الموسر في السنة الأولی من استطاعته مرض أو عائق آخر یمنعه عن القیام بالحج مباشرة، فان کان علی یقین من بقاء هذا العذر واستمراره الی تمام فترات عمره، وجب علیه أن یرسل شخصا یحج عنه في نفس تلک السنة، شریطة أن لا یکون واثقا ومطمئنا بعدم الفوت اذا أخر، والا فلا یبعد جواز التأخیر، علی أساس ما ذکرناه من انه اذا استطاع وتمکن من الحج بنفسه ومباشرة وجب علیه أن یحج فورا اذا لم یکن مطمئنا بعدم الفوت اذا أخر.

فالنتیجة: ان وجوب الفور في کلا الموردین مبني علی ما مر من عدم الوثوق والاطمئنان بعدم الفوت.

الحالة الثالثة: ان الانسان المستطیع مالیا اذا لم تتح الفرصة له أن یحج بنفسه لمرض أو أي عذر آخر، وانقطع أمله جزما في التمکن من القیام به مباشرة، فعلیه أن یجهز رجلا لیحج عنه، وکذلک الحال اذا کان واثقا ومتأکدا باستمرار عذره وبقائه وعدم اتاحة الفرصة له للقیام بالحج بنفسه، بل الأمر کذلک اذا کان هذا المقتضی الاستصحاب. واما اذا فرض انه استعاد قوته ونشاطه الصحي البدني، فان کان قبل قیام النائب بالحج فلا شبهة في وجوبه علیه بنفسه، لکشف ذلک عن بطلان الاستنابة، وإن کان بعد قیام النائب به فهل یجب علیه کذلک، أو لا؟ الظاهر الوجوب، لما مر من ان المستفاد من الروایات ان موضوع وجوب الاستنابة العذر المستمر فیه الی آخر عمره، واما اذا انکشف الخلاف وعدم استمراره فیه کشف ذلک عن عدم تحقق موضوع وجوب الاستنابة، ومعه تکون النیابة باطلة، فمن أجل ذلک یجب علیه بعد ان استعاد قوته ونشاطه الصحي أن یحج بنفسه، وحینئذ فلا وجه للقول بإجزاء حج النائب عنه، وعدم وجوبه علیه، فانه مبني علی أن یکون الیأس وانقطاع الأمل نهائیا تمام الموضوع لوجوب الاستنابة، ولکن قد مر أنه غیر مأخوذ في لسان شيء من الروایات، وعلی تقدیر أخذه فیه فالظاهر منه عرفا أه مأخوذ علی نحو الطریقیة دون الموضوعیة.

الحالة الرابعة: هل یعتبر أن یکون النائب صرورة؟

المعروف والمشهور عدم اعتباره، بدعوی ان الروایات مطلقة، ومقتضی اطلاقها عدم الفرق بین کون النائب صرورة أو لا.

واما صحیحة الحلبي التي تدل علی کون النائب صرورة، فلابد من حملها علی الاستحباب، علی أساس أن المشهور بین الأصحاب عدم اعتبار استنابة الصرورة.

فیه: ان الصحیحة علی تقدیر ظهورها في ذلک فرفع الید عنه بحاجة الی قرینة، ولا قرینة علیه لا في الداخل ولا من الخارج، واما إعراض المشهور عن ظهورها وحملها علی خلاف الظاهر، فلا یصلح ان یکون قرینة، فانه لو قلنا بأن اعراضهم عن روایة معتبرة یوجب سقوطها عن الاعتبار، ولکن اعراضهم عن دلالتها لا یوجب سقوطها عن الحجیة، ومع هذا، فالصحیح ما ذهب الیه المشهور من عدم اعتبار الصرورة في النائب. والوجه فیه: انه لا ظهور للصحیحة في اعتبارها.

بیان ذلک: ان الوصف تارة یذکر مع موصوفه، فیقال – مثلا -: اکرم الرجل العالم. وأخری یذکر مستقلا فیقال: اکرم العالم، ام علی الأول فقد ذکرنا في علم الأصول أنه لا بأس بدلالة الوصف علی المفهوم في الجملة، وهذا لا بملاک قاعدة احترازیة القید، فان هذه القاعدة تقتضي ان الحکم الثابت في القضیة انما هو ثابت لحصة خاصة من الموضوع لا للطبیعي الجامع، ومن المعلوم أن انتفائه بانتفاء الحصة انما هو من باب انتفاء شخص الحکم بانتفاء موضوعه، وهذا لیس من المفهوم في شيء لأنه عبارة عن انتفاء طبیعي الحکم، بل بملاک أنه لو کان یجب اکرام الرجل العالم والرجل الجاهل معا وإن کان ذلک بفردین من الوجوب، وبجعلین مستقلین لکان تقیید الرجل بالعالم لغوا وبلافائدة، فاذن بطبیعة الحال یدل انتفاؤه علی انتفاء طبیعي الحکم في الجملة، یعني عن بعض حالات أخری للموضوع، وتمام الکلام هناک.

وأما علی الثاني: فبما أن الوصف تمام الموضوع للحکم المجعول في القضیة – کاللقب – فهو لا یدل الّا علی انتفاء شخص الحکم بانتفائه من باب انتفاء الحکم بانتفاء موضوعه. ضرورة أن حدیث اللغویة لا یأتي حینئذ، لأن ذکر الوصف لا یکون لغوا علی أي حال ما دام الموصوف غیر مذکور في الکلام.

وما نحن فیه من هذا القبیل، فان الوصف في الصحیحة قد جعل موضوعا للحکم مستقلا، وهو (الصرورة) بدون أن یذکر موصوفه فیها، باعتبار أنها جاءت بهذا النص «یحج عنه من ماله صرورة لا مال له»(الوسائل باب: 24 من أبواب وجوب الحج وشرائطه الحدیث: 7) لا رجلا صرورة، وعلی هذا فالحکم المجعول في الصحیحة مرتبط بشخص الوصف المذکور فیها من باب ارتباط الحکم بموضوعه، ومن المعلوم ان انتفاءه لا یدل الّا علی انتفاء شخص هذا الحکم المجعول فیها من دون الدلالة علی انتفاء الطبیعي، ولا یکون ذکره لغوا اذا فرض ثبوت فرد آخر من الحکم المماثل له للموضوع في حالة أخری عند انتفائه في هذه الحالة.

وبکلمة ثانیة: اذا قیل: اکرم الفقیه – مثلا – فانه یدل علی أن الفقیه بعنوانه موضوع لوجوب الاکرام المجعول في هذه القضیة التي سیقت لإبرازه، وینتفی بانتفائه قهرا، ولا یدل علی نفي وجوب الإکرام عن طبیعي العالم الجامع بینه وبین غیره، لأن ملاک هذه الدلالة غیر متوفر في الوصف غیر المعتمد علی موصوفه في القضیة، علی أساس ان ملاکها انه لو کان ثابتا للطبیعي الجامع دون حصة خاصة منه لکان ذکره لغوا، ومن المعلوم أن هذا الملاک غیر متوفر فیه، باعتبار أنه یدل علی أن شخص هذا الحکم ثابت لشخص هذا الوصف بلحاظ أنه بحده الفردي موضوع له، وبانتفائه ینتفي نفسه هذا الحکم، ولا یدل علی انتفاء فرد آخر من الحکم عن حصة أخری، ولا عن الطبیعي الجامع، نعم إن هذا الملاک إنما یکون متوفرا في الوصف الذي یذکر مع موصوفه، کما إذا قیل (اکرم العالم الفقیه) فانه یدل علی أن الحکم المجعول في القضیة غیر ثابت لطبیعي العالم الجامع، والّا لکان تقییده به لغوا، کما أنه یدل علی نفي فرد آخر من الحکم المماثل للفرد المجعول في القضیة بجعل آخر في انتفاء الوصف في الجملة، والّا لکان التقیید به بدون فائدة.

فالنتیجة: ان الوصف اذا کان یذکر مع موصوفه کالمثال المتقدم یدل علی نفي ثبوته عن بعض حالات انتفاء الوصف، ومن هنا قلنا في علم الأصول ان الوصف یدل علی المفهوم بنحو السالبة الجزئیة، واذا کان یذکر مستقلا فلا یدل الا علی ثبوت الحکم في مورده فیکون حاله حال اللقب، کقولنا «اکرم زیدا» وبما ان وصف الصرورة في صحیحة الحلبي کان یذکر مستقلا لا مع موصوفه فلا یدل علی نفي الحکم وهو وجوب الاستنابة في حالة أخری عند انتفائه، ومع عدم الدلالة فلا تکون الصحیحة معارضة للروایات المطلقة، فاذن یکون اطلاقها هو المرجع والحاکم، ومقتضاه عدم الفرق بین الصرورة وغیرها، وإن کان الأولی والأجدر به أن یختار الصرورة.

الحالة الخامسة: هل یجوز له أن یستنیب امرأة ویجهّزها لکي تحج عنه، أو لابد أن یکون النائب رجلا؟ فیه وجهان:

الظاهر هو الدولی، فان ذکر الرجل في الروایات انما هو بلحاظ ان الغالب في الخارج والمتعارف فیه هو استنابة الرجل لا من جهة خصوصیة فیه، اذ لا یحتمل عرفا أن تکون للرجل خصوصیة فیها، ومن هنا لا یحتمل اختصاص هذا الحکم بکون المنوب عنه رجلا، مع أن مورد روایته الرجل.

فالنتیجة: ان هذه الروایات انما هي في مقام بیان مشروعیة النیابة عن الحي العاجز وشروطها، وذکر الرجل فیها انما هو من باب المثال وبملاک أنه أحد افراد المکلف، لا بملاک أنه في مقابل المرأة، فلا فرق بین الرجل والمرأة لا في النائب ولا في المنوب عنه.

الحالة السادسة: لا اشکال في وجوب الاستنابة في العذر الطارئ کالشیخوخة أو القسم أو عائق آخر شریطة أن یکون مأیوسا ومنقطعا أمله في التمکن من القیام المباشر بالحج، وأما إذا کان العذر فیه خلقیا وعائقا عن القیام بالحج مباشرة، فهل یجب علیه أن یستنیب شخصا لیحج عنه أو لا؟ لا یبعد عدم الوجوب لأن مورد أکثر روایات الباب العذر الطارئ کمرض الهرم او السقام أو الحصر أو نحو ذلک، وانما الکلام في صحیحة الحلبي، فانه قد یقال: ان قوله فیها «وحال بینه وبین الحج مرض أو حصر أو أمر یعذره الله فیه»(الوسائل باب: 24 من أبواب وجوب الحج وشرائطه الحدیث: 2) مطلق، وباطلاقه یعم الحیلولة بالعائق خلقة وذاتا، ولکنه بعید جدا، فان المتفاهم العرفي منه العذر الطارئ لا مطلق العذر ولو کان خلقة وذاتا.

