فمنها: صلاة جعفر بن أبي طالب عليه السلام
وهي من المستحبّات الأكيدة، ومن المشهورات بين العامّة والخاصّة، وممّا حباه النبيّ صلى الله عليه و آله و سلم ابن عمّه حين قدومه من سفره حُبّاً له وكرامةً عليه، فعن الصادق عليه السلام «أنّه قال النبيّ صلى الله عليه و آله و سلم لجعفر حين قدومه من الحبشة يوم فتح خيبر: ألا أمنحك؟ ألا اعطيك؟ ألا أحبوك؟ فقال: بلى يا رسول اللَّه صلى الله عليه و آله و سلم قال: فظنّ الناس أنّه يُعطيه ذهباً أو فضّة، فأشرف الناس لذلك، فقال له: إنّي اعطيك شيئاً إن أنت صنعته في كلّ يوم، كان خيراً لك من الدّنيا وما فيها، فإن صنعته بين يومين غفر اللَّه لك ما بينهما، أو كلّ جُمعة أو كلّ شهر أو كلّ سنةٍ غفر لك ما بينهما».
وأفضل أوقاتها يوم الجمعة حين ارتفاع الشمس، ويجوز احتسابها من نوافل الليل أو النهار؛ تُحسب له من نوافله وتُحسب له من صلاة جعفر عليه السلام كما في الخبر، فينوي بصلاة جعفر1نافلة المغرب مثلًا.
وهي أربع ركعات بتسليمتين، يقرأ في كلّ ركعة «الحمد» وسورة، ثمّ يقول: «سبحانَ اللَّه والحمدُ للَّهِ ولا إلهَ إلّااللَّهُ واللَّهُ أكبر» خمس عشرة مرّة، ويقولها في الركوع عشر مرّات، وكذا بعد رفع الرأس منه عشر مرّات، وكذا في السجدة الاولى، وبعد رفع الرأس منها، وفي السجدة الثانية، وبعد رفع الرأس منها، يقولها عشر مرّات، فتكون في كلّ ركعة خمس وسبعون مرّة، ومجموعها ثلاثمائة تسبيحة. والظاهر2 الاكتفاء بالتسبيحات عن ذكر الركوع والسجود، والأحوط عدم الاكتفاء بها عنه. ولا تتعيّن فيها سورة مخصوصة، لكن الأفضل أن يقرأ في الركعة الاولى «إذا زُلزِلَت» وفي الثانية «والعادِيَاتِ»، وفي الثالثة «إذَا جاءَ نَصرُ اللَّهِ»، وفي الرابعة «قُل هوَ اللَّهُ أَحَد».
1-الصانعی:بل ينوي صلاة جعفر ويتجزّئ بها عن النافلة، وهذا هو الأقرب إلى معنى الاحتساب
2-الصانعی:الظهور محلّ تأ مّل
(مسألة 1): يجوز تأخير التسبيحات إلى ما بعد الصلاة إذا كان مستعجلًا، كما يجوز التفريق في أصل الصلاة إذا كانت له حاجة ضروريّة، فيأتي بركعتين، وبعد قضاء تلك الحاجة يأتي بالبقيّة.
(مسألة 2): لو سها عن بعض التسبيحات في محلّه، فإن تذكّره في بعض المحالّ الاخر، قضاه في ذلك المحلّ مضافاً إلى وظيفته، فإذا نسي تسبيحات الركوع وتذكّرها بعد رفع الرأس منه، سبّح عشرين تسبيحة، وهكذا في باقي المحالّ والأحوال، وإن لم يتذكّرها إلّا بعد الصلاة1 فالأولى والأحوط أن يأتي بها رجاءً2.
1-العلوی: الأقوى قضاؤها بعدها ولو بقصد الورود.
2-الگرامی:لا يبعد استفادة تعميم حكم القضاء للمقام.
(مسألة 3): يُستحبّ أن يقول في السجدة الثانية من الركعة الرابعة بعد التسبيحات: «يا مَن لبِسَ العِزَّ والوقارَ، يا مَن تعطَّفَ بالمجدِ وتكرَّمَ بهِ، يا مَن لاينبغي التَّسبيحُ إلّالَهُ، يا من أحصى كلَّ شيءٍ علمهُ، يا ذا النعمةِ والطول، يا ذا المَنِّ والفضلِ، يا ذا القدرَةِ والكرَمِ، أسألُكَ بمعاقِد العزِّ من عرشِكَ، ومُنتهى الرَّحمةِ من كتابِكَ، وباسمِكَ الأعظمِ الأعلى وكلماتك التامَّات، أن تُصلِّي على محمَّدٍ وآلِ محمَّدٍ، وأن تفعل بي كذا وكذا» ويذكر حاجاته.