فالنتیجة: ان المنسبق من الحائل في الصحیحة عرفا هو العذر الطارئ دون الأعم منه ومن العذر الذاتي الخلقي، ولکن مع ذلک اذا کان موسرا فالأحوط والأجدر به وجوبا أن یستنیب شخصا لیحج عنه، واذا مات بعد ذلک وکانت عنده ترکة وجب اخراج الحج عنه من أصل الترکة بمقتضی استصحاب بقاء اشتغال ذمته به وإن کان الأحوط والأجدر الاستئذان من الورثة أیضا.

الحالة السابعة: اذا لم یتمکن من الاستنابة لسبب من الاسباب، ولو من جهة ان النائب یطلب مالا کثیرا یکون حرجیا علیه، ومات في هذه الحالة، فهل یجب أن یستنیب شخصا من قبله لأن یحج عنه؟ الظاهر انه لا اشکال في الوجوب اذا کان الحج مستقرا علیه، ویخرج نفقاته من أصل ترکته، الّا اذا أوصی باخراجها من الثلث، واما اذا لم یکن مستقرا علیه، کما اذا کان في أول سنة الاستطاعة، فلا تجب الاستنابة عنه، لأن التکلیف في زمن حیاته لم یتنجز علیه لا مباشرة لعدم التمکن منه لهرم أو مرض أو أي عائق آخر، ولا اسنابة، فاذن لم یفت منه شيء لکي یجب قضاؤه علیه.

فالنتیجة: ان مقتضی القاعدة في هذا الفرض عدم وجوب القضاء.

الحالة الثامنة: هل یجب علیه أن یستنیب شخصا من بلده، أو یکفي من المیقات؟

الظاهر هو الکفایة من المیقات، باعتبار أن الواجب علیه الحج، وهو یبدأ بالإحرام من المیقات، وبما انه لا یتمکن من القیام به مباشرة فتجب علیه الاستنابة منه، ومن المعلوم ان البدل لا یزید علی المبدل، أو فقل: ان الاستنابة انما تجب لتفریغ ذمته، والفرض أن ذمته مشغولة بالحج لا بما له من المقدمات الخارجیة، والفرض ان مبدأ الحج انما هو بالاحرام من المیقات.

واما روایات الباب فهي أیضا لا تدل علی وجوب الاستنابة علیه من بلدته، ولا نظر لها إلی امکان الإرسال، بل هي ناظرة الی أن وظیفته أن یجهز رجلا ویرسله لیحج عنه، واما کون الارسال من بلدته أو بلدة أخری، أو من المیقات، فلا نظر لها إلی شيء من هذه الجهات.

واما قوله في صحیحة محمد بن مسلم: «ثم لیبعثه مکانه»(الوسائل باب: 24 من أبواب وجوب الحج وشرائطه الحدیث: 5) فلا یکون ظاهرا في وجوب البعث والارسال من مکان المنوب عنه، بل هو ظاهر في أن وظیفته أن یجهز رجلا للحج عنه، ثم ارساله مکانه، أي نائبا عنه، من دون دلالته علی تعیین مکان الارسال.

فالنتیجة: انه لا شبهة في کفایة الاستنابة عن المیقات.

الحالة التاسعة: لا شبهة في امن مورد اکثر روایات الباب هو حجة الإسلام الأصلیة التي هي الحجة الأولی للمستطیع، کالروایات التي یکون موردها الشیخ الکبیر، وصحیحة الحلبي باعتبار تعلیق وجوب الحج فیها علی الیسار والامکانیة المالیة، وهو قرینة علی أن المراد منه حجة الإسلام الأصلیة.

واما صحیحة محمد بن مسلم، فقد یقال: إنها مطلقه وباطلاقها تشمل حجة الإسلام وغیرها کالحج العقوبتي، باعتبار انه لیس فیها ما یدل علی أن المراد من الحج فیها حجة الإسلام الأصلیة.

وقد یجاب عن ذلک: ان مورد الصحیحة الحج التطوعي الإرادي، ولا یعم الحج الواجب في أصل الشرع.

فیه: ان هذا الجواب مبني علی أن یکون المراد من قوله في الصحیحة: «لو أن رجلا أراد الحج»(الوسائل باب: 24 من أبواب وجوب الحج وشرائطه الحدیث: 5) ان أمره بیده، ولا یکون ملزما بارادة الاتیان به، ولکن هذا المعنی خلاف الظاهر من الروایة، فان الظاهر منها عرفا هو أنه ملزم بارادته، نظیر قوله تعالی: (فإِذا قُمتُم إِلَی اَلصَّلاةِ)، ویؤکد ذلک قوله في ذیلها: «فلیجهّز رجلا من ماله لیبعثه مکانه»(الوسائل باب: 24 من أبواب وجوب الحج وشرائطه الحدیث: 5) فانه ظاهر في وجوب ذلک، فیکون قرینة علی ان المراد من الحج هو الحج الواجب، وعندئذ فهل تشمل الصحیحة الحج العقوبتي؟ الظاهر عدم الشمول، فان المنساق منها عرفا هو الحج الأصلي الواجب في الشریعة المقدسة دون الأعم منه واما الحج اذا کان منذورا فبما أن طروّ الحائل بینه وبین الحج کاشف عن بطلانه، فلا یکون مشمولا لها.

2- الفیاض: تقدم أن ما یتوهم اطلاقه من هذه الناحیة صحیحتي الحلبي ومحمد ابن مسلم، ولکن قد مر الاشکال بل المنع في اطلاقهما، وأن المتفاهم العرفي منهما بمناسبة الحکم والموضوع الارتکازیة وجوب الاستنابة علیه اذا کان واثقا ومتأکدا ببقاء عذره ما دام في قید الحیاة وانقطاع أمله في التمکن من القیام بالحج مباشرة، لا مطلقا.

3- الفیاض: في الظهور اشکال اذا کان المعذور واثقا ومطمئنا بأنه اذا أخر الاستنابة في هذه السنة لم تفت منه في السنة القادمة، وذلک لأن روایات الباب الآمرة بتجهیز الرجل وتوفیر مقدمات الحج لإرساله الیه اذا انقطع أمله في التمکن منه مباشرة غیر ناظرة الی وجوب ذلک فورا، فانها تدل علی أن وظیفته استنابة رجل بدیلا عنه اذا انقطع أمله فیه، اما انها واجبة علیه فورا وبصرف انقطاع الأمل والیأس عن استئناف قوته ثانیا، فهي لا تدل علیه، لأنها لیست في مقام البیان من هذه الناحیة، وانما هي في مقام بیان وظیفته في هذه الحالة، وقد ذکرنا في أول بحث الحج انه لا دلیل علی وجوبه فورا فیما اذا کان الانسان مطمئنا بعدم فوته منه إذا أخر، ولکن مع ذلک فالأحوط والأجدر به وجوبا عدم التأخیر في کلا الموردین.

4- الفیاض: بل الأقوی الوجوب، لما مر من أن الموضوع الاستنابة العذر الواقعي المستمر ما دام حیا، ولا موضوعیة للیأس وانقطاع الأمل، فانه طریق الیه، فاذا ارتفع العذر واقعا وتمکن من القیام بالحج مباشرة وجب علیه القیام به، لأنه یکشف عن بطلان الاستنابة علی تفصیل تقدم.

5- الفیاض: هذا بناء علی مسلکه1 من صحة النیابة في هذا الفرض، واما بناء علی ما هو الصحیح من بطلانها فیه – کما مر – فلا یکون حج النائب هو الحج الواجب علی المنوب عنه حتی یکون مجزیا عنه، بل علیه الاتیان به مباشرة، لأن ارتفاع العذر عنه کاشف عن تمکنه من القیام المباشر بالحج، ومعه لا موضوع للنیابة.

6- الفیاض: مر أنه لا یکفي حتی اذا ارتفع العذر بعد العمل فضلا عما اذا ارتفع في أثنائه، بل ولو قلنا بالکفایة في الفرض الأول لم نقل بها في الفرض الثاني، لأن القول بالکفایة في الأول مبني علی أن یکون موضوع وجوب الاستنابة الیأس وانقطاع الأمل دون العذر الواقعي، وعلی هذا فاذا تبدل الیأس وانقطاع الأمل بالرجاء والوثوق باستعادة قوته مرة ثانیة علی الحج مباشرة، فان کان ذلک التبدل بعد عمل النائب واتیانه بالحج، فلا یکشف عن بطلان عمله وعدم صحة النیابة، باعتبار انه من تبدل الموضوع بموضوع آخر، لا من باب کشف الخلاف في الواقع، وان کان في أثناء عمله فلا یمکن الحکم بالصحة ووجوب اتمامه علیه، لأن الموضوع اذا تبدل فاصبح النائب اجنبیا عن المنوب عنه ولا یکون مکلفا بالاتمام من قبله، فاذن لا محالة یکون المنوب عنه هو المکلف بتفریغ ذمته، علی أساس أنها لا تزال مشغولة بالحج، وما أتی به النائب من بعض أعمال الحج کالإحرام ونحوه فهو ملغی ولا قیمة له، وبه یظهر حال ما بعده.

7- الفیاض: في الدعوی اشکال بل منع، لا من جهة ما ذکره الماتن1 من کون الاستنابة بأمر الشارع، وکون الإجارة لازمة... الخ... فانه مبني علی أن یکون الیأس بارتفاع العذر وانقطاع الأمل حدوثا علة لوجوب الاستنابة حدوثا وبقاء، وهذا خلاف الضرورة الفقهیة، بل من جهة ان موضوع جواز النیابة ومشروعیتها هو العذر المستمر في الواقع وما دام العمر، واذا لم یستمر کشف ذلک عن بطلانها وعدم مشروعیتها من الأول، ولا یعقل أن تکون النیابة صحیحة ما دام العذر موجودا، واذا ارتفع ارتفعت بارتفاع موضوعها، لأن لازم ذلک صحة الاستنابة مع العلم بارتفاع العذر في المستقبل، وهو کما تری.

8- الفیاض: فیه انه لا وجه التخصیص، اذ لا یحتمل أن یکون ابلاغ النائب بارتفاع العذر دخیلا ف يانفساخ الاجارة فانه علی القول بأن ارتفاعه واسعادة المنوب عنه قوته دخیل في انفساخها، لا کاشف عن بطلانها من الأول، فهو دخیل فیه واقعا وإن لم یبلغ النائب به.

9- الفیاض: علی الأحوط وجوبا کما مر في الحالة السادسة.

10- الفیاض: في الضعف اشکال، ولا یبعد عدمه نظریا، لما مر من ان المتفاهم العرفي من الروایات هو العذر الطارئ، لا الأعم منه ومن الذاتي، ولکن مع ذلک لا یترک الاحتیاط علی تفصیل تقدم في الحالة السادسة.

11- الفیاض: فیه اشکال من جهتین:

الأولی: انه ینافي ما ذکره1 في الفصل الآتي في المسألة (11) من الجزم بعموم الحکم.

الثانیة: ان ذلک لیس من باب القدر المتیقن، فان دلیل المسألة لیس دلیلا لبیا، بل هو لفظي، ولا اجمال فیه، بل من باب ان مورد أکثر روایات المسألة حجة الإسلام، ولا اطلاق لها. واما صحیحة محمد بن مسلم التي قد یتوهم أنها مطلقة، فقد ذکرنا في الحالة التاسعة أن المنصرف منها حجة الإسلام الأصلیة دون الأعم.

12- الفیاض: هذا شریطة أن تکون الزیادة حرجیة علیه، واما اذا لم تصل الی حد الحرج فلا تکون مانعة عن وجوب الاستنابة وإن کانت مجحفة وضرریة.

13- الفیاض: في الکفایة اشکال بل منع، والأظهر عدمها، لأن سقوط الواجب عن ذمة فرد بفعل آخر بحاجة الی دلیل، ومقتضی القاعدة عدم السقوط، والدلیل في المقام انما هو روایات المسألة، وتلک الروایات تنص علی أن من جهّز رجلا لیحج عنه، فاذا حج سقط عن ذمته، باعتبار أن فعله فعل له بالتسبیب، ولا تدل علی سقوطه عن ذمته بفعل المتبرع، ولا یوجد دلیل آخر علی ذلک، فاذن مقتضی القاعدة عدم السقوط.

ودعوی: ان هذه الخصوصیة غیر دخیلة في ذلک، فان المسقط انما هو فعل النائب بما هو فعله، لا بما  أنه فعل للمنوب عنه بالتسبیب، فاذن لا فرق بین فعل المتبرع وفعل النائب، غایة الأمر أن المتبرع یأتي به نیابة عنه تبرعا، والنائب یأتي به نیابة عنه بأمره، ومن هنا لا فرق بینهما في النیابة عن المیت، فانها مسقطة وإن کانت تبرعیة.

مدفوعة: بأن احتمال دخل هذه الخصوصیة في سقوط الواجب عن ذمة المنوب عنه موجود، ولا دفع له في المقام، باعتبار ان الحکم یکون علی خلاف القاعدة، فالتعمیم ورفع الید عن هذه الخصوصیة في مورد الروایات بحاجة الی دلیل، ولا دلیل علیه، فمع هذا الاحتمال لا یمکن الحکم بالسقوط عن ذمته بفعل المتبرع اذا أتی به نیابة عنه تبرعا، وحینئذ فمقتضی الأصل عدم السقوط وبقائه في ذمته، ولا یقاس المقام بالنیابة عن المیت تبرعا، فان النیابة عنه کذلک ثبت استحبابها شرعا، فمن أجل ذلک یکون التبرع عنه مسقطا لذمته، وهذا بخلاف المقام، فانه لا دلیل علی استحباب النیابة التبرعیة عن الحي العاجز، فان الدلیل منحصر بالروایات المتقدمة، وهي لا تدل علی کفایة التبرع، باعتبار أنه خارج عن موردها، والتعدي بحاجة الی الدلیل، لأن الحکم یکون علی خلاف القاعدة.

وان شئت قلت: ان الواجب الثابت في ذمة شخص لا یسقط الّا بفعله مباشرة، واما سقوطه عن ذمته بفعل غیره فهو بحاجة إلی دلیل ولا دلیل علیه.

14- الفیاض: بل هو الظاهر، حیث ان مورد النیابة الحج، وهو یبدأ بالإحرام من المیقات، وأما مقدماته الموصلة فهي خارجة عن موردها، وقد تقدم في الحالة الثامنة انه لا یوجد في الروایات ما یدل علی خلاف ذلک، وبه یظهر حال ما بعده.

 مسألة 73: إذا مات من استقرّ عليه الحجّ في الطريق، فإن مات بعد الإحرام ودخول الحرم أجزأه عن حجّة الإسلام، فلايجب القضاء عنه؛ وإن مات قبل ذلک وجب القضاء عنه وإن كان موته بعد الإحرام على المشهور الأقوى(1)، خلافآ لما عن الشيخ وابن إدريس، فقالا بالإجزاء حينئذٍ أيضاً، ولا دليل لهما على ذلک إلّا إشعار بعض الأخبار كصحيحة بريد العجليّ، حيث قال فيها بعد الحكم بالإجزاء إذا مات في الحرم: «و إن كان مات وهو صرورة قبل أن يحرم جعل حمله وزاده ونفقته في حجّة الإسلام» فإنّ مفهومه الإجزاء إذا كان بعد أن يحرم، لكنّه معارض بمفهوم صدرها، وبصحيح ضريس وصحيح زرارة ومرسل المقنعة، مع أنّه يمكن أن يكون المراد من قوله: «قبل أن يحرم» قبل أن يدخل في الحرم، كما يقال: أنجد، أي دخل في نجد وأيمن أي دخل اليمن، فلاينبغي الإشكال في عدم كفاية الدخول في الإحرام، كما لايكفي الدخول في الحرم بدون الإحرام، كما إذا نسيه في الميقات ودخل الحرم ثمّ مات، لأنّ المنساق من اعتبار الدخول في الحرم كونه بعد الإحرام، ولايعتبر دخول مكّة وإن كان الظاهر من بعض الأخبار ذلک، لإطلاق البقيّة في كفاية دخول الحرم(2). والظاهر عدم الفرق بين كون الموت حال الإحرام أو بعد الإحلال، كما إذا مات بين‌الإحرامين، وقديقال بعدم‌الفرق أيضآ بين كون‌الموت فيالحلّ أوالحرم بعدكونه بعدالإحرام ودخول‌الحرم، وهومشكل، لظهور الأخبار في الموت في الحرم(3). والظاهر عدم الفرق بين حجّ التمتّع والقران والإفراد، كما أنّ الظاهر أنـّه لو مات في أثناء عمرة التمتّع أجزأه عن حجّه أيضآ، بل لايبعد الإجزاء إذا مات في أثناء حجّ القران أو الإفراد عن عمرتهما وبالعكس، لكنّه مشكل(4)، لأنّ الحجّ والعمرة فيهما عملان مستقلّان بخلاف حجّ التمتّع، فإنّ العمرة فيه داخلة في الحجّ، فهما عمل واحد. ثمّ الظاهر  اختصاص حكم الإجزاء بحجّة الإسلام(5)،فلايجري الحكم في حجّ النذر والإفساد إذا مات في الأثناء، بل لايجري في العمرة المفردة أيضاً وإن احتمله بعضهم. وهل يجري الحكم المذكور فيمن مات مع عدم استقرار الحجّ عليه فيجزيه عن حجّة الإسلام إذا مات بعد الإحرام ودخول الحرم، ويجب القضاء عنه إذا مات قبل ذلک؟ وجهان(6)، بل قولان؛ من إطلاق الأخبار في التفصيل المذكور، ومن أنـّه لا وجه لوجوب القضاء عمّن لم‌يستقرّ عليه بعد كشف موته عن عدم الاستطاعة الزمانيّة، ولذا لايجب إذا مات في البلد قبل الذهاب أو إذا فقد بعض الشرائط الاُخر مع كونه موسراً، ومن هنا ربّما يجعل الأمر بالقضاء فيها قرينةً على اختصاصها بمن استقرّ عليه؛ وربّما يحتمل اختصاصها بمن لم‌يستقرّ عليه وحمل الأمر بالقضاء على الندب، وكلاهما منافٍ لإطلاقها، مع أنـّه على الثاني يلزم بقاء الحكم فيمن استقرّ عليه بلا دليل، مع أنّه مسلّم بينهم، والأظهر الحكم بالإطلاق، إمّا بالتزام وجوب القضاء في خصوص هذا المورد من الموت في الطريق، كما عليه جماعة وإن لم‌يجب إذا مات مع فقد سائر الشرائط أو الموت وهو في البلد، وإمّا بحمل الأمر بالقضاء على القدر المشترک واستفادة الوجوب فيمن استقرّ عليه من الخارج، وهذا هو الأظهر(7)، فالأقوى جريان الحكم المذكور فيمن لم‌يستقرّ عليه أيضاً، فيحكم بالإجزاء إذا مات بعد الأمرين واستحباب القضاء عنه إذا مات قبل ذلک(8).

1- الفیاض: هذا هو الصحیح، فانه مقتضی الجمع بین الروایات الباب.

بیان ذلک: ان تلک الروایات تصنف الی ثلاثة أصناف:

الأول: صحیحة ضریس عن أبط جعفر قال: «في رجل خرج حاجا حجة الإسلام فمات في الطریق، فقال: إن مات في الحرم فقد أجزأت عنه حجة الإسلام، وإن مات دون الحرم فلیقض عنه ولیّه حجة الإسلام»(الوسائل باب: 26 من أبواب وجوب الحج وشرائطه الحدیث: 1)، فانها تنص علی أمرین:

أحدهما: إن الحاج اذا مات في الطریق فان کان بعد دخول الحرم فقد أجزأت عنه حجة الإسلام، وسقطت عن ذمته، ولا شيء علیه.

والآخر: إن کان دون الحرم فعلی ولیه أن یقضي عنه حجة الإسلام، وهذا باطلاقه یعم ما اذا مات قبل الإحرام.

الثاني: صحیحة برید العجلي قال: «سألت أبا جعفر: عن رجل خرج حاجّا ومعه جمل له ونفقة وزاد، فمات في الطریق؟ قال: إن کان صرورة ثم مات في الحرم فقد أجزأ عنه حجة الإسلام، وإن کان مات وهو صرورة قبل أن یحرم جعل جمله وزاده ونفقته وما معه في حجة الإسلام، فإن فضل من ذلک شيء فهو للورثة إن لم یکن علیه دین – الحدیث»(الوسائل باب: 26 من أبواب وجوب الحج وشرائطه الحدیث: 2) فانها تنص علی أنه اذا مات في الحرم أجزأ عنه حجة الإسلام، واذا مات قبل أن یحرم لم یجزأ.