ويُستحبّ أن يدعو بعد الفراغ من الصلاة ما رواه الشيخ الطوسي والسيّد ابن طاووس، عن المفضّل بن عمر، قال: رأيت أبا عبداللَّه عليه السلام يصلّي صلاة جعفر، ورفع يديه ودعا بهذا الدعاء: «ياربِّ ياربِّ ...» حتّى انقطع النفس، «ياربّاه يا ربّاه ...» حتّى انقطع النفس، «ربِّ ربِّ ...» حتّى انقطع النفس، «يا أللَّهيا أللَّهُ ...» حتّى انقطع النفس، «يا حيُّ يا حَيُّ ...» حتّى انقطع النفس، «يا رحيمُ يا رحيمُ ...» حتّى انقطع النفس، «يا رحمانُ يا رحمانُ ...» سبع مرّات، «يا أرحم الراحمين» سبع مرّات، ثمّ قال: «أللّهمَّ إنِّي أفتتحُ القولَ بحمدِكَ، وأنطقُ بالثَّناءِ عليكَ وامجِّدك، ولا غاية لمدحِكَ، واثني عليكَ، ومن يبلغُ غايةَ ثنائِكَ وأمَدَ مجدِك؟! وأنّى لخليقتِكَ كُنهُ معرفةِ مجدِكَ؟! وأيُّ زمنٍ لم تكن ممدُوحاً بفضلِكَ، موصوفاً بمجدِكَ، عوَّاداً على المُذنبين بحِلمك؟! تخلَّفَ سُكَّان أرضِك عن طاعتِكَ، فكنتَ عليهم عطوفاً بجودِكَ، جواداً بفضلِكَ، عوّاداً بكرَمكَ، يا لا إله إلّاأنت المنّانُ ذو الجلالِ والإكرامِ»، ثمّ قال لي: «يا مفضّل إذا كانت لك حاجة مهمّة، فصلّ هذه الصلاة، وادعُ بهذا الدعاء، وسل حاجتك يقضها اللَّه إن شاء اللَّه وبه الثقة».
ومنها: صلاة الاستسقاء
وهو طلب السُّقيا، وهي مستحبّة عند غور الأنهار وفتور الأمطار، ومنع السماء قطرها لأجل شيوع المعاصي، وكفران النعم، ومنع الحقوق، والتطفيف في المكيال والميزان، والظلم، والغدر، وترك الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، ومنع الزكاة، والحكم بغير ما أنزل اللَّه، وغير ذلك ممّا يوجب غضب الرحمان الموجب لحبس الأمطار، كما في الأثر1وكيفيّتها- كصلاة العيدين- ركعتان في جماعة، ولابأس بالفُرادى رجاءً، يقرأ في كلّ منهما «الحمد» وسورة، ويكبّر بعد السورة في الاولى خمس تكبيرات، ويأتي بعد كلّ تكبيرة بقنوت، وفي الثانية أربع تكبيرات، يأتي بعد كلّ تكبيرة بقنوت. ويجزي في القنوت كلّ دعاء، والأولى اشتماله على طلب الغيث والسقي واستعطاف الرحمن بإرسال الأمطار وفتح أبواب السماء بالرحمة، ويقدّم على الدعاء الصلاة على محمّد وآله عليهم الصلاة والسلام.
ومسنوناتها امور:
منها: الجهر بالقراءة، وقراءة السور التي تستحبّ في العيدين.
ومنها: أن يصوم الناس ثلاثة أيّام، ويكون خروجهم يوم الثالث، ويكون ذلك الثالث يوم الاثنين2 وإن لم يتيسّر فيوم الجمعة لشرفه وفضله.
ومنها: أن يخرج الإمام ومعه الناس إلى الصحراء في سكينة ووقار وخشوع ومسألة، ويتّخذوا مكاناً نظيفاً للصلاة. والأولى أن يكون الخروج في زيّ يجلب الرحمة، ككونهم حفاة.