الثالث: صحیحة زرارة عن أبي جعفر قال: «اذا احصر الرجل بعث بهدیه... الی أن قال: قلت: فان مات وهو محرم قبل أن ینتهي الی مکة؟ قال: یحج عنه إن کان حجة الإسلام ویعتمر انما هو شيء علیه»(الوسائل باب: 26 من أبواب وجوب الحج والشرائطه الحدیث: 3) فانها تنص علی أنه اذا مات بعد الإحرام قبل أن ینتهي الی مکة لم یجزی عنه حجة الإسلام.

ثم ان قوله في الصحیحة الثانیة: «وإن کان مات وهو صرورة قبل أن یحرم جعل جمله زاده ونفقته... الخ» یدل بمقتضی مفهومه انه اذا مات وهو صرورة بعد الإحرام کفی عنه حجة الإسلام، ومقتضی اطلاقه عدم الفرق بین أن یکون موته قبل دخول الحرم أو بعده، وحینئذ یکون منافیا لقوله في الصحیحة الأولی: «وإن مات دون الحرم فلیقض عنه ولیّه حجة الإسلام» فانه مطلق من جهة أن موته کان بعد الإحرام أو قبله، فاذن تکون النسبة بینهما عموما من وجه ومورد الالتقاء بینهما هو ما اذا کان موته بعد الإحرام وقبل الحرم، فان مقتضی اطلاق الأول الإجزاء عن حجة الإسلام، ومقتضی اطلاق الثاني عدم الاجزاء عنها، فیسقط الاطلاقان معا من جهة المعارضة، فاذن لا دلیل علی الاجزاء اذا مات بعد الإحرام وقبل دخول الحرم. واما صحیحة زرارة فهي مطلقة من جهة أن موته کان قبل الحرم أو فیه ولکن قبل دخوله مکة، وتدل باطلاقها علی عدم الإجزاء في کلا الفرضین، ولکن لابد من رفع الید عن هذا الإطلاق وتقییده بما قبل أن ینتهي الی الحرم بمقتضی نص قوله في الصحیحة الأولی: «إن مات في الحرم فقد اجزأت عنه حجة الإسلام» وقوله في الصحیحة الثانیة: «ان کان صرورة ثم مات في الحرم فقد أجزأ عنه حجة الإسلام».

ودعوی: انه مطلق من جهة انه مات في الحرم محرما أو غیر محرم.

مدفوعة: بانه لا اطلاق له من هذه الناحیة، اذ لا شبهة في ظهوره عرفا في انه مات في الحرم محرما، لأنه مقتضی مناسبة الحکم والموضوع الارتکازیة، والا فلا معنی للاجزاء بدون الإحرام.

فالنتیجة: ان من ذهب الی الحج وأحرم من احد المواقیت، ثم مات في الحرم، أجزأ عنه حجة الإسلام وإن لم یدخل مکة المکرمة، فإذن لا محالة یکون المراد من قوله في صحیحة زرارة: «قبل أن ینتهي الی مکة» هو قبل أن ینتهي الی حرمها، باعتبار أنه من شئونها، فاذا دخل فیه صدق انه انتهی الی مکة.

أو فقل: انه قد ورد في الروایات ان مکة حرم الله، وعلی هذا فاذا دخل في الحرم فقد دخل في حرم الله وهو مکة، فالنتیجة: ان المعیار في الاجزاء انما هو بموته في الحرم بعد الإحرام.

2- الفیاض: بل نصها في الکفایة، لإطلاقها الناشئ من السکوت في مقام البیان، فمن أجل هذا تتقدم علی ما یکون ظاهره اعتبار دخول مکة تطبیقا لقاعدة الجمع الدلالي العرفي، وهي حمل الظاهر علی الأظهر.

3- الفیاض: فیه ان الأخبار وإن کانت ظاهرة فیه، بل ناصة، الا ان المتفاهم العرفي منها بمناسبة الحکم والموضوع الارتکازیة، ان هذا التقیید، اي تقیید الموت في الحرم، انما هو في مقابل ما اذا مات بعد الإحرام وقبل الدخول فیه، واما اذا دخل فیه ثم خرج عنه لسبب من الاسباب، ومات في الخارج فلا یبعد الإجزاء لصدق انه مات بعد الدخول في الحرم، فیکون قوله في الروایات: «مات في الحرم» (الوسائل باب: 26 من أبواب وجوب الحج وشرائطه الحدیث: 1) في مقابل من مات دونه، بقرینة انه مات في الطریق، ومن المعلوم ان موته فیه لا محالة اما أن یکون قبل الوصول الی الحرم، أو بعد الوصول الیه.

وبکلمة: إن الظاهر من هذا التقیید في الروایات هو أنه في مقابل ما اذا مات قبل دخوله الحرم، حیث فرض موته في الطریق الی مکة المکرمة، وهو لا محالة اما أن یکون قبل الدخول فیه، أو بعده، فعلی الأول لم تسقط حجة الإسلام عنه، وعلی الثاني سقطت، ولا شيء علیه، واما اذا فرض انه خرج عن الحرم بعد الدخول فیه لسبب من الاسباب، ومات اتفاقا في الخارج، فلا یبعد سقوط الحج عنه لصدق انه مات بعد الدخول فیه.

فالنتیجة: ان الإجزاء وسقوط الحج عن ذمة من مات في خارج الحرم بعد دخوله فیه غیر بعید، وإن کان الاحتیاط بالقضاء عنه في محله بل لا یترک.

4- الفیاض: الظاهر أنه لا اشکال في عدم الإجزاء، ولا یقاس ذلک بحج التمتع، فان العمرة فیه مرتبطة بالحج، فیکون المجموع عملا واحدا، وهذا الخلاف العمرة في حج القران او الإفراد، فانها واجبة مستقلة في مقابل الحج، وعلیه فاذا مات في أثناء حج الافراد او القران لم یجزئ عن عمرته، لأن روایات الباب لا تشمل ذلک، ولا یوجد دلیل آخر علیه.

5- الفیاض: بل لا شبهة في ذلک، لأن مورد الروایات المعتبرة جمیعا حجة الإسلام، والتعدي عنه الی سائر الموارد بحاجة الی دلیل، باعتبار ان الحکم یکون علی خلاف القاعدة ولا یوجد دلیل علیه.

6- الفیاض: لا یبعد الوجه الاول، وذلک لأن مقتضی القاعدة وإن کان الوجه الثاني، باعتبار ان موته في الطریق، بل في أثناء العمل اذا کان في السنة الأولی من الاستطاعة کاشف عن عدم استطاعته البدنیة من الأول، وحینئذ فلا موضوع للإجزاء، إلا أن رفع الید عن اطلاق الروایات الدالة علی أنه اذا مات في الحرم أجزأ عنه حجة الإسلام، وإذا مات دونه فعلی ولیه القضاء، یتوقف علی الوثوق والاطمئنان بعدم خصوصیة للموت في المسألة، وأن حاله حال فقدان سائر الشروط کالاستطاعة المالیة ونحوها في الطریق أو الأثناء، وأما إذا احتمل الخصوصیة فیه فلا یمکن رفع الید عن اطلاقها، وحملها علی من استقر علیه الحج.

وبکلمة: ان احتمال خصوصیة في الموت، وعدم ارتباط وجوب الحج به، وارتباطه بالاستطاعة المالیة عنده فحسب، فما دامت تلک الاستطاعة موجودة فهو ثابت في ذمته، فاذان الجزم بعدم الفرق بین الموت وانتفاء سائر الشروط مشکل جدا، إذ لا دافع لاحتماله، باعتبار أن الاستطاعة المالیة في السنة الأولی إذا انتفت لم یتمکن من حجة الإسلام، لا بنفسه ومباشرة، ولا بالاستنابة، وأما إذا انتفت الاستطاعة البدنیة عنه بالموت أو نحوه، دون المالیة، فیمکن أن یحج عنه بالاستنابة. ومع هذا الاحتمال لا یمکن رفع الید عن اطلاق تلک الروایات، لأن دلیل المقید لا یکون لفظیا، بل لبي وهو العلم او الاطمئنان بعدم خصوصیة للموت، والفرض عدم حصول العلم او الاطمئنان بذلک، فاذن یکون اطلاقها محکم، ومقتضاه عدم الفرق بین من استقر علیه الحج ومن لم یستقر.

ومن هنا یظهر انه لا وجه لحمل الدمر بالقضاء علی الاستحباب، أو علی الجامع بینه وبین الوجوب، فان ذلک بحاجة الی قرینة تدل علیه، ولا قرینة لا في نفس هذه الروایات، ولا من الخارج، ومجرد استبعاد وجوب القضاء عمن لم یستقر علیه الحج اذا مات في الطریق قبل دخول الحرم لا یصلح قرینة علی حمل الأمر بالقضاء فیها علی الاستحباب، ورفع الید عن ظهوره في الوجوب.

فالنتیجة: ان وجوب الحج عمن مات في السنة الأولی من الاستطاعة في الطریق الی مکة غیر بعید، ولا أقل انه الأحوط.

7- الفیاض: فیه ان حمل الأمر بالقضاء علی القدر المشترک بین الوجوب والندب بحاجة إلی قرینة ولا قرینة علیه کما مر.

8- الفیاض: مر انه لا وجه لهذا التفصیل، فان الموت في الطریق في السنة الأولی من الاستطاعة إن کان کاشفا عن عدم ثبوت الحج في ذمته من الأول فکما لا یکون موضوعا لوجوب القضاء لا یکون موضوعا للاجزاء أیضا، وإن لم یکن کاشفا فالموضوع لکلیهما ثابت فلا وجه للتفصیل.