ومنها: إخراج المنبر معهم إلى الصحراء، وخروج المؤذّنين بين يدي الإمام.
ومنها: ما ذكره الأصحاب: من أن يُخرجوا معهم الشيوخ والأطفال والعجائز والبهائم، ويفرَّق بين الأطفال وامّهاتهم ليكثروا من الضجيج والبكاء، ويكون سبباً لدرّ الرحمة، ويمنعون خروج الكفّار3كأهل الذمّة وغيرهم معهم.
1-الصانعی:الموجب للحبس في الأثر هو معاصي خاصّة، لا مطلق المعاصي ومطلق ما يوجب غضب الرحمن، كما في المتن و «الجواهر»، فإنّ المستفاد من الأخبار اختلاف المعاصي وتفاوتها في الموجبية والتأثير في البلايا، كما يشهد عليه ما في دعاء كميل «اللّهُمّ اغفِرْ لِيَ الذنُوبَ التي تُنْزِلُ النِّقَمَ، اللّهُمّ اغفِرْ لِيَ الذّنوُبَ التي تُغَيِّرُ النِّعَمَ، اللّهُمّ اغفِرْ لِيَ الذّنوُبَ التي تُنزِلُ البَلاء».
والمؤثّر في حبس المطر وحَبسِ السماء ماءها، وحبس القطر الموجب لغور الأنهار وفتور الأمطار كذب الولاة، والقضاء بغير الحقّ، والجور في الحكم، على ما في الأخبار، لا غيرها من المعاصي؛ لعدم الدليل عليه من الأثر.
ففي خبر ياسر الخادم، عن أبي الحسن الرضا عليه السلام، قال: «إذا كذبت الولاة حبس المطر، وإذا جار السلطان هانت الدولة، وإذا حبست الزكاة ماتت المواشي». (وسائل الشيعة 9: 31/ 29)
وفي صحيحة أبي ولّاد الحنّاط قال: اكتريت بغلًا إلى قصر ابن هبيرة ذاهباً وجائياً بكذا وكذا، وخرجت في طلب غريم لي، فلمّا صرت قرب قنطرة الكوفة، خبّرت أنّصاحبي توجّه إلى النيل، فتوجّهت نحو النيل، فلمّا أتيت النيل خبّرت أنّ صاحبي توجّه إلى بغداد، فاتبعته وظفرت به، وفرغت ممّا بيني وبينه، ورجعنا إلى الكوفة، وكان ذهابي ومجيئي خمسة عشر يوماً، فأخبرت صاحب البغل بعذري، وأردت أن أتحلّل منه ممّا صنعت وارضيه، فبذلت له خمسة عشر درهماً، فأبى أن يقبل، فتراضينا بأبي حنيفة، فأخبرته بالقصة، وأخبره الرجل، فقال لي: ما صنعت بالبغل؟ فقلت: قد دفعته إليه سليماً، قال: نعم بعد خمسة عشر يوماً، قال: فما تريد من الرجل؟ فقال: اريد كراء بغلي، فقد حبسه عليّ خمسة عشر يوماً، فقال: ما أرى لك حقاً؛ لأنّه اكتراه إلى قصر ابن هبيرة، فخالف وركبه إلى النيل، وإلى بغداد فضمن قيمة البغل، وسقط الكراء، فلمّا ردّ البغل سليماً وقبضته لم يلزمه الكراء، قال: فخرجنا من عنده وجعل صاحب البغل يسترجع، فرحمته ممّا أفتى به أبو حنيفة، فأعطيته شيئاً وتحلّلت منه، وحججت تلك السنة فأخبرت أبا عبداللَّه عليه السلام بما أفتى به أبو حنيفة، فقال عليه السلام: «في مثل هذا القضاء وشبهه تحبس السماء ماءها، وتمنع الأرض بركتها...». (وسائل الشيعة 19: 119/ 1)
وفي مرسلة صفوان بن يحيى، قال: قال أبو عبداللَّه عليه السلام: «إذا فشا أربعة ظهرت أربعة: إذا فشا الزنا ظهرت الزلزلة، وإذا فشا الجور في الحكم احتبس القطر، وإذا خفرت الذمّة اديل لأهل الشرك من أهل الإسلام، وإذا منعوا الزكاة ظهرت الحاجة». (وسائل الشيعة 16: 275/ 5) وظهور هذه الأخبار على أنّ السبب الأصلي لغور الأنهار وفتور الأمطار تلك المعاصي الثلاث المذكورة فيها واضح، فتدبّر جيّداً