مسألة 74: الكافر يجب عليه الحجّ إذا استطاع، لأنّه مكلّف بالفروع، لشمول الخطابات له أيضآ، ولكن لايصحّ منه مادام كافراً كسائر العبادات وإن كان معتقداً لوجوبه وآتياً به على‌وجهه مع قصدالقربة، لأنّالإسلام شرط في الصحّة(1). ولومات لايقضى‌عنه، لعدم‌كونه أهلا للإكرام‌ والإبراء(2)، ولوأسلم مع‌بقاءاستطاعته وجب‌عليه، وكذا لواستطاع بعد إسلامه، ولوزالت‌استطاعته ثمّأسلم لم‌يجب‌عليه على‌الأقوى، لأنّ الإسلام يجبّ ما قبله (3)كقضاء الصلوات والصيام، حيث إنّه واجب عليه حال كفره كالأداء، وإذا أسلم سقط عنه؛ ودعوى أنّه لايعقل الوجوب عليه، إذ لايصحّ منه إذا أتى به وهو كافر(4) ويسقط عنه إذا أسلم، مدفوعة، بأنـّه يمكن أن يكون الأمر به حال كفره أمراً تهكّميّاً(5) ليعاقب، لاحقيقيّاً، لكنّه مشكل بعد عدم إمكان إتيانه به لا كافرآ ولا مسلماً، والأظهر أن يقال: إنّه حال استطاعته مأمور بالإتيان به مستطيعآ وإن تركه فمتسكّعاً (6) وهو ممكن في حقّه لإمكان إسلامه وإتيانه مع الاستطاعة ولا معها إن ترک، فحال الاستطاعة مأمور به في ذلک الحال، ومأمور على فرض تركه حالها بفعله بعدها، وكذا يدفع الإشكال في قضاء الفوائت، فيقال: إنّه في الوقت مكلّف بالأداء ومع تركه بالقضاء وهو مقدور له بأن يسلم فيأتي بها أداءً ومع تركها قضاءً، فتوجّه الأمر بالقضاء إليه إنّما هو في حال الأداء على نحو الأمر المعلّق ، فحاصل الإشكال: أنـّه إذا لم‌يصحّ الإتيان به حال الكفر ولايجب عليه إذا أسلم، فكيف يكون مكلّفآ بالقضاء ويعاقب على تركه؟ وحاصل الجواب: أنـّه يكون مكلّفآ بالقضاء في وقت الأداء على نحو الوجوب المعلّق(7)، ومع تركه الإسلام في الوقت فوّت على نفسه الأداء والقضاء، فيستحقّ العقاب عليه، وبعبارة اُخرى: كان يمكنه الإتيان بالقضاء بالإسلام في الوقت إذا ترک الأداء، وحينئذٍ فإذا ترک الإسلام ومات كافراً يعاقب على مخالفة الأمر بالقضاء، وإذا أسلم يغفرله وإن خالف أيضاً واستحقّ العقاب.

1- الفیاض: علی الأحوط، لما تقدم من الاشکال في شرطیة الإسلام في صحة العبادة، وذکرنا في ضمن بعض البحوث السالفة أنه بناء علی ما هو الصحیح من أن الکفار مکلفون بالفروع، لا یبعد صحة صدور العبادة منهم، ولا یکون هناک شيء یمنعهم من نیة التقرب بها، لأن کفر الکافر لا یکون مانعا من هذه النیة، وانما هو مانع من التقرب الفعلي للکافر بها الیه سبحانه وتعالی، وهو غیر معتبر في صحة العبادة، لأن المعتبر فیها نیة القربة وقصدها، والکفر بما أن قبحه فاعلي لا فعلي، فلا یمنع من نیة القربة، لأن المانع منها انما هو القبح الفعلي لا القبح الفاعلي.

2- الفیاض: فیه ان الأهلیة لیست تمام الملاک لوجوب القضاء عنه، بل هو تابع للدلیل فان کان هناک دلیل فلابد من الأخذ به، والّا فلا شيء علیه سواء أکان أهلا للإکرام أم لا.

3- الفیاض: هذا لا لحدیث الجب، فانه لا أصل له، بل للسیرة القطعیة من النبي الاکرام6 الجاریة في فترة زمنیة ممتدة، وهي من أول بعثته6 الی آخر حیاته الکریمة علی عدم أمر الکفار الذین یدخلون في الإسلام فوجا فوجا في تلک الفترة الممتدة بقضاء العبادات، ولم ینقل منه6 ولا في مورد واحد أمره بذلک.

4- الفیاض: فیهانه بناء علی ما مر من انه لا یبد صحة الاتیان بالعبادات من الکافر، لا موضوع لهذا الاشکال، وهو عدم تعقل الوجوب علیه.

5- الفیاض: فیه انه بناء علی ما مر منا من أن صحة العبادة من الکافر غیر بعیدة، لا مبرّر لحمل الأمر بالقضاء المتوجه الی الکافر علی الأمر التهکمي. ومع الاغماض عن ذلک وتسلیم ان الإسلام شرط في صحة العبادة، فأیضا لا مبرر لهذا الحمل والتوجیه، فان دلیل وجوب القضاء دلیل واحد یعم المسلم والکافر، فلا یمکن حمل الأمر فیه بالنسبة إلی المسلم علی الأمر الحقیقي، وبالنسبة إلی الکافر علی الأمر الصوري، هذا، اضافة إلی أن مخالفة الأمر الصوري لا توجب استحقاق الإدانة والعقوبة، لما ذکرناه في محله من أن حقیقة الأمر وروحه ملاکه، فاذا کان الفعل متصفا به في مرحلة المبادي، کان الأمر المجعول له في مرحلة الاعتبار أمرا حقیقیا، وموجبا لاستحقاق العقوبة علی مخالفته، ومن هنا قلنا ان استحقاقها في الحقیقة انما هو علی تفویت الملاک الملزم المنجز، لا علی مخالفة الأمر بما هو. وأما الأمر الصوري، فبما أنه لا ینشأ من الملاک في المرحلة المبادي فلا قیمة له، ولا توجب مخالفته استحقاق العقوبة، وعلی هذا فلو کان الأمر بالقضاء المتوجه الی الکافر أمرا صوریا لم یصلح أن یوجب استحقاق العقوبة علی مخالفته، هذا من ناحیة.

ومن ناحیة أخری، انه لا مانع من أن یکون الأمر بالقضاء أمرا حقیقیا علی أساس انه متمکن من الأداء من جهة تمکنه من الإسلام، فاذا تمکن منه تمکن من القضاء أیضا، لأنه إذا أسلم في الوقت وأدّی الواجب فیه صح، والّا فعلیه قضاؤه خارج الوقت، غایة الأمر انه اذا لم یسلم – وإن لم یقدر علیه – الّا ان عدم قدرته مستند الی اختیاره، وهو لا یمنع من استحقاقه العقوبة تطبیقا لقاعدة الامتناع بالاختیار لا ینافي الاختیار.

6- الفیاض: في وجوبه متسکعا علی الکافر مطلقا اشکال بل منع، لما مر من أن وجوب الحج کذلک انما یستفاد من روایات التسویف، وشمول تلک الروایات للکافر محل منع، لأن مناسبة الحکم والموضوع الارتکازیة تقتضي اختصاصها بموردها وهو المکلف الملتفت الی وجوب حجة الإسلام علیه، ولکنه مع ذلک تساهل وتسامح في أمرها وآخر سنة بعد أخری تماهلا منه وبدون عذر مسوغ الی أن زالت استطاعته، ومن المعلوم أنها لا تنطبق علی الکافر، الّا من کان منه ملتفتا إلی أنه مکلف بالاسلام وأحکامه الإلهیة، ولکنه لا یظهر الشهادتین عنادا.

فالنتیجة: إن مورد هذه الروایات المکلف المقصر في تأخیر الحج والمتهاون فیه، وأما من لم یکن مقصرا فیه ومتهاونا ومتسوفا فلا یکون مشمولا لها، علی أساس أن مقتضی القاعدة انتفاء وجوب الحج بانتفاء موضوعه، وهو الاستطاعة وان کان انتفاؤه مستندا إلی تقصیر المکلف وتسویفه، غایة الأمر عدم سقوطه عنه بسقوط موضوعه في صورة التسویف علی أساس تلک الروایات، وأما عدم سقوطه عنه بسقوط موضوعه في صورة عدم التسویف والإهمال فهو بحاجة الی دلیل، ولا دلیل علیه، فاذن وجوب الحج متسکعا منوط بأن یکون انتفاء الاستطاعة مستندا إلی التقصیر والإهمال لا مطلقا.

7- الفیاض: قسه إنا وإن بنینا في علم الأصول علی امکان الوجوب المعلق، وقلنا هناک أنه قسم من الوجوب المشروط بالشرط المتأخر، ولیس في مقابله، ولا مانع من الالتزام به في مرحلة الاعتبار، الّا ان وقوعه خارجا بحاجة الی دلیل، ولا دلیل علیه في المقام، لدن مقتضی دلیل وجوب القضاء انه مجعول علی المکلف الفائت منه الأداء، ونتیجة ذلک أنه یتحقق بتحقق الفوت خارجا تطبیقا لقاعدة فعلیة الحکم بفعلیة موضوعه، واما کونه فعلیا مشروط بتحقق الفوت في المستقبل بنحو الشرط المتأخر فهو بحاجة الی دلیل، وعلی هذا فوجوب القضاء هنا مجعول علی الکافر الفائت منه الأداء، فانه اذا اسلم وفات منه الواجب بعده صار وجوب قضائه فعلیا علیه اعتبارا وملاکا، وإن لم یسلم وقد فات عنه صار ملاکه فعلیا في حقه دون حکمه فانه لغو، لأن الامتناع بالاختیار لا ینافي الاختیار ملاکا وعقوبة لا خطابا، لأن توجیهه إلی العاجز غیر المتمکن لغو وإن کان عجزه مستندا إلی اختیاره.

 مسألة 75: لو أحرم الكافر ثمّ أسلم في الأثناء، لم‌يكفه ووجب عليه الإعادة من الميقات(1)، ولو لم‌يتمكّن من العود إلى الميقات أحرم من موضعه، ولايكفيه إدراک أحد الوقوفين مسلماً ، لأنّ إحرامه باطل(2).

 1- الفیاض: هذا بناء علی المشهور من أن الإسلام شرط في صحة العبادة، وعلیه فبما أنه أتی بالاحرام في حال الکفر فیکون باطلا، وأما بناء علی ما ذکرناه من الاشکال في ذلک، فلا یبعد صحة الإحرام وإن کان الأحوط والأجدر به الاعادة من المیقات إن أمکن الرجوع الیه، والا فمن أدنی الحل علی تفصیل یأتي إن شاء الله تعالی في بحث المواقیت.

2- الفیاض: مر أنه لا یبعد صحة احرامه، وعلیه فکفایة ادراکه أحد الموقفین کافرا غیر بعیده، فضلا عن کونه مسلما، وإن کان الأحوط والأجدر به أن یعید الحج في العام القادم. نعم علی المشهور من کان الإسلام شرطا في صحة الحج لا یکفي، لأن احرامه بما أنه وقع في حال الکفر یکون باطلا، وعلی هذا فلا یمکن الحکم بصحة سائر أجزائه.

 مسألة 76: المرتدّ يجب عليه الحجّ؛ سواء كانت استطاعته حال إسلامه السابق أو حال ارتداده، ولايصحّ منه(1)؛ فإن مات قبل أن يتوب، يعاقب على تركه ولايقضى عنه على الأقوى(2)، لعدم أهليّته للإكرام وتفريغ ذمّته، كالكافر الأصليّ، وإن تاب وجب عليه وصحّ منه وإن كان فطريّاً، على الأقوى من قبول توبته(3)؛ سواء بقيت استطاعته أو زالت قبل توبته، فلاتجري فيه قاعدة جبّ  الإسلام، لأنـّها مختصّة بالكافر الأصلي بحكم التبادر(4). ولو أحرم في حال ردّته ثمّ تاب، وجب عليه الإعادة(5) كالكافر الأصلي، ولو حجّ في حال إحرامه ثمّ ارتدّ لم‌يجب عليه الإعادة على الأقوى؛ ففي خبر زرارة(6) عن أبي جعفر علیهِ السَّلام: «من كان مؤمناً فحجّ ثمّ أصابته فتنة ثمّ تاب، يحسب له كلّ عمل صالح عمله ولايبطل منه شيء». وآية الحبط مختصّة بمن مات على كفره، بقرينة الآية الاُخرى وهي قوله تعالى: (و من يرتدد منكم عن دينه فيمت وهو كافر فاولئک حبطت أعمالهم) وهذه الآية دليل على قبول توبة المرتدّ الفطريّ(7)؛ فما ذكره بعضهم من عدم قبولها منه، لا وجه له.

1- الفیاض: لا تبعد الصحة کما تقدم.

2- الفیاض: هذا مبني علی أن الإسلام شرط في النیابة، وسیأتي تفصیل ذلک في مبحث النیابة.

3- الفیاض: هذا هو الصحیح، دون ما نسب الی المشهور من عدم قبول توبته، وقد تعرضنا لذلک في ضمن البحوث الفقهیة موسعا.

وملخصه: ان المرتد اذا تاب حقیقة فمعناه انه رجع الی الایمان به تعالی وحده، وبرسالة رسوله6. ومن المعلوم أن کل من آمن بهذین العنصرین الأساسیین فهو مؤمن واقعا وحقیقة، واذا أقر بالشهادتین وأظهرهما فهو مسلم کذلک، وعلی هذا فاذا صنع المرتد الفطري ذلک فقد تلبس بالایمان الغیبي والإسلام الحسي واقعا وتکوینا، بداهة ان التقابل بینهما اما من تقابل العدم والملکة کما هو الصحیح، أو من تقابل التضاد، فان کان الکفر عبارة عن عدم الإسلام، یعنی العدم الخاص وهو العدم النعتي الوصفي، وکان الکافر هو المتصف بهذا النعت والوصف، فالمتقابل بینهما من تقابل العدم والملکة، وإن کان عبارة عن الأمر الوجودي، وهو الجحد والانکار کما یظهر من بعض الروایات، فالتقابل بینهما من تقابل التضاد، وعلی کلا التقدیرین لا یصدق الکافر علیه، لأنه إن کان عنوانا للمتصف بعدم الایمان بالله ورسوله، فهو لا یصدق علیه، لأنه متصف بالایمان بهما علی الفرض، وإن کان عنوانا للجاحد والمنکر لهما أو لأحدهما، فالمفروض أنه مقر لهما معا ظاهرا وباطنا.

وعلی هذا فلا یمکن ترتیب أحکام الکفار علیه، کعدم جواز تزویج امرأة مسلمة منه، وعدم ارثه من المسلم ونحوها، وأما الأحکمام الثلاثة الثابتة للمرتد الفطري بسبب ارتداده لا بعنوان أنه کافر، فهي تظل باقیة ولا ترتفع، وإن کان ملیّا ارتفعت أحکامه بارتفاع ارتداده بالتوبة.

واما الروایات النافیة لتوبة المرتد الفطري، کقوله في صحیحة محمد ابن مسلم: «فلا توبة له وقد وجب قتله، وبانت امرأته، ویقسم ما ترک علی ولده»(الوسائل باب: 30 من أبواب أقسام الطلاق وأحکامه الحدیث: 1) وقوله في موثقة عمار الساباطي: «ولا یستتیبه»(الوسائل باب: 1 من أبواب حد المرتد الحدیث: 3) ونحوهما، فلا محالة یکون المراد منها نفي الأحکام التي تترتب علیه بسبب ارتداده، بداهة أن نفي التوبة بوجودها الواقعي الخارجي غیر معقول، لأن النفي التشریعي لا یتعلق بالأمر التکویني، والتوبة معناها رجوع التائب الی الایمان بالله وبرسوله6 و الإقرار بالشهادیتن، وکلاهما أمر تکوینی، فلا یمکن ارتفاعه تشریعا.

وعلیه، فان ارید من نفي التوبة عنه الاخبار عن عدم تحققها خارجا فهو کذب وإن أرید منه ان ایمانه کلا ایمان بالنسبة إلی الأحکام الثلاثة المترتبة علیه، وهي قتله، وتقسیم أمواله بین ورثته، وبینونة زوجته منه، فهو صحیح، لأنه بالتوبة وإن أصبح مسلما، الّا أن تلک الأحکام لا ترتفع عنه علی الرغم من کونه مسلما فعلا، ویترتب علیه سائر أحکام الإسلام.

فالنتیجة: ان الروایات لو لم تکن ظاهرة في نفسها بمناسبة الحکم والموضوع الارتکازیة في أن المراد من نفي فیها نفیها بالنسبة إلی أحکامها الثلاثة، فلابد من حملها علی ذلک بقرینة أنه لا یمکن أن یکون المراد منه نفیها حقیقة وموضوعا، وعلی هذا فلا مانع من التمسک باطلاق الروایات التي تنص علی أن من أقر بالشهادتین حقنت به دماؤه واعراضه وأمواله، وجرت به المواریث، فانها تعم باطلاقها المرتد الفطري أیضا اذا تاب وأقربهما.

4- الفیاض: فیه ان ذلک لیس من جهة التبادر، لأنه مبني علی أن یکون مدرکها حدیث الجب، وقد مر أنه ضعیف سندا، فلا یمکن الاعتماد علیه، بل من جهة ان القدر المتیقن من السیرة النبویة الجاریة علی ذلک هو الکافر الأصلي.

5- الفیاض: مر أنه یبعد الصحة وعدم الاعادة، وان کانت الاعادة أحوط.

6- الفیاض: بل صحیح زرارة.

7- الفیاض: فیه ان الآیة مطلقة وتهم باطلاقها المرتد بکلا نوعیه، وحینئذ لو تمت دلالة الروایات المتقدمة علی عدم قبول توبة المرتد الفطري لکانت مقیدة لإطلاق الآیة الشریفة بغیر الفطري، هذا.

اضافة الی أن دلالتها علی قبول التوبة مبنیة علی مفهوم الوصف، وقد ذکرنا في علم الأصول ان الوصف لا یدل علی المفهوم المصطلح لدی الأصولیین، وهو انتفاء طبیعي الحکم بانتفائه بنحو السالبة الکلیة، نعم لا بأس بدلالته بنحو السالبة الجزئیة، وهي لا تجدي.

 مسألة 77: لو أحرم مسلماً ثمّ ارتدّ ثمّ تاب، لم‌يبطل إحرامه على الأصحّ، كما هو كذلک لو ارتدّ في أثناء الغسل ثمّ تاب؛ وكذا لو ارتدّ في أثناء الأذان أو الإقامة أو الوضوء ثمّ تاب قبل فوات الموالاة، بل وكذا لو ارتدّ في أثناء الصلاة  ثمّ تاب قبل أن يأتي بشيء  أو يفوت الموالاة على الأقوى، من عدم كون الهيئة الاتّصالية جزءً فيها؛ نعم، لو ارتدّ في أثناء الصوم، بطل(1) وإن تاب بلافصل.

1- الفیاض: لا تبعد الصحة کما مر، وإن کانت الاعادة أحوط وأجدر.

مسألة 78: إذا حجّ المخالف ثمّ استبصر، لايجب عليه الإعادة، بشرط أن يكون صحيحاً في مذهبه(1) وإن لم‌يكن صحيحاً في مذهبنا؛ من غير فرق بين الفِرَق، لإطلاق الأخبار ؛ وما دلّ على الإعادة من الأخبار محمول على الاستحباب بقرينة بعضها الآخر من حيث التعبير بقوله علیهِ السَّلام: «يقضي أحبّ إليّ» وقوله علیهِ السَّلام: «و الحجّ أحبّ إليّ».

1- الفیاض: بل الأمر کذلک اذا کان صحیحا في مذهب الحق وان لم یکن صحیحا في مذهبه علی تفصیل ذکرناه في المسألة (5) من (فصل في صلاة القضاء).

 مسألة 79: لايشترط إذن الزوج للزوجة في الحجّ إذا كانت مستطيعة، ولايجوز له منعها منه، وكذا في الحجّ الواجب بالنذر(1) ونحوه إذا كان مضيّقاً؛ وأمّا في الحجّ  المندوب فيشترط إذنه(2)، وكذا في الواجب الموسّع قبل تضيّقه على الأقوى(3)، بل في حجّة الإسلام يجوز له منعها من الخروج مع أوّل الرفقة مع وجود الرفقة الاُخرى قبل تضيّق الوقت. والمطلّقة الرجعيّة كالزوجة في اشتراط إذن الزوج مادامت في العدّة، بخلاف البائنة، لانقطاع عصمتها منه، وكذا المعتدّة للوفاة، فيجوز لها الحجّ واجباً كان أو مندوباً. والظاهر أن المنقطعة كالدائمة في اشتراط الإذن،ولا فرق في اشتراط الإذن بين أن يكون ممنوعاً من الاستمتاع بها لمرض أو سفر أو لا.

1- الفیاض: فیه اشکال بل منع، والأظهر عدم انعقاده بدون إذن الزوج، وذلک لأن مورد الروایات التي تنص علی عدم اعتبار اذن الزوج للزوجة في الحج انما هو حجة الإسلام، والتعدي منه الی سائر أقسام الحج الواجب بحاجة الی قرینة، ولا قرینة علی ذلک لا في نفس الروایات، ولا من الخارج.