2-الصانعی: للنصّ الخاصّ المعتضد بعمل الأكثر، بل بالمشهور، كما صرّح به جماعة
3-الصانعی:كما ذكره جماعة؛ لقوله تعالى: «وَمَا دُعاءُ الكَافِرينَ إلّافِي ضَلالٍ»، (الرعد (13): 14) لكن لايبعد أن يقال: إنّ مثل هؤلاء إذا خضعوا واعترفوا بذنبهم كانت الإجابة لهم أقرب من غيرهم، ولأ نّهم يطلبون أرزاقهم من اللَّه تعالى، وقد ضمنها لهم في الدنيا فلايمنعون من طلبها، فلايبعد إجابتهم كإجابة غيرهم. كيف لايبعد عدم المنع وقد خرج المنافقون مع النبيّ صلى الله عليه و آله و سلم للاستسقاء، والمخالفون مع الرضا عليه السلام
(مسألة 4): الأولى إيقاعها وقت صلاة العيد؛ وإن لايبعد عدم توقيتها بوقت.
(مسألة 5): لا أذان ولا إقامة لها، بل يقول المؤذّن بدلًا عنهما: «الصلاة» ثلاث مرّات.
(مسألة 6): إذا فرغ الإمام من الصلاة حوّل رداءه استحباباً؛ بأن يجعل ما على اليمين على اليسار وبالعكس، وصعد المنبر، واستقبل القبلة، وكبّر مائة تكبيرة رافعاً بها صوته، ثمّ التفت إلى الناس عن يمينه، فسبّح اللَّه مائة تسبيحة رافعاً بها صوته، ثمّ التفت إلى الناس على يساره، فهلّل اللَّه مائة تهليلة رافعاً بها صوته، ثمّ استقبل الناس فحمد اللَّه مائة تحميدة.
ولابأس برفع الصوت فيها أيضاً، كما لابأس بمتابعة المأمومين الإمام في الأذكار، بل وفي رفع الصوت، ولعلّه أجلب للرحمة وأرجى لتحصيل المقصود. ثمّ يرفع الإمام يديه، ويدعو ويدعوا الناس، ويبالغون في الدعاء والتضرّع والاستعطاف والابتهال إليه تعالى، ولابأس بأن يؤمّن الناس على دعاء الإمام، ثمّ يخطب الإمام ويبالغ في التضرّع والاستعطاف، والأولى اختيار بعض ما ورد عن المعصومين عليهم السلام1 كالواردة عن مولانا أمير المؤمنين عليه السلام ممّا أوّلها: «الحمدُ للَّهِ سابِق النِّعَم...»، والأولى أن يخطب فيها خطبتين كما في العيدين، ويأتي بالثانية رجاءً.
1-الصانعی:ضرورة أنّهم أعرف من غيرهم بذلك، وبكيفية الخطاب معه تعالى
(مسألة 7): كما تجوز هذه الصلاة عند قلّة الأمطار، تجوز عند جفاف مياه العيون والآبار.
(مسألة 8): لو تأخّر الإجابة كرّروا الخروج حتّى يدركهم الرحمة إن شاء اللَّه تعالى، ولو لم يُجبهم فلمصالح هو تعالى عالم بها، وليس لنا الاعتراض ولا اليأس من رحمة اللَّه تعالى. ويجوز التكرار متّصلًا والاكتفاء بصوم الثلاثة، وغير متّصل مع صوم ثلاثة أيّام اخر يأتي بها رجاءً، بل يأتي بالتكرار- أيضاً- رجاءً.
ومنها: صلاة الغُفيلة
وهي ركعتان بين المغرب والعشاء، وقد تقدّم تفصيلها في المقدّمة الاولى من كتاب الصلاة.
ومنها: صلاة ليلة الدفن
وقد مرّت في باب الدفن من أحكام الأموات أيضاً.
ومنها: صلاة أوّل الشهر، وصلاة الحاجة وغيرهما؛ ممّا هو مذكور في محالّها مفصّلًا.