واما مقتضی القاعدة فلما ذکرناه غیر مرة، من ان وجوب الوفاء بالنذر أو العهد او الیمین لا یصلح أن یزاحم أي حکم الزامي ثابت في الشرع من قبل الله تعالی، کما هو مقتضی ما ورد في لسان أدلة وجوب الوفاء بالشرط من «ان شرط الله قبل شرطکم»(الوسائل باب: 20 من أبواب المهور الحدیث: 6) حیث أن مفاده عرفا ان وجوب الوفاء بالنذر أو نحوه مشروط بالقدرة الشرعیة، بمعنی عدم أمر شرعي بالخلاف في نفسه، وبقطع النظر عنه علی أساس ان المتفاهم العرفي من القبلیة في قوله: «شرط الله قبل شرطکم»(الوسائل باب: 20 من أبواب المهور الحدیث: 6) انه لابد ان یلحظ شرطه تعالی الذي هو عبارة عن التکالیف والالتزامات الشرعیة المفروضة من قبله سبحانه عز وجل في المرتبة السابقة علی شرطکم، وبقطع النظر عنه، فاذا کانت ثابتة في الشرع في نفسها فلا تصل النوبة الی شروطکم والتزاماتکم، وعلی هذا الأساس فاذا نذرت المرأة الحج لم ینعقد، باعتبار أن وجوب الوفاء به لا یصلح أن یزاحم حرمة خروجها من بیت زوجها بدون اذنه وإن لم یکن منافیا لحقه فضلا عما اذا کان منافیا له، وذلک لما مر من ان مقتضی دلیل وجوب الوفاء به، ان الحرمة بصرف وجودها وثبوتها في الشرع في المرتبة السابقة وبقطع النظر عنه رافع له، وأما إذا آجرت نفسها للحج من غیرها، فان کانت الاجارة منافیة لحق الزوج فهي باطلة، لأنها لا تتمکن من تسلیم العمل، وإن لم تکن منافیة له فتقع المزاحمة بین وجوب الوفاء بالاجارة، وبین حرمة خروجها من بیت زوجها، وحینئذ فلابد من الرجوع إلی قواعد باب المزاحمة. نعم لو کانت الإجارة قبل تزوجها وتکون ذمتها مشغولة بها، وجب تقدیمها علی حق زوجها والوفاء بها وإن کانت منافیة له، لأن العمل المستأجر علیه بما أنه دین في ذمتها وملک للمستأجر، فیجب علیها الوفاء به، ولا یحق لزوجها أن یمنعها عنه تطبیقا لقاعدة «انه لا طاعة لمخلوق في معصیة الخالق».

2- الفیاض: هذا لا من جهة أنه منهي عنه بدون اذنه، بل من جهة أن خروجها من بیتها بدون إذن محرم، وتدل علیه مجموعة من الروایات.

منها: صحیحة محمد بن مسلم عن أبي جعفر قال: «جاءت امرأة إلی النبي6 فقال: یا رسول الله ما یحق الزوج علی المرأة؟ فقال لها: أن تطیعه ولا تعصیه، ولا تصدق من بیته الّا باذنه، ولا تصوم تطوعا الّا باذنه، ولا تمنعه نفسها وإن کانت علی ظهر قتب، ولا تخرج من بیتها الّا باذنه.. الحدیث»(الوسائل باب: 79 من أبواب مقدمة النکاح وآدابه الحدیث: 1). فان7 فیها: «ولا تخرج من بیتها الّا باذنه» ظاهر في حرمة الخروج منه بدون إذنه وإن لم یکن منافیا لحقه، کالاستمتاع أو نحوه، کما هو مقتضی اطلاقه، وعلی هذا فلا یجوز لها الخروج من بیتها بدون الإذن لغیر العمل الواجب علیها کحجة الإسلام أو نحوها، واما إذا خرجت للحج المندوب بدون ذلک، فهي وإن ارتکبت محرما، الّا أنها اذا حجت فالظاهر صحته، لأن الحرام انما هو خروجها من البیت بدون الإذن، لا صدور الفعل منها، فاذن لا مانع من الحکم بالصحة.

وإن شئت قلت: ان حجّها المندوب لا یکون مصداقا للحرام حتی یکون مانعا عن صحته، بل هو مستلزم له، وعلیه فبناء علی ما هو الصحیح من القول بالترتب لا مانع من الحکم بصحة حجّها، ومن هنا یظهر انه لو منعها عن الحج المندوب أو نحوه لم یجب فساده أیضا، لأن حق المنع وإن کان ثابتا له، وقد نصت علیه موثقة اسحاق بن عمار عن أبي الحسن7 قال: «سألته عن المرأة الموسرة قد حجت حجة الاسلام، تقول لزوجها: أحجّني من مالي، أله أن یمنعها من ذلک؟ قال: نعم، ویقول لها: حقي علیک أعظم من حقک عليّ في هذا»(الوسائل باب: 59 من أبواب وجوب وشرائطه الحدیث: 1) الّا أنه انما هو بملاک أن قیامها بالحج یستلزم تفویت حقه، وهو لا یوجب فساده، لأنه انما یوجب ذلک اذا کان مصداقا له لا مطلقا.

3- الفیاض: الأمر کما أفاده1، لأن حکمه حکم الحج المندوب باعتبار عدم وجوبه بل تضییق وقته، وعلیه فاذا أتت به بدون إذن زوجها فقد ارتکبت خطاء، وهو خروجها من بیت زوجها بدون إذن منه، وعصمت، ولکن حجها محکوم بالصحة تطبیقا لقاعدة الترتب. به یظهر حال ما بعده.

 مسألة 80: لايشترط وجود المحرم في حجّ المرأة إذا كانت مأمونة على نفسها وبضعها، كما دلّت عليه جملة من الأخبار، ولا فرق بين كونها ذات بعل أو لا، ومع عدم أمنها يجب عليها استصحاب المحرم ولو بالاُجرة مع تمكّنها منها، ومع عدمه لاتكون مستطيعة. وهل يجب عليها التزويج تحصيلا للمحرم؟ وجهان(1) ولوكانت ذات زوج وادّعى عدم الأمن عليها وأنكرت، قدّم قولها مع عدم البيّنة أو القرائن الشاهدة(2)، والظاهر عدم استحقاقه اليمين عليها(3) إلّا أن ترجع الدعوى إلى ثبوت حقّ الاستمتاع له عليها، بدعوى أنّ حجّها حينئذٍ مفوّت لحقّه مع عدم وجوبه عليها، فحينئذٍ عليها اليمين على نفي الخوف(4)؛ وهل للزوج مع هذه الحالة منعها عن الحجّ باطناً إذا أمكنه ذلک؟ وجهان (5) في صورة عدم تحليفها، وأمّا معه فالظاهر سقوط حقّه(6). ولو حجّت بلا محرم مع عدم الأمن، صحّ حجّها إن حصل الأمن قبل الشروع في الإحرام، وإلّا ففي الصحّة إشكال وإن كان الأقوى الصحّة(7).

1- الفیاض: الظاهر هو الوجوب، شریطة أن لا یکون ذلک حرجیا علیه، لما تقدم من أن من عناصر الاستطاعة الأمن والسلامة علی نفسه وعرضه وماله في الطریق، فاذا کان الشخص متمکنا من ایجاد الأمن في الطریق بایجار مرکبة مأمونة، أو ایجار شخص یذهب معه، او استصحاب محرم وجب علیه ذلک اذا لم یکن حرجیا، کما اذا توقف سفره الی الحج علی ایجاد وسیلة، فانه اذا کان متمکنا منه لزم، وکذلک اذا تمکنت المرأة من ایجاد الأمن والسلامة علی نفسها وعرضها ومالها في الطریق ولو بتزویج نفسها من شخص وجب اذا لم یکن ذلک حرجیا علیه.

2- الفیاض: فیه ان الزوج ان ادعی خوفه علیها وعدم الأمن، فلا أثر له وإن علم به بالبیّنة بل بالعلم الوجداني ما لم ترجع دعواه الخوف الی دعوی وجود الخطر في الطریق، أو عند ممارسة اعمال الحج، فان خوفه لا یکون موضوعا للأثر الشرعي. وعلیه فلا ترتبط المسألة بمسألة المدعي والمنکر، علی أساس أن المرأة اذا کانت واثقة ومتأکدة بالأمن والسلامة علی نفسها وعرضها ومالها في الطریق وعند ممارسة اعمال الحج، وجب علیها الحج وان ان زوجها خائفا علیها، فانه لا قیمة له ولا موضوع لأثر شرعي. نعم اذا کانت خائفة علی نفسها أو عرضها أو مالها في الواقع لم تکن مستطیعة، فان من عناصر الاستطاعة الأمن والسلامة في الطریق وعند ممارسة الأعمال وإن لم یکن زوجها خائفا علیها، بأن یعلم بأن خوفها نشأ من الجهل بالحال، وتخیل عدم الأمن في الطریق او عند ممارسة الاعمال، ولکن من المعلوم أنه لا قیمة لعدم خوف زوجها علیها في الواقع. نعم اذا علم زوجها بأنها کاذبة في دعواها الأمن، أو أنها في خطأ واشتباه ولا تعلم بالحال ووضع الطرق، فله أن یمنعها من الذهاب الی الحج ولو بالرجوع الی الحاکم الشرعي لإثبات ان الطرق غیر مأمونة لها حتی یحکم الحاکم بمنعها من الذهاب الی الحج، باعتبار أنه مفوت لحق زوجها، ولکن مع ذلک اذ ذهبت الی الحج، فان کان اعتقاد الزوج مطابقا للواقع سقطت نفقتها في أیام الحج وعصت إذا کانت کاذبة في دعواها الأمن، واما إذا کانت مشتبهة فلا عصیان، وأما حجّها فعلی کلا التقدیرین لا یکون حجة الإسلام، لعدم کونها مستطیعة في الواقع، هذا بحسب الواقع، واما بحسب الظاهر فلها أن تطالب زوجها بالنفقة في فترة الحج في الفرض الثاني، وحینئذ فهل الزوجة مدعیة والزوج منکر؟ او الأمر بالعکس. الظاهر ان الأمر بالعکس، لدن الضابط في تشخیص المدعي عن المنکر، هو أن کل من یدعي شیئا یکون اثباته بحاجة الی دلیل وإن کان ذلک الشيء أمرا عدمیا، فهو مدعي، وکل من یدعي شیئا لا یتوقف اثباته علی دلیل وإن کان ذلک الشيء أمرا وجودیا فهو منکر، وبما أن المرأة تدعي استحقاق النفقة فلا یتوقف اثبات دعواها علی دلیل خاص ما عدا اطلاقات أدلتها، وأما دعوی الزوج وجود الخطر في الطریق أو أثناء ممارسة اعمال وکذلک الحال اذا ادعی الزوج وجود الخطر في الطریق أو أثناء ممارسة اعمال الحج، وادعت الزوجة العدم، فاذن تکون المسألة من باب المدعي والمنکر، فانه ان کان اعتقاد الزوج مخالفا للواقع وکانت المرأة صادقة في دعواها فتستحق النفقة علیه في الواقع والا فلا، واما بحسب الظاهر فتدخل المسألة في المدعي والمنکر فتدعي المرأة استحقاق النفقة في فترة الحج والزوج ینکر استحقاقها.

فالنتیجة: ان المرأة اذا ادعت أنها واثقة ومطمئنة بالأمن علی نفسها وعرضها ومالها في الطریق وعند ممارسة أعمال الحج، والزوج ادعی خوفه علیها فلا ترتبط المسألة حینئذ بمسألة المدعي والمنکر، اذ لا قیمة لخوف الزوج علیها، ولا یکون موضوعا للأثر. واما اذا ادعی الزوج وجود الخطر علیها في الطریق أو عند ممارسة أعمال الحج، فتدخل المسألة في المدعي والمنکر، باعتبار لدعوی الزوج أثرا شرعیا اذا ثبتت.

لحد الآن قد ظهر ان المرأة اذا کانت واثقة ومطمئنة علی نفسها وعرضها ومالها في الطریق وعند ممارسة أعمال الحج فعلیها الحج ولا یمنعها منه دعوی زوجها وجود الخطر في الطریق أو عند ممارسة الأعمال، وأنها کاذبة، الا إذا ثبت دعواه لها واقنعها بذلک أو لدی الحاکم الشرعي، حتی یمنعها من الذهاب الی الحج باعتبار أنه مفوت لحق زوجها.

3- الفیاض: ظهر حاله مما مر.

4- الفیاض: فیه اشکال بل منع، لما مر من أنه لا أثر لدعوی الزوج کذب زوجته في دعواها الأمن والسلامة في الطریق وعند ممارسة اعمال الحج، الّا أن ترجع الی دعوی تفویت حقه، وهو الاستمتاع بسفرها الی الحج، وعندئذ فله إحلافها علی نفي حق الاستمتاع له في تلک المدة، وإذا مارست المرأة السفر الیه وکان باعتقاد زوجها أنها غیر مستطیعة، فله الامتناع عن نفقتها أیام الحج إلی أن ترجع الی بیتها، کما أن لها مطالبته بها، وحینئذ ترفع الدعوی الی الحاکم الشرعي.

5- الفیاض: مر أن له المنع عن السفر الی الحج اذا کان واثقا ومتأکدا بکذبها في دعواها الأمن وعدم الخوف علی نفسها، أو أنها مشتبهة ولا تعلم بالحال.

6- الفیاض: تقدم أن له احلافها علی نفي حق الاستمتاع له في فترة أیام الحج، أو علی استحقاقها النفقة علیه في هذه الفترة، وأما احلافها علی نفي الخوف وأنها صادقة في دعواها، فان رجع الی الأول فهو، والّا فلا یحق له هذا الإحلاف، لأنه في نفسه لا أثر له، ولا یثبت لوازمه وهي عدم حق الاستمتاع له علیها في أیام سفر الحج، واستحقاق النفقة علیه في تلک الأیام.

7- الفیاض: بل الأقوی البطلان، لما تقدم من أن الأمن والسلامة في الطریق وعند ممارسة اعمال الحج علی نفسه وعرضه وماله من أحد عناصر الاستطاعة، وعلی هذا فان کان الخوف لدیها في الطریق قبل المیقات ولا خوف بعد الوصول الیه وعند ممارسة الأعمال فلا شبهة في صحة حجّها، لأنها بعد الوصول الی المیقات اصبحت مستطیعة بالکامل، فتجب علیها حجة الإسلام. نعم لا تکون مستطیعة في هذا الفرض من البلد، ولا یجب علیها السفر الی الحج، وإن کان الخوف عندها في الطریق وعند ممارسة أعمال الحج معا، أو عند ممارسة اعماله فقط، فلا یکون حجّها حجة الإسلام.


  

 
پاسخ به احکام شرعی
 
موتور جستجوی سایت

تابلو اعلانات

 




پیوندها

حدیث روز
بسم الله الرحمن الرحیم
چهار پناهگاه در قرآن
   
أَبَانُ بْنُ عُثْمَانَ وَ هِشَامُ بْنُ سَالِمٍ وَ مُحَمَّدُ بْنُ حُمْرَانَ عَنِ الصَّادِقِ (علیه السلام) قَالَ:
عَجِبْتُ لِمَنْ فَزِعَ مِنْ أَرْبَعٍ كَيْفَ لَا يَفْزَعُ إِلَى أَرْبَعٍ
(۱) عَجِبْتُ لِمَنْ خَافَ كَيْفَ لَا يَفْزَعُ إِلَى قَوْلِهِ- حَسْبُنَا اللَّهُ وَ نِعْمَ الْوَكِيلُ فَإِنِّي سَمِعْتُ اللَّهَ عَزَّ وَ جَلَّ يَقُولُ بِعَقَبِهَا فَانْقَلَبُوا بِنِعْمَةٍ مِنَ اللَّهِ وَ فَضْلٍ لَمْ يَمْسَسْهُمْ سُوءٌ
(۲) وَ عَجِبْتُ لِمَنِ اغْتَمَّ كَيْفَ لَا يَفْزَعُ إِلَى قَوْلِهِ- لا إِلهَ إِلَّا أَنْتَ سُبْحانَكَ إِنِّي كُنْتُ مِنَ الظَّالِمِينَ فَإِنِّي سَمِعْتُ اللَّهَ عَزَّ وَ جَلَّ يَقُولُ بِعَقَبِهَا- وَ نَجَّيْناهُ مِنَ الْغَمِّ وَ كَذلِكَ نُنْجِي الْمُؤْمِنِينَ
(۳) وَ عَجِبْتُ لِمَنْ مُكِرَ بِهِ كَيْفَ لَا يَفْزَعُ إِلَى قَوْلِهِ- وَ أُفَوِّضُ أَمْرِي إِلَى اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ بَصِيرٌ بِالْعِبادِ فَإِنِّي سَمِعْتُ اللَّهَ عَزَّ وَ جَلَّ يَقُولُ بِعَقَبِهَا- فَوَقاهُ اللَّهُ سَيِّئاتِ ما مَكَرُوا
(۴) وَ عَجِبْتُ لِمَنْ أَرَادَ الدُّنْيَا وَ زِينَتَهَا كَيْفَ لَا يَفْزَعُ إِلَى قَوْلِهِ- ما شاءَ اللَّهُ لا قُوَّةَ إِلَّا بِاللَّهِ فَإِنِّي سَمِعْتُ اللَّهَ عَزَّ وَ جَلَّ يَقُولُ بِعَقَبِهَا- إِنْ تَرَنِ أَنَا أَقَلَّ مِنْكَ مالًا وَ وَلَداً. فَعَسى‏ رَبِّي أَنْ يُؤْتِيَنِ خَيْراً مِنْ جَنَّتِكَ وَ عَسَى مُوجِبَةٌ
    
آقا امام صادق (عليه السّلام) فرمود: در شگفتم از كسى كه از چهار چيز مى‌هراسد چرا بچهار چيز پناهنده نميشود:
(۱) شگفتم از آنكه ميترسد چرا پناه نمى‌برد بفرمودۀ خداى عز و جل« حَسْبُنَا اَللّٰهُ‌ وَ نِعْمَ‌ اَلْوَكِيلُ‌ » خداوند ما را بس است و چه وكيل خوبى است زيرا شنيدم خداى جل جلاله بدنبال آن ميفرمايد:بواسطۀ نعمت و فضلى كه از طرف خداوند شامل حالشان گرديد باز گشتند و هيچ بدى بآنان نرسيد.
(۲) و شگفتم در كسى كه اندوهناك است چرا پناه نمى‌برد بفرمودۀ خداى عز و جل:« لاٰ إِلٰهَ‌ إِلاّٰ أَنْتَ‌ سُبْحٰانَكَ‌ إِنِّي كُنْتُ‌ مِنَ‌ اَلظّٰالِمِينَ‌ » زيرا شنيدم خداى عز و جل بدنبال آن ميفرمايد در خواستش را برآورديم و از اندوه نجاتش داديم و مؤمنين را هم چنين ميرهانيم.
(۳) و در شگفتم از كسى كه حيله‌اى در بارۀ او بكار رفته چرا بفرمودۀ خداى تعالى پناه نمى‌برد« وَ أُفَوِّضُ‌ أَمْرِي إِلَى اَللّٰهِ‌ إِنَّ‌ اَللّٰهَ‌ بَصِيرٌ بِالْعِبٰادِ »:كار خود را بخدا واگذار ميكنيم كه خداوند بحال بندگان بينا است)زيرا شنيدم خداى بزرگ و پاك بدنبالش مى‌فرمايد خداوند او را از بديهائى كه در بارۀ او بحيله انجام داده بودند نگه داشت.
(۴) و در شگفتم از كسى كه خواستار دنيا و آرايش آن است چرا پناهنده نميشود بفرمايش خداى تبارك و تعالى(« مٰا شٰاءَ اَللّٰهُ‌ لاٰ قُوَّةَ‌ إِلاّٰ بِاللّٰهِ‌ »)(آنچه خدا خواست همان است و نيروئى جز به يارى خداوند نيست)زيرا شنيدم خداى عز اسمه بدنبال آن ميفرمايد اگر چه مرا در مال و فرزند از خودت كمتر مى‌بينى ولى اميد هست كه پروردگار من بهتر از باغ تو مرا نصيب فرمايد (و كلمۀ:عسى در اين آيه بمعناى اميد تنها نيست بلكه بمعناى اثبات و تحقق يافتن است).
من لا يحضره الفقيه، ج‏۴، ص: ۳۹۲؛
الأمالي( للصدوق)، ص: ۶؛
الخصال، ج‏۱، ص: ۲۱۸.


کلیه حقوق مادی و معنوی این پورتال محفوظ و متعلق به حجت الاسلام و المسلمین سید محمدحسن بنی هاشمی خمینی میباشد.

طراحی و پیاده سازی: FARTECH/فرتک - فکور رایانه توسعه کویر